ملف العدد < الرئيسية

العلاقات المصرية- الصينية على طريق الحرير

: مشاركة
2018-10-15 16:16:00 الصين اليوم:Source د. ناهد عبدالله:Author

 مبادرة "الحزام و الطريق"، مفهوم جديد وإستراتيجية جديدة في المرحلة الجديدة من الصين المعاصرة. أعتقد أنها تعد أيضا ثمرة جديدة لسياسة الرئيس شي جين بينغ.

"الحزام والطريق" هي اختصار "الحزام الاقتصادي لطريق الحرير وطريق الحرير البحري للقرن الحادي والعشرين". 

      قديما امتد طريق الحرير البحري  من الساحل الجنوبي الشرقي للصين، مرورا بالهند الصينية وشبه الجزيرة الكورية وبحر الصين الجنوبي، ثم من المحيط الهندي إلى البحر الأحمر، وصولا إلى شرق أفريقيا وأوروبا، حتى أصبح أكبر طريق بحري للتجارة الخارجية والتبادل الثقافي بين الصين ومعظم دول العالم، وساهم كذلك في دفع وتعزيز التنمية المشتركة للبلدان الواقعة على طول طريق الحرير.

إن طريق الحرير البحري في القرن الحادي والعشرين، هو رؤية إستراتيجية طرحها الرئيس شي جين بينغ الأمين العام للحزب الشيوعي الصيني في أكتوبر 2013، أملا في  تعزيز التعاون الاقتصادي والتجاري والتبادلات الودية مع الدول الواقعة على طريق الحرير. وهذا له أهمية بعيدة المدى لتعزيز التكامل الاقتصادي الإقليمي وتعزيز الأمن الإستراتيجي للصين.

      أثارت مبادرة "الحزام والطريق" منذ طرحها، استجابة حماسية من كل البلدان الواقعة على طول طريق الحرير. فمبادرة "الحزام والطريق" تتناسب مع عصر السلام والتنمية ، كما أنها بحاجة إلى تنمية الصين وتعاونها الخارجي.

    طريق الحرير، الذي امتد منذ أكثر من ألفي عام  إلى آسيا وأوروبا وأفريقيا، وربط بين الحضارات الكبرى في العالم، وكتب فصلا رائعا في تاريخ البشرية. فقد ساهم  طريق الحرير البري والبحري في تعزيز التنمية الاقتصادية والثقافية والتقدم الاجتماعي بين الصين ومعظم دول العالم، وتعزيز الحوار والتفاعل بين الحضارات. في القرن الحادي والعشرين، أصبح السلام والتنمية موضوع العصر، وأصبح العالم في حاجة ملحة لمواجهة الوضع الدولي والإقليمي المعقد، لذلك فإننا بحاجة إلى روح السلام والتعاون والانفتاح والتسامح التي ساهم طريق الحرير في نشرها ودعمها الآن وأكثر من أي وقت مضى.

         ربط طريق الحرير القديم  بين مصر والصين. ويعتقد علماء الآثار أنه في أوائل عام 1070 قبل الميلاد، التقت مصر القديمة والصين القديمة على طريق الحرير. يقال إن الملكة المصرية كليوباترا كانت ترتدي ملابس من الحرير الصيني. وقد وثق البطالمة  في مصر في كتبهم  الوضع في الصين في ذلك الوقت وأنه كان مؤاتيا للتبادل الثقافي بين الشرق والغرب.

       بعد مرور آلاف السنين، أصبح "طريق الحرير البحري للقرن الحادي والعشرين" مرة أخرى الرابط  بين الحضارتين القديمتين. فمصر هي قلب العالم العربي وقلب العالم الإسلامي، والدولة الأكثر أهمية في الشرق الأوسط، وواحدة من أكثر الدول تأثيرا في منطقتها. ومن بين الدول الواقعة على طريق الحرير، تحتل مصر مكانة متميزة ونفوذا واضحا على الساحة العالمية نظرا لموقعها الجغرافي المتميز وتأثيرها الإقليمي. ولهذا، تُعتبر مصر واحدة من الدول المحورية في الشرق الأوسط لتعزيز بناء "الحزام والطريق". هناك نقاط مشتركة بين الحضارة المصرية والحضارة الصينية. فمصر تنتمي إلى حضارة النيل، والصين تنتمي إلى حضارة نهر اليانغتسي والنهر الأصفر، وكلا البلدين شهدت تاريخا طويلا من النضال، وقد هزمتا الغزاة واستعادتا الاستقلال والحرية.

منذ إقامة العلاقات الدبلوماسية بين مصر والصين منذ أكثر من ستين عاما، أصبح بينهما تعاون ثقافي ثري ومتنوع. إن التبادلات الثقافية بين مصر والصين لها تاريخ طويل، فمن خلال طريق الحرير البحري، نشرت الصين الحرف اليدوية التقليدية كما نشرت الكونفوشية والطاوية. كما نقلت  الخزف الصيني وثقافة الشاي إلى جميع أنحاء العالم، وكان لهذا تأثيره على الدول العربية وبخاصة مصر التي أتقنت صناعة الخزف فمزجت بين الثقافة الصينية والإبداع المصري في آن واحد.

        "طريق الحرير"، الذي تشكل في القرن الثاني قبل الميلاد، ربط بين دول آسيا وأوروبا وأفريقيا، وأصبح أيضا أهم حلقة تواصل بين الشرق والغرب في الاقتصاد والتجارة والثقافة في آن واحد. وبطبيعة الحال، فإن التفاعل الثقافي له علاقة وثيقة بالترجمة.

من حيث الدين؛ ترجمت الصين كتب البوذية إلى العديد من اللغات من القرن الثاني إلى القرن الثاني عشر الميلادي، وهذا هو أكبر نشاط للترجمة في الصين القديمة. ثم دخل الإسلام الصين في منتصف القرن السابع الميلادي. في ذلك الوقت، تمت حركة ترجمة واسعة النطاق للقرآن الكريم، وكان أول من تولى هذه المهمة الجليلة أبناء قومية هوي المسلمة في الصين.

        بعد تأسيس جمهورية الصين الشعبية، بذل المترجمون المصريون والصينيون جهودا حثيثة في ترجمة الأعمال العربية والصينية. وأقاموا جسورا ثقافية متميزة وهامة بين مصر والصين من خلال عملية الترجمة. فقد ترجمت كل أعمال الأديب الكبير طه حسين تقريبا إلى اللغة الصينية، وقد تمت ترجمة سيرته الذاتية وهي رواية "الأيام" وتم نشرها في الصين في بداية ستينات القرن العشرين. وقد تركت هذه الرواية لدى الصينيين انطباعا عميقا حول هذا الرجل الذي قهر الظلام. ثم توالت بعد ذلك ترجمة روائع الأدب المصري ومنها رواية "الأرض" للأديب الكبير عبد الرحمن الشرقاوي وتمت ترجمة معظم أعمال توفيق الحكيم وإحسان عبد القدوس ونجيب محفوظ ويوسف السباعي. ومن الأدب الصيني تمت ترجمة الأعمال الكاملة للأديب الصيني لو شون، وثلاثية "الأسرة" للأديب با جين، و"الجمل شيانغ تسه" و"المقهى" و"المستنقع " للأديب لاو شه، وكذلك العديد من أعمال ماو دون ومو يان، والعديد والعديد من الأدباء الصينيين.

من حيث التعليم؛ هناك تعاون وثيق بين مصر والصين في مجال التعليم. في الوقت الحاضر،  افتتحت العديد من الجامعات في الصين أقساما لتعليم اللغة العربية، وهناك المزيد والمزيد من الطلاب الصينيين يدرسون اللغة العربية. وكذلك هناك أكثر من 14 جامعة في مصر بها أقسام لتعليم اللغة الصينية. وتعد كلية الألسن بجامعة عين شمس قاعدة تدريس اللغة الصينية في الشرق الأوسط. وفي الواقع، فإن رؤساء أقسام اللغة الصينية في كافة الجامعات المصرية هم من الأساتذة الذين تخرجوا في قسم اللغة الصينية بكلية الألسن بجامعة عين شمس. ويتم تخريج المئات من دارسي اللغة الصينية كل عام في هذه الأقسام، وهم يعملون في مجالات عديدة منها التدريس والترجمة والإرشاد السياحي وغيرها من المجالات.

      أدى طرح "مبادرة الحزام والطريق" إلى تقريب التبادلات بين مصر والصين، وتعميق التبادلات الثقافية بين البلدين. في عام 2016 ، لم يحتفل البلدان بالذكرى السنوية الستين لإقامة العلاقات الدبلوماسية بينهما فحسب، وإنما أيضا أعلنا أن عام 2016 هو العام الثقافي الصيني-المصري، مما عزز  الصداقة التقليدية بين الشعبين وحقق حيوية جديدة وزخما جديدا في تنمية وتعاون البلدين. حيث نظمت الصين العديد من الأنشطة الثقافية والفنية في مصر. أقامت السفارة المصرية في الصين بالتعاون مع وزارة الثقافة المصرية، العديد من الفعاليات الثقافية، بما في ذلك: معرض الآثار المصرية، عروض الفنون الشعبية المصرية، معرض الحرف اليدوية المصرية. وكانت الصين هي ضيف الشرف في مهرجان القاهرة السينمائي الدولي عام 2016.

    لا شك أن مبادرة "الحزام والطريق" قد جددت تطلعات الشعب المصري والشعب الصيني لتحقيق طموحات الشعبين في غد أكثر تعاونا ومستقبل أكثر إشراقا.

--

د. ناهد عبدالله، أستاذة الترجمة والأدب الصيني في كلية الألسن بجامعة عين شمس المصرية.

 

©China Today. All Rights Reserved.

24 Baiwanzhuang Road, Beijing, China. 100037

京ICP备10041721号-4