مجتمع < الرئيسية

ذكرياتي في الصين موثقة بعدسة والدي

: مشاركة
2018-10-26 13:17:00 الصين اليوم:Source أندريس مورا:Author

كل إنسان يفخر بوالده، ووالدي هيكتور مورا رجل عظيم يستحق كل الفخر والتقدير. كان منتجا ومخرجا وصحفيا كولومبيا مشهورا، كثير الرحلات وغزير المعلومات، ولهاذا السبب أطلقت عليه وسائل الإعلام الكولومبية لقب "خريطة  Google  في ذلك الوقت" ولقب "الرجل الذي ساعد كولومبيا على معرفة العالم". في الفترة من عام 1977 حتى عام 2001، زار والدي 107 دول وقدم 1250 فيلما وثائقيا، منها 52  فيلما لها علاقة بالصين. كان أول من قدم برامج حول الصين، عرف من خلالها الشعب الكولومبي، بل وكل شعوب أمريكا اللاتينية، الصين وشعبها.

.

رحلة والدي الأولى إلى الصين

في عام 1976، بدأ والدي، هيكتور مورا، تقديم برنامج تلفزيوني أسبوعي بعنوان ((كاميرا الرحال)) (Cámara Viajera) في محطة تلفزيونية كولومبية، تضمن تغطية موضوعية وتعريفا ووصفا لدول مختلفة، برؤية كولومبية.

في عام 1979، بعد بث حوالي 150 حلقة من هذا البرنامج، تلقى والدي اتصالا من أحد الأشخاص متحدثا باسم الحكومة الصينية، وأبلغه برغبة الصين في دعوته لزيارة بعض المدن الصينية والقيام بتصوير حلقات فيها وتقديم تعريف ووصف عن الصين للشعب الكولومبي عبر ((كاميرا الرحال)).

في ذلك الوقت، لم تكن هناك علاقات دبلوماسية بين الصين وكولومبيا، بل لم تكن هناك علاقات دبلوماسية للصين مع معظم دول أمريكا اللاتينية. كان هذا العرض تحديا لوالدي، ولكنه في الوقت ذاته عرض لا يخلو من إغراء. في كولومبيا، الحديث عن الصين يستدعي صورة البارود والبوصلة والورق والحبر والحرير وماو تسي تونغ. سافر والدي إلى طوكيو أولا، من أجل الحصول على تأشيرة دخول الصين، قبل أن يسافر إلى الصين الغامضة العجيبة.

سجل في مذكراته الخاصة أول مشهد رآه في أول مرة وصل فيها إلى بكين قبل أربعين عاما، حيث كتب: " وصلت إلى بكين في شهر أكتوبر، في يوم كانت الرياح تهز الأشجار. كان مطار بكين صغيرا، يتسع لسبع وعشرين طائرة فقط، وكان أفراد المطار يرتدون الزي العسكري وترتسم على وجوههم تعابير توحي بالجدية والحزم. كان يصل إلى بكين حينذاك عدد قليل من الرحلات الجوية الدولية، وربما لهذا كان عدد من يتكلمون الإنجليزية قليلا. وبصفتنا أول فريق تلفزيوني كولومبي يزور الصين، حظينا بترحيب حار."

في بكين، نزل والدي في فندق الصداقة، الذي كان أكبر فندق على طراز حديقة في آسيا في ذلك الوقت. وحول انطباعه عن الصين وشعبها في ذلك الوقت، كتب والدي: "يعيش الصينيون بشكل منتظم للغاية؛ يستيقظون في الصباح الباكر على صوت الموسيقى في حديقة قريبة، فتحتشد مجموعة من المسنين في الحديقة، فيرقص البعض، ويمارس بعضهم رياضة تايجي. هم ينعمون بحياة هادئة ومريحة للغاية. في الساعة التاسعة، لا يوجد في شوارع العاصمة كثير من الناس. وفي الأعياد، تبقى المحلات التجارية مفتوحة عموما حتى الساعة السابعة مساء، لأن الساعة السادسة أو السابعة مساء هي وقت العشاء، وفقا لعادات الصينيين. ما يلفت الانتباه هو وجود دراجات هوائية في كل مكان في الشوارع، ولا توجد أي سيارة تقريبا، فالطريق مزدحم ويرتدي المارة ملابس سوداء ورمادية وزرقاء، والجميع تقريبا يرتدون بدلة ماو، أو الزي الصيني التقليدي ذا الياقة المستديرة، وأحذية سوداء ذات نعل رقيق".

بدأت رحلة والدي الأولى إلى الصين من ميدان تيانآنمن والنصب التذكاري لأبطال الشعب الصيني والمدينة المحرمة وسور الصين العظيم في بكين، ثم سافر إلى شانغهاي وهانغتشو وقوانغتشو، وأخيراً عاد إلى أوروبا من هونغ كونغ. هكذا، أنتج أول فيلم وثائقي له عن الصين.

مشاهدة ومعايشة التغيرات في الصين

في عام 1989، جاء والدي إلى الصين مرة أخرى لتصوير حفل بمناسبة الذكرى السنوية الأربعين لتأسيس جمهورية الصين الشعبية. قال: "تم توسيع مطار بكين، وبات مشهد الركاب من جميع أنحاء العالم أمام النافذة في انتظار الدخول والخروج مألوفا. كان هناك فريق فني متخصص ينتظرني عند بوابة الخروج. أصبح الطريق من المطار إلى المدينة أسهل بكثير، وقد دهشت بمشاهدة مواقع البناء والرافعات على طول الطريق، فقد أصبحت الصين مفعمة بالحياة والحيوية."

وأضاف، تغير مظهر مدينة بكين كثيرا، ولم يعد الناس يرتدون بدلة ماو ذات الياقة المستديرة، وازدادت  المظاهر والعناصر الغربية فيها. بات واضحا للعيان أن الشعب الصيني بدأ يعبر عن مشاعره بشكل أكثر حماسة عن ذي قبل، على الرغم من أنهم لا يعانقون أو يقبلون الخد عند المصافحة كغيرهم من الشعوب الأخرى.

في عام 1992، جاء والدي إلى الصين للمرة الثالثة، لتصوير موكب التماثيل الصلصالية بمدينة شيآن وعادات مواطني التبت. في ذلك الوقت، رأى أبي المشاهد المزدهرة والمظاهر المتطورة في كل مكان في الصين.

في عام 1997، تلقى والدي دعوة لحضور مراسم الاحتفال بعودة هونغ كونغ. وعن تلك الذكرى المميزة كتب والدي: "شهدت وشاركت في اللحظة التاريخية التي بدأت من الساعة 11:59 في منتصف ليل الثلاثين من يونيو 1997 مع أكثر من 8000 صحفي من جميع أنحاء العالم. ذلك اليوم الذي سجل عودة الاقتصاد الخامس عشر عالميا إلى حضن بلده الأم."

في الأول من أكتوبر عام 1999، ذهبت أنا ووالدي إلى ميدان تيانآنمن لتصوير الذكرى السنوية الخمسين لتأسيس جمهورية الصين الشعبية، وكان والدي واحدا من بين أكثر من عشرين ممثلاً لوسائل الإعلام الأجنبية الذين حضروا لتوثيق ذلك الحدث الهام. شهد ذلك اليوم، عرضا عسكريا ضخما، وكانت القوات المنظمة مجهزة بمختلف أنواع الأسلحة الحديثة، بما فيها السلاح الأكثر تقدما- الصواريخ العابرة للقارات. في تلك المناسبة، قمنا برحلة خاصة إلى بكين ومنغوليا الداخلية وسوتشو وقويلين وأماكن أخرى، فشاهدنا وعايشنا صعود الصين السريع بشكل حقيقي.

رافقت والدي في سفره إلى الصين في مناسبتين هامتين هما، أولمبياد بكين 2008 والذكرى السنوية الثلاثون لإقامة العلاقات الدبلوماسية بين الصين وكولومبيا في عام 2011، لتقديم العديد من حلقات برنامجه. أنتج والدي اثنين وخمسين فيلما وثائقيا عن الصين، والتي أظهرت بشكل شامل التنمية الصناعية والتغيرات الاقتصادية للصين. منذ ذلك الوقت، ترسخ في ذهن والدي اعتقاد قوي بأن للصين مستقبلا باهرا وشأنا كبيرا، وأنه بعد ثلاثين أو أربعين عاما، سوف تجذب الصين انتباه الناس في جميع أنحاء العالم.

الصين تقدم لي فرصا ثمينة!

كانت أول زيارة لي للصين في صيف عام 1997. أتيت إلى الصين آنذاك برفقة والدي وأمي وشقيقي ومصور متخصص لتصوير احتفالات عودة هونغ كونغ. مكثت ثلاثة أسابيع في الصين، زرنا خلالها مدن شنتشن وقوانغتشو وشانغهاي وشيآن وهوهيهوت وباوتو، بالتعاون مع عدد من الهيئات الحكومية في تصوير العديد من الأفلام الوثائقية. وفي ذلك الوقت، كان يتم التخطيط لمنطقة بودونغ في شانغهاي ومركز مدينة شنتشن والطريق الدائري الرابع في بكين كمراكز للتنمية المستقبلية. في تلك الفترة، كان من الصعب تخيل كيفية تنفيذ التخطيط على نطاق واسع في هذه الأماكن. لكن تلك الرحلة إلى الصين كانت هامة للغاية بالنسبة لي، فقد رأيت الصين على أرض الواقع، رأيتها غنية بالألوان، وأكثر ما تأثرت به ولامس مشاعري هو أن شعب هذا البلد مفعم بالنشاط والحيوية والتفاؤل، وبالطبع لم يكن تفاؤلا أعمى، بل يستند إلى واقع ملموس معزز بالعزيمة والفخر.

بعد تخرجي في تخصص الأنثروبولوجيا بجامعة الأنديز، أتيحت لي الفرصة لمطالعة كتيب عن أكاديمية السينما في بكين، لذلك فكرت في الذهاب إلى الصين لتعلم شيء مختلف. جئت إلى معهد بكين للسينما في عام 2002. لا شك أن النمو الاقتصادي السريع للصين كانت له انعكاساته في صناعة السينما والتلفزيون، مما وفر لي العديد من الفرص المثيرة للاهتمام. عملت مخرجا مساعدا ثالثا لبرنامح ((عدّاء الطائرة الورقية))، وهو عمل مشترك صيني- أجنبي، وفي مرة أخرى صورت عرضا مباشرا لحفل موسيقي لفرقة (كين) البريطانية على سور الصين العظيم، وفي عام 2015، كانت لي تجربة رائعة حيث عشت مع الخطاط والرسام ومعلم اللغة الصيني المشهور ون هواي شا البالغ من العمر مائة وخمسة أعوام في دونهوانغ لمدة أسبوع، وقمت بتصويره.

الآن تتطور تكنولوجيا الاتصالات بسرعة كبيرة، والصين في هذا المجال تتقدم بسرعة فائقة. هذا الأمر، يتطلب المزيد من قنوات الخدمة، التي تربط بين الصين وأمريكا اللاتينية، وبث هذا المحتوى على الأجهزة المحمولة. إن هذه الخدمات تعد نافذة تساعد في تعزيز التعارف المتبادل من خلال الأفلام الوثائقية والأفلام والبرامج الأخرى. الآن، وصلت إلى مرحلة من النضوج على المستوى المهني والشخصي. لدي مراكز وأستوديوهات تصوير في بكين وبوغوتا وهونغ كونغ، وآمل أن أتمكن من تحقيق إنجاز يسهم في المزيد من الربط بين الصين وأمريكا اللاتينية.

حسب وجهة نظر والدي، حدثت وتحدث تغيرات هائلة في الصين. كل شيء مختلف عن الماضي: السلع الوافرة والملابس الأنيقة والنقل السريع.  ومع ذلك، هناك شيء ما زال ثابتا لا يتغير وهو التقاليد. في المتنزهات، لا يزال كبار السن يلعبون الشطرنج ويرقصون ببطء وعلى مهل، وما زالوا يشعرون بالرضا والسعادة.

بالنسبة لي، وفرت سياسة الإصلاح والانفتاح في الصين مساحة واسعة لتطوير حياتي الشخصية والمهنية وتحقيق ذاتي وطموحي. هنا، أعتقد أنه لا يزال أمامي المزيد من التجارب الممتعة والنجاح الذي سأحققه بالتزامن مع تنمية وانفتاح الصين.

 

أندريس مورا: مقدم برامج تلفزيونية من كولومبيا. درس في معهد بكين للسينما في عام 2002، يعيش في بكين منذ ذلك الحين. لديه شركته الخاصة للإنتاج السينمائي والتلفزيوني.

 

 

 

©China Today. All Rights Reserved.

24 Baiwanzhuang Road, Beijing, China. 100037

京ICP备10041721号-4