مجتمع < الرئيسية

بث مباشر من الريف.. مع المذيعة شين باو

: مشاركة
2020-06-19 14:40:00 الصين اليوم:Source تشيان يوى منغ:Author

في أول يوم عمل في سنة 2020، كان ليو جيان قوه يحث الخطى إلى وحدة عمله، وبعد أن استطاع أن يحشر نفسه في إحدى عربات خط مترو بكين رقم 5 الشديد الازدحام، تحسس هاتفه النقال وفتح أحد تطبيقات مقاطع الفيديو القصيرة وبدأ التصفح. في نفس الوقت، كانت شين باو، وهي مذيعة بث مباشر في إحدى القرى الصينية، قد باشرت عملها لمدة ساعة كاملة من موقعها في جبل بمحافظة شينهوا التابعة لمدينة لودي في مقاطعة هونان.

مال ليو جيان قوه برأسه على حائط عربة المترو، وكتب بأنامله على شاشة هاتفه، موجها كلامه للآنسة شين باو: "أختي الصغيرة، هل مازال لديكم جبن دوفو (فول الصويا) بايشي المخمر الذي اشتريته منكم في المرة السابقة؟ من فضلك، أريد أن أشتري المزيد لزميلي وأرسله له بسرعة." أجابته شين باو: "لا مشكلة، أنت زبون قديم عندي." عبر الجبال والأنهار، تحدث الاثنان عبر الفيديو في منصة "بركان" للبث المباشر.

اليوم، يتواصل مئات الملايين من الصينيين عن طريق مقاطع الفيديو القصيرة ومنصات البث المباشر مثل "بركان"، حيث تترابط المدن والمناطق الريفية ارتباطا وثيقا ثقافيا واقتصاديا. إنها ثورة في التجارة الإلكترونية ناجمة عن "الثقة" بين الناس.

سجل الحياة بمقاطع الفيديو

شين باو، وهي فتاة من مواليد ما بعد تسعينات القرن الماضي، اشترت لنفسها قبل ثمانية أشهر بدلة جديدة وسجلت حسابا شخصيا لها في منصة "بركان" للبث المباشر، وشرعت في تسجيل حياتها الريفية بمقاطع فيديو قصيرة.

مثل العديد من الشباب الريفيين، تعلمت شين باو في مدارس بالمدينة وكانت تعمل في مصنع بمقاطعة قوانغدونغ، لكنها تفضل أن تعرف بوضعها الحالي كـمذيعة للبث المباشر. قالت إن معظم مستخدمي منصة "بركان"، الذين يصل عددهم إلى مئات الملايين، ينتمون إلى مدن المستوى الثالث والرابع أو ما دونها في الصين. إنها المكان الذي يمكن للناس العاديين إظهار مواهبهم فيه بحرية. منصة "بركان" متسامحة ولطيفة إلى حد كبير، حيث يمكن للمستخدمين التحدث عن أشياء كثيرة.

تحت السماء الزرقاء والسحب البيضاء، بين الجبال الخضراء والأنهار النقية، فإن مقاطع الفيديو لهذه الفتاة الريفية، التي تفلح الأرض وترعى البقر وتقطع الحطب في المناطق الريفية، أثارت صدى واسعا بين مستخدمي منصة "بركان" بشأن انطباعات مسقط الرأس. سرعان ما اجتذبت شين باو عشرات الآلاف من المتابعين، ومن بينهم ليو جيان قوه، الذي اشترى جبن فول الصويا.

قبل شهرين، ترك ليو جيان قوه رسالة إلى شين باو مقترحا عليها أن تفتح متجرا إلكترونيا على شبكة الإنترنت لبيع المنتجات المميزة لمحافظة شينهوا. في البداية قلقت شين باو إلى حد ما، خشية أن يؤدي ترويجها للمنتجات إلى تقليل عدد متابعيها في المنصة. ولكن ثبت أن مخاوفها لم تكن في محلها. إن ترويج منتجات مثل جبن دوفو بايشي المخمر وعجينة الأرز اللزج لم يزد عدد متبعيها فحسب، وإنما أيضا قصّر المسافة بينها وبين متابعيها، فكثير منهم "عشاق للطعام". في غضون شهر واحد، وصل عدد متابعي شين باو في منصة "بركان" إلى أربعمائة ألف.

اكسب الثقة بالطبيعة

في عصر البث المباشر، يتم تقييم القائم بالبث من خلال عدد المتابعين، فذلك لا يعكس تأثير الشخص القائم بالبث فحسب، وإنما أيضا يمثل القيمة التجارية لـ"للاقتصاد القائم على الثقة".

أنشأت شين باو علاقة ثقة جيدة مع المتابعين: بعد إرسال مقطع فيديو قصير، تتلقى الآلاف من الإعجابات على الفور، وبثها المباشر لمدة نصف ساعة يجذب عشرات الآلاف من المشاهدين، وصار جبن دوفو بايشي المخمر الذي تسوقه في متجرها الإلكتروني منتجا رائجا، ويشتري المتابعون منه لأنفسهم وجيرانهم وأصدقائهم. قالت شين باو إنها سعيدة للغاية بإرسال عشرات الطلبات المأخوذة من هاتفها إلى المصنع للإنتاج والتوزيع كل يوم.

في يوليو عام 2019، قدمت شين باو على منصة "بركان" بثا مباشرا لمدة ساعتين لعملية حرث الأرض بالبقر، مع تحميل عدة مقاطع فيديو قصيرة. مقاطع الفيديو كلها لقطات حقيقية بدون تنقية، فقط أضافت إليها القليل من الموسيقى وبعض الإرشادات البسيطة.  وفجأة، انضم مائتا ألف شخص إلى متابعي شين باو، فلم تصدق نفسها وغمرتها سعادة بالغة. تساءلت: "هل يفضل الجميع على هذه المنصة مشهد القرويين الذين يقومون بأعمال المزرعة؟"

الآلات الزراعية غير منتشرة على نطاق واسع في مسقط رأس شين باو، حيث الحقول المدرّجة، والطريقة البدائية في الزراعة مازالت موجودة. هذا المشهد المألوف بالنسبة للآنسة شين باو، صار مشهدا غريبا في عيون مستخدمي منصة "بركان".

مع هذا التفكير، بدأت شين باو في إضافة عناصر الزراعة ببطء إلى مقاطع الفيديو. حرث الأرض وقطف الأرز وحمل الحطب وعمل الحدادة، إلخ. فعلت شين باو مثل هذه الأشياء.

الفتيات عاشقات للجمال، وفي البداية كانت شين باو تصور غالبا مقاطع فيديو بطريقة مرتبة، بيد أن الحقائق أثبتت أن مقاطع الفيديو "التجميلية" لم تحظ بإقبال مستخدمي منصة "بركان"، فهم يفضلون الجمال الطبيعي.

بناء على اقتراح من المتابعين، حولت شين باو الكاميرا إلى الواقع وبدأت في إظهار جانبها الطبيعي في الجبال الخضراء والأنهار النقية. الأرض أمام عتبة منزلها صارت الأستوديو الخاص بها على منصة "بركان"، وأصبح جيرانها زملاءها في العمل. بدون قلق من تحرير وتجميل مقاطع الفيديو لاحقا، فهي أكثر راحة أمام الكاميرا. وقد أكسبها هذا الجمال الطبيعي حب وثقة المزيد من المتابعين.

الأرض الخصبة لريادة الأعمال

بالنسبة لرواد الأعمال المبتدئين مثل شين باو، كان عام 2019 مليئا بالفرص. في محافظة شينهوا، وهي واحدة من المحافظات الفقيرة على المستوى الوطني في الصين، أدى انتشار مقاطع الفيديو القصيرة إلى زيادة عدد الأشخاص مثل شين باو. ومن خلال الكاميرا، صارت المنتجات المميزة الريفية متاحة في الأسواق على المستوى الوطني، وأصبحت البساطة والمصداقية علامة مميزة للبضائع التي يبيعونها.

بالنسبة للآنسة شين باو، فإن بناء الثقة بسرعة بينها وبين متابعيها سبب هام لتحقيق حلمها.

منذ إنشاء متجرها الإلكتروني، باعت شين ياو خمسة أنواع من المنتجات. من بينها أكثر من 13 ألف نسخة من جبن دوفو بايشي المخمر، وتم بيع أكثر من ألف طلب من عجينة الأرز اللزج. قالت شين باو: "نظام خدمة العملاء الخلفي لا يستخدم تقريبا، إذ أن معظم الزبائن قدموا طلبات مباشرة بعد مشاهدة مقاطع الفيديو الخاصة، ليس لدينا أي تجميل في المنتجات، ويثق بنا الجميع".

هذه الثقة تطورت أحيانا إلى مساعدة نزيهة. كثير من المشترين يعيشون في المدن ولكن مسقط رأسهم في الريف. هم يشيدون بالمناظر والمنتجات الريفية ويساهمون في قضية ريادة الأعمال للآنسة شين باو.

أشكال جديدة للحد من حدة الفقر بدقة

تذكرت شين باو أنها عندما بدأت البث المباشر، كانت محاطة بمجموعة من الناس. قالت: "عندما أكون مشغولة في الأعمال الزراعية أو أذهب إلى السوق، كان الأشخاص الذين التقيت بهم في الغالب من كبار السن. لم يفهموا تماما ما كنت أفعله".

معظم الشباب من أبناء محافظة شينهوا الفقيرة، يغادرونها للعمل في المناطق الساحلية المتقدمة. عندما ظهرت الشابة شين باو في السوق ومعها جبن دوفو بايشي المخمر المصنوع بالطريقة التقليدية، وهي تسجل مقاطع الفيديو أثناء البيع، كانت حيرة المارة أكثر من فضولهم. قالت شين باو: "اعتقد البعض أن ما أقوم به لا يخدم المهمة الأساسية. قلت لهم إن آلاف الناس سيرون هذه المقاطع المصورة، وسيمكن تسويق جبن دوفو بايشي المخمر في جميع أنحاء البلاد." على الرغم من أن شين باو ما زالت في المرحلة الأولية لريادة الأعمال، سجلت علامة تجارية وأنشأت شركة باسمها.

منذ وقت ليس ببعيد، عقد اتحاد النساء لمحافظة شينهوا اجتماعا لتدريب المزارعين من النمط الجديد. دعيت شين باو إلى الاجتماع مع سيدات الأعمال المحليين للحديث عن تأثير وسائل الإعلام الذاتية. أطلعتهم شين باو على خصائص وأسلوب التشغيل والتجارة الإلكترونية الجديدة لحسابها في منصة "بركان". وقالت: "حتى الحكومة المحلية تدرس حاليا موضوع مقاطع الفيديو القصيرة لوسائل الإعلام الجديدة، الجميع يعترف بإنجازاتنا ونشعر بالفخر الشديد".

 بالإضافة إلى المشاركة في الأحداث الرسمية، زارت شين باو أيضا المؤسسات المحلية المتميزة لإرساء أساس لأعمالها المستقبلية. ربما في المستقبل القريب، ستصبح شين باو رائدة للتنمية الاقتصادية المحلية، وتتجه نحو طريق الازدهار مع مسقط رأسها، الذي تحبه هذه الفتاة كثيرا.

في السنوات الأخيرة، حافظت التجارة الإلكترونية الريفية في الصين على معدل نمو مرتفع. يوضح تقرير التجارة الإلكترونية الصيني لعام 2018 الصادر عن وزارة التجارة الصينية، أن معاملات التجارة الإلكترونية الريفية بلغت 37ر1 تريليون يوان (الدولار الأمريكي يساوي 7 يوانات)، بزيادة سنوية بلغت نسبتها 4ر30%. تواصل الصين الاهتمام بـ"قضايا الريف الثلاث"، أي مشكلات الزراعة والريف والفلاحين. ويشير التقرير إلى أن "جولة جديدة من الثورة العلمية والتكنولوجية والتحول الصناعي بدأت تنبثق، مما يضخ قوة دافعة قوية لتحويل وتطوير الزراعة". بلا شك، حان الوقت للمساعدة على الحد من حدة الفقر بدقة بواسطة شبكة الإنترنت

--

تشيان يوي منغ، صحفية بمجلة ((الأسبوع الجديد)) الصينية.

 

 

©China Today. All Rights Reserved.

24 Baiwanzhuang Road, Beijing, China. 100037

京ICP备10041721号-4