تشي يويه ينغ، وهي معلمة في قرية ببلدة تساوشيا في محافظة فنغشين التابعة لمدينة ييتشوين في مقاطعة جيانغشي، قالت خلال المؤتمر الوطني لتكريم أعمال القضاء على الفقر ومؤتمر تحديد المثال النموذجي في هذا المجال لعام ٢٠٢٠: "مساعدة الفقراء والقضاء على الفقر معركة جليلة، ويشرفني بذل جل جهودي في تحفيف الفقر في مجال التعليم." لقد لاقت كلمتها حول مساعدتها الفقراء في التخلص من الفقر من خلال التعليم استحسانا كبيرا وتصفيقا حارا من جميع الحضور عدة مرات.
على مدى الأربعين سنة الماضية، تعلم على يد تشي يويه ينغ أكثر من ألف تلميذ فقير في مدرسة قرية نييانغ ونقطة باييانغ للتدريس في منطقة جبلية، كما قدمت المعلمة الفاضلة معونات مالية لأكثر من 20 تلميذا من العائلات الفقيرة من أجل مساعدتهم في إكمال التعليم، وقد شاب شعرها وتحول لون ضفائرها من الأسود إلى الأبيض خلال مسيرتها الحافلة في عمل الخير.
دخول الجبال من أجل الحب الصغير
ولدت تشي يويه ينغ في محافظة جينشيان بمدينة نانتشانغ في مايو عام 1961، وانتقلت إلى محافظة فنغشين بمقاطعة جيانغشي مع عمها لتلقي التعليم في عام 1978. وتأثرا بعمها، عادت إلى مسقط رأسها لتعمل كمعلمة بعد تخرجها في الجامعة في عام 1980. وقبل بدء عملها في المدرسة، وصلت رسالة من خطيبها تساي جيانغ نينغ الذي كان يعمل حينذاك في مزرعة غابات ببلدة تساوشيا في محافظة فنغشين، جاء فيها: "توجد مدرسة للأطفال في مزرعة تشجير ترغب في توظيف عمال وتوظيف خمسة معلمين، هل لديك الرغبة في العمل بها؟" وافقت تشي يويه ينغ بدون تردد، لأنها كانت تحب تساي جيانغ نينغ منذ أيام الجامعة، ونجحت في امتحان التوظيف وحصلت على المركز الثاني.
عندما عرفت أمها بهذا الخبر، قالت بغضب: "إذا ذهبت للعمل في مدرسة بمنطقة جبلية فقيرة، أنا لست أمك!" آنذاك، وقعت تشي يويه ينغ في حيرة كبيرة، فهي تحب أمها ولكنها تحب ذلك الشاب أيضا. أخيرا حسمت أمرها وقررت اختيار العمل كمعلمة في المنطقة الجبلية. ذهبت بمفردها مع أمتعتها إلى بلدة تساوشيا بمحافظة فنغشين التي تقع على ارتفاع ألف متر تقريبا فوق سطح البحر، وبدأت عملها في مدرسة قرية نييانغ، وكانت المسافة بين مركز البلدة والمدرسة 45 كيلومترا.
تقع مدرسة قرية نييانغ في عمق جبل نييانغ الذي يمر بمحافظتي فنغشين وجينغآن، وليس هناك وسيلة للوصول إلى المدرسة سوى السير على الأقدام. وفي بداية كل سنة دراسية، كان على تشي يويه ينغ وزملائها يحملون كتب التلاميذ على أكتافهم ويسيرون بها مسافة عشرة كيلومترات في طريق جبلي للوصول إلى المدرسة. وبجانب ذلك، في ثمانينات القرن العشرين، كانت المناطق الجبلية في مقاطعة جيانغشي تعاني من نقص وشح في أنواع من الأطعمة، وكانت الحياة شاقة جدا. في ظل تلك الظروف، كان لزاما على تشي يويه ينغ أن تزرع الخضراوات بنفسها. ومنذ تلك اللحظة بدأت مسارها التعليمي وسط هذه الظروف القاسية
البقاء في الجبال من أجل الحب الكبير
جهود تشي يويه ينغ وحبها للأطفال ساعدها على كسب محبة الأطفال وأهل القرية. عندما تتفتح الأزهار الجبلية، كان الأطفال يأتون لها بالزهور الجميلة تعبيرا عن محبتهم لها، وعندما تنضج الفاكهة، كانوا يقدمون لها أفضل ما لديهم من الفواكه، وعندما كانت تشي يويه ينغ تشعر بالمرض، كانوا يقدمون لها البيض الذي كان لا يتوفر لهم في الأيام العادية؛ وفي كل الأعياد، يأتيها أهل القرية حاملين أشياء وأطعمة قد يصعب عليهم تناولها، لتقديمها لها تعبيرا عن محبتهم وامتنانهم إليها.
تحب تشي يويه ينغ حياتها في هذه المنطقة الجبلية وتحب الأطفال وأهل القرية. كانت تعتبر تلاميذها أبناءها، وهم يعتبرونها أختهم أو أمهم. في المناطق الجبلية، عادة ما يهتم الناس بالأبناء الذكور أكثر من الإناث، وكان كثير من الناس لا يسمحون للفتيات بالذهاب إلى المدرسة حينذاك. من أجل ضمان حق الفتيات في التعليم، أقنعت تشي يويه ينغ العائلات وأولياء الأمور واحدا تلو الآخر بضرورة تعليم الفتيات. في بداية ثمانينات القرن العشرين، كان راتبها الشهري عشرين يوانا فقط (الدولار الأمريكي يساوي 5ر6 يوانات حاليا)، لكن الدخل القليل لم يمنعها من مساعدة تلاميذها، بل كانت تدفع رسوم دراسية لبعض الأطفال الفقراء من راتبها، حتى كان عليها في بعض الأحيان أن تقترض المال لشراء الطعام. الظروف المادية الشاقة لم تقلل حبها للأطفال، وسعادتهم أصبحت مصدر سعادتها.
في عام 1982، تزوجت تشي يويه ينغ من زميلها القديم تساي جيانغ نينغ وبدأت حياة زوجية سعيدة. وفي نفس السنة، تم تعيينها للتدريس في فرع مزرعة الغابات التي تبعد عن بيتها حوالي خمسين كيلومترا، وكانت ظروفها البيئية أصعب. فأقنعت زوجها بالسماح لها بالعمل في المدرسة الجديدة. كان لا بد لها من تحضير الدروس وتصحيح واجبات التلاميذ على انفراد في حجرة الدرس في الليل، وهي وحيدة بلا رفيق. ومن أجل تقليل وحدتها، كانت نساء القرية يتناوبن على مرافقتها، وغالبا ما يجلب لها الأطفال معهم طعاما من البيت. في يوم الأحد، وهو يوم العطلة الأسبوعية، يدعوها أهل القرية إلى العشاء. تركت هذه التفاصيل تأثيرا عميقا في نفسها وفي حياتها، وصارت أكثر عزما وإصرارا على تعليم الأطفال في الجبال.
لم يتحمل بعض المعلمين الظروف الشاقة في المنطقة الجبلية، وغادروا المدرسة بعد فترة قصيرة من التدريس. ولكن تشي يويه ينغ لم تتأثر بقرارهم، وثابرت على تحضير الدروس والتدريس وتصحيح الواجبات بدون تردد. كانت تعلم الأطفال دروس اللغة والرياضيات والغناء والرسم، وتلعب معهم أيضا. يوما بعد يوم وسنة بعد سنة، لم تفتر حماسة تشي يويه ينغ ولم تهدأ همتها ومثابرتها.
المثابرة تأتي بالأمل
بفضل مستواها التعليمي العالي، تولت تشي يويه ينغ منصب مديرة المدرسة التي تضم خمس معلمات ومائة تلميذ، بعد أقل من سنتين من عملها فيها.
منذ ذلك، اعتبرت تشي يويه ينغ المدرسة بيتها. ونظرا لأن مرافق المدرسة ضعيفة، حاولت شراء معدات التدريس من أماكن أخرى لكي تساعد تلاميذها على التمتع بنفس الظروف التعليمية مثل الأطفال خارج الجبال. ومن أجل توفير التكلفة، كانت في بداية المرحلة الدراسية، تحمل بضعة عشر كيلوغرامات من الكتب بعصا الحمل لمسافة عشرة كيلومترات. ثم، من أجل تقليل المشقة البدنية، صارت تستخدم الدراجة النارية، وقد اشترت ست دراجات نارية إجماليا.
في عام 2005، عندما اجتاحت العاصفة "تايلي" هذه المنطقة الجبلية، اصطحبت تلاميذها إلى منازلهم، وهي تعاني من المرض، وفجأة انزلقت بطريق الخطأ إلى أسفل المنحدر الحاد وسقطت في الوادي، فصرخ الطلاب الخائفين من الصدمة: "يا معلمة، ما الأمر معك؟" وبرغم إرهاقها البدني وجسدها الموحل ورغم الدماء التي كانت تسيل على يديها وقدميها، نهضت تشي يويه ينغ وصعدت، بينما تطمئن الطلاب وواصلت طريقها لإيصالهم إلى منازلهم.
في عام 2006، كانت في كثير من الأحيان تصاب بالدوار وقد شخص طبيب حالتها بأنها ارتفاع في ضغط الدم ونزيف في الشبكية، مما أثر بشكل خطير على بصرها، وصارت مهددة بالاعتماد على عين واحدة فقط في عملها وحياتها.
بعد عشرات السنين، وبسبب تقدمها في العمر وصحتها الضعيفة، قررت لجنة التعليم المحلية نقلها للعمل في المدرسة المركزية بسفح الجبل، وهي مدرسة ظروفها ومرافقها التعليمية أفضل من السابقة. ولكن لم يُتوقع أن أهل قرية باييانغ- أبعد قرية عن مركز بلدة زاوشيا، يدعون تشي يويه ينغ في ذلك الوقت إلى تعليم أطفالهم في قريتهم. لم تكن عائلتها موافقة على عملها في مدرسة ذات ظروف أكثر مشقة، لكنها حاولت إقناعهم قائلة: "يريد آباء الأطفال في قرية باييانغ أن أعلم أطفالهم، لا يمكنني أن أخيب أملهم!" أخيرا نجحت في إقناع عائلتها وبدأت عملها في نقطة التعليم بقرية باييانغ.
في عام 2012، من أجل تحسين الظروف المادية لنقطة التعليم، قررت الهيئة التعليمية بناء بناية جديدة للمدرسة. انشغلت تشي يويه ينغ بمتابعة أعمال البناء إلى جانب عملها التدريسي، كما كانت تساعد العمال في الطهي، بل إنها أحضرت زوجها للمساعدة في العمل. كانت تشي يويه ينغ تقضي كل وقت عطلتها الصيفية في موقع البناء.
قالت تشي يويه ينغ إن مسؤولي حكومة محافظة فنغشين يقدمون دائما إليها التحيات والهدايا. ونظرا لظروفها الصعبة في العمل والحياة، أتاحوا لها فرصة تغيير وظيفتها أكثر من مرة، لكنها رفضت. قالت مبتسمة: "أرجو تعليم الأطفال هنا طوال حياتي، وأن استمر في العمل إلى آخر لحظة في عمري." تدير تشي يويه ينغ مدرستها النائية بمثابرتها وحكمتها، مما يجعل إنجازات التعليم والتقييم الشامل وغيرهما من مؤشرات التعليم لهذه المدرسة تتفق مع المعايير الوطنية المطلوبة، وتحتل المراكز المتقدمة في البلدة، وقد أطلق أهل القرية على تشي يويه ينغ لقب "السيدة الحديدية".
الأسف في القلب
قالت تشي يويه ينغ إنها تحب الأطفال في المنطقة الجبلية، وتكرس لهم معظم وقتها، ولهذا السبب كانت مدينة لأقاربها بالكثير. وأضافت بحسرة وأسف: "في عام 2016، في عيد ميلاد والدي الثمانين، اتصلت بي أمي على الهاتف لتخبرني بأنها تعد الكثير من الطعام في البيت، وكل أفراد الأسرة موجودون إلا أنا. سالت الدموع من عيني فجأة. كنت أريد العودة إلى المنزل للاحتفال بعيد ميلاد والدي، ولكنني لم أجد من يحل محلي لتدريس الأطفال في ذلك الوقت، كما لم أكنكنأكن أستطيع العودة إلى المدرسة من منزل أمي في ذات اليوم، فاخترت الذهاب إلى المدرسة مع دموع الأسف."
تشي يويه ينغ تبذل كل طاقتها للأطفال في المنطقة الجبلية، لدرجة أنها لم تستطع تربية ابنتيها بنفسها والإشراف على تعليمهما. قالت بشيء من الحزن: "على مدى السنوات الماضية، لم أقدم الحب والاهتمام الكافي لابنتي، ولا يسعني إلا أن أطلب منهما المسامحة، لأنني لا أستطيع ترك الأطفال في الجبال، فهم أيضا أطفالي."
تجمع الأطفال حولها، ويمسكون بيدها، وتساءل أحدهم "معلمتنا الغالية، هل ستتقاعدين وتغادريننا؟" "لا، لا يمكنني أن أفقدك!" قبّلت تشي يويه يد تلميذة صغيرة بابتسامة مشرقة.
تعتبر تشي يويه ينغ المدرسة بيتها، وتعتبر التلاميذ أطفالها، وتعتبر القرويين عائلتها. كلما تأتي تلميذة لزيارتها وتعانقها بحرارة، تشعر تشي يويه ينغ بسعادة غامرة قائلة: "هذه هي أسعد لحظات حياتي"، وقالت: "أتمنى أن يستثمر المزيد من الشباب الممتازين في تعليم القرية، وأن يعملوا معا من أجل أطفال الريف، وأن يركضوا نحو أهدافهم، وأن يحققوا أحلامهم، وأن ينشطوا وينهضوا بالريف بالكامل."
--
تشي يويه ينغ: من قومية هان الصينية، ولدت في محافظة جينشيان بمقاطعة جيانغشي في مايو عام 1961، وانضمت إلى الحزب الشيوعي الصيني في عام 1997. حاليا هي المسؤولة عن نقطة التعليم بقرية باييانغ في بلدة تساوشيا التابعة لمحافظة فنغشين في مدينة ييتشوين بمقاطعة جيانغشي. وقفت طوال عقود على منصة التعليم في مدرسة القرية الجبلية النائية، وأصبحت أثناء حياتها التعليمية المهنية "الأخت" و"الأم" و"الجدة"، وقامت بتعليم أجيال في أعماق الجبال. وقد عملت جاهدة على ابتكار طرق التدريس للتوافق مع سمات الأطفال في المنطقة الجبلية. وهي ترعى الأطفال، وتدعم الأطفال الفقراء وتمنع تسرب الأطفال من الدراسة. حصلت على العديد من الألقاب والأوسمة الوطنية: "المعلمة النموذجية الوطنية" و"أجمل مناضلة"، وغيرهما.
©China Today. All Rights Reserved.
24 Baiwanzhuang Road, Beijing, China. 100037