محتويات العدد 12 ديسمبر (كنون الأول) 2002

 

جينيويتشي حي سكني يحكي قصة مدينة

تشانغ شي ون

 

أيام المطر هي موسم النكد والإزعاج للسيدة تشاو يون تشو الموظفة بلجنة حي جينيويتشي السكني. الهاتف لا يتوقف عن الرنين حاملا شكاوى السكان، وآخرون يأتون بأنفسهم يشكون من طفح المجاري المسدودة  والبيوت التي يخترق المطر سقفها والكهرباء التي تتقطع في وقت الحاجة إليها ماسة. ولا يكون أمام تشاو يون تشو إلا أن تمتطي دراجتها إلى مكتب إدارة المساكن ناقلة الشكاوى ومطالبة بسرعة الحل.  

تلك صورة من ماض غير بعيد. المشهد في موسم المطر هذا العام كان مختلفا.. تشاو يون تشو جالسة في مكتبها ترتشف من كوب الشاي أمامها في سكون قليلا ما يخترقه رنين الهاتف.

يقع حي جينيويتشي خارج البوابة الشمالية لمعبد تيانتان (معبد السماء). هذا الحي، الذي كان اسمه لونغشيويقو، كان في السابق عبارة عن مجموعة من البيوت الرمادية المتواضعة. وفقا لبرنامج إعادة التخطيط العمراني لبكين تمت إزالة كافة المساكن  في لونغشيويقو ليحل محلها عمارات سكنية حديثة وأعيد للحي الاسم الذي حمله في أسرة مينغ وهو جينيويتشي.

قصة تشاو يون تشو خير صدى لخمسينيات القرن الماضي. كانت تشاو تعيش في ضاحية ببكين أقرب إلى الريف منها إلى الحضر، ولأن تشاو تعلمت في المدارس فقد كان حلمها أن تتزوج  رجلا من البندر له راتب ثابت. تحقق الحلم وتزوجت تشاو من كهربائي يعمل بمصنع حكومي وعاشت مع زوجها في بيت من الطوب اللبن في لونغشيويقو يتبع  وحدة عمل الزوج. الفتيات في قريتها كن يغبطنها على هذا الزواج الميمون.

تشاو يون تشو، الحالمة بحياة أفضل، صدمت في الوهلة الأولى عندما رأت عش الزوجية، غير أن بيوت لونغشيويقو كانت نموذجا لبيوت بكين الفقيرة قبل تحريرها. كان مساحة البيت من تلك المساكن لا تتجاوز عشرة أمتار مربعة، له نافذة صغيرة واحدة فقط. الأسوأ أنه في أيام المطر يتحول البيت بل الحي كله إلى بركة تأتيها المياه من أعلى مخترقة السقف الواهن، ومن أسفل بفعل مجاري الصرف التي تطفح ومعها الروائح التي تزكم الأنوف. كانت المياه تغمر البيوت فتسبح الممتلكات البسيطة للأسرة  على سطح المياه. الحقيقة أن بيت تشاو يون تشو في القرية كان أفضل من بيت البندر. كانت تشاو تتحاشى الحديث مع أهلها وأبناء قريتها عن بيتها في عاصمة البلاد تجنبا للحرج.

في ستينيات القرن الماضي أزالت الحكومة الشعبية هذه البيوت البالية وأنشأت عشرات العمارات من الإسكان الشعبي؛ حيث تتشارك أربعة أو خمسة شقق في دورة مياه واحدة. انتقلت أسرة تشاو إلى شقة جديدة فيها عبارة عن غرفة واحدة مساحتها 14 مترا مربعا. وعندما وضعت تشاو سريرها والسرير السفري لحماتها فيها لم يتبق خرم إبرة في الشقة الغرفة. مكان إعداد الطعام للسكان هو الممر المشترك. أنجبت تشاو وكبر الولد واستفحلت مشكلة السكن. تقول تشاو: منذ ثلاثين سنة بعد انتقالنا إلى هذه الغرفة لم نشتر قطعة أثاث كبيرة أو جهازا كهربائيا. الابن اتخذ من السرير مكتبا يذاكر عليه حتى أنهى دراسته الثانوية.

في عام 1978 قاد الزعيم الراحل دنغ شياو بينغ الإصلاح الاقتصادي في الصين، وبعد عشرين سنة من ذلك بلغ عدد السكان الذين تخلصوا من الفقر حوالي 200 مليون نسمة. وقد استفاد الكثير من الصينيين من الإصلاح الاقتصادي في حين وجد العمال المسرحون من المؤسسات المملوكة للدولة أنفسهم في ورطة اقتصادية.

تشاو يون تشو سرحت من عملها بمصنع للجوارب في بكين، ثم عملت كعاملة نظافة في إحدى الشركات، راتبها الشهري 200 يوان. ولكن بعد شهرين عملت في لجنة حي جينيويتشي السكني براتب 50 يوانا شهريا. واختلفت الظروف الاقتصادية الأسرية من أسرة لأخرى في الوحدة السكنية التي تسكن فيها أسرة تشاو، ووضعت بعض الأسر أجهزة الثلاجة والغسالة والدراجة في الممر المشترك فصار أكثر ضيقا، والكهرباء تنقطع كثيرا وتنسد مواسير الصرف حتى أصبح الرجل في كل أسرة خبيرا في تسليك المواسير.

في أواسط التسعينيات، زوج تشاو يون تشو، الذي خرج إلى التقاعد المبكر، عاد إلى المصنع الذي كان يعمل فيه براتب شهري أكثر من ألفي يوان؛ الابن أصبح له عمل يوفر له نفقاته الضرورية؛ وراتب تشاو يون تشو ارتفع إلى أكثر من 500 يوان. بعد عدة سنوات من الادخار بلغت وديعة أسرة تشاو مئات الآلاف يوان رصدتها الأسرة لشراء شقة جديدة واسعة ليتزوج الابن فيها.

في إبريل عام 2002 أقامت حكومة بلدية بكين عمارات سكنية حديثة في جينيويتشي، وانتقلت أسرة تشاو المكونة من أربعة أفراد إلى شقة مساحتها 71 مترا مربعا بعد أن دفعت الثمن وهو 110 آلاف يوان على دفعة واحدة. الشقة مكونة من غرفتين وصالة كبيرة، خصصت السيدة تشاو الغرفة الكبيرة المقابلة للشمس لابنها، واشترت  تلفزيونا ملونا 29 بوصة، وغسالة أوتوماتيكية وثلاجة من نوع راق ومكيف في الصالة الفسيحة وسخان للحمام.. وتغيرت حياة أسرة تشاو.

ليو جيون، ابن تشاو، يقدر أمه ويشكرها لتخصيص غرفة له، ولكنه يريد شراء بيت لنفسه. يقول: منذ طفولتي وأنا أريد أن يكون لي بيت خاص لا يبعد عن والديّ لكي يسهل علي رعايتهما. راتبي  ليس كبيرا ولكن يمكن الحصول على قروض من البنك.

بيئة حي جينيويتشي جميلة. فيها كثير من المساحات الخضراء والأشجار وجداول الماء الصغيرة الصافية بين العمارات تسبح فيها أسماك الزينة.. هذه البيئة الجميلة صارت ملتقى للسكان، يتسامرون ويلعبون.

لم يعد العمل الروتيني للجنة حي جينيويتشي  تلقى المكالمات الهاتفية ورفع أحوال السكان إلى الجهة الأعلى وإنما يخدم العاملون فيها بمبادرتهم الذاتية سكان الحي من خلال نشر المعارف الصحية وسياسة تنظيم الأسرة والمعارف القانونية، وإقامة دور المسنين، وتنظيم النشاطات الرياضية والفنية. وفي نفس الوقت يتعلمون المعارف الجديدة مثل القانون المدني ويعالجون المشاكل بين السكان بالقانون.

قبل فترة تم تعيين ثلاث جامعيات للعمل بلجنة الحي. وأدركت تشاو أن موعد إحالتها على المعاش ليس بعيدا. إنها سعادة بالغة لها أن تستمتع بربيع آخر في حياتها.

بدأت حكومة بكين إعادة تخطيط الشارع من البوابة الشمالية لمعبد السماء إلى شارع تشانغآن وتنتظر تشاو يون تشو بلهفة إتمام هذا المشروع، حيث تتوقع أن تحال إلى المعاش مع انتهائه لتتوقف رحلتها مع لجنة الحي وتبدأ رحلة جديدة.. تتنزه مع زوجها في حديقة تيانتان صباحا حيث تتنفس الهواء الجديد وتستمتع بتغريد الطيور وتمارس الرقص الإيقاعي المقوي للبنية، وبعد العشاء تتجول في شارع وانغفوجينغ التجاري تشاهد مناظر الليل والبضائع في المتاجر.الهواء الجديدالهواء الجديدالهواء الجديد

--+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-

 

 

 

 


 

 

المال والاقتصاد

 

Address: 24 Baiwanzhuang Road, Beijing 100037 China
Fax: 86-010-68328338
Website: http://www.chinatoday.com.cn
E-mail: chinatoday@263.net
Copyright (C) China Today, All Rights Reserved.