ملف العدد < الرئيسية

رؤية أكاديمية صينية حول "بريكس" والتعددية

: مشاركة
2019-10-30 16:49:00 الصين اليوم:Source تشو تشي وي:Author

في العصر الجديد، أصبح نهوض الدول الناشئة ظاهرة تجذب اهتماما أكبر في كافة أنحاء العالم. لا تعكس هذه الظاهرة التغيرات الجديدة في ميزان القوى الدولي فحسب، وإنما أيضا تقدم المَنْطِق المقبول لتعديل نظام الحوكمة العالمية وإصلاحه. كما يشهد التعاون فيما بين بلدان الجنوب والتعاون المتعدد الأطراف موجة التنمية الجديدة في ظل تنمية الدول الناشئة، وعلى وجه الخصوص، أظهرت آليات التعاون المتعددة الأطراف التي تدعو لها القوى الناشئة حيوية أكبر وتلعب دورا متزايد الأهمية في الشؤون الإقليمية والعالمية.

تعد مجموعة "بريكس"، التي تضم خمسة اقتصادات رئيسية هي الصين والبرازيل وروسيا والهند وجنوب أفريقيا، إحدى منصات التعاون المتعدد الأطراف. منذ عقد الدورة الأولى لقمة بريكس في عام 2009، أظهر التعاون بين دول "بريكس" حيوية وكفاءة كبيرة، ويتطور من مجالي الاقتصاد والتجارة إلى مجالات رئيسية كثيرة مثل الشؤون العالمية. يركز المشاركون في الدورة الحادية عشرة لقمة "بريكس"، التي ستقام في البرازيل في نوفمبر هذا العام، على الابتكار، مما يعكس قدرة دول "بريكس" على تعزيز التنمية الاقتصادية المدفوعة بالابتكار في العالم. رغم ذلك، ظلت لدى الدول الغربية شكوك حول دول "بريكس" مستندة إلى الاختلافات والتنافس بينها، تغاضى هؤلاء النقاد عن قوة التعاون بين دول "بريكس" في تغيير نظام الحوكمة العالمية غير المتوازن وغير الفعال. في السنوات العشر الماضية، تغلبت دول "بريكس" على تلك المشكلات الناجمة عن الاختلافات الداخلية، وأصبحت قوة  توازن ناعمة هامة في نظام الحوكمة العالمية الذي تسيطر عليه الولايات المتحدة الأمريكية. يعتقد روبرت أنتوني بابي، المنظر الأمريكي في مجال العلاقات الدولية، أن إستراتيجية التوازن الناعم هي إستراتيجية قابلة لمواجهة النظام الذي تسيطر عليه الولايات المتحدة الأمريكية، بالنسبة للدول الناشئة، ويمكنها أن تقيّد سلوك القوى الكبرى عن طريق تحالفها الدبلوماسي. حاليا، يستخدم العديد من أنظمة التعاون المتعددة الأطراف، بما فيها مجموعة "بريكس"، هذه الإستراتيجية من أجل مساعدة البلدان الأضعف على كسب مساحة أكبر في مواجهة القوى الكبرى.

نتيجة لتغيرات الوضع الدولي وتعاظم أهمية دول "بريكس"، يولي الأعضاء الخمسة "تعاون بريكس" الأولوية في إستراتيجياتهم الدولية، مما يثير التساؤل: كيف يستفيد الأعضاء من "تعاون بريكس"؟ لنأخذ البرازيل كمثال، أولا، تلعب الاقتصادات الناشئة (أو البلدان النامية)  دورا أكبر في تنمية الاقتصاد العالمي، وصارت "قطب النمو" للاقتصاد العالمي تدريجيا، مما يجعل "تعاون بريكس" يسهم في خلق فرص خارجية للبرازيل من أجل تنمية اقتصادها. إذا نستعرض التاريخ البرازيلي الحديث، نجد أن سياساتها الدبلوماسية تعكس تغيرات الاقتصاد العالمي في السنوات الماضية، بالتفصيل، تحقق البرازيل تنمية اقتصادها ومجتمعها من خلال التعاون مع الدول الناشئة، كما يمكنها تقليص اعتمادها على البلدان المتقدمة وبناء المرونة الاقتصادية  وتحسين الاستقلال الذاتي في الاقتصاد في نفس الوقت. ثانيا، تعتبر التعددية تقليدا دبلوماسيا في البرازيل. تقدم مجموعة "بريكس" منصة بين البرازيل والدول الناشئة الأخرى، وتساعد البرازيل على المشاركة في الشؤون الدولية وتقوية أصواتها وتعزيز صورتها في المجتمع الدولي.

إن البرازيل تستفيد كثيرا من "تعاون بريكس"، والمنجز الأبرز هو التعاون التجاري. وفقا للإحصاءات، ارتفع متوسط نمو التجارة السنوي بين البرزيل ودول "بريكس" الأخرى بنسبة 27% سنويا من عام 2009 إلى عام 2013، وهو ما يفوق متوسط نمو التجارة الخارجية للبرازيل مع البلدان النامية بنسبة 1ر20%. منذ عام 2013، أظهرت التجارة الخارجية للبرازيل اتجاها تراجعيا، فتقلصت التجارة بين البرازيل وبلدان "بريكس" بنسبة حوالي 5ر30% في الفترة من عام 2013 إلى عام 2016، لكن هذه النسبة هي الأقل انخفاضا في مجال التجارة العام في البرازيل. بين عام 2009 وعام 2016، كان لدى البرازيل فائض تجاري مع دول "بريكس" الأخرى (حققت فائضا قدره 14ر4 مليارات دولار أمريكي في عام 2016 وحده)، لكنها واجهت عجزا تجاريا مع الدول المتقدمة في نفس الوقت. من حيث التجارة، تدفع دول "بريكس" استقرار التجارة الخارجية للبرازيل، وتوفر للبرازيل أسواقا رئيسية لكسب النقد الأجنبي وتلعب دول "بريكس" دورا هاما في ميزان المدفوعات الدولية في البرازيل. علاوة على ذلك، يوفر بنك التنمية الجديد للبرازيل، الذي أسسته دول "بريكس"، مصدرا بديلا للتمويل.

يفتح التعاون في إطار مجموعة "بريكس" طرقا جديدة لأعضائها للمشاركة في الشؤون السياسية والأمنية الدولية. على الرغم من أن دول "بريكس" ركزت على بناء آليات التعاون الاقتصادي والتجاري وإصلاح النظام المالي العالمي في العقد الماضي، فإنها تمتعت بتأثير متزايد في الشؤون السياسية والأمنية العالمية تدريجيا، وصارت قوة توازن ناعمة للحد من الأعمال العسكرية الأمريكية الأحادية الجانب إلى حد ما، خاصة أثناء مواجهة النزاعات الإقليمية. مع زيادة قنوات حوار "بريكس" وتوسيع تغطية مشاوراتها قد ازداد التوافق بين أعضائها حول القضايا السياسية والأمنية.

في عام 2019، تتولى البرازيل الرئاسة الدورية لمجموعة "بريكس"، وتستضيف قمة "بريكس" التي سيكون موضوعها هو "التكنولوجيا والابتكار والاقتصاد الرقمي"، وتواصل التنسيق مع الدول الناشئة بموجب تقليدها الدبلوماسي والحصول على الأرباح من التعاون في إطار مجموعة "بريكس".

حاليا، يشهد العالم تغيرات غير مسبوقة، يتمثل المحتوى الأساسي لها في تسارع تعديل النظام العالمي، ويمثل ظهور القوى الناشئة قوة دافعة هامة لإعادة بناء النظام العالمي. لكننا لا لا نزال نواجه عوائق كثيرة وعدم اليقين، كما أن القوة المهيمنة تلجأ إلى السياسات الأحادية والحمائية سعيا إلى إعاقة نهوض البلدان الناشئة وتعاونها، حتى أنها تقوم باستمالة تلك الدول الناشئة إلى جانبها وعزلها. بالإضافة إلى ذلك، انسحبت القوة المهيمنة من المنظمات الدولية المعنية بشكل غير مسؤول لتحدي النظام الدولي، إن تلك الأفعال تناقض التعاون المتعدد الأطراف الذي تدعو إليه الدول الناشئة، وعلى عكس القوة المهيمنة، دعت الصين لتأسيس مجموعة "بريكس" ومنظمة شانغهاي للتعاون ومنتدى بوآو الآسيوي والبنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية ومنتدى التعاون الصيني - الأفريقي، ومنتدى الصين- أمريكا اللاتينية والكاريبي                             وغيرها، كما أنشأت صندوق السلام والتنمية بين الصين والأمم المتحدة وصناديق للتعاون بين بلدان الجنوب والصين. يدل نجاح آلية "بريكس" على فعالية التعددية. ولا تستطيع دول "بريكس" مواصلة تنميتها في الفترة الذهبية القادمة إلا عبر التمسك بمبدأ التعددية.

إن شعوب العالم بحاجة إلى التعددية أكثر من أي وقت مضى في ظل مواجهة التغيرات غير المسبوقة. فينبغي لدول "بريكس"، كقوة جديدة في نظام الحوكمة العالمية، أن تتمسك بالحفاظ على التعددية والنظام الدولي الذي محوره الأمم المتحدة والنظام العالمي على أساس القانون الدولي، كما يجب الحفاظ على نظام التجارة المتعدد الأطراف الذي تمثله منظمة التجارة العالمية وحماية المصالح والتنمية المشتركة للأسواق الناشئة والدول النامية.

--

تشو تشي وي، باحث في معهد دراسات أمريكا اللاتينية التابع للأكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعية.

 

 

©China Today. All Rights Reserved.

24 Baiwanzhuang Road, Beijing, China. 100037

京ICP备10041721号-4