على مقهى في الشارع الصيني < الرئيسية

من قمة بريكس إلى مؤتمر الحزب: الصين تقود تنمية وسلام العالم

: مشاركة
2018-02-05 16:19:00 الصين اليوم:Source حسين إسماعيل:Author

 أنظار العالم مصوبة نحو الصين، الحاضرة بكثافة في نشرات الأنباء والبرامج الحوارية في كافة محطات التلفزة العالمية تقريبا. والصين، مثل لوحة الحبر الصينية، يمكنك أن ترى فيها صورا شتى متناغمة أو متناقضة، حسب نظارتك المعرفية وانحيازاتك الفكرية، وأحيانا حسب تمنياتك التي قد لا تكون بالضرورة حقيقية أو واقعية. في الثالث من سبتمبر 2017، وبينما كان الرئيس الصيني يستقبل في مدينة شيامن زعماء الدول أعضاء مجموعة "بريكس"؛ البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا، إضافة إلى زعماء الدول التي دُعِيَت للمشاركة في القمة التاسعة للمجموعة، وهي مصر وكينيا وطاجيكستان والمكسيك وتايلاند، كان البيت الأبيض يعلن أن الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، سيجتمع مع فريقه للأمن القومي لمناقشة قيام كوريا الشمالية باختبار قنبلة هيدروجينية، وسبل الرد على تلك التهديدات.

الصين، التي تزعم وسائل الإعلام الغربية دائما أنها الحليف الرئيسي لكوريا الشمالية، قالت تعليقا على التجربة النووية الأخيرة لبيونغ يانغ: "تجاهلت كوريا الشمالية معارضة المجتمع الدولي الواسعة وأجرت ثانية اختبارا نوويا". وقالت وزارة الخارجية الصينية في بيان لها: "تعبر الحكومة الصينية عن معارضتها الحازمة وإدانتها الشديدة لهذا الأمر". وفي الثالث من سبتمبر، أيضا، قال ترامب إن واشنطن تدرس قطع العلاقات التجارية مع أي دولة تتعامل تجاريا مع كوريا الشمالية. وقبل إطلاق بيونغ يانغ الصاروخ الذي عبر فوق اليابان، وقبل تفجيرها القنبلة الهيدروجينية المدوية، كان ترامب قد حذر كوريا الشمالية من "النار والغضب"، فكتم العالم أنفاسه تأهبا لأسوأ سيناريو يمكن أن تشهده الكرة الأرضية في القرن الحادي والعشرين.

وبينما كانت طبول الحرب تُقرَع على الجانب الآخر من المحيط، كانت شيامن تصوغ استراتيجية أخرى لعالم يسوده السلام والتنمية. في الخامس من سبتمبر، دعا البيان الختامي لقمة بريكس، إلى تعزيز التعاون البنّاء بين دول المجموعة لدعم التنمية المستدامة والنمو الاقتصادي، مشددا على أهمية الحوار بين مجموعة بريكس والدول النامية ذات الاقتصادات الناشئة.

البيان أشار إلى أن دول بريكس سوف تعزز الاتصالات والتنسيق لتحسين الحوكمة الاقتصادية العالمية لبناء نظام اقتصادي دولي أكثر توازنا، مؤكدا أهمية العدالة في حماية السلام والاستقرار على المستويين الإقليمي والدولي. وأوضح أن دول بريكس سوف تواصل تعزيز مسيرة التنوع الثقافي والحوار بين شعوب المجموعة لضمان التأييد الشعبي لأهداف بريكس. وأشار إلى أن دول بريكس سوف تواصل لعب دور هام كمحرك للنمو العالمي في ضوء تراجع معدلات النمو الاقتصادي القوي على المستوى العالمي. وأضاف، أن زعماء دول بريكس اتفقوا على تعزيز وتوسيع آلية ونطاق التعاون في مجالي التجارة والاستثمار في ضوء التنوع الذي تتسم به اقتصاديات الدول الأعضاء في المجموعة. وأكد الإعلان أهمية تدعيم التعاون المالي بين دول بريكس لزيادة معدلات النمو وتحقيق متطلبات التنمية، مشددا على أهمية الابتكار كمحرك رئيسي للنمو الاقتصادي والتنمية المستدامة على المدى المتوسط والطويل. وقال، إن زعماء دول بريكس ملتزمون بتشجيع التعاون المشترك في مجالات العلوم والتكنولوجيا والابتكارات لمواجهة تحديات التنمية، مؤكدين التزامهم بتدعيم التعاون الصناعي والزراعي وتنسيق السياسات المتعلقة بذلك المجال. وقد أبدت دول بريكس التزامها بالتنفيذ الكامل لخطة التنمية المستدامة وتعزيز التنمية الخضراء والاقتصاد المرتكز على معدلات انبعاثات منخفضة من الكربون. واتفقوا على تعزيز التعاون لمواجهة الفساد نظرا لتأثيره السلبي على التنمية المستدامة، مطالبين بتقوية التعاون الدولي لمواجهة الفساد.

أمام هذا المشهد، تخيلت أنه لو قسمت شاشة التلفاز إلى نصفين لتنقل ما يجري في شيامن وما يدور في واشنطن، لرأينا صورتين مختلفتين تماما لمستقبل عالمنا؛ مستقبل فيه مصير مشترك للكرة الأرضية، ومستقبل يريد أن يلغي الآخر ويمحوه من على وجه الأرض!

وبينما كانت شيامن الجميلة تحتضن قمة المستقبل المشترك للبشرية، كانت الصين تتأهب لحدث داخلي هو الأهم في السنوات الخمس الأخيرة؛ ففي هذا الشهر، أكتوير 2017، يعقد المؤتمر الوطني التاسع عشر للحزب الشيوعي الصيني. هذا المؤتمر ستتم فيه مراجعة إنجازات وإخفاقات السنوات الخمس الماضية، منذ المؤتمر الوطني الثامن عشر للحزب، وصياغة استراتيجية الصين للسنوات الخمس المقبلة وما بعدها، وهذا ما يشغل كل صيني لأن الأمر برمته يتعلق بحياته وحياة أبنائه وأحفاده. ولأن الصين باتت لاعبا رئيسيا على المسرح السياسي والاقتصادي الدولي، فإن كل العالم يترقب هذا الحدث، ذلك أن كل ما سيقره المؤتمر سيكون له انعكاساته على الساحة الدولية.

  والصين لكي تحقق أهداف "المئويتين" ((مئوية تأسيس الحزب في 2021، ومئوية تأسيس الصين الجديدة في 2049)، ولتحقق حلم الصين للنهضة العظيمة للأمة، وانطلاقا من واقع التنمية فيها طرحت استراتيجية "الشوامل الأربعة". هذه الشوامل الأربعة هي: إنجاز بناء مجتمع الحياة الرغيدة على نحو شامل، وتعميق الإصلاح على نحو شامل، وحوكمة الدولة وفقا للقانون، وحوكمة الحزب بصرامة على نحو شامل.

الرئيس الصيني شي جين بينغ، قال في كلمة له بحفل استقبال أقامه المغتربون الصينيون في مدينة سياتل الأمريكية في 23 سبتمبر 2015: "إنجاز بناء مجتمع الحياة الرغيدة هو الخطوة الأولى والمفتاحية لتحقيق أهداف كفاحنا. عندما يتحقق، سيقترب إجمالي حجم الاقتصاد الصيني من 17 تريليون دولار أمريكي، وسيرتفع مستوى معيشة الشعب بشكل ملحوظ." وأوضح شي، وهو أيضا أمين عام اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني، أن تعميق الإصلاح يتطلب الانفتاح على الخارج، وتهيئة بيئة أكثر انفتاحا وسهولة وشفافية لدخول الاستثمار الأجنبي، وتوفير حيز أوسع لقيام الصين بالتعاون الدولي مع مختلف البلدان.

إن قادة الصين وهم يصيغون استراتيجية تنمية بلادهم يضعون نصب أعينهم ما قاله مهندس سياسة الإصلاح والانفتاح الصينية، الزعيم دنغ شياو بينغ: "يجب فهم قضية التنمية من منظور البشرية كلها، ومراقبة وحل المشكلات المعنية من هذا المنظور...وإن الصين وجميع دول العالم الثالث ذات مصير مشترك. الصين لن تمارس الهيمنة بأي شكل من الأشكال، ولن تظلم الدول الأخرى، وستقف إلى جانب العالم الثالث دائما". ويتذكرون جيدا أيضا مقولته: "لا تتوهم أي دولة أجنبية أن تصبح الصين تابعة لها، وأن تبتلع الصين ثمرة مرة تضر بمصالح بلادنا." هذه محددات السياسة الصينية على الصعيدين الداخلي والخارجي، وهي المحددات التي يتمسك بها الحزب وتمثل الإطار الذي يحكم مخرجات المؤتمر الوطني التاسع عشر للحزب. في كلمة له في شهر ديسمبر 2016، قال الرئيس شي: "علّمنا تاريخ الحزب وتاريخ تطور الصين الجديدة أنه من الضروري ضمان تماسك حزبنا ووحدته المركزية، وحماية سلطة اللجنة المركزية للحزب."

يعقد المؤتمر الوطني التاسع عشر للحزب وأمام قادة الصين خريطة واسعة، ولكنها واضحة المعالم، لتحديات جمة وفرص كثيرة تواجه البلاد، داخليا وخارجيا. داخليا، يواجه الحزب ذاته مشكلات حقيقة، تناولها الأمين العام شي جين بينغ بصراحة في حديث له يوم 24 أكتوبر 2016، حول ((المبادئ التوجيهية بشأن الحياة السياسية داخل الحزب))، ومنها: "عدم الإخلاص للشعب وتراخي الانضباط والانفصال عن الجماهير والاستبداد والخداع والغش والكسل وعدم إنجاز أي عمل، من جانب بعض أعضاء الحزب، بما في ذلك كوادر من المستوى الرفيع، فضلا عن الأنانية وعبادة المال بدرجات مختلفة، والشكلية والبيروقراطية، ونزعات المتعة والبذخ والإسراف، والمحسوبية، وشراء وبيع المناصب، والرشوة في الانتخابات، وإساءة استعمال السلطة، واختلاس المال وقبول الرشوة، والفساد والانحطاط، ومخالفة القانون والانضباط. وقد قوضت هذه المشكلات بشكل خطير الأساس الأيديولوجي والأخلاقي للحزب، مما قوض بشكل خطير وحدة الحزب ومركزيته، وألحق ضررا بالغا بالبيئة السياسية للحزب وصورة الحزب، وأثر بشكل خطير على تطور قضية الحزب والشعب." وقال السيد شي إن حل التناقضات والمشكلات البارزة داخل الحزب يتطلب وضع البناء الفكري والسياسي للحزب في المقام الأول، وتهيئة بيئة سياسية نظيفة. ولهذا، تمت صياغة ((لوائح المراقبة الداخلية للحزب الشيوعي الصيني))، من أجل ضبط ومعايرة الحياة السياسية داخل الحزب، وتعزيز المراقبة داخل الحزب، ورفع مستوى بناء الحزب على نحو شامل بطريقة علمية، وتحقيق أهداف "المئويتين" وتحقيق حلم الصين للنهضة العظيمة للأمة.

تواجه الصين أيضا تحديات اقتصادية واجتماعية جمة، بعضها جاء كتداعيات طبيعية للتحولات التي شهدتها البلاد خلال الأربعين عاما الفائتة، ومنها تحول نمط النمو الاقتصادي والمشكلات الديموغرافية الناتجة عن الهجرة السكانية الواسعة النطاق والقدرة الإنتاجية المفرطة وفجوة الدخل بين الأفراد والمناطق وارتفاع تكلفة الإنتاج وتلوث البيئة وارتفاع أسعار العقارات السكنية بصورة جنونية في بعض المدن، وما يسمى بفخ "الدخل المتوسط"، وغير ذلك.

التحديات التي تواجه الصين على الصعيد الخارجي ليست أقل ضراوة، فالولايات المتحدة الأمريكية تواصل، بل تصعّد، سياستها لاحتواء الصين، من خلال بناء حزام ناري للتحالفات مع الدول المحيطة والمجاورة للصين، ويتمثل ذلك في افتعال المشكلات في بحر الصين الجنوبي وبحر الصين الشرقي، وتعزيز التواجد العسكري الأمريكي في شبه الجزيرة الكورية واليابان وأفغانستان وغيرها من دول وسط وشرقي وجنوب شرقي آسيا، واستمرار مبيعات السلاح الأمريكية لتايوان. إن التصعيد الأمريكي الأخير في أزمة شبه الجزيرة الكورية، ومحاولات واشنطن إلقاء كرة اللهب الكورية في مرمى الصين ليست إلا مثالا للمساعي الأمريكية لإرباك بكين، وشغلها عن مسيرة تنميتها.

ولكن، وكما ذكرت آنفا، القيادة الصينية ترى بوضوح خريطة التحديات والفرص، وتتعامل معها بواقعية وتمتلك استراتيجية محددة المعالم للتعامل معها، وهي ليست استراتيجية أنانية تروم مصالح الصين وحدها، وإنما استراتيجية تسعى لسلام وتنمية العالم كله. في يناير 2017، قال شي جين بينغ في كلمته أمام منتدى دافوس الاقتصادي مخاطبا العالم: "لقد أصبحت البشرية في رابطة مصير مشترك، فأنتم تعيشون فينا ونحن نعيش فيكم، مصالحنا متكاملة بدرجة عالية، ويعتمد كل منا على الآخر. كل بلد له الحق في التنمية، لكن ينبغي أن يفكر في مصالحه على مستوى أوسع." وأضاف: "أخبرنا تطور التاريخ العالمي أن تقدم الحضارة البشرية لم يجد ولن يجد طريقا ممهدا، حيث تتقدم البشرية إلى الأمام من خلال نضالها ضد الصعوبات. ومن المستحيل أن تعوق الصعوبات، مهما كبر حجمها أو تعاظم خطرها، خطوات تقدم البشرية إلى الأمام. عندما نواجه الصعوبات، يتعين ألا نلوم الآخرين ونتهمهم وألا نتنصل من المسؤولية، بل ينبغي أن تتضافر جهودنا للتغلب عليها. التاريخ يصنعه الشجعان. لنكن مفعمين بالثقة ونقوم بالأعمال الحقيقية لننطلق إلى المستقبل يدا بيد." هذه هي رسالة الصين لشعبها وللعالم!

 

©China Today. All Rights Reserved.

24 Baiwanzhuang Road, Beijing, China. 100037

京ICP备10041721号-4