ملف العدد < الرئيسية

كيف يمكن تحقيق الرخاء المشترك ذي الخصائص الصينية؟

: مشاركة
2021-12-02 14:42:00 الصين اليوم:Source وانغ هونغ رو:Author

في الثالث والعشرين من شهر أكتوبر سنة 1985، قال الزعيم الصيني الراحل دنغ شياو بينغ لوفد من رجال الأعمال الأمريكيين: "سيتم السماح لبعض المناطق والأشخاص بتحقيق الثراء أولا، حتى يتمكنوا من مساعدة الآخرين على تحقيق الرخاء المشترك تدريجيا."

باستعراض نقطة انطلاق الإصلاح قبل أكثر من أربعين سنة، نجد أن الصين قد تغلبت على انحراف نزعة المساواة بشكل فعال، وحطمت القيود الأيديولوجية لنظام الاقتصاد المخطط وأشعلت حماسة مختلف الأطراف، وحققت تنمية اقتصادية سريعة لمدة طويلة، في ظل الدعوة إلى "السماح لبعض الناس بتحقيق الثراء أولا".

الرخاء المشترك سيكون موضوعا محوريا حتما

في ظل تأثير وقيود الهيكل الاقتصادي المزدوج الطويل الأمد والتوزيع غير المتوازن للموارد، بدأ ظهور عدم العدالة والفجوة في الصين مع تحقيق التنمية الاقتصادية الصينية ثروة ضخمة، وقد أوضحت البيانات المنشورة أن معامل جيني، وهو من المقاييس الهامة والأكثر شيوعا في قياس عدالة توزيع الدخل القومي، ارتفع في الصين من 317ر0 في عام 1978 إلى 465ر0 في عام 2019، ووصل إلى ذروته عند 491ر0 في عام 2008، ثم انخفض إلى 465ر0 في عام 2019.

حول فجوة الدخل بين الحضر والريف، أوضح ((البيان الإحصائي للاقتصاد الوطني والتنمية الاجتماعية لعام 2020)) الذي أصدرته مصلحة الدولة للإحصاء، أن نصيب الفرد في الصين من الدخل القابل للإنفاق وصل إلى 189ر32 ألف يوان (الدولار الأمريكي يساوي 4ر6 يوانات) في عام 2020، وأن الرقم بالنسبة لسكان الحضر بلغ 834ر43 ألف يوان، وبالنسبة لسكان الريف وصل إلى 131ر17 ألف يوان، مما يشير إلى فجوة ملحوظة بين الحضر والريف.

بالإضافة إلى الفجوة بين الحضر والريف، ثمة فجوة واضحة في الدخل بين المناطق الشرقية ذات الدخل المرتفع والمناطق الغربية ذات الدخل المنخفض، والأمر كذلك بين مختلف القطاعات، حيث أن مستوى دخل القطاعات ذات القدرة القوية على جلب الأموال مثل قطاعي الإنترنت والمال وغيرها، أعلى بشكل ملحوظ من مستوى دخل الصناعات التقليدية الكثيفة العمالة. ومن الواضح أن ذلك ينحرف عن الهدف المبدئي لدعوة "السماح لبعض المناطق والأشخاص بتحقيق الثراء أولا، حتى يتمكنوا من مساعدة الآخرين على تحقيق الرخاء المشترك تدريجيا".

أولت اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني اهتماما بالغا لمسألة عدم العدالة وفجوة الدخل، فطرحت سلسلة من المبادئ التوجيهية والسياسات لحل مشكلات عدم عدالة توزيع الدخل وتعاظم الفجوة في الدخل، خلال العشرين سنة الأخيرة، وحققت تقدما في هذا الصدد، إذ تقلصت فجوة الدخل بين الحضر والريف بنسبة 08ر0%، إلى 56ر2 من عام 2019 إلى 2020، وانخفضت فجوة الدخل بين المناطق من 673ر1 في سنة 2015 إلى 64ر1 في عام 2019.

منذ انتهاج سياسة الإصلاح والانفتاح، حققت التنمية الاقتصادية في الصين منجزات تاريخية ملحوظة في العالم. وأظهرت البيانات المنشورة أن إجمالي حجم الاقتصاد الصيني ارتفع بسرعة من 6ر901 مليار يوان في عام 1985 إلى 6ر101598 مليار يوان في عام 2020، بزيادة 112 ضعفا. وبلغ متوسط نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي 447ر72 ألف يوان في عام 2020، أي 504ر10 آلاف دولار أمريكي تقريبا، مما وضع أساسا اقتصاديا راسخا لتحقيق الرخاء المشترك.

الرخاء المشترك ليس مساواة موحدة

قام الاجتماع العاشر للجنة الشؤون المالية والاقتصادية التابعة للجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني بشرح الرخاء المشترك بشكل شامل ومنهجي وديالكتيكي: أن الرخاء المشترك هو الرخاء لكل الشعب ورخاء الحياة المادية والمعنوية لجماهير الشعب، وليس رخاء الأقلية وليس نزعة المساواة الموحدة، ويجب تعزيز الرخاء المشترك في مراحل مختلفة.

قال البروفيسور فو تشانغ بوه، الأستاذ في كلية علم الاجتماع بجامعة المعلمين في بكين، إن مفهوم الرخاء المشترك هو وصف لمظهر المجتمع الصيني الحديث، كما أنه ترتيب لوضع المجتمع المثالي القائم على أساس توافق الجميع. وأضاف: "يجب أن أؤكد أن الرخاء المشترك ليس رخاء متزامنا، وليس سرقة الأغنياء وإعطاء الفقراء، وليس نزعة المساواة أيضا، بل هو الرخاء المشترك تحت ضمان النظام." بينما نبه قائلا: "جدير بالاهتمام أن الرخاء المشترك يُسمح فيه بوجود فجوة بدرجة مناسبة بين الفقراء والأغنياء، وسيظل من الضروري وجود حوافز معتدلة، لأن المساواة بين الفقراء والأغنياء قد تؤدي إلى فقدان الشعب للقوة المحركة للكفاح."

قال السيد سو هاي نان، المدير السابق لمركز بحوث العمل والرواتب بوزارة الموارد البشرية والضمان الاجتماعي والباحث في الجمعية الصينية لعلوم العمل: "الرخاء المشترك هو تعديل الدخل المفرط والدخل غير المعقول واستئصال الدخل غير القانوني وفقا للقوانين واللوائح، وضمان تمكين الفئة ذات الدخل المنخفض من أن تعيش حياة كريمة، والمحافظة على حيز معقول لفجوة جودة الحياة بين كافة الصينيين، وضمان عدم وجود هوة ساحقة لجودة الحياة بين العائلات ذات الدخل المرتفع والعائلات ذات الدخل المنخفض."

التعديل المعقول للدخل المفرط

منذ المؤتمر الوطني الثامن عشر للحزب الشيوعي الصيني، ورد ذكر عبارة "الرخاء المشترك" غير مرة في وثائق اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني.

قامت الجلسة الكاملة الخامسة للجنة المركزية التاسعة عشرة للحزب التي عقدت في أكتوبر عام 2020، بترتيب هام لتحقيق "الرخاء المشترك"، حيث طرحت هدفا بعيد المدى لـ"تحقيق تطورات فعلية أوضح نحو الرخاء المشترك لكل الشعب" بحلول عام 2035. وطرحت "توسيع نسبة الفئات ذات الدخل المتوسط، وزيادة دخل الفئة ذات الدخل المنخفض، والتعديل المعقول للدخل المرتفع، واستئصال الدخل غير القانوني، لتشكيل هيكل توزيع على شكل حبة الزيتون الكبيرة في الوسط والصغيرة في الطرفين."

في ظل خلفية تعزيز الرخاء المشترك، جلبت أساليب وإجراءات تعديل الدخل المرتفع أنظار الناس. وبناءً على المشكلات والتناقضات العديدة في مجال توزيع الدخل، يُنظر إلى استكشاف إصلاح النظام الضريبي على أنه اختراق لإزالة الحواجز أمام الرخاء المشترك. قال السيد سو هاي نان إن الدخل الضريبي هو الإجراء الأول لتعديل الدخل المرتفع. وبالنسبة لذوي الدخل المرتفع، يجب فرض ضريبة دخل الفرد على كل أصحاب الدخل المرتفع، وبشكل كامل. ويجب تعديل ضريبة الدخل على الممتلكات وضريبة الأرباح الرأسمالية، ولا يجب فرضهما بمعدل ضريبة ثابت قدره 20٪. وينبغي البدء في فرض ضريبة العقارات الثابتة وضريبة الميراث، وضريبة الهدايا في الوقت المناسب.

تُعد مسألة التوزيع نواة الرخاء المشترك. وأكد الاجتماع العاشر للجنة الشؤون المالية والاقتصادية التابعة للجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني على المعالجة الصحيحة للعلاقة بين بين الكفاءة والإنصاف، وإقامة الترتيب المؤسسي الأساسي المتكون من التوزيع الأولي والتوزيع الثاني والتوزيع الثالث. التوزيع الأول يقصد به التوزيع حسب دور مختلف العوامل في الإنتاج في نظام اقتصاد السوق، ويجسد رئيسيا مبدأ "الكفاءة أولا"، أي التوزيع وفقا لفاعلية ووظائف العوامل في الإنتاج، وتكون العلاقة بين العمل ورأس المال عاملا هاما يقرر مستوى التوزيع الأول. قال السيد سو هاي نان، إنه ينبغي كسر الدخل المرتفع الذي يجلبه احتكار الصناعة، قدر الإمكان، خلال التوزيع الأولي، لأن الدخل الاحتكاري يأتي عادة من رأس المال للصناعة المقابلة وليس متاحا لكل الناس الذين يعملون في تلك الصناعة. بالإضافة إلى ذلك، ينبغي تهيئة بيئة السوق للتنافس العادل على خير وجه لتنفيذ مبدأ الجمع بين مبدأ "لكل حسب عمله" والتوزيع حسب مساهمات عوامل الإنتاج بشكل فعلي.

من أجل تحسين هيكل توزيع الدخل إلى مستوى معقول، لا بد من الاعتماد على التوزيع الثاني، الذي يقصد به قيام الحكومة بإعادة التوزيع بين مختلف كيانات الدخل بعد الإنتاج باستخدام الدخل الضريبي والإنفاق المالي. ويحقق التوزيع الثاني تنسيق توزيع الدخل من خلال الضمان الاجتماعي والخدمات العامة وأنظمة الإعانة المالية وغيرها رئيسيا. وبالمقارنة مع التوزيع الأولي، يتجسد التوزيع الثاني في مرحلة ما بعد الإنتاج. وقال السيد سو هاي نان: "بعد التعديل من خلال التوزيع الثاني، لم يشهد معامل جيني في الصين تغيرا كبيرا، مما يوضح أن التعديل لم يلعب دوره كاملا، فيجب أن نركز القوة على التوزيع الثاني."

"التوزيع الثالث" هو إعادة توزيع الموارد الاجتماعية والثروة، يتم تنفيذه بشكل رئيسي من قبل الفئات ذات الدخل المرتفع على أساس تطوعي، من خلال النفع العام الخيري، مثل التبرعات وجمع التبرعات والتمويل، وهو إضافة نافعة إلى التوزيع الأولي والتوزيع الثاني، ومفيد لتضييق الفجوة الاجتماعية وتحقيق توزيع الدخل المعقول بشكل أفضل.

التوزيع الأولي اختيار طبيعي قائم على السوق التي تُعتبر "اليد الخفية"، فهو آلية السوق؛ والتوزيع الثاني قائم على الحكومة التي تُعتبر ""اليد المرئية""، ولدى الحكومة هدف واضح للقيام بترتيب فرض الضرائب والضمان الاجتماعي وترتيب المدفوعات التحويلية، فهو آلية الحكومة أو السلطة العامة؛ أما التوزيع الثالث فيقوم على الأفعال الطوعية، ولكنه جوهريا آلية تعاون بين الحكومة والمجتمع في الشؤون العامة، لأن هناك ترتيبات حكومية لتحفيز الأعمال الخيرية من خلال تخفيض الضرائب أو الإعفاء منها.

قال ليكه أوبوه، نائب مدير معهد بحوث أفكار وممارسات الاقتصاد الصيني في جامعة تشينغهوا، إن الخبرة الأساسية لتنفيذ الاشتراكية ذات الخصائص الصينية هي بذل الحكومة والسوق جهودا موحدة. يمكن استخدام هذه الخبرة في مجال إقامة النظام والآليات العالية الفعالية للرخاء المشترك. وأضاف: "بتفصيل أكثر، يجب على الحكومة أن تقود الاتجاه الأساسي للرخاء المشترك، وخاصة في آلية السوق ونظام الدخل الضريبي واستخدام الأيدي العاملة وغيرها من المجالات، فيمكن دفع تحقيق الرخاء المشترك من خلال التشريعات وغيرها من الطرق، بينما يجب على الحكومة أن تشجع كيانات السوق على المبادرة إلى تقديم الآراء والجهود في مجال الرخاء المشترك، من خلال إصدار سلسلة من السياسات، لتنشيط القوة الحيوية الذاتية للسوق."

--

وانغ هونغ رو: صحفية في مجلة ((أخبار الصين)) الأسبوعية

 

©China Today. All Rights Reserved.

24 Baiwanzhuang Road, Beijing, China. 100037

京ICP备10041721号-4