ملف العدد < الرئيسية

تسليط الضوء على قانون بريكس

هل حان الوقت لأن تنتقل دول بريكس من التعاون إلى تدوين القوانين؟

: مشاركة
2019-10-30 16:46:00 الصين اليوم:Source روستم جي نيويرث:Author

تعقد في يومي الثالث عشر والرابع عشر من نوفمبر 2019، القمة السنوية الحادية عشرة لرؤساء دول بريكس (BRICS) ورؤساء حكومات الدول الأعضاء الخمس: البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب إفريقيا، في برازيليا، بالبرازيل. يصادف هذا الحدث الذكرى السنوية العاشرة لقمم بريكس الناجحة ويقدم فرصة لتقييم الإنجازات السابقة وتقييم التحديات الحالية. والأهم من ذلك، أن هذه القمة توفر فرصة لفتح فصل جديد في التعاون المستقبلي بين بلدان بريكس، والذي ينبغي أن يأخذ في الاعتبار سيادة القانون ومختلف الأصول القانونية المعنية.

يؤكد كل من تطور تعاون بريكس والتطورات العالمية الأخيرة على الحاجة الماسة إلى بذل الجهود لتعزيز وتنظيم التنسيق الحالي لتعاون بريكس، والتي تم تنظيمها حتى الآن باعتبارها "منصة للتعاون والحوار" ولكن "بدون دعم مؤسسي كبير". وهذا يعني في الأساس أن الدافع الرئيسي لتعاونهم المستمر هو مؤتمرات قمة بريكس السنوية واجتماعات وزراء بريكس التي تشمل مجالات مختلفة مثل الشؤون الخارجية والتجارة والزراعة والعلوم والتكنولوجيا والابتكار.

تجدر الإشارة إلى أنه قد تم بالفعل اعتماد قدر كبير من نصوص ومواد بريكس، معظمها في شكل إعلانات أو مذكرات تفاهم أو بيانات مشتركة. وقد ظلت الجوانب القانونية الصارمة لتعاون بريكس قليلة للغاية حتى الآن، باستثناء ما يتعلق باتفاقية عام 2014 المنشئة لبنك التنمية الجديد (NBD) والاتفاقيات المعنية، والتي أنشأت ما يسمى بـ"بنك بريكس" كمؤسسة دائمة في شانغهاي بالصين.

بالإضافة إلى ذلك، تم توقيع اتفاقيتين فقط من الاتفاقيات الملزمة. إحداهما هي "ترتيب احتياطي المجموعة"، وهي عبارة عن آلية دعم من خلال السيولة والأدوات الاحترازية استجابة لميزان المدفوعات القصير الأجل الفعلي أو المحتمل، والأخرى تسمى بـ"اتفاقية بريكس بشأن الثقافة". حتى المنتدى القانوني لـبريكس لم ينتج بشكل مباشر سوى خمسة إعلانات غير ملزمة قانونا.

وهذا يترك تعاون بريكس مع إطار مؤسسي وتنظيمي فضفاض للتعاون، مقارنة بمبادرات التعاون الدولية الأخرى. ومع ذلك، يمكن أن يكون هذا له مزايا وعيوب، وفقا للتحديات التي يفرضها السياق المعني. يمكن أن يعني مرونة أكبر، على سبيل المثال، للاستجابة بسرعة أكبر لمشكلة معينة، في حين أن نفس الإطار يمكن أن يؤدي إلى إهمالها، أو في أسوأ الحالات، قد يوحي نوعا ما بنهاية بريكس.

إلا أن الرغبة الموازية في المرونة والأمان، والتي يتم التعبير عنها أحيانا بتعبير متناقض وهو "المرونة المرنة"، يصعب تحقيقها. هذا هو المكان الذي قد تدخل فيه وظيفة القانون إلى المشهد أو حيز التنفيذ. تتمثل إحدى وظائف القانون المركزية في التوفيق بين الأضداد، ولحل المفارقة التي يبدو أن الثابت الوحيد فيها هو التغيير، والذي عادة ما يكون سببا لعدم اليقين وعدم القدرة على التنبؤ.

من المهم بنفس القدر، وخاصة بالنسبة لبريكس، أن القانون يمكن أن يوفر المنصة التي تحمل طوبا من طبقات الحياة المختلفة، وخاصة السياسة والاقتصاد، معا، خاصة في الأوقات المضطربة التي تتميز بتغيير سريع وجذري. هذا أيضا له علاقة كبيرة بإدارة الشؤون العالمية تحت رعاية العديد من المنظمات المتعددة الأطراف، مثل الأمم المتحدة ومنظمة التجارة العالمية. لسوء الحظ، تم فصل هاتين المنظمتين، اللتين تمثلان أركان الحوكمة العالمية، وهما السياسي والاقتصادي، تم فصلهما عند الولادة بعد فشل ميثاق هافانا لعام 1947 في إنشاء منظمة التجارة الدولية، ولم يتم التوفيق بينهما منذ ذلك الحين.

منذ ذلك الوقت، يكافح المجتمع الدولي ونظامه القانوني الدولي المجزأ على نطاق واسع من أجل التوفيق بين مختلف القضايا التجارية أو الاقتصادية مع ما يسمى بـ"القضايا غير التجارية". وقد يؤدي الإطار القانوني إلى نزاعات خطيرة بين أهداف السياسة المختلفة. هذا أمر بالغ الأهمية، لا سيما عندما يتعلق الأمر بتحقيق خطة عام 2030 لأهداف التنمية المستدامة، التي تتكون من مجموعة فرعية من 17 مجالا، جميعها تحتاج إلى معالجة بروح مفهوم الفوز المشترك وليس بمبدأ "اللعبة الصفرية". هذا يعني أن التماسك الذي يحمي الإعمال الناجحة لأحد الأهداف السياسية، لا يؤدي إلى تحييد أو حتى تهديد الأعمال الناجحة لهدف آخر أو جميع الأهداف السياسية المتبقية.

في مهمة صعبة تتمثل في التعامل مع التغيير السريع والتعقيد، يمكن للقانون وسيادة القانون توفير حلول مهمة للمشكلات الخطيرة التي تواجهها. عند الصياغة بطريقة متسقة، يمكن لسيادة القانون أن تؤدي وظائف هامة في هذا الصدد. تتضمن هذه الوظائف، أولا، تبسيط الاتفاقيات أو القوانين أو اللوائح الحالية، والتي بعد وقت ما تميل إلى أن تصبح قديمة ومجزأة. يمكن أن يوفر القانون أيضا الاستمرارية في التغيير، لا سيما عند تقديم الدعم المؤسسي والقواعد الإجرائية السليمة الواجب اتباعها في حالة حدوث تغييرات مفاجئة في السياق. بمساعدة سيادة القانون، يتم أيضا تحسين مستويات اليقين القانوني والقدرة على التنبؤ، مما يسمح للجميع بالتنبؤ بشكل أفضل بعواقب القرارات المتخذة والإجراءات التالية.

أخيرا، يمكن أن يساعد القانون في تحويل الوضع المعقد إلى وضع ميسر، عندما يتم استخدامه لتوحيد القواعد الحالية أو مجرد التصريحات السياسية المنصوص عليها مرارا وتكرارا في الإعلانات وغيرها من الوثائق غير الملزمة من خلال تدوين القوانين. ليس من قبيل المصادفة أن مصطلح "التدوين" القانوني يشبه مصطلح "الترميز" المستخدم في علوم الكمبيوتر، حيث يُستخدم كلاهما كلغة للتعامل مع "البيانات الكبرى" ودمج كميات كبيرة من المعلومات في مجموعة متماسكة من الوثائق أو الملفات.

استنادا إلى هذه الاعتبارات والوظائف المفيدة التي يوفرها القانون، على المدى القصير، يتعين على بريكس أن تدرك أن النصوص والمواد الموجودة في بريكس متاحة بطريقة أصلية وواضحة ومتسقة، ربما من خلال موقع بريكس الرسمي أو حتى في شكل أمانة بريكس الافتراضية. يتطلب ذلك إجراء بعض الأبحاث السليمة حول مصادر القانون المختلفة، حيث تثير التقنيات الحديثة أيضا مسألة قبول مصادر جديدة (مثل الذكاء الاصطناعي) وموضوعات القانون (مثل الحيوانات والأشجار) في مجال القانون الدولي العام. علاوة على ذلك، يجب أن يتم التصنيف النهائي لمصادر قانون بريكس بالتوافق الوثيق مع الأهداف الرئيسية التي وضعتها دول بريكس.

من أجل المساعدة في عمل أمانة بريكس الافتراضية المقترحة وغيرها من مؤسسات بريكس ذات الصلة، بما في ذلك بنك التنمية الجديد (NBD)، ينبغي لبلدان بريكس أن تتوخى اعتماد نص قانوني قصير، في شكل ميثاق، أو ربما يُطلق عليها "تحليلات بريكس"، وهي عبارة عن استخراج وجمع الأهداف والمبادئ الأساسية الموضوعة في العديد من إعلانات وخطط عمل بريكس. ومن شأن ذلك أن يساعد في تقصير مدة الإعلانات المستقبلية بشكل كبير عن طريق تجنب تكرار الاعتبارات التي يتم التذرع بها بشكل متكرر، مثل هدف "دعم التعددية" والعمل معا على "تنفيذ أهداف التنمية المستدامة لعام 2030".

ويقال إن مثل هذا الإطار القانوني المترابط سيكون مناسبا لجلب المزيد من التيسير إلى التعقيدات المتزايدة في مجالات السياسة المختلفة. كما أنه سيوفر الاستمرارية في أوقات التغيير السريع ويسمح لبلدان بريكس بمواءمة الجهود التنظيمية على المستوى العالمي مع الحفاظ على مرونتها وتنوعها التنظيمي على المستوى المحلي.

بعد كل ذلك، أثبت تعاون بريكس بالفعل أن الاختلافات في الجغرافيا والتاريخ والتجارة والاقتصاد والثقافة واللغة، أو القانون والسياسة، لا تشكل عقبة أمام توحيد الجهود في معالجة المشكلات الكبرى في العالم. على النقيض من ذلك، تمثل هذه الاختلافات حافزا لإحداث تغيير في الإدارة والحوكمة العالمية، لأن هناك حاجة إلى إستراتيجيات جديدة، مختلفة عن تلك التي فشلت في الماضي، إذا أردنا النجاح في تحقيق أهداف التنمية المستدامة وتأمين بقاء الكوكب وسكانه للأجيال القادمة.

أخيرا، من المهم الإشارة إلى أن القانون يلعب دورا هاما في تنظيم المستقبل، حيث إنه يضع الأسس للنظام السياسي والاقتصادي العالمي في المستقبل. على غرار الخيال العلمي، يمكن للقانون- من خلال حكم القانون والأدوات المعنية- أن يعمل مثل نبوءة تحقق ذاتها وتساعد على التنبؤ بالمستقبل من خلال تنظيمها ومن ثم إنشائها.

--

روستام جي نيويرث، أستاذ القانون ورئيس قسم الدراسات القانونية العالمية بجامعة ماكاو (الصين).

 

 

©China Today. All Rights Reserved.

24 Baiwanzhuang Road, Beijing, China. 100037

京ICP备10041721号-4