ملف العدد < الرئيسية

العلاقات العربية- الصينية في إطار "الحزام والطريق"

: مشاركة
2018-12-28 17:12:00 الصين اليوم:Source أحمد سلام:Author

قبل أكثر من خمس سنوات، طرح الرئيس الصيني شي جين بينغ "مبادرة الحزام والطريق"، وتحديدا في شهري سبتمبر وأكتوبر عام 2013 في زيارتين قام بهما إلى أندونيسيا وكازاخستان.

"الحزام والطريق" من أجل العالم

تمثل الصين قوة دولية كبيرة وصاعدة في النظام الدولي، وتتمثل أبرز مظاهر القوة الصاعدة للصين في حجم تجارتها الدولية المتنامية واستثماراتها وفوائضها المالية، وقدراتها التصنيعية والعسكرية الكبيرة، هذا فضلاً عن عضويتها الدائمة في مجلس الأمن الدولي.

"مبادرة الحزام والطريق" التي يقصد بها (الحزام الاقتصادي لطريق الحرير وطريق الحرير البحري للقرن الحادي والعشرين)، من أهم المبادرات التنموية العالمية في القرن الحادي والعشرين، وهي إستراتيجية تنموية في إطار "دبلوماسية التنمية" التي تنهجها الصين، ومحورها مبدأ "المنفعة المتبادلة" والترابط والتعاون بين كافة دول العالم، وتهدف إلى بناء شبكة من التجارة والبنية التحتية تربط آسيا بأوروبا وأفريقيا على طول مسارات طريق الحرير التجاري القديم. وقد وقعت أكثر من مائة دولة ومنظمة دولية، من بينها مصر وعدد من الدول العربية، على وثائق تعاون مع الصين في إطار "مبادرة الحزام والطريق" حتي يوليو 2018. وفي الدورة الأولى لمنتدى الحزام والطريق للتعاون الدولي، التي عقدت في بكين يومي الرابع عشر والخامس عشر حضر قادة دول وحكومات من 29 دولة، من بينها دول عربية في مقدمتها مصر.

وتشير الحقائق والأرقام إلى أن بناء "الحزام والطريق"، حقق منجزات كبيرة خلال السنوات الخمس المنصرمة، فقد أسست الصين 82 منطقة تعاون اقتصادي وتجاري في الدول الواقعة على طول الحزام والطريق، حيث استثمرت الصين 9ر28 مليار دولار أمريكي وخلقت نحو 244 ألف وظيفة محلية، ووقعت الصين على 16 اتفاقية تجارة حرة مع 24 دولة ومنطقة يقع نصفها على طول الحزام والطريق. وخلال هذه السنوات الخمس، تجاوز حجم التجارة السلعية للصين مع الدول على طول الحزام والطريق 5ر5 تريليونات دولار أمريكي، ووصل الاستثمار الصيني المباشر في القطاعات غير المالية في هذه الدول إلى أكثر من 80 مليار دولار أمريكي. وفي إطار المبادرة، أقامت الصين 81 مؤسسة تعليمية ومشروعا تعليميا إضافة إلى 35 مركزا ثقافيا في الدول على طول الحزام والطريق. وفي النصف الأول من عام 2018، أنفقت الصين أكثر من 270 مليون يوان (الدولار الأمريكي يساوي 9ر6 يوانات) على منح طريق الحرير الدراسية. و في الشهور السبعة الأولى من 2018، زادت الشركات الصينية من استثماراتها في أربع وخمسين دولة على طول الحزام والطريق، فالاستثمارات الجديدة المضافة التي بلغ حجمها 55ر8 مليارات دولار أمريكي مثلت زيادة سنوية بنسبة 8ر11%، وتقدر قيمة عقود البناء الجديدة على طول الحزام والطريق بأكثر من 57 مليار دولار أمريكي. وبحلول يوليو 2018، تم إنجاز نحو 95% من إجمالي 279 بندا على قائمة نتائج منتدى الحزام والطريق للتعاون الدولي.

تطور العلاقات العربية- الصينية في إطار "الحزام والطريق"

لجمهورية الصين الشعبية تاريخ طويل وخبرة مميزة في علاقاتها مع المنطقة العربية التي بدأت قبل أكثر من اثنتين وستين سنة. وقد أوضح الرئيس شي جين بينغ  خلال الدورة السادسة للاجتماع الوزاري لمنتدى التعاون العربي- الصيني، في الخامس من يونيو 2014، أن بين الصين والدول العربية تفاهما متبادلا وصداقة قديمة تعود إلى عهد طريق الحرير، وأكد أن الطرفين شريكان طبيعيان في مشروع بناء مشترك لـ"الحزام والطريق"، واقترح الرئيس شي في كلمته أمام الاجتماع أن يتقيد الجانبان بمبدأ النقاش المتبادل والبناء المشترك وبناء مجتمع يقوم على المصالح المشتركة والمصير الواحد.

ولتحقيق هذا الهدف، يعكف الجانبان على صياغة رؤية أشمل وانتهاج سياسة واقعية تتمحور حول إقامة وفق صيغة "1+2+3"، والتي تعني أن يكون التعاون في مجال الطاقة بمثابة الأساس، وأن يكون تطوير البنية التحتية، والتجارة والاستثمار بمثابة الجناحين، وأن تكون المجالات الثلاثة المتمثلة في التكنولوجيا الجديدة عالية الدقة للطاقة النووية، والأقمار الاصطناعية، والطاقة الجديدة، مساحات لتحقيق إنجازات جديدة. وتعمل الصين، لزيادة حجم التبادل التجاري الصيني- العربي من 240 مليار دولار أمريكي في عام 2013 إلى 600 مليار دولار أمريكي، وزيادة الاستثمارات الصينية غير المالية إلى الدول العربية من عشرة مليارات دولار أمريكي في 2013 إلى أكثر من ستين مليار دولار أمريكي. هذا إلى جانب تسريع المفاوضات وتعزيز إقامة منطقة للتجارة الحرة بين الصين ودول مجلس التعاون الخليجي، وزيادة حجم مشاركة الدول العربية في البنك الآسيوي للاستثمار في مجال البنية التحتية للحصول على نتائج بسرعة أكبر. ومن ناحيته، يعمل الرئيس شي على تعزيز التفاعل بين المجتمعات المعنية، وتشجيع التبادل الثقافي الثنائي، وفي هذا السياق أتمت الصين تدريب ستة آلاف من المواهب الواعدة والأكفاء في الدول العربية في مختلف التخصّصات. كما تنظم الصين زيارات متبادلة بين عشرة آلاف فنان صيني وعربي، وتطور وتدعم التعاون بين 200 مؤسسة ثقافية صينية وعربية. وكانت الحكومة الصينية أصدرت في 28 مارس عام 2015 رؤيتها للمشروع المشترك الخاص ببناء "الحزام والطريق". وبحسب تلك الرؤية، يربط هذا الحزام الصين بالخليج العربي والبحر الأبيض المتوسط عبر آسيا الوسطى وغربي آسيا. وقد صمم طريق الحرير البحري لينطلق من الساحل الصيني وصولا إلى أوروبا، عبر بحر الصين الجنوبي والمحيط الهندي، وهذا يعني أن المنطقة العربية ليست جزءا هاما من المشروع فحسب، وإنما أيضا محور الطريقين ولها دور محوري في صلب المشروع. وقد أنشأت الصين آليات اقتصادية وتجارية مشتركة مع غالبية الدول العربية، ووقعت اتفاقيات ثنائية للتعاون الاقتصادي والتجاري والفني مع جميع الدول العربية. وارتفع حجم التبادل التجاري بين الدول العربية والصين من 7ر36 مليار دولار أمريكي في عام 2004، إلى أكثر من 191 مليار دولار أمريكي عام 2017. وفي نهاية عام 2017، وقّعت الصين وعدد كبير من الدول العربية خطط تنفيذ سنوية جديدة لاتفاقيات التعاون الثقافي الثنائية، وشجعت على تبادل زيارات شملت مئات الأشخاص والمجموعات الثقافية والفنية الحكومية الصينية والعربية.

مصر و"الحزام والطريق"

تؤمن مصر بأهمية التكامل بين مبادرات التنمية المختلفة، لاسيما مبادرة الحزام والطريق، وأجندة تنمية وتحديث أفريقيا 2063. وفي هذا الإطار، تقدم مصر المنطقة الاقتصادية لقناة السويس للعالم كمركز لوجيستي واقتصادي يسهم بفاعلية في تطوير حركة الملاحة الدولية، ويعزز من حرية التجارة العالمية، ويفتح آفاقا استثمارية رحبة في مجالات النقل والطاقة والبنية التحتية والخدمات التجارية، ليكون محور قناة السويس رابطا تجاريا واقتصاديا وإنسانيا، يتكامل مع مبادرة "الحزام والطريق"، ويربطها بأفريقيا. وقد أكد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي أن أولويات مصر التنموية تتفق ومبادرة "الحزام والطريق"، التي تهدف إلى تعزيز التعاون التجاري والاقتصادي بين دول المبادرة ومنها مصر، وتدعيم التنسيق فيما بين دول المبادرة والعمل على زيادة الاهتمام بمشروعات ربط المرافق بين هذه الدول، وتطبيق سياسات تساهم في زيادة حركة التجارة والتكامل المالي، بالإضافة إلى زيادة التواصل بين الشعوب من خلال تعزيز برامج التبادل الثقافي بين دول المنطقة. ولا شك أن المستوى المتقدم الذي وصلت إليه العلاقات الاقتصادية المصرية- الصينية يعد ترجمة حقيقية لرؤية الرئيس السيسي التي تقوم على أساس تحويل كل المساعي والعلاقات الدولية لتصب في مصلحة الشعب المصري. ومن خلال الجولات والزيارات الرفيعة المستوى المتبادلة بين الجانبين، شهدت العلاقات المصرية- الصينية طفرة كبيرة خلال السنوات الأخيرة. فعلى الجانب الاقتصادي والاستثماري، وصل عدد الشركات الصينية المسجلة والعاملة في مصر إلى نحو 1500 شركة باستثمارات تقترب من مليار دولار أمريكي، وتوفر الاستثمارات الصينية في مصر أكثر من 27 ألف فرصة عمل مباشرة لأبناء مصر. وتتوزع الاستثمارات الصينية على عدد من القطاعات منها 702 شركة في القطاع الصناعي، و432 شركة في القطاع الخدمي، و70 شركة في القطاع الإنشائي، و79 شركة في قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، و47 شركة في القطاع الزراعي، و6 شركات بقطاع السياحة. كما أبرم البنك المركزي المصري مع بنك الشعب (المركزي) الصيني اتفاقية لمبادلة العملات في ديسمبر 2017 بمبلغ إجمالي 18 مليار يوان صيني مقابل ما يعادله بالجنيه المصري. وفي الوقت نفسه أصبحت الصين أكبر شريك تجاري لمصر، حيث بلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين حوالي 11 مليار دولار أمريكي خلال عام 2016، كما أصبحت مصر ثالث أكبر شريك تجاري للصين في أفريقيا.

إن مصر تمثل نقطة محورية على طريق الحرير البحري، وتمثل قناة السويس نقطة العبور الرئيسية بين المحيط الهندي والبحر المتوسط. وتتولي شركة "تيدا" القابضة للاستثمار الصينية عملية توسعة المرحلة الأولى من مشروع المنطقة الاقتصادية بخليج السويس. وقد أتمت الشركة تطوير واستثمار 3ر7 كيلومترات مربعة في منطقة العين السخنة المصرية، ونجحت في جذب نحو 68 شركة ومصنعا صينيا للاستثمار بالمنطقة وبلغ إجمالي الاستثمارات بالمرحلة الأولى مليار دولار أمريكي.

وتقوم شركة "أفيك" الصينية بتنفيذ مشروع القطار المكهرب "السلام- العاصمة الإدارية- العاشر من رمضان"، بتكلفة تصل إلى 2ر1 مليار دولار أمريكي تمول عبر قرض من بنك الاستيراد والتصدير الصيني يسدد خلال 20 عاما بفائدة قدرها 8ر1%، ويشمل سنوات فترة سماح. وتتولى "أفيك" تنفيذ أعمال الاتصالات والإشارات والتحكم بجانب تصنيع وتوريد القطارات لهذا المشروع، في حين تتولى خمس شركات مقاولات مصرية تنفيذ الأعمال المدنية والإنشائية وتركيب السكة والقضبان.

وترصد دراسة هامة قام بها فريق من المعهد القومي للتخطيط في مصر، أن الاستثمارات الصينية المباشرة في مصر آخذة في التزايد بشكل مطرد منذ عام 2013، وهو العام الذي شهد إعلان الرئيس الصيني عن "مبادرة الحزام والطريق" التي انضمت إليها مصر في العام التالي. ووجدت الدراسة أن نحو 6ر70% من الاستثمارات الصينية بمصر تتركز في محافظة السويس جغرافيا، لوقوعها ضمن المنطقة الاقتصادية لقناة السويس التى يتمتع المستثمر الأجنبى فيها بالعديد من حوافز الاستثمار. وعلى مستوى القطاعات، استحوذت الأنشطة الاستخراجية وتحديدا قطاع البترول والغاز الطبيعي على نسبة 7ر33% من هذه الاستثمارات، يليها قطاع الصناعة بنسبة 2ر26%، التى تتوزع في مجالات فرعية، مثل: الهندسة، الغزل والنسيج، الكيماويات، مواد البناء، المجال الغذائي، المعادن، الأدوية، والأخشاب.

دول الخليج العربية و"الحزام والطريق"

في كلمته أمام أعمال الدورة الثامنة للاجتماع الوزاري لمنتدى التعاون العربي- الصيني، أكد الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح أمير دولة الكويت، أن التعاون الخليجي- الصيني البنّاء والمستمر يمثل دعما قويا للتعاون المشترك في الإطار العربي. وقال: "المفاوضات المتعلقة بإقامة منطقة تجارة حرة بين دول مجلس التعاون الخليجي والصين إحدى أهم الروافد للتعاون المشترك خصوصا أن حجم التبادل التجاري بين دول (مجلس التعاون الخليجي) والصين بلغ 127 مليار دولار أمريكي، وهو رقم مرشح للازدياد في ضوء توسيع مجالات التعاون وتعزيزها."

وتعد المنطقة النموذجية الصينية- الإماراتية للتعاون في الطاقة الإنتاجية أول منطقة صينية للتعاون الإنتاجي ضمن "الحزام والطريق"، وقد حققت تقدما واضحا بعد مرور سنة من أعمال التخطيط والتسويق والبناء. كما تعد المدينة الصناعية الصينية- العمانية في الدقم بسلطنة عمان، نموذجا ناجحا للتعاون الصيني- الخليجي في إطار "الحزام والطريق".

 

دعم صيني لجهود التنمية العربية

في كلمته أمام الدورة الثامنة للاجتماع الوزاري لمنتدى التعاون العربي- الصيني، قال الرئيس شي جين بينغ، إن بلاده ستقدم مساعدات قيمتها مائة مليون يوان لدولة فلسطين، وتعهد بزيادة الدعم المالي من أجل التنمية في الشرق الأوسط. وأوضح الرئيس شي أن الصين ستقدم للشعب السوري والأردني واليمني 600 مليون يوان كمساعدات إنسانية. وأشار شي إلى عزم بلاده منح الجانب الفلسطيني خمسة عشر مليون دولار أمريكي لدعم جهود السلطة الفلسطينية الرامية إلى تحفيز التنمية الاقتصادية، موضحاً أنه سيعمل على مساعدة الشعب الفلسطيني في ساحات الأمم المتحدة على تعزيز مصالحها الدبلوماسية. كما أعلن الرئيس شي أن بلاده ستقدم قروضا للتنمية الاقتصادية بقيمة عشرين مليار دولار أمريكي إلى دول عربية، موضحا أن القروض ستخصص لـ"مشروعات ستوفر فرص عمل جيدة وسيكون لها تأثير اجتماعي إيجابي في دول عربية لديها حاجات لإعادة الإعمار". وأشار الرئيس شي إلى أن الموقع الجغرافي للدول العربية في قلب طريق التجارة القديم يجعل منها "شركاء طبيعيين" في "الحزام والطريق". وقال إن الصين ترحب بفرص المشاركة في تنمية مرافئ وبناء شبكات للسكك الحديد في دول عربية كجزء من شبكة لوجستية تربط بين آسيا الوسطى وشرقي أفريقيا ومناطق مطلة على المحيط الهندي والبحر المتوسط".

  الخلاصة هي أن مبادرة "الحزام والطريق"، تواصل نجاحها. وفي هذا الإطار جنى الجانبان العربي والصيني ثمارا عملية في مجالات متنوعة مثل الطاقة والتجارة والاستثمار والقدرة الإنتاجية، وفي مجال الطيران الفضائي والأقمار الاصطناعية الذي يشهد تطورا متعاظما، فقد أصبحت الصين شريكا هاما للدول العربية في مجال التعاون الفضائي.

وما يلفت الأنظار أن الشراكة الإستراتيجية الصينية - العربية تتحلى بالتعاون الشامل والتنمية المشتركة والتوجه نحو المستقبل، ما يخلق فرصة تاريخية جديدة للجانبين. إن التوجه نحو المستقبل يعد جزءا هاما لمستقبل الشراكة الإستراتيجية العربية- الصينية، خاصة في ظل ما يشهده العالم من حالة عدم الاستقرار، ولا تزال منطقة الشرق الأوسط تعاني من أوضاع معقدة تتخللها الاضطرابات بين الحين والآخر. ولكن بغض النظر عن احتمالات وآفاق تطورات الأوضاع مستقبلا، أكد الجانبان العربي والصيني أن تعاونهما يتمتع برؤية طويلة المدى، ولن يتأثر أو يتزعزع مهما اختلفت الأوضاع والأحداث التي يشهدها العالم.

--

أحمد سلام، خبير في الشؤون الصينية، والمستشار الإعلامي بسفارة مصر لدى الصين سابقا.

 

 

©China Today. All Rights Reserved.

24 Baiwanzhuang Road, Beijing, China. 100037

京ICP备10041721号-4