ملف العدد < الرئيسية

نراكم بعد عامين.. أولمبياد الشتاء في أحضان بكين

: مشاركة
2019-12-31 16:46:00 الصين اليوم:Source محمد علام:Author

بعد عامين وشهرين، سيجتمع رياضيو العالم مجددا في العاصمة الصينية بكين، عندما تنطلق في الرابع من فبراير سنة 2022 دورة الألعاب الأولمبية الشتوية هناك. إن لكل مدينة فازت بتنظيم أعظم حدث رياضي في كوكبنا على الإطلاق قصة، بدأت بحلم ومرت برجاء وعمل يصحبه، إلى أن وصلت إلى صيحات الفرح عند إعلان فوزها بشرف التنظيم، ولكن مهلا فالقصة لا تنتهي هنا.

بوابة التاريخ

إن تعبير دخول التاريخ من أوسع أبوابه، الذي كثيرا ما يستخدمه الكتاب، يليق بما حققته بكين في اليوم الأخير من شهر يوليو عام 2015 حينما اختيرت لتنظيم دورة الألعاب الأولمبية الشتوية لعام 2022، فبذلك تصبح المدينة الوحيدة في العالم التي نالت شرف تنظيم الأولمبياد الصيفية في نسختها الفريدة عام 2008، والأولمبياد الشتوية القادمة 2022.

والحقيقة أن الصين كدولة تستحق ذلك، فهي تحشد اهتمام مسؤوليها وشغف شعبها وإمكانياتها الهائلة معا من أجل هذه المناسبات الكبرى، ليس فقط من حيث السعي لتنظيمها، وإنما أيضا من أجل الفوز بمراكز متقدمة فيها. لقد فازت الصين بالمركز الأول في دورة الألعاب الأولمبية الصيفية عام 2008، والمركز الثاني في أولمبياد لندن 2012، بينما حلت في المرتبة الثالثة في دورة ريو دي جانيرو 2016.

تحف معمارية

بجانب ثلاثة ملاعب جديدة ستقام عليها منافسات الأولمبياد الشتوية 2022، ستعتمد الصين على تحفها المعمارية التي أبهرت الدنيا، التي استضافت منافسات أولمبياد 2008. على رأس القائمة سنجد استاد عش الطيور وكذلك مكعب الماء، كما أن منتجع التزلج في مدينة تشانغجياكو بمقاطعة خبي المجاورة لبكين سوف تستضيف منافسات الرياضات الثلجية.

بداخل هذه المنشآت في بكين، لدى المنظمين مهمة إنتاج الثلج الصناعي اللازم لسير المسابقات، ومهمة أن يتم وضعه وفقا للمقاييس والشروط الأولمبية. الصين بالفعل تمتلك الآن- بل ومن قبل إعلان فوزها بشرف التنظيم- المعدات والأجهزة اللازمة لإتمام هذا العمل.

هذه التحف المعمارية بداخلها أيضا شيء بالغ الأهمية.. إنه الإنسان. هؤلاء الصينيون الذين أصبحت لهم خبرة لا تضاهى في تنظيم المسابقات الرياضية الدولية، هذا يعني الكثير عند تنظيم حدث بحجم الأولمبياد من حيث المسائل التنظيمية واللوجستية والأمنية. وكما انفردت مدينتهم بكين، سينفرد الكثير من هؤلاء بأنهم كانوا حاضرين ومشاركين أو حتى مشاهدين لدورة أولمبية منذ سنوات قليلة خلت. لم يسبق لشعب آخر أن خاض تجربة كتلك.

حدث واحد وثلاث مناطق

ستتوزع أماكن إقامة المنافسات بين ثلاثة أماكن هي: مدينة بكين ومدينة تشانغجياكو وحي يانتشينغ التابع لبلدية بكين والذي أدرج في موسوعة غينيس للأرقام القياسية بأطول نفق لولبي في العالم. هذا النفق تم تشييده خصيصا من أجل الربط بين مناطق المنافسة في أولمبياد 2022 الشتوية، ويجسد إرادة الصينيين في الوفاء بوعودهم التي قطعوها أمام للعالم مهما كانت الصعاب، ففي مرحلة منه على سبيل المثال وبسبب زاوية كبيرة على شكل قوس، تم استخدام أسلوب الحفر اليدوي بدلا من معدات الحفر الميكانيكية الكبيرة التي لم يكن ممكنا الدفع بها في تلك المنطقة من العمل، بل وأضاف الصينيون لمسة الحفاظ على البيئة مع نظام إضاءة موفر للطاقة ينير الطريق، ونوعية من الطرق تحلل الكثير من عوادم السيارات.

ولمزيد من السهولة في ربط مناطق المنافسات ببعضها، مما يسهل مهمة الصحفيين في التغطية، ورغبة المشجعين في حضور مختلف الأحداث، تم تطوير خط قطارات سكك حديدية فائقة السرعة سيربط بين المناطق الثلاث، ليقلل وقت التنقل حيث يمكن الوصول من مدينة بكين إلى حي يانتشينغ في 20 دقيقة فقط، ومن بكين إلى تشانغجياكو في حوالي 50 دقيقة، مع إمكانية أن يتم تشغيل هذه القطارات آليا مما يوفر معدلات أمان أعلى ودقة أكبر في مواعيد القيام والوصول.

إن هذه القطارات الفائقة السرعة تم تجهيزها بمقصورات خاصة بالصحفيين والمراسلين لتمكنهم من أداء عملهم بداخله، كما تم تخصيص بعض العربات بمعدات للرياضيين حتى يتمكنوا من أداء ما يصلح من تدريبات داخل القطار، ولن يكون ذلك مزعجا أو متعبا على الإطلاق، إذ تتميز القطارات الصينية الحديثة الفائقة السرعة بثبات مذهل يجعل حتى الماء ثابتا داخل كوبه.

فرائد في بكين

وفقا للجنة الأولمبية الدولية، ستنفرد دورة بكين الشتوية 2022 بالعديد من الفرائد منها سبعة أحداث جديدة لم تشاهد في أي دورة سابقة، ومنها لعبة MONOBOB للسيدات، وتعرف كذلك بلعبة "شخص واحد على الزلاجة"، ومنافسات فرق السيدات والرجال للتزلج السريع المتتابع، والتزلج الحر الهوائي، ومنافسات القفز على الجليد.

بشكل عام ستكون أولمبياد بكين الشتوية 2022 أيضا الأكثر عدالة في التمثيل بين الجنسين في المنافسات، إذ ستبلغ نسبة السيدات المشاركات في المنافسات 44ر45% من إجمالي اللاعبين وهي أعلى نسبة على الإطلاق مقارنة بكل الدورات السابقة.

المثير والفريد أيضا في بكين 2022 أن الدورة ستجري في شهر فبراير الذي يوافق عيد رأس السنة القمرية الصينية، وهو عيد الربيع الذي يعتبر أهم العطلات في الصين. هنا واحدة من كلمات السر لهذه الدورة، فأول وأهم معايير نجاح أي حدث رياضي عالمي هو "الحضور الجماهيري". فمع شعب هو الأكبر عددا في العالم وفي عطلة علاوة على الضيوف القادمين من عشرات الدول حول العالم، قد لا نرى مقعدا شاغرا في أي منافسة طيلة الألعاب.

لكن وفي الحقيقة، فإن أكثر ما لفت انتباهي من فرائد هذه الدورة، هو دمجها لمجموعة من التزامات الصين الدولية في نموذج واحد للعمل، بداية من الالتزام بتقديم دورة ألعاب أولمبية شتوية لم يسبق لها مثيل، والالتزام الذي قطعته على نفسها عام 2015 في "معاهدة باريس لتغير المناخ"، والالتزام بالعمل والتعاون المثمر مع اللجنة الأولمبية الدولية، فكيف ذلك؟

لقد أعلنت اللجنة الصينية المنظمة لأولمبياد بكين الشتوية 2022، أنها ستعمل بمنظومة عمل تعتمد على أجهزة متطورة تؤدي في النهاية لتخفيض انبعاثات الحرارة الناتجة عن كافة أنشطة الدورة أو المتعلقة أو المرتبطة بها. الأكثر من هذا، أن هذه الدورة ستأخذ أيامها ثم تنتهي، لكن بكين ستزرع وفقا لخططها أكثر من 120 ألف شجرة. هذه الأشجار ستمكث في الأرض وستظل تنفع الناس بتقليل ثاني أكسيد الكربون وضخ الأوكسجين. هذه هي المعادلة الصينية بتميزها وتفردها بالحكمة والنظرة البعيدة المدى للأمور؛ هذه هي الحضارة الإيكولوجية التي تدعو إليها العالم والبشرية كلها، أن ينجز الإنسان حضارته محافظا على البيئة صالحة للعيش لأجيال كثيرة قادمة.

عد تنازلي

في مايو 2019، احتفل الصينيون بوصولنا إلى ألف يوم قبل انطلاق منافسات أولمبياد بكين الشتوية، وكل يوم يمر يقربنا أكثر، وكل يوم يمر يتأهب الجميع وحتى الناس العاديين لهذا الحدث. في مارس 2019، على سبيل المثال، تحول استاد عش الطيور إلى منصة جليدية ضخمة فيها منزلقات ومنحوتات لأشكال حيوانات مختلفة، احتضنت ما يربو على 200 ألف شخص، معظمهم من الأطفال، بهدف تعريفهم بالألعاب الأولمبية الشتوية 2022 والإجابة عن أسئلتهم حولها. إن دمج الشعب في هذه الأحداث يزيد من اهتمام الناس وتشوقها، مما يحقق في النهاية حضورا جماهيريا ضخما.

الرياضيون كذلك يستعدون، في الصين الآن تسمع قرع طبول الجاهزية والتدريب المكثف لكل رياضي سيمثل البلاد. الجميع هنا يدرك أهمية، بل وضرورة، تحقيق نتائج أفضل بكثير من الدورة السابقة في بيونغ تشانغ بجمهورية كوريا عام 2018، عندما أحرز الصينيون ميدالية ذهبية واحدة وست ميداليات فضية وميداليتين برونزيتين.

إن الفوز بميدالية أولمبية يعد بمثابة الحلم الكبير لكل رياضي، ويدرك اللاعبون الصينيون جيدا المسؤولية الملقاة على عواتقهم والتي تضاعفت كون بلادهم هي المنظمة لذلك الحدث، وتضاعفت مرة أخرى لأن المسؤولين عن ملف الرياضة في الحزب الشيوعي الصيني والحكومة الصينية وفروا لهم كل ما يحتاجون إليه من معسكرات وتدريبات وأجهزة متطورة لحصد ميداليات أكثر تضاف إلى رصيد بلادهم.

لقد كانت زيارة الرئيس الصيني شي جين بينغ إلى حديقة "شوقانغ" في منطقة شيجينغشان، حيث مقر اللجنة المنظمة لدورة الألعاب الأولمبية الشتوية 2022 ودورة الألعاب البارالمبية التي ستقام أيضا في نفس المكان وعقب الدورة الرئيسية مباشرة، اعتبرت تلك الزيارة بمثابة رسالة ذات أكثر من دلالة ومعنى. هي بكل تأكيد رسالة واضحة للمسؤولين عن التنظيم أن القيادة السياسية للبلاد تهتم بمتابعة ما تم إنجازه من خطط التنظيم والبنية التحتية، وفي ذات الوقت، رسالة دعم لهم في كل ما يحتاجون إليه، وكذلك رسالة للعالم كله بأن الصين ستكون حاضرة بإبهار جديد في الموعد تماما. منذ أول لحظة وحتى صباح يوم التصويت لاختيار المدينة المنظمة أعلن الرئيس دعمه القوي ودعم الحكومة الصينية، ووعد بألعاب رائعة. لقد كان ذلك الفيديو الذي ظهر فيه الرئيس الصيني في ذلك الصباح التاريخي حاسما في فوز بكين بالتنظيم.

كان الرئيس شي واضحا منذ البداية، وقال إن بلاده عندما يحل العام 2022، ستقدم للعالم أول دورة ألعاب أولمبية خضراء صديقة للبيئة، تتجلى فيها الثقافة والأنماط الصينية الثقافية والتاريخية والعملية.

بعد كل ذلك، لا يملك المرء إلا أن يشعر بدهشة واستياء لتصريحات بعض المسؤولين الأمريكيين، ومنهم السيناتور المعروف ريك سكوت الذي طالب بعدم إقامة دورة الألعاب الأولمبية الشتوية 2022 في بكين قائلا: "لا يجب أن تكون هناك." إن هذه النوعية من التصريحات تكشف للجميع عقلية ورؤية من يقولونها، الذين يتناسون أن شرف التنظيم نالته بكين بقرار دولي من الدول الأعضاء في اللجنة الأولمبية الدولية بعد منافسة قوية وشريفة مع مدينة ألماتي الكازاخية، بعد انسحاب كل المدن الأوروبية من المنافسة، وأنه لا يمكن لدولة مهما كان اسمها أن تسحبه منها.

--

محمد علام، باحث مصري متخصص في الشؤون الدولية.

 

 

 

 

©China Today. All Rights Reserved.

24 Baiwanzhuang Road, Beijing, China. 100037

京ICP备10041721号-4