ملف العدد < الرئيسية

مصر في معرض الصين الدولي للواردات

: مشاركة
2018-10-26 11:32:00 الصين اليوم:Source أحمد سلام:Author

تشارك مصر في معرض الصين الدولي للواردات والذي يقام بمدينة شانغهاي الصينية في الفترة من الخامس إلى العاشر من هذا الشهر، نوفمبر 2018، بحضور أكثر من مائة وثلاثين دولة وعدد كبير من الشركات التجارية والاستثمارية الأجنبية وأكثر من مائة وخمسين ألف مشارك في كافة المجالات. سيكون المعرض، الذي أعلن عنه الرئيس الصيني شي جين بينغ خلال منتدى التعاون الدولي حول الحزام والطريق الذي عقد في بكين في مايو 2017، منصة جديدة للعالم للوصول إلى السوق الصينية واستكشافها.

هذا المعرض، الذي سيعقد سنويا اعتبارا من عام 2018، لا يمثل رغبة الصين المخلصة في المزيد من فتح أسواقها أمام العالم فحسب، وإنما أيضا يعكس روح المنفعة المتبادلة والفوز المشترك لمبادرة الحزام والطريق، التي اقترحتها الصين وتعمل على تفعيلها بشكل جاد.

من المتوقع أن تستورد الصين خلال السنوات الخمس المقبلة، منتجات وخدمات بقيمة أكثر من عشرة تريليونات دولار أمريكي، وهذا سيوفر فرصة عظيمة للمنتجين والمصدرين في كافة دول العالم، ومن بينها مصر. ولا شك أن مثل هذه المعارض الدولية تُعد فرصة هامة وضرورية لزيادة الصادرات المصرية إلى جميع الأسواق العالمية، ولاسيما السوق الصينية التي تضم أكثر من مليار وثلاثمائة مليون مستهلك، الأمر الذي سيسهم في تخفيض العجز في الميزان التجاري بين مصر والصين، والذي يميل لصالح الجانب الصيني. وحسب هيئة تنمية الصادرات المصرية، فإن المعرض يعد فرصة مميزة لزيادة الصادرات المصرية للسوق الصينية. وقد نوه هان بينغ المستشار التجاري بسفارة الصين لدى مصر، إلى أهمية مشاركة مصر بالمعرض باعتبارها شريكا إستراتيجيا للصين في منطقة الشرق الأوسط والاستفادة من السوق الاستهلاكية الضخمة بالصين، لافتا إلى أن هناك فرصا ضخمة للمنتجات المصرية من الأغذية والمنتجات الزراعية ومنتجات الأدوية والمنسوجات والملابس، فضلا عن التجارة في الخدمات مثل السياحة والثقافة والتعليم للنفاذ إلى السوق الصينية خلال المرحلة المقبلة.

حسب بيانات مصلحة الجمارك الصينية، فإن حجم التبادل التجاري بين الصين ومصر في عام 2017، وصل إلى 8ر10 مليارات دولار أمريكي، منها 3ر1 مليار دولار للصادرات المصرية إلى الصين، بزيادة بلغت نسبتها 59ر142% مقارنة مع عام 2016. وقد شهد عام 2016، زيادة ملحوظة في صادرات مصر من الموالح والفواكه الأخرى إلى الصين، حيث وصل حجم واردات الصين من البرتقال المصري 101 ألف طن، بقيمة ثمانين مليون دولار أمريكي. وكانت مصر بدأت تصدير البرتقال الطازج إلى الصين في عام 2015، وتطور حجم صادراتها من 24 ألف طن في ذلك العام إلى 37 ألف طن في عام 2016 وإلى 101 ألف طن عام 2017. وبذلك أصبحت مصر ثالث أكبر دولة مصدرة للبرتقال الطازج إلى الصين بعد جنوب أفريقيا والولايات المتحدة الأمريكية. وبالإضافة إلى البرتقال، ازدادت الواردات الصينية من العنب المصري في هذه السنوات، ويشهد التمر المصري أيضا إقبالا على مواقع التجارة الإلكترونية الصينية.

في الثاني والعشرين من سبتمبر 2018، غادرت سفينة تابعة لشركة (مجموعة) الصين للملاحة البحرية (COSCO)، ميناء بورسعيد المصري حاملة باكورة محتويات أول جناح مصري مشارك في الدورة الأولى لمعرض الصين الدولي للواردات. وتضمنت محتويات السفنية بضائع من المنسوجات القطنية والأثاث والمعدات الطبية والخدمات السياحية والمواد الخام. وقد بلغ إجمالي ما نقلته شركة كوسكو 13 حاوية بحمولة تبلغ 120 طنا من المعروضات المصرية.

لعل هذه المناسبة الهامة تذكرني بالتجربة الصينية التي كنت شاهدا على ما بلغته من مراحل وتطورات عديدة، وذلك خلال دراستي في بكين وزياراتي المتعددة للصين منذ عام 1999، وكذلك عملي كمستشار إعلامي لجمهورية مصر العربية خلال الفترة من 2009 حتى 2013. أتذكر أنه خلال الأزمة المالية العالمية في عام 2008، ظهرت جمهورية الصين الشعبية كمنقذ أول للاقتصاد العالمي في ظل تراجع دور الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي. وقد حقق الاقتصاد الصيني في عام 2017 نموا بنسبة 9ر6% على أساس سنوي، متجاوزا المعدل الذي استهدفته الحكومة للنمو وهو 5ر6%، (حسب تقرير مصلحة الإحصاء الصينية الصادر في 18 يونيو 2018). والذي أوضح أيضا أن الاقتصاد الصيني حافظ على استقراره خلال عام 2016، لكن الأداء الإيجابي خلال ذلك العام جاء نتيجة الترويج الحكومي للإصلاحات المتعلقة بجانب العرض والإمداد وتطوير حوافز نمو جديدة. في الوقت نفسه توقع البنك الدولي أن ينمو الاقتصاد الصيني خلال عام 2018 بنسبة 4ر6%، وبنسبة 3ر6% خلال عام 2019. وكان الاقتصادي الصيني، الذي أصبح ثاني أكبر اقتصاد في العالم بعد الولايات المتحدة الأمريكية، حقق في عام 2016 نموا بنسبة 7ر6% على أساس سنوي، وهي أدنى نسبة نمو له خلال ربع قرن. ومما يميز التجربة الصينية أن بكين التزمت بالتنمية النوعية، بما فيها خلق بنية وهيكلية اقتصادية سليمة وصحية في إطار بيئة أفضل، بدلا من التركيز على النمو الاقتصادي فقط.

ويرجع نجاح تجربة الصين في مجال تنمية الصادرات إلى العديد من الأسباب، لعل من أهمها: عدم اكتفائها بإصلاح البيئة العامة للتجارة الخارجية من سعر صرف وضرائب وإصلاح جمركي، والاستفادة من الإعلام الاقتصادي والتنموي في الترويج والجودة والتوعية للمواطن الصيني، والأكثر من ذلك أنها اتبعت سياسة جديدة وهي سياسة الاستهداف لضمان فاعلية الحوافز المقدمة وسهولة التنفيذ، والتي تمثلت في ثلاثة عناصر، تتمثل في:

(1) إنشاء مناطق جغرافية جديدة: وهي تنقسم إلى نوعين من المناطق: الأولى: المناطق الخاصة، وهي مناطق جغرافية تطبق فيها قوانين أكثر انفتاحا وتعتبر مناطق ذات إدارة اقتصادية مستقلة في مجالات العمل والاستثمار، التسعير والضرائب، حرية التعامل مع الاستثمار الأجنبي، وموانئ التجارة الدولية. ويُعد تأسيس المناطق الاقتصادية الخاصة خطوة أولى هامة في انفتاح الصين على الاستثمار الأجنبي، وترتب عليها أيضا تزايد اندماج الصين في السوق الدولية، وهو ما يساعد ليس فقط على تصدير المنتجات الصينية، وإنما أيضا الإسراع في استيراد الصين للمواد الخام والمنتجات الوسيطة اللازمة (مثل المنطقة الاقتصادية الخاصة في شنتشن)، علاوة على ذلك، تتحول المناطق الاقتصادية الخاصة في الصين في الوقت الراهن لتصبح بمثابة "الحاضنات" لكثير من التقنيات الناشئة، وهذه المناطق الخاصة لا تزال ذات قوة كامنة كبيرة للتنمية في مستقبل الصين. أما الثانية، فتتمثل في مناطق التجارة الحرة، وهي تهدف إلى زيادة درجة الانفتاح على العالم الخارجي وجذب الاستثمارات الأجنبية. وهي عبارة عن مناطق خاصة صغيرة تُقدم فيها تسهيلات للوصول إلى الأسواق الخارجية، وتشرف على الخدمات الجمركية وتطبق سياسات تعريفية خاصة.

(2) جذب رؤوس الأموال الأجنبية: وذلك بهدف تشجيع الصادرات بربطها بتشجيع الاستثمار الأجنبي المباشر في صناعات التقنية العالية، وتشجيع الشركات الأجنبية على إنشاء مقار إقليمية ومراكز لتدريب العمالة الصينية وكذلك تقديم عدد من الحوافز، منها عدم فرض أي قيود على اختيار القطاعات الإنتاجية، إضافة إلى تبسيط الإجراءات الإدارية المتعلقة ببدء النشاط والعمالة والأجور وغير ذلك من الأمور التي تشجع على الاستثمار.

(3) زيادة الكفاءة الإنتاجية للمصدرين: من خلال توفير قروض تمويل للمشروعات وإنشاء شبكات للإنتاج التصديري وذلك بربط الشركات الكبرى ببعضها البعض، خاصة تلك التي تعمل في نفس المجال وتقديم الدعم لها لتشجيعها على التطوير والابتكار واستيراد التكنولوجيا المتقدمة، بالإضافة إلى التدريب المستمر لرفع المستوى التقني للعمال والمتخصصين مع العمل على تسهيل وضمان إمدادات المواد الخام والطاقة وتوفير البنية التحتية والخدمات اللوجيستية وإعفاء واردات السلع الوسيطة المخصصة للإنتاج التصديري من الرسوم الجمركية.

ومن أهم الخطوات التي اتخذتها الحكومة الصينية في مجال تنمية الصادرات، توظيف الإعلام الاقتصادي من خلال البرامج التلفزيونية والإذاعية والاستفادة من كافة وسائل الاتصال المقروءة والمسموعة والمرئية، وأيضا الإعلام الجديد بغرض توعية المواطن الصيني بأهمية تحقيق أعلى كفاءة إنتاجية ممكنة من خلال التحديث المستمر لمراحل العملية الإنتاجية، والعمل على زيادة القدرة التنافسية في الأسواق الخارجية، والعمل على تنمية الموارد البشـرية وزيادة إنتاجيتها باستمرار بواسطة المؤسسات المتخصصة في تدريب رجال الأعمال في مجال التجارة الخارجية والتعاون الاقتصادي، مما أدى إلى استيعاب وتطوير التكنولوجيات المختلفة.

إن الطفرة الهائلة التي حققتها الصين في مجال تنمية الصادرات والتي تعكسها أرقام الصادرات الصينية إلى العالم الخارجي، لم تأت من فراغ، وإنما كانت نتيجة أسس وسياسات اقتصادية مرسومة ومطبقة بدقة على أرض الواقع. فطبقا لبيانات صدرت في يناير 2018 عن مصلحة الجمارك الصينية عن أحوال الاستيراد والتصدير عام 2017، ارتفع حجم التجارة الخارجية الصينية بنسبة 2ر14% على أساس سنوي، ليصل إلى 97ر27 تريليون يوان (الدولار الأمريكي يساوي 9ر6 يوانات). كما ارتفعت صادرات الصين بنسبة 8ر10% لتصل إلى 33ر15تريليون يوان، بينما ارتفعت وارداتها بنسبة 7ر18% لتبلغ 46ر12 تريليون يوان.

ومن هنا، وللاستفادة من هذه التجربة، فإن على الأجهزة الحكومية المصرية المعنية أن تعمل على مساعدة المُصدِر المصري، خاصة وأن العلاقات المصرية- الصينية شهدت تطورا كبيرا في مختلف المجالات خلال السنوات الأربع الماضية، بما ساهم في تعزيز قدرة البلدين على مواجهة المتغيرات الداخلية والإقليمية والعالمية، إضافة إلى أن مصر تعد أهم شريك إستراتيجي للصين في منطقة الشرق الأوسط.

ولدى مصر فرصة كبيرة للدخول والمنافسة في السوق الصينية والاستفادة من مشروع تطوير محور قناة السويس وتكلفة الشحن المنخفضة للمنتجات المصرية مقارنة بالمنتجات الأوروبية المنافسة، والاستفادة من الحرب التجارية الأمريكية- الصينية. فطبقا لبيان الهيئة العامة للرقابة على الصادرات والواردات المصرية في سبتمبر 2018 حول أهم عشرين سلعة صناعية من الصادرات المصرية غير البترولية خلال شهر يوليو من ذات العام، تصدّر الكيروسين المُصَنع قائمة هذه السلع ثم اليوريا والذهب وشاشات التلفزيون وشاشات LCD، والنفط المكرر .تلاها في القائمة المازوت ومخاليط المواد العطرية ثم البولي بروبيلين، والميثانول، وملابس الرجال، ثم البولي إيثيلين، والمنتجات المسطحة المرققة بالاسطوانات، وأجهزة الاستقبال، والكابلات، ثم القمصان، ورقائق الألومنيوم، والأقمشة غير المنسوجة، وجاء في نهاية القائمة زيوت النفط، والأثاث، وألواح وصفائح وأغشية الأفلام.

معرض الصين الدولي للواردات بشانغهاي يعد أيضا فرصة هائلة أمام الجانب المصري لاستعراض كافة الإنجازات الاقتصادية والتنموية للحكومة المصرية في مجالات الصناعة والتجارة والاستثمار والسياحة وغيرها، خاصة وأن مصر تم اختيارها من جانب الحكومة الصينية كضيف شرف للمعرض، وهو ما يعني أن مصر ستكون محط أنظار جميع الدول المشاركة في المعرض.

--

 أحمد سلام، خبير في الشؤون الصينية والرئيس السابق للمكتب الإعلامي المصري لدى الصين.

 

 

 

©China Today. All Rights Reserved.

24 Baiwanzhuang Road, Beijing, China. 100037

京ICP备10041721号-4