ملف العدد < الرئيسية

من بريكس إلى بريكس السيبرانية: التعاون السيبراني الجديد

: مشاركة
2019-10-30 16:48:00 الصين اليوم:Source لوكا بيلي:Author

في ختام اجتماع وزاري مثمر للغاية عُقد في برازيليا في أغسطس 2019، أصدر وزراء الاتصالات لدول بريكس إعلانا مشتركا هاما يسلط الضوء على الاهتمام الإستراتيجي لشراكات بريكس في البنى التحتية الرقمية الجديدة، وتقنيات (5G)، وإنترنت الأشياء والأمن السيبراني.

تعد البنى التحتية الحديثة، والإدارة الفعالة للأمن السيبراني، وخاصة لوائح حماية البيانات السليمة، من القضايا الحاسمة للتنمية الشاملة والمستدامة في بلدان بريكس، خاصة وأنهم يراهنون بشكل كبير على الرقمنة وعلى إمكانات التقنيات المترابطة والمتشابكة، مثل تقنية الجيل الخامس (5G) وإنترنت الأشياء.

يُعد التحول الرقمي عنصرا أساسيا لمستقبل اقتصادات ومجتمعات بريكس، وهذا هو بالضبط السبب وراء قيام البلدان الأعضاء في بريكس بوضع إستراتيجيات مفصلة للرقمنة وبعضها يطبق بالفعل هذه الإستراتيجيات.

الصين، إلى حد بعيد، هي البلد الأكثر منهجية، حيث استثمرت بكثافة في تقنيات الجيل الخامس (5G)، لدرجة أنها تقود الآن سباق الجيل الخامس العالمي، وكذلك قدرات الأمن السيبراني. اعتمدت الصين مؤخرا تشريعات جيدة التنسيق بشأن الأمن السيبراني وقانون التجارة الإلكترونية ومعايير حماية البيانات.

البرازيل من جانبها، بدأت مؤخرا في تنفيذ إستراتيجية التحول الرقمي التي تبلغ مدتها سنة واحدة، وبينما سيصبح قانون حماية البيانات العامة الجديد ساري المفعول في عام 2020، فإن الجهاز الذي سيتولى تنفيذه لم يتم إنشاؤه بعد. وضعت الحكومة البرازيلية خطة وطنية لإنترنت الأشياء فقط في يونيو 2019، لكن البرازيل لا تزال تفتقر إلى إستراتيجية للأمن السيبراني، على الرغم من أن مجلس الوزراء للأمن المؤسسي في الرئاسة يعمل على تطوير إستراتيجية للأمن السيبراني.

في مثل هذا السياق، قد يوفر التحول الرقمي فوائد كبيرة ولكنه ينطوي أيضا على مخاطر كبيرة. إن مليارات الأجهزة المترابطة التي يتم التحكم فيها عبر شبكات الجيل الخامس لديها القدرة على تعزيز الروبوتات، والأتمتة الصناعية، والزراعة الذكية، وتحقيق مكاسب لا تصدق في الكفاءة بفضل إمكانات جمع ومعالجة البيانات الهائلة. في الوقت نفسه، يتطلب التوصيل البيني لكل "شيء" أعلى مستوى من الأمان لتجنب الاختراقات وتسريبات البيانات وتحويل أحلام بريكس الرقمية إلى كوابيس محتملة. كما يقول خبراء الأمن السيبراني، هناك ثلاثة أنواع فقط من مستخدمي الإنترنت في العالم: من تم اختراقهم بالفعل، ومن سيتم اختراقهم، ومن يتعرضون للقرصنة أثناء التحدث.

الجلوس على منجم ذهب

نصف سكان بريكس مرتبطون بالفعل بالإنترنت، مما يولد كمية لا تصدق من البيانات، وينتج منتجات مبتكرة جديدة وشراء يومي للأجهزة المتصلة افتراضيا. تؤدي هذه التطورات إلى إحداث ثورة في حياتنا على شبكة الإنترنت وخارجها، وفي الوقت الذي تولد فيه تهديدات جديدة متعددة الأوجه، فإنها تقدم أيضا فرصا غير مسبوقة.

على مدى السنوات الخمس المقبلة، من المتوقع حدوث نمو هائل في الوصول إلى الإنترنت في الدول الكبرى التي تشكل منطقة بريكس، وخاصة الصين والهند والبرازيل. في هذا السياق، يبدو من الضروري تفسير سبب حرص دول بريكس بشكل خاص على تبني فرص الرقمنة. إن الثلاثة مليارات ومائتي مليون شخص الذين يعيشون في دول بريكس ليسوا مجرد مستهلكين محتملين أو مطورين للخدمات الرقمية. إنهم المنتجون المحتملون لما يعتبر حاليا أكثر الأصول قيمة في العالم: البيانات الشخصية.

ومن هذا المنظور، يصبح الأمر أكثر سهولة لفهم لماذا تدافع الحكومة الهندية بقوة عن السيطرة السيادية على البيانات، ولماذا تبنت روسيا للتو تشريع السيادة الرقمية ولماذا تبنت جميع دول بريكس أو تنفذ لوائح البيانات الشخصية.

إن دول بريكس، حيث يعيش 42% من سكان العالم، تملك 42% من أكثر موارد العالم قيمة: البيانات الشخصية لمواطنيها. وبالتالي، فإن تطوير السياسات الرقمية، خاصة فيما يتعلق بالأمن السيبراني وحماية البيانات، يصبح أولوية إستراتيجية عالية للتنمية الاقتصادية والاجتماعية ولضمان سلامة الناس، والبيانات التي ينتجونها، والبنى التحتية الحيوية التي يستخدمونها يوميا.

على وجه الخصوص، يطالب بشكل متزايد مليارات من سكان بلدان بريكس بمعايير أعلى لحماية البيانات للتأكد من أن وفرة البيانات الشخصية التي تمتلكها التكنولوجيا الرقمية والتي يمكن جمعها تُستخدم لتحسين حياة الناس.

حقيقة أن جميع أعضاء المجموعة قد تبنوا أو اقترحوا في السنوات الخمس الماضية أطرا تنظيمية لحماية البيانات الشخصية، يعد إشارة واضحة على الأهمية الإستراتيجية لمراقبة البيانات وأمنها لكل من الحكومات وشعوب دول بريكس.

لا يمكن اغتنام الفرص الهائلة التي تتيحها التحسينات التقنية إلا في ظل وجود قواعد صلبة لتنظيم البيانات الشخصية وأمن الفضاء الإلكتروني.

هذه النقطة بالغة الأهمية على نحو خاص، بالنظر إلى أن بلدان بريكس مستهدفة وتمثل الأهداف الرئيسية للهجمات الإلكترونية، فضلا عن كونها البلدان التي تنشأ منها معظم الهجمات الإلكترونية. حتى يتغير هذا الوضع، يجب تطوير وتنفيذ إستراتيجيات شاملة وسياسات مستنيرة، مما يخلق تآزرا بين أعضاء بريكس.

الحاجة إلى التعلم المتبادل والتعاون

في السياق الذي يصبح فيه الوصول إلى التقنيات الرقمية ضروريا للتواصل والتعلم وممارسة الأعمال والتواصل الاجتماعي، ويتم ربط جميع "الأشياء" في أنظمة إنترنت الأشياء، لا تحتاج بريكس إلى سياسات رقمية فعالة فحسب، وإنما أيضا إلى التقارب فيما بينها.

تُظهر النتائج المبكرة للبحوث التي طورها مشروع "بريكس السيبرانية" أن دول بريكس تواجه تحديات مشتركة وأن العديد من السياسات التي تتبناها، أو الموجودة بالفعل، تمثل عدة نقاط من القواسم المشتركة. وبهذا المعنى، يجب أن تنتهز دول بريكس التحول الرقمي لتعزيز تعاونها وتطوير حلول مشتركة، أو على الأقل، متوافقة.

يمكن لدول المجموعة أن تتعلم الكثير من تجاربها وهي في مرحلة مناسبة بشكل خاص لمواءمة أطرها التنظيمية. وفقا لوزراء الاتصالات في دول بريكس، تعتبر دراسة وفهم سياساتها الرقمية الجماعية مهمة معقدة. وقد أكد الوزراء مجددا التزام بلادهم بتعزيز التعاون البحثي المشترك والتصدي لتحديات الأمن السيبراني.

يعتبر الموقف التعاوني والمنظور المقارن ضروريين، ليس فقط لتعزيز التفاهم المتبادل واحترام ثقافة كل منهما الآخر، وإنما أيضا لمكين تطوير تقنيات ولوائح قابلة للتشغيل المتبادل قادرة على تعزيز الوصول إلى الخدمات والمنتجات المبتكرة، مع ضمان حماية حقوق المستخدمين. قد يكون لدى الدول الأعضاء في بريكس حساسيات ووجهات نظر مختلفة، لكن أولوياتها وأهدافها تكون في الغالب متشابهة للغاية. في ضوء ذلك، سيكون من الأهمية بمكان إطلاق مبادرة تعاون قوية متعددة أصحاب المصلحة، حيث يمكن لحكومات دول بريكس إجراء حوار مع الأكاديميين والقطاع الخاص وممثلي المجتمع المدني، وتلقي المدخلات والتعليقات فيما يتعلق بمختلف جوانب سياسات الأمن السيبراني الخاصة بها، لتكون إستراتيجية مربحة للجميع.

بادئ ذي بدء، يمكن لحكومات دول بريكس، التي شددت باستمرار في السنوات الأخيرة على قيمة التعاون المعزز في البحث والتطوير التقني، أن تدعم إنشاء آلية تعاون بين مجموعة بريكس بشأن الأمن السيبراني.

كما توضح التجربة الرائدة لمشروع "بريكس السيبرانية"، فإن تحليل السياسات الرقمية الحالية أمر بالغ الأهمية لتحديد الممارسات الجيدة واقتراح حلول مستدامة وعادلة.

تمثل الرئاسة الدورية للبرازيل لبريكس فرصة فريدة لصياغة جدول أعمال إيجابي وفعال، مع تسليط الضوء على فوائد تحسين التعاون في السياسات الرقمية بشكل عام وعلى الأمن السيبراني بشكل خاص.

--

د. وكا بيلي، أستاذ إدارة الإنترنت والتنظيم في كلية الحقوق في مؤسسة (FGV) في ريو دي جانيرو، البرازيل، وهو رئيس مشروع بريكس السيبرانية (cyberbrics).

 

 

 

©China Today. All Rights Reserved.

24 Baiwanzhuang Road, Beijing, China. 100037

京ICP备10041721号-4