مجتمع < الرئيسية

الدور الإقليمي البنّاء للصين

: مشاركة
2018-06-06 15:00:00 الصين اليوم:Source حسين إسماعيل:Author

تعد منظمة شانغهاي للتعاون، نموذجا لتطور الدور البناء للصين على المستوى الإقليمي في ظل النهضة الصينية السلمية، وتجسيدا عمليا لسياسة حسن الجوار التي تنتهجها بكين، وتمسكها بوضع الخلافات جانبا وتعظيم نقاط الالتقاء والتعاون بين الدول. في عام 1996، وبتشجيع من الصين، تم الإعلان عن إقامة مجموعة شانغهاي للدول الخمس، التي ولدت من رحم سلسلة من محادثات ترسيم الحدود ونزع السلاح  بين الصين وكل من روسيا وكازاخستان وطاجيكستان وقرغيزستان، وحققت إنجازات في مجال تسوية النزاعات الحدودية بين الأطراف، وطرح تدابير لبناء الثقة، والتحرك بطرق تعاونية لمكافحة الأنشطة غير المشروعة في المنطقة مثل الإرهاب وتهريب المخدرات. وقد أكد إعلان تأسيس مجموعة شنغهاي على أن المجموعة "ليست تحالفا موجها ضد دول أو مناطق أخرى، والالتزام بمبادئ الانفتاح".

في عام 2001، تغير اسم المجموعة إلى "منظمة شانغهاي للتعاون"، وتم توسيع أهداف ومبادئ وبنى المنظمة لتشمل المجالات الاقتصادية والسياسية والثقافية، إضافة إلى بناء الثقة العسكرية. كما تم ضم الهند وباكستان ومنغوليا وإيران إليها بصفة دول مراقبة. المبادئ الثلاثة التي رفعتها المنظمة منذ البداية هي مكافحة الشرور الثلاثة: "الإرهاب، والتطرف، والنزعة الانفصالية".

في لقاء مع المشاركين في الاجتماع الثالث عشر للأمانة العامة لمجلس الأمن لمنظمة شانغهاي للتعاون، قبل قمة تشينغداو لقادة أعضاء المنظمة، اقترح الرئيس الصيني شي جين بينج أن تواصل الدول الأعضاء تدعيم مفهوم الأمن المشترك والشامل والتعاوني والمستدام و تعزيز نموذج للحوكمة الأمنية، يعالج كلا من الأعراض والأسباب الجذرية من أجل دفع التعاون الأمني لمنظمة شانغهاي إلى مستوى جديد. وقال الرئيس إنه من خلال توسيع مجالات التعاون وشن حملة على "قوى الشر الثلاث"، ومنع امتداد تأثير القضايا الساخنة، قدمت منظمة شانغهاي للتعاون إسهامات هامة لتحقيق الاستقرار الدائم والازدهار المتواصل للمنطقة. وأشار شي إلى أن الأمن الإقليمي لا يزال يواجه تحديات من قبل "قوى الشر الثلاث"، وتجارة المخدرات والجرائم المنظمة العابرة للحدود الوطنية، والتي تتطلب من الدول الأعضاء تعزيز حس الحاجة الملحة، والتفكير الهادئ، والحكم الدقيق، والرد المناسب.

إن منظمة شانغهاي للتعاون، بعد 17 عاما من تأسيسها، قد تطورت وأصبحت أكبر منظمة إقليمية شاملة من حيث عدد سكان أعضائها. تبلغ مساحة المنظمة أكثر من 60% من مساحة يابسة منطقة أوراسيا، تمتد من القطب الشمالي إلى المحيط الهندي جنوبا، ومن ليانيونقانغ شرقا في الصين إلى كالينينغراد في روسيا. مهمتها الأساسية هي الحفاظ بشكل جماعي على الاستقرار ومواجهة التهديدات الأمنية بشكل فعال.

من أبرز ملامح هذه المنظمة ما يسمى بـ"روح شانغهاي"، والتي يقصد بها الثقة المتبادلة والمنفعة المتبادلة والمساواة والتشاور واحترام التنوع الثقافي وتحقيق التنمية المشتركة. ولعل هذه الروح هي التي دفعت تطور المنظمة من مجرد منصة للتعاون الأمني إلى إطار تعاون لتحقيق التنمية الإقليمية عبر تيسير التجارة والاستثمار وتعزيز التعاون الصناعي فضلا عن تكثيف التبادلات الشعبية. ومع "مبادرة الحزام والطريق" المقترحة من جانب الصين، وهي المبادرة التي تشمل مشروعات رائدة في مجالات البنية الأساسية والمالية والتبادلات الشعبية، يبشر بوجود فرص أعظم للتنمية، فإن ثمة آفاق أرحب للتعاون في جملة واسعة من المجالات التي تتجاوز الأطر التقليدية.

تحقق المنظمة حاليا تقدما ملحوظا في ستة مجالات، وهي السياسة والاقتصاد والأمن والتبادلات الشعبية والتبادلات الخارجية وبناء الآليات مع استمرار تعزيز التعاون الشامل. وقد أعربت الصين عن استعدادها للعمل مع دول المنظمة الأخرى، للاستمرار في دعم بعضها البعض سياسيا وتوفير الحكمة والخطط في إطار المنظمة، وحماية الأمن والاستقرار في المنطقة وتعزيز مستويات التنسيق وقدرات التنفيذ، فضلا عن تعزيز التعاون في إطار مبادرة "الحزام والطريق" وإقامة ترتيبات مؤسسية للتعاون الاقتصادي الإقليمي على نحو تدريجي، وتوسيع التبادلات الشعبية والتعاون الثقافي.

لقد تم تصميم الهيكل التنظيمي بأكمله لإنشاء شراكات متعددة الأطراف لمساعدة الدول الأعضاء ذات السيادة في تنسيق الإستراتيجيات والسبل، لحل القضايا الدولية الملحة وتلبية الاحتياجات الإقليمية. كما يوفر فرصة للدول الأعضاء لتركيز جهودها على الأهداف المشتركة وفقا لمبادئ التعاون الطوعي والتوزيع العادل للمسؤوليات. ومن خلال دمج أربع قوى نووية في منظمة إقليمية واحدة، تعمل منظمة شانغهاي للتعاون كرادع إضافي للحفاظ على توازن القوة الإستراتيجي والاستقرار السياسي في العالم.

وقد ساهم عدد من المبادرات الخاصة التي أطلقت تحت إشراف الأمم المتحدة ومنظمة شانغهاي للتعاون بشكل ملحوظ في تعزيز التعاون الدولي في مكافحة التحديات والتهديدات المشتركة للأمن. ومن الأمثلة على ذلك نتائج الاجتماع الخاص الرفيع المستوى بشأن "الأمم المتحدة ومنظمة شانغهاي للتعاون: مواجهة التحديات والتهديدات المشتركة"، الذي عقد في نوفمبر 2016 في نيويورك. وستواصل منظمة شانغهاي للتعاون بذل جهود منسقة لمكافحة التحديات والتهديدات المشتركة للأمن وتوسيع نطاق الحوار وتعزيز التعاون في ضمان الأمن الشامل من خلال مكافحة الإرهاب والإرهاب السيبراني والحركات الانفصالية والتطرف والجريمة المنظمة والاتجار غير المشروع بالمخدرات، فضلا عن تعزيز المعلومات الدولية والاستجابة الأمنية والطارئة.

وقد استطاعت المنظمة من خلال "الهيكل الإقليمي لمكافحة الإرهاب (RATS)، الحد من انتشار ظاهرة الإرهاب في المنطقة، ففي الفترة بين عامي 2011 و 2015، نجحت سلطات الدول الأعضاء في المنظمة في منع 20 هجوما إرهابيا، وتجنب 650 جريمة ذات طبيعة إرهابية ومتطرفة، وتحييد 440 معسكر تدريب للإرهابيين و1700 من أعضاء المنظمات الإرهابية الدولية.

الحوار الثقافي، كتدبير وقائي ضد التهديدات الأمنية، عامل أساسي في إقامة الثقة المتبادلة والصداقة وعلاقات الجوار بين الدول الأعضاء في المنظمة. يساهم الحوار الثقافي القائم والمستقر بين دول منظمة شانغهاي للتعاون في تعلم وإثراء الخبرات الثقافية لبعضها البعض، مما يؤدي في نهاية المطاف إلى مستوى أعلى من التفاهم المتبادل.

يتجسد الإرث التاريخي والثقافي الغني لشعوب دول منظمة شانغهاي للتعاون في المواقع الثقافية التي تشكل حاليا 20% من قائمة اليونسكو للتراث العالمي. يوفر التعرف على هذه المعالم فرصة فريدة للتعرف على التاريخ النابض بالحياة للمنطقة الأوراسية.

وكما قال راشد عليموف، الأمين العام لمنظمة شانغهيا للتعاون، فإن التنمية الاقتصادية غير المتكافئة في مختلف أنحاء العالم تؤدي بصورة متزايدة إلى التطرف وإلى حالات النزاع التي تهدد الحياة في نهاية المطاف. وتؤدي الاتجاهات السلبية في التنمية الاقتصادية العالمية إلى تكثيف الاختلالات القائمة التي تسهم بدورها في تزايد عدد التهديدات والتحديات التي تواجه الأمن والتنمية المستدامة. وفي ضوء ذلك، فإن منظمة شانغهاي للتعاون تمثل تعاونا دوليا واسع النطاق في توفير الرواج للانتعاش الاقتصادي العالمي، وضمان الاستقرار الاقتصادي والمالي، والحفاظ على نمو مستدام وديناميكي ومتوازن وشامل في بيئة سريعة العولمة. وفي الوقت نفسه، توافق الدول الأعضاء في المنظمة على أن التجارة العالمية يجب أن تتم وفقا لمبادئ الشفافية وعدم التمييز وعدم قبول الممارسات الحمائية. وستقوم منظمة شانغهاي للتعاون باتخاذ إجراءات إضافية للمساعدة فى تنمية الاقتصادات الإقليمية وتوفير ظروف مواتية للتجارة ودعم مبادرات الاستثمار وتعزيز البنية الأساسية وبناء المجمعات الصناعية كلما سمحت الظروف المناسبة، وكذلك تحسين جودة حياة السكان.

منظمة شانغهاي للتعاون، تعد من تجليات سياسة حسن الجوار الصينية التي تقوم رئيسيا على وضع نقاط الخلاف جانبا وتعظيم الاستفادة من نقاط الاتفاق وتحقيق الكسب المشترك، وهي السياسة التي ثبتت فاعليتها وتشكل نموذجا حري بالأنظمة الإقليمية الأخرى أن تستفيد منه.

 

 

©China Today. All Rights Reserved.

24 Baiwanzhuang Road, Beijing, China. 100037

京ICP备10041721号-4