مجتمع < الرئيسية

من راع للماشية إلى عالم أنثروبولوجيا: قصتي مع التبت في أربعين سنة

: مشاركة
2018-05-02 14:01:00 الصين اليوم:Source غليك:Author

أنا من الدفعة الأولى لطلاب الماجستير من قومية التبت بعد انتهاج الصين سياسة الإصلاح والانفتاح، وأول طالب حصل على الدكتوراه في الأنثروبولوجيا في الصين الجديدة، وأول تبتي يحصل على درجة الدكتوراه. ربما لهذا السبب يعتبرني أبناء مسقط رأسي نموذجا لقومية التبت. وبصراحة، فإن مثل هذا الكلام يشعرني بالخجل، فأنا لا أتمتع بموهبة خاصة وليست لي مساهمات مدهشة. الشيء الذي غيّر مصيري هو انتهاج الصين سياسة الإصلاح والانفتاح.

"أنا محظوظ بالعيش في عصر جيد"

ولدت سنة 1950، في محافظة قانتسي التابعة لولاية قانتسي الذاتية الحكم لقوية التبت في مقاطعة سيتشوان. وصف أحد الصحفيين التغير الذي حدث في حياتي قائلا: "تحولت هوية غليغ من واحد من أبناء يويهبو يويهمو (عبيد الأرض أو الأقنان) إلى عالم تبتيات. مسيرة حياته مليئة بالانعطافات والمصاعب، وشهدت منطقة التبت نموه وتطوره. لذلك، التبت هي منبع حياته ومخزون أفراحه وأتراحه."

قبل الإصلاح الديمقراطي في التبت عام 1956، كنا أسرة من عبيد الأرض، لا نمتلك دارا أو عقارا. كان قدرنا أن نبقى عبيدا إلى الأبد. تعلمت منذ صغري رعي الماشية، مع أختي الكبيرة، عند سيد إقطاعي. كنا أيضا نجمع روث البقر لاستخدامه كوقود. كانت أمي تتمنى أن أصبح لاما في يوم ما، لأن اللاما، وهو منصب ديني يعني كبير الرهبان، له مكانة عالية في المجتمع التبتي.

في عام 1956، بدأ الإصلاح الديمقراطي في مسقط رأسي، وقامت الحكومة بتوزيع ممتلكات الإقطاعيين على الفقراء. حصلت أسرتي على بيت جديد وقطعة أرض وبعض رؤوس البقر. أسست الحكومة الشعبية أول مدرسة ابتدائية في مسقط رأسي بعد تحرير التبت. على الرغم من رغبتها الأصلية في أن أصبح لاما، فضلا عن الشائعات المرعبة التي روجت لها قوى التمرد، قطعت أمي مسافة من ثلاثة إلى أربعة كيلومترات لتقدم طلب التحاق لي بالمدرسة. كانت أمنيتها أن يصبح ابنها معلما. لاحقا، صرت كلما أواجه صعوبة أو مشكلة أستحضر ابتسامة أمي في حقل أسرتنا، وأتذكر المساعدات التي قدمها جيش التحرير الشعبي لي ولأسرتي.

بعد انتهاج الصين سياسة الإصلاح والانفتاح، تغيرت حياتي تماما. أعادت الحكومة العمل بنظام الاختبار الوطني للقبول بالجامعات عام 1977، فشاركت فيه واجتزته، والتحقت بمعهد القوميات في جنوب غربي الصين، لأكون ضمن طلاب الدفعة الأولى بكلية اللغة الصينية في هذا المعهد بعد الثورة الثقافية. درست في هذا المعهد لمدة فصل دراسي واحد، وعندما علمت أن الحكومة أعادت العمل بنظام الاختبار الوطني لقبول طلاب الماجسير، تقدمت لدراسة الماجستير في تخصص تاريخ الأقليات بمعهد علوم الأقليات والأنثروبولجيا في الأكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعية. في عام 1978، أصبحت ضمن أول دفعة لطلاب الماجستير من قومية التبت بعد انتهاج سياسة الإصلاح والانفتاح. غادرت مسقط رأسي وقصدت إلى بكين، عاصمة الصين، من أجل الدراسة.

في الفترة من عام 1983 إلى عام 1986، درست في جامعة صون يات صن للحصول على درجة الدكتوراه في الأنثروبولوجيا (علم الانسان). الدراسة بالأسلوب العلمي الجاد خلال هذه السنوات الثلاث، تركت تأثيرا كبيرا على حياتي، وأرست أساسا متينا لمسيرتي العلمية.

من حسن حظي أنني درست في مؤسستين أكاديميتين مرموقتين، فقد درست الماجستير في الأكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعية، ودرست الدكتوراه في جامعة صون يات صن. تعلمت على يد الأستاذين الكبيرين من قومية هان، البروفيسور لي يو يي والبروفيسور ليانغ تشاو تاو.

أنا واحد من الذين استفادوا من سياسة الإصلاح والانفتاح. بفضل التعليم النظامي، تحولت من راع للماشية إلى عالم حائز على جائزة الدكتوراه الشرفية لصحاب المساهمات البارزة للدولة في يناير عام 1991، في قاعة الشعب الكبرى ببكين، منحني رئيس الصين الأسبق جيانغ تسه مين هذه الجائزة. في مراسم منح الجائزة، قدمت للرئيس جيانغ وشاح هادا التبتي، فقال لي: "أنت من قومية التبت وتخصصك هو علم الإنسان." بالتأكيد، أنا من قومية التبت ومن أسرة أقنان. لو لم يتم تحرير التبت والإصلاح الديمقراطي تحت قيادة الحزب الشيوعي الصيني، ما كنت سأصبح عالم أنثروبولوجيا وما كان ممكنا أن أقدم مساهمات عظيمة لتطوير العلوم الاجتماعية في الصين أو أن أحصل على شهادة الاعتراف من مجلس الدولة لجمهورية الصين الشعبية أو العلاوات الحكومية الخاصة. ربما كان يمكن، في أحسن الأحوال، أن أصبح لاما في معبد.

         شاهد على التغيرات في التبت

خلال الأربعين سنة الماضية، زرت تقريبا كل الأماكن التي يقطنها أبناء قومية التبت في الصين؛ من نغاري في غربي البلاد إلى منطقة المروج في الشمال، ومنطقة لهوكا مهد قومية التبت في الجنوب، وكامدو في الشرق والولايات الذاتية الحكم لقومية التبت في مقاطعات يوننان وتشينغهاي وقانسو. ما يسعدني هو أنه تمت معالجة المشكلات الصعبة، أما ما يقلقني بشدة فهو تطور ثقافة التبت التقليدية والمهمشة في العصر الحديث.

في السنوات الماضية، نظمت عددا من البحوث العلمية على المستوى الوطني، حول بناء الحضارة المادية والروحية في المناطق التي يقطنها أبناء قومية التبت. منها، "دراسة في ثقافة التبت التقليدية وخطوات تحديثها"، و"دراسة في مائة أسرة في التبت" و"التحديات والفرص: دراسة في خطوات تحديث التبت والمناطق التي يقطنها أبناء قومية التبت "، و"دراسة في حماية ثقافة التبت والمناطق التي يقطنها أبناء قومية التبت في مقاطعة سيتشوان وإستراتيجية تحديثها".

خلال الأربعين سنة الماضية، كانت حياة الفلاحين والرعاة في التبت بعد تحرير منطقة التبت، وخاصة بعد انتهاج سياسة الإصلاح والانفتاح، محور دراساتي. قمت بدراسة حول التغيرات الملموسة لألف أسرة تبتية في مناطق الحضر والزراعة والرعي. النتائج التي توصلت إليها الدراسة حول التغيرات في هذه المناطق، جاءت كما يلي:

منذ انتهاج الصين سياسة الإصلاح والانفتاح، اتخذت التبت نظام مسؤولية المقاولة العائلية في مناطق الزراعة والرعي، فأصبح الفلاحون والرعاة أصحاب حقوق استخدام وملكية الأرض والماشية، مما دفع تطور قوى الإنتاج، وزادت دخول المواطنين وتحسّن مستوى معيشتهم.

بعد تبني سياسة الإصلاح والانفتاح، تحول نمط الاقتصاد في مناطق الزراعة والرعي من اقتصاد الاكتفاء الذاتي والانغلاق إلى الاقتصاد السلعي بصورة تدريجية. مع تطور اقتصاد السوق، لم يعد الفلاحون والرعاة يقومون بأعمال الزراعة والرعي فقط، وإنما أيضا يستفيدون من السوق المنفتحة والمواصلات السهلة لتوسيع نطاق أعمالهم في القطاعات المختلفة، مثل الصناعة والبناء والنقل والتجارة والأطعمة.

مع تطور الاقتصاد وتحسن معيشة الشعب، يتحول نمط حياة المحليين من الاكتفاء بالأطعمة الأساسية والملابس الضرورية، إلى السعي وراء الاستهلاك لتحسين نوعية حياتهم. صار الناس يفضلون شراء البضائع والخدمات المتعلقة بالتكنولوجيا والتعليم والسياحة والترفيه. أشارت نتائج الدراسة إلى أن أجهزة التلفزيون والغسالات الكهربائية والسيارات والدراجات النارية والهواتف النقالة والثلاجات وأفران الميكروويف وغيرها من البضائع العالية المستوى والمعمرة دخلت إلى بيوت التبتيين في المناطق الحضرية أولا، ثم إلى المناطق الريفية.

منذ انتهاج سياسة الإصلاح والانفتاح، تتبنى منطقة التبت الذاتية الحكم سياسة حرية الاعتقاد الديني. كافة الأنشطة القانونية للعبادة والصلاة، محمية بالقانون والسياسات الوطنية كما أن المجتمع يحترم هذه الأنشطة. يتمتع أهل التبت بحرية شاملة في العقيدة. سياسة حرية الاعتقاد من السياسات المعروفة بين أبناء التبت، وهم يعتبرونها سياسة جيد جدا. حسب تقاليد المجتمع التبتي، يعتقد التبتيون أن وظيفة الراهب من الوظائف الجيدة للشباب، لكن حاليا، يفضل أكثر من ستين في المائة من أولياء الأمور في التبت أن يصبح أولادهم موظفين في الأجهزة الحكومية أو أطباء. هذا التغير ليس بسبب عدم الإيمان بالبوذية وإنما بسب تغير وجهات نظر التبتيين.

بالنسبة للمساكن، وفرت الحكومة احتياجات المحليين الأساسية للسكن. زاد متوسط نصيب الفرد من مساحة السكن 6ر2 مرة، بالمقارنة مع ما قبل الإصلاح الديمقراطي. في الوقت الحالي، يفضل الناس إعادة ترميم البيوت القديمة بزخارف أفضل.

من ناحية الغذاء، تحول نمط الغذاء من الاكتفاء بالمستلزمات الأساسية إلى تحسين جودة الأطعمة. حاليا، يأكل التبتيون أطعمة متنوعة. مازال المحليون يستهكلون كميات كبيرة من عصيدة تسامبا (الطعام الرئيسي للتبتيين) والحبوب الخشنة، ولكن حجمها ينخفض. هذا يدل على ارتفاع جودة أطعمة التبتيين.

بالنسبة للملابس، تحول المحليون من الاكتفاء باللباس الدافئ إلى السعي وراء الموضة في الطراز واللون. يتزايد إقبال التبتيين على الملابس المتوسطة والعالية المستوى. يرتدي كثيرون في لاسا، عاصمة منطقة التبت، الملابس غير التقليدية أو البدلات.

ومن ناحية السياسة، منذ تنفيذ سياسة الإصلاح والانفتاح، تجري في منطقة التبت الانتخابات الديمقراطية، كوسيلة هامة للمشاركة السياسية للشعب. تستند هذه الانتخابات على قدرة العمل للمرشح ومساهماته في المجتمع، وليس على انتمائه القبلي أو العائلي.

 

تقديم التبت الحقيقية للعالم

كعالم أنثروبولوجيا، لدي فرص للقيام بالتبادلات الأكاديمية في الجامعات الأجنبية. بالنسبة لي، أنها فرص سانحة لتقديم التبت الحقيقية للعالم.

في عام 1989، ألقيت محاضرة بعنوان "التبت: شانغري-لا أم مجتمع عبودي"، أمام ثمانين أكاديميا أمريكيا في جامعة باسيفك لوثرن الأمريكية. وفي جامعة كاليفورنيا الأمريكية، ألقيت محاضرة حول الست والخمسين قومية في الصين ونظرية ماركس حول الأقليات القومية وسياسة الحكم الذاتي القومي والتضامن بين أبناء القوميات المختلفة في الصين، أمام ستين طالبا أمريكيا. من خلال النشاطات الشعبية وغير الحكومية، يعرف مزيد من الشباب الأمريكيين حقائق أبناء الأقليات القومية في الصين، ومنها حقائق التبت.

زرت دولا كثيرة منذ انتهاج الصين سياسة الإصلاح والانفتاح، ولاحظت مفارقة عجيبة في رأي الأكاديميين الغربيين حول الصين، فهم يعيشون في مجتمع حديث، ولكنهم ينتقدون تحديث التبت. بالنسبة لكثير من الغربيين، التبت أسطورة ساحرية، وخاصة بعد نشر رواية ((الأفق المفقود)) في عام 1933. هم يتخيلون أن التبت هي ملاذ الروح للبشرية.

باعتباري أكاديميا صينيا متخصصا في علم التبتيات، أود أن تحقق التبت تحديث اقتصادها. هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى أريد أن يواكب أبناء التبت أبناء القوميات الأخرى للدخول إلى العصر الجديد للاشتراكية ذات الخصائص الصينية.

أنا في العقد السابع من عمري حاليا، ومازلت مشغولا في أعمال التدريس والبحوث العلمية وتقديم المساهمات لتدريب الأكفاء، وتقديم المساهمات لدفع تطور التبت وحماية سيادة الدولة والتضامن بين أبناء القوميات المختلفة.

--

غليك، مشرف طلاب الدكتوراه في تخصصي علم القوميات وعلم التبتيات في جامعة القوميات بجنوب غربي الصين، ونائب مدير عام المركز الصيني لدراسات التبت سابقا.

©China Today. All Rights Reserved.

24 Baiwanzhuang Road, Beijing, China. 100037

京ICP备10041721号-4