ملف العدد < الرئيسية

شي جين بينغ ورفاقه والمائة عام القادمة

: مشاركة
2018-04-03 11:33:00 الصين اليوم:Source محمد علام:Author

في مارس 2018، تم انتخاب شي جين بينغ مجددا رئيسا لجمهورية الصين الشعبية، وكان السيد شي أعيد انتخابه في أكتوبر 2017، خلال المؤتمر الوطني التاسع عشر للحزب الشيوعي الصيني، كأمين عام للجنة المركزية للحزب، واختيار رفاقه لي كه تشيانغ، لي تشان شو، وانغ يانغ، وانغ هو نينغ، تشاو له جي، وهان تشنغ، كأعضاء للجنة الدائمة للمكتب السياسي للجنة المركزية للحزب. إنهم الجيل الجديد الذي يقود الصين منذ مطلع العقد الثاني في القرن الحادي والعشرين، الذين قادتهم الأقدار لتولي دفة الأمور في تلك اللحظة الفاصلة من عمر أمتهم؛ جيل فريد يحمل صفات عرفنا مثلها سابقا في ماو تسي تونغ، شو أن لاي، ودنغ شياو بينغ.

خطط بعيدة المدى

إذا كانت تحركات الصين وأهدافها منذ نهاية سبعينات القرن العشرين، عندما بدأت سياسة الإصلاح والانفتاح، قد صيغت بصورة أساسية كما كان الوضع السابق في خطط خمسية يتم تجديدها ومراجعتها كل خمسة أعوام مع انعقاد المؤتمر الوطني للحزب، فإن الميزة الأساسية لجيل شي جين بينغ هي التخطيط البعيد المدى لعشرات السنوات القادمة، وفي نفس الوقت إمكانية المراجعة والتصويب في أي لحظة.

عندما انطلقت حملة مكافحة الفساد، على سبيل المثال، كانت هناك بعض المناصب التي لا يجوز الاقتراب من أصحابها، لكن مع التحقيقات والأدلة تم التصدي لهذا الخطأ ولم تخفف الحملة من وطأتها عند المستويات العليا؛ فأسقطت على سبيل المثال "بو شي لاي" سكرتير الحزب في بلدية "تشونغتشينغ"، و"تشو يونغ كانغ" عضو اللجنة الدائمة للمكتب السياسي للحزب، والذي كان أيضا مسؤول جهاز الأمن الداخلي، وإجمالا أطاحت الحملة على المستويات العليا بـ10% من أعضاء اللجنة المركزية للحزب في دورته الثامنة عشرة، فأظهرت عزما أكيدا على الاستمرار لسنوات قادمة على كافة المستويات.

كما يظهر ذلك التخطيط البعيد المدى جليا في تقرير المؤتمر الوطني التاسع عشر للحزب، في الخطة الطويلة المدى للصين حتى منتصف القرن الجاري أي عام 2050. في الجلسة الافتتاحية للمؤتمر الوطني التاسع عشر، تحدث الرئيس شي طويلا عن خارطة طريق للصين للعقود القادمة اقتصاديا، وسياسيا، وبيئيا، وأيضا ما يتعلق بشؤون الجيش والأمن والعلاقات الخارجية. إنه "عهد جديد" بين الصين والعالم.

الدفع بالجيل الجديد

ومن بين ما يفعله شي جين بينغ ورفاقه، الدفع بالجيل الجديد الذي سينقل هذا التخطيط من الأوراق إلى أرض الواقع، ويحدث هذا على الأصعدة السياسية والعلمية والاقتصادية معا. وقد تضافر عاملان أساسيان لتنفيذ ذلك: الأول أن تقريبا نصف الصينيين تتراوح أعمارهم بين الخامسة والعشرين والرابعة والخمسين، بينما من هم بين الخامسة عشر إلى الرابعة والعشرين يقدرون بنسبة 13% تقريبا، وهولاء جميعا يمثلون قوة بشرية تستطيع أصغر شرائحها مواصلة العمل حتى عام 2063؛ العامل الثاني يتمثل في كون الرئيس شي نفسه له تجربته الخاصة، حيث دفعته الظروف للعمل وهو لم يكمل الخامسة عشر من عمره، كما اختاره أهل قرية "ليانجياخه" رائدا لهم وهو في مقتبل الشباب، فكانت له بصمته في رفع المستوى الاقتصادي والمعيشي للبسطاء من أهل تلك القرية الصينية.

على الصعيد السياسي، تم تطعيم المناصب القيادية في الدولة والحزب بعناصر جديدة، ليتسلموا الراية من شخصيات أدت دورها، فقد تم انتخاب وانغ تشي شان نائبا لرئيس الجمهورية، بعد أن أدى دوره كرئيس حملة مكافحة الفساد التي أشاد العالم كله بها. هذه العناصر الجديدة تمثل جيلا مختلفا أيضا من حيث المؤهلات العلمية، فبينما سيطر المهندسون ومعهم القادمون من الريف على عضوية المكتب السياسي في العقود الماضية، نرى اليوم الأعضاء الجدد مجموعة تتشكل من خبراء سياسيين واقتصاديين ومفكرين. إنها المجموعة التي تستطيع التفكير ووضع إستراتيجيات العمل لعقود طويلة مقبلة.

ومن الناحية العلمية، كان أحد أهم القرارات هو تشجيع "الابتكار" وتدعيم المراكز البحثية والجامعات بكل ما تحتاجه من دعم مادي أو تشريعي، وبالتالي رفع جودة وقيمة المنتجات الصينية وقدرتها التنافسية. لقد ظهرت نتيجة هذا الدعم في كل المجالات تقريبا، فصناعة الغزل والنسيج التقليدية مثلا عرفت مفهوم "ثقافة الحرير الإبداعية"، ليعود الحرير الصيني إلى مكانته التي جعلته منذ قرون خلت أهم سلعة تصدرها الصين وحمل طريقها التجاري مع العالم اسمها "طريق الحرير". ومن الحرير إلى صناعة وسائل الاتصالات المتطورة، وأرقى المعدات الطبية، ومعدات توليد الطاقة النظيفة وغيرها مما لا يتسع المجال لحصره، حققت الابتكارات الصينية اختراقات تكنولوجية هامة.

لدى شي جين بينغ ورفاقه خططهم لضمان استمرارية ذلك لعقود طويلة قادمة، عبر زيادة الإنفاق على البحث العلمي ورفع نسبته من الناتج المحلي الإجمإلي ليصل لنفس النسب التي تنفقها الدول المتطورة. في ولايتهم الأولى، من 2012 إلى 2017، تقدمت الصين 12 مركزا في "تقرير مؤشرات الإبداع في العالم"، لتصل للمركز الثاني والعشرين، كل هذا يقود إلى أنه وحتى عام 2030 ينبغي للصين أن تدخل نادي الخمسة الكبار عالميا، ليتناسب موقعها العلمي مع الاقتصادي والسياسي عالميا.

أما على الصعيد الاقتصادي، ففي التسعة شهور الأولى من عام 2017، بلغ عدد الشركات الجديدة المسجلة في الصين أربعة ملايين وخمسمائة وعشرة آلاف شركة. هذه الشركات التي تمثل دما جديدا متواصل الجريان في عروق الاقتصاد الصيني، جاءت نتيجة حزم التدابير المحفزة للاستثمار، وتلك التي نسفت جبال بيروقراطية من الموافقات الإدارية، مما أكسب السوق الاستثمارية الصينية ديناميكية جديدة نقلتها في شهور إلى مواكبة متطلبات القرن الحادي والعشرين.

طريق الحرير ليس للتجارة فقط

عندما أعلن الرئيس شي جين بينغ في عام 2013 مبادرة "الحزام والطريق" لأول مرة، كان يعلن مشروع المائة عام القادمة الأول والأكثر طموحا، ليس للصين فحسب وإنما لسكان عشرات الدول التي يمر بها. هذه المبادرة تعني مشروعا سيتطلب وقتا طويلا لتنفيذه، لكن الأهم أن النتيجة ستكون وقتا أطول بكثير يتقاسم فيه الجميع الربح والمنفعة المشتركة. وأثناء تنفيذ المشروع تضخ الصين سنويا حوالي 150 مليار دولار أمريكي، ما يعني الكثير من الاستثمارات وفرص العمل في 68 دولة وافقت على مشاركة الصين في مبادرة الرئيس شي.

خلال المائة عام القادمة، وبفضل طريق الحرير سيكون العالم أكثر ترابطا، وستقل احتمالات الصراعات مع تشابك المصالح الإنسانية وترابطها. كما تسير الصين حاليا بقوة في صناعة أقمار الاتصالات والملاحة الاصطناعية التي تعمل سويا لخلق النسخة الصينية من نظام تحديد المواقع العالمي والتي تحمل اسم "بيدو"، الذي سيغطي هذا العام فعليا دول الحزام والطريق، هذا يساعد على جعل طرق التجارة أكثر أمنا. هناك حاجة ستظهر لمزيد من التعاون الدولي في مجالات مثل مكافحة القرصنة وإنفاذ القانون ومحاربة الجريمة المنظمة والإلكترونية والتنظيمات المسلحة بكافة صورها، وستساعد خطة الصين على تحديث قواتها المسلحة بحلول عام 2025 وجعلها عالمية المستوى في عام 2050 في هذا الإطار، في عالم تتزايد فيه مخاطر الجريمة التي تعددت صورها. ولدينا مثال في تونس التي تلقت مؤخرا أجهزة كشف صينية في صورة هبة للتصدي لعمليات التهريب، وقبلها العراق التي ساهمت الطائرات الصينية دون طيار في مساعدتها على هزيمة تنظيم داعش الإرهابي. في هذا الإطار التعاوني بين الدول الفريد من نوعه، سيربح الجميع في كل المجالات.

وبالتضافر مع هذه المبادرة، وضع الرئيس شي ورفاقه نقطة الانطلاق الأساسية لصناعات تمثل الأدوات التنفيذية لهذا المشروع الطموح، بداية من تطور مذهل حققته صناعة السكك الحديدية في الصين، وخصوصا القطارات الفائقة السرعة، فاليوم ولعقود قادمة يمكن للصين الاعتماد على التكنولوجيا المحلية في هذا المجال، وتصديرها أيضا لدول عديدة على طول طريق الحرير، وفي الجو حلقت ثاني طائرة من طراز كوماك C919 الصينية الصنع في ديسمبر 2017، في خطوة هامة ضمن مشوار رحلة المصادقة على كفاءتها للطيران ربما سيستغرق حتى عام 2022، لتدخل الصين خلال العقود التالية نادي الدول المصنعة لطائرات الركاب المدنية، ومن المتوقع أن توقع عشرات الدول عقودا للحصول عليها. وبين الأمواج والشواطئ ستبني الصين وتطور العديد من الموانئ على المستوى الوطني وفي عدد من الدول على طول طريق الحرير، مثل مشروع ميناء غوادر الباكستاني الذي يجري العمل فيه حاليا.

البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية

منذ أن وضعت الحرب العالمية الثانية أوزارها، عرف العالم منصات دولية محدودة يمكنها تمويل مشروعات التنمية، خصوصا تلك التي تبني في الدول النامية، لكنها تميزت بصفة سلبية أساسية تمثلت في سيطرة عدد من الدول الكبرى عليها. وفي ذاكرة العرب عموما والمصريين خصوصا واقعة سحب تمويل السد العالي لاعتبارات سياسية في عهد الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر.

خلال السنوات القادمة، ستتغير تلك الصورة، مع التوسع في عمل "البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية"، ولفظ الآسيوي هنا لا يعني اقتصار تمويله على المشروعات في قارة آسيا، فهو بنك عالمي سيمول أي مشروع يستحق في أي مكان بالعالم. هناك دراسة حاليا على سبيل المثال تستهدف إقراض مصر مبلغ 210 ملايين دولار أمريكي لتمويل مشروعات للطاقة الشمسية، يشتمل على 11 محطة طاقة شمسية بقدرة مجمعة تصل إلى 490 ميغاوات، وهناك مشروعات تنفذ حاليا في باكستان وبنغلاديش. هذا يعني أن الرئيس شي ورفاقه صنعوا للعالم مؤسسة جديدة بمعايير جديدة، فيها أمل مشرق لقرن كامل وربما أكثر لتمويل مشروعات تطمح الدول النامية في إنجازها وخلق فرص أكثر للعمل واستقرارا مجتمعيا تصبو إليه عشرات الدول؛ في أفريقيا وآسيا وشرق أوروبا وأمريكا اللاتينية.

الحضارة الإيكولوجية

كان من ضمن ما جاء به الجيل الجديد من قيادات الحزب الشيوعي الصيني صالحا لمائة عام قادمة وربما لقرون، تطويرهم لمفهوم "الحضارة الإيكولوجية" وتأكيدهم عليه، ونقله من مصطلح محلي بعض الشيء إلى مصطلح يغزو العالم. وبمراجعة للتاريخ، قد نكون أمام فصل جديد من قصة الحضارة، فأول ما عرف الإنسان كان الحضارة الزراعية، التي نقلته من الترحال والصيد إلى الاستقرار وبناء المجتمعات والتي استمرت قرابة عشرة آلاف عام، ليظهر في عقبها الحضارة الصناعية التي بدأت في بريطانيا في القرن الثامن عشر. وربما يبدل التاريخ أبطاله تناوبا، فمع العراق ومصر كانت الصين حجر أساس في الحضارة الزراعية، ولحقت متأخرة بعض الشيء بالحضارة الصناعية، وها هي الآن تقود العالم مجددا نحو الحضارة الإيكولوجية، التي تهدف إلى أن لا تتوغل التنمية الاقتصادية على حساب البيئة في عالم تستنزف موارده ويحل فيه الاحتباس الحراري ضيفا ثقيلا، وأن نحافظ على موارد كوكبنا للأجيال القادمة عبر التنمية المستدامة.

صداقة قديمة جديدة

من ضمن ما تراه الصين وقيادتها خلال المائة عام القادمة، صداقة قديمة جديدة مع شعوبنا العربية، تضرب بجذورها في أعماق التاريخ، وهي في الوقت نفسه نصير هام لقضية الشعب الفلسطيني، وكثيرا ما تمسك شي جين بينغ ومن معه وبقوة بموقف بلادهم الثابت المؤيد والداعي لدولة فلسطينية عاصمتها القدس الشرقية.

من الجانب العربي، ينبغي وبشدة أن ندرس أفضل الطرق للتعاون والعمل مع الصين خلال المائة عام القادمة، وخلق قنوات اتصال مع تلك القيادات ذات القدرة على التفكير والطموح والتنفيذ معا، من أجل حوار فعال يعزز المصالح الوطنية للطرفين في العقود المقبلة، وخلق آفاق تعاون ترفع مستويات التعاون الاقتصادي والاستثمار المتبادل. وربما حان الوقت للدول النفطية العربية لتعدل بعضا من سياستها الاستثمارية ودراسة المشروعات الصينية الجديدة والطموحة والجديرة بأن يكون للعرب بصمتهم فيها كأصدقاء قبل أن يكونوا شركاء، خصوصا مع زيادة قدرة صديقنا القديم الجديد على الساحة الدولية، وتبنيه لمفاهيم الحق العربي والسلام والتعاون المشترك، وأنه أصبح أكبر مستثمر في منطقتنا العربية متجاوزا الولايات المتحدة الأمريكية، فهل حان الوقت كي يصبح العرب أكبر مستثمر في الصين لمائة عام قادمة؟

--

محمد علام، باحث مصري في الشؤون الدولية.

 

©China Today. All Rights Reserved.

24 Baiwanzhuang Road, Beijing, China. 100037

京ICP备10041721号-4