العدد الأول من عام 2002
 

مسيرة وسيلة الإعلام الخارجي

خمسون عاما لتأسيس مجلة "الصين اليوم"ة

يي دا

كان المنزل رقم 16 في زقاق داتساوتشانغ ببكين دارا رباعية صينية تقليدية أنيقة ذات باب مطلي باللك الأحمر، يقود إليه سلم حجري من بضع درجات، وقد سكنت فيه إحدى الأميرات من أسرة تشينغ الإمبراطورية. وفي يناير 1952 ولدت فيه مجلة "بناء الصين" (طبعة اللغة الإنجليزية)، واسمها الحالي "الصين اليوم".

سونغ تشينغ لينغ مؤسسة "بناء الصين"و #

سونغ تشينغ لينغ (إلى اليمين) وقد أصبحت قبلة أنظار طلاب جامعة ويسليام للبنات بأمريكا بكفاءتها الفائقة وطموحاتها العظيمة.و

كان طالع "بناء الصين" سعيدا، إذ أسستها تلك المرأة الصينية  العظيمة بنفسها، ألا وهي سونغ تشينغ لينغ عقيلة السيد صون يات صن- رائد الثورة الديمقراطية الصينية.

في عام 1950، أي في العام الثاني بعد ولادة  الصين الجديدة، شنت الإمبريالية الأمريكية حربها العدوانية على كوريا تحت ستار "الأمم المتحدة"، ووسعت نيران الحرب إلى الحدود الصينية، فقصفت بعض المدن بشمال شرقي الصين، بهدف الوصول إلى خنق الصين الجديدة التي يقودها الحزب الشيوعي الصيني في مهدها. وكانت بعض الآراء الغربية المؤيدة لأمريكا تشوه صورة الصين الجديدة بالأكاذيب. أما الصين الجديدة في ذلك الوقت فكانت آخذة في إعادة بناء نفسها بعد الانتهاء من الحرب التحريرية، والشعب الصيني الذي تخلص من اضطهاد النفوذ القديم يعيش حياته الجديدة.. واستأنف إنتاج المصانع، وحصل الفلاحون على أراضيهم، فلاحت في أنحاء البلاد مظاهر الازدهار. وحتى اليوم، يرى الكثير من الصينيين أن أيام إعادة البناء في أوائل خمسينيات القرن العشرين زمن مثير لا يمكن أن ينسى.

شو أن لاي، أول رئيس لمجلس الدولة ووزير الخارجية في الصين الجديدة، إنه سياسي عظيم. لقد حرص هذا المناضل الكبير على تعريف شعوب العالم بواقع الصين في تلك الأيام، وعلى فضح أكاذيب وسائل الإعلام الغربية، ففكر في تأسيس مجلة خاصة تعرض واقع الصين الجديدة على العالم الخارجي، وتذكر على الفور سونغ تشينغ لينغ، ورأى أنها مؤهلة للاضطلاع بهذه المهمة.

 

أعضاء هيئة التحرير عند تأسيس مجلة "بناء الصين" عام 1952، ومنهم تشن هان شنغ الثالث من اليسار في الصف الخلفي)، ولي بوه تي (الثالثة من اليسار في الصف الأمامي)و،و وتشومولي (الثانية من اليمين في والصف الخلفي).و

كانت سونغ تشينغ لينغ إعلامية موهوبة، فخلال دراستها في جامعة ويسليام للبنات بأمريكا أصبحت محررة لباب الأدب في المجلة الجامعية، وقد تفوقت في مستواها في اللغة الإنجليزية على جميع الطلاب الأمريكيين في هذه الجامعة. كما كانت مفعمة بروح الوطنية والأممية، وأصبحت الصداقة والسلم العالميين هدفا ظلت تسعى وراءه طيلة حياتها. وفي الأعوام التي ناضل فيها صون يات صن في سبيل انتصار الثورة الديمقراطية في الصين رافقته سونغ تشينغ لينغ، وكانت مساعدة قوية له في القيام بالشؤون الخارجية. ودائما ما كانت تكتب إلى الأصدقاء في ربوع العالم تعرفهم بوضع الصين الثوري، كما أسست مجلات باللغة الإنجليزية مثل مجلة نيوزويك التابعة لرابطة حماية الصين، مما جعل الثورة الصينية تحظى بالتعاطف والتأييد من شعوب العالم. وخاضت سونغ تشينغ لينغ، بالإضافة إلى ذلك، حرب المقاومة ضد العدوان الياباني في فترة الحرب العالمية الثانية وفي غمرة إعادة بناء الصين، وحظيت صورة المرأة العظيمة التي أظهرتها في هذه الفترة بحب واحترام الشعب الصيني وجميع محبي السلم في أنحاء العالم.

"استئناف الإنتاج وإعادة بناء الوطن" أصبح من مواضيع المجلة في الخمسينيات.و

في 30 أغسطس عام 1951 ترأست سونغ تشينغ لينغ المؤتمر التمهيدي الأول لتأسيس "بناء الصين"، وحدد هذا المؤتمر أن قراء المجلة هم الشخصيات المتقدمة والليبراليون في الدول الرأسمالية والمستعمرة والذين يتعاطفون مع الصين الجديدة، خاصة هؤلاء المشتغلون في المهن الحرة والفنون والعلوم والتكنولوجيا الذين يتشوقون إلى السلم العالمي، وليسوا الراديكاليين؛ وأن محتويات المجلة الرئيسية هي التقارير المتعلقة بتطور الصين الاجتماعي والاقتصادي والثقافي والتعليمي والقضية الخيرية ومساعدة الفقراء..الخ. كما قرر المؤتمر أن تكون هذه المجلة مجلة شعبية لا تنشر الوثائق الرسمية، ونصوص التقارير السياسية، والمقالات النظرية والسياسية والعسكرية، وهي مجلة وافرة المواضيع والصور، تعجب العامة والخاصة.

وبعد ذلك استدعت سونغ تشينغ لينغ السيد جين تشونغ هوا، الشخصية المشهورة في النشاط الاجتماعي والصحفي، ونائب عمدة شانغهاي، الصديق الحميم لسونغ تشينغ لينغ؛ والسيد تشن هان شنغ الذي كان قد تعلم في إحدى الجامعات الأمريكية، وبعدها حصل على شهادة الماجستير في جامعة شيكاغو الأمريكية وشهادة الدكتوراه في جامعة برلين الألمانية على التوالي، وأجاد اللغة الإنجليزية والألمانية والروسية الخ، وكان محررا في مجلة "الشرق الأقصى" باللغة الإنجليزية في هونغ كونغ، استدعتهما للإشراف على الأعمال الملموسة لإقامة مجلة "بناء الصين". واستدعت سونغ بالإضافة إلى ذلك السيد أ. أبشتاين، الصحفي الدولي المشهور في أمريكا لتولى عمل تحرير "بناء الصين"، ولتكلف زوجته بأن تعمل بصفة مستشار لهذه المجلة، إلى جانب السيدة  لي بوه تي التي كانت صحفية في فرع وكالة أنباء شينخوا بتيانجين بعد عودتها من أمريكا إلى الوطن الأم. وهكذا بدأت "بناء الصين" رحلتها مع الإعلام الخارجي على أيدي هؤلاء الأكفاء المؤهلين.

تعريف العالم بالصين الجديدة الحقيقية

صورة من العدد الثالث للمجلة عام 1952 تعكس أحوال الإصلاح الزراعي حينذاك. وعلى اللوح الخشبي في الصورة عبارة تقول: الفلاح وانغ قوي يوان يحصل على 11 موا من الحقول (الهكتار يساوي 10 وموات).و

" الفلاحون الذين حصلوا على الحقول والأدوات الزراعية في فترة الإصلاح الزراعي العظيم يعودون إلى بيوتهم بسرور حاملين محاصيلهم الجديدة. حتى نهاية عام 1951 استفاد 310 ملايين فلاح صيني من الإصلاح الزراعي." هذا تعليق على صورة الغلاف الأمامي للعدد الأول عام 1952 لمجلة "بناء الصين". وهي صورة مثيرة، يظهر فيها الفلاحون بملابسهم النظيفة مفعمين بالنشاط والحيوية، وتعلو وجوههم ابتسامة مشرقة. والحقيقة أن هؤلاء الفلاحين كانوا قبل إقامة الصين الجديدة مضطهدين، لا يملكون ولو قطعة من حقل زراعي، بل لا يملكون  أي حق. لقد جعلتهم الصين الجديدة سادة يتمتعون بكرامة الإنسان وكامل حقوقه وحريته.

ومن بداية هذا العدد أخذت مجلة "بناء الصين" تقدم للعالم الصين الجديدة على حقيقتها عن طريق نشر الأحداث الواقعية ومآثر الأشخاص المثيرة، مما حطم الحصار الإعلامي ضد الصين الجديدة الذي فرضته القوى الغربية في الفترة ما بين خمسينيات وستينيات القرن العشرين.

فيمكن أن نقرأ في الأعداد الأولى لمجلة "بناء الصين" المقالات التي تعكس كل جديد مثل "نساء الصين الجديدات"، و"العلاقة الجديدة بين الناس"، و"مسألة الإسكان"؛ والمقالات التي كتبها الأصدقاء الأجانب تعبيرا عن إعجابهم بالتغيرات العظيمة التي طرأت على الصين الجديدة وعلى حياة الشعب الصيني مثل "الرحلات في الصين اليوم" و"الصين.. بين الماضي والحاضر" و"الصين في عين البناء" و"الزيارة الثانية إلى الصين بعد 35 عاما" ..الخ؛ والمقالات التي تعكس التبادلات الثقافية بين الصين وبلدان العالم، واهتمام الدول الصديقة بالصين الجديدة مثل "العلاقة الثقافية الصينية والبريطانية" و"رسام بريطاني في الصين" و"الفرقة الفنية الصينية في أوربا الغربية" و"تبادل الحيوانات الصينية والأجنبية" و"الأدب اللاتيني في الصين".

حفل زفاف في إحدى القرى بعد إصدار "قانون الزواج" في الصين الجديدة عام 1952

لا شك في أن "بناء الصين" لعبت دورا كبيرا في مساعدة الأجانب والمغتربين الصينيين خارج البلاد في التعرف على تقدم الصين الجديدة وازدهارها يوما بعد يوم. ففي نهاية الخمسينيات وبداية الستينيات من القرن العشرين عاد عدد من المغتربين الصينيين من خارج البلاد إلى الوطن لخوض البناء الاشتراكي بعد أن اطلعوا على مظاهر الازدهار في الصين الجديدة عبر صفحات "بناء الصين"، فقد شجعهم هذا تشجيعا كبيرا على العودة إلى الوطن.

نشرت في العدد الخامس من المجلة عام 1957 رسالة موجهة من أحد القراء البريطانيين إلى هيئة التحرير، جاء فيها: "إن مقالة "ما الذي حصل عليه الفلاحون؟" مقالة ممتازة، لأنها تتحدث عن السياسة الزراعية الجديدة، وعن الأخطاء التي يصعب تفادى وقوعها عند التطبيق، وكيفية حلها، وعن التحقيقات التي تقوم بدور التغطية".

 

وفد مجلة "المختار" بأمريكا يزور مجلة "الصين اليوم" للتحدث مع محرريها، وذلك في أثناء زيارته للصين في عام 1979 بعد تطبيق الإصلاح والانفتاح فيها.

بعد تطبيق سياسة الإصلاح والانفتاح في الصين في ثمانينيات القرن العشرين، ومع ازدياد وسائل التبادلات الصينية الأجنبية، لم تعد "بناء الصين" وسيلة الإعلام الوحيدة في الصين، لذلك بدأت مسيرة جديدة. في عام 1980 أصدرت "بناء الصين" طبعة اللغة الصينية ليقرأها الصينيون والمغتربون الصينيون في ما وراء البحار ومواطنو هونغ كونغ وماكاو وتايوان. وفي عام 1990 تغير اسم المجلة من "بناء الصين" إلى "الصين اليوم"، وفي هذا تحقيق أمنية سونغ تشينغ لينغ التي رأت أن بناء الصين يعني إعادة البناء، كما هي الحال بالنسبة للصين الجديدة عند تأسيسها. ومجلة "الصين اليوم" في يومنا هذا أصبحت وسيلة إعلامية تربط بين الصين والدول الأجنبية، فلا تكتفي بنشر التغيرات العظيمة في الصين وحياة الشعب الصيني، بل تركز على نشر الثقافة الصينية وتقديم الخدمات للقراء.

هيئة التحرير أسرة كبرى

في المرحلة الأولى لتأسيس مجلة "بناء الصين" لم توزع المجلة بشكل طبيعي إلا في

منذ مدة طويلة ومجلة "الصين اليوم" تتخذ مادة دراسية في كثير من المدارس الأجنبية للتعرف على أحوال الصين.

معظم الدول الصديقة، نظرا للعلاقة الوثيقة بين رؤسائها وبين قادة الصين الجديدة، والعلاقة الودية بينهم وبين السيدة سونغ تشينغ لينغ. أما في العالم الغربي فاعتبرت هذه المجلة محظورة، وخاصة في فترة حرب كوريا وفي الخمسينيات والستينيات الماضية. وقد أدرجت الحكومة الأمريكية "بناء الصين" ضمن قائمة المنشورات المحظور استيرادها، وأمرت مكاتب البريد والجمارك بحرق هذه المنشورات فورا إذا وجدتها، كما قررت أنه إذا ما استلم شخص هذه المجلة فعليه أن يبلغ الهيئة المختصة المحلية بذلك فورا ويسجلها. وفي أوربا اتخذت الدول، برغم  إقامتها علاقة دبلوماسية مع الصين الجديدة، إجراءات تقييد بشأن توزيع "بناء الصين" فيها.

ومع ذلك فإن رغبة الأجانب الشديدة في معرفة الصين الجديدة لا تمنع. ففي أوائل الثمانينيات أقامت جمعية الصداقة البريطانية الصينية حفل استقبال. وخلال الحفل اقترب بريطاني من صيني كان بين المدعوين، وفتح جاكيته ليريه في جيبها الداخلي مجلة "بنا الصين"، ثم قال له: إذا رآها مسؤول عملي فصلني عن العمل، ولكني أريد معرفة الصين. وعرفت من المجلة أن الأمة الصينية هي أمة عظيمة ومجدة وشجاعة ومحبة للسلام.

الرحلة الجماعية إلى ضواحي بكين في فصلي الربيع والخريف أصبحت عادة لدى المجلة. وهذه الصورة تمثل مشهدا سياحيا للعاملين في المجلة من صينيين وخبراء أجانب.

وكل هذا لا ينفصل عن جهود شو أن لاي وسونغ تشينغ لينغ وجميع الرفاق في هيئة التحرير. ومن أجل أن تحظى "بناء الصين" بحب القراء الأجانب، ومن أجل تقديم أحوال الصين الجديدة بشكل أكثر وأفضل خصت بهيئة تحرير قوية عند تأسيسها. وكان أعضاء هذه الهيئة يتمتعون بالسمعة العالية داخل البلاد وخارجها، وعلى اتصال واسع بالأوساط الاجتماعية ، وليسوا من كوادر الحزب الشيوعي الصيني، وخاصة السيدة سونغ تشينغ لينغ التي كانت تتمتع بالسمعة الرفيعة والمكانة المرموقة في الصين والعالم، مما جعل "بناء الصين" مألوفة ومرغوبة بين الأجانب.

خلال السنوات الثلاثين التي مضت على تأسيس المجلة في حياة   سونغ تشينغ لينغ كرست كل طاقتها لأعمال المجلة، ونشرت فيها أكثر من 30 مقالة متنوعة الموضوعات. وكانت تراجع بنفسها بعض المقالات الهامة، وتقرأ بدقة المجلة الصادرة، وتبعث دائما إلى هيئة التحرير بتوجيهاتها وإرشاداتها القيمة. وكانت كلما وجدت تغيرات جيدة في المجلة، أو سمعت تقديرا جيدا للمجلة في معاملاتها مع الأصدقاء داخل البلاد وخارجها تبعث برسالة تهنئة إلى هيئة التحرير. وعندما رأت العدد الأول عام 1960 للمجلة كتبت فورا إلى هيئة التحرير، تقول في رسالتها: "أحب هذا العدد، وخاصة صورة الغلاف الأمامي (الرسم بالحفر الخشبي، وتظهر فيه طفلة تحمل حمامة بيديها- المحرر). يبدو هذا العدد حيويا وممتعا من المقالات والصور. وأعتقد أنه سيحصل على ردود فعل جيدة. أما تصميم هذا العدد فقد تحسن أكثر من الأعداد السابقة، ولكنه يحتاج إلى مزيد من الارتفاع."

كما اهتمت سونغ تشينغ لينغ كل الاهتمام بكمية توزيع المجلة وأحوال الاشتراك فيها. ففي عام 1956 قامت بزيارة حكومية إلى الهند وقبل سفرها كتبت إلى هيئة المجلة تسألها إن كانت بحاجة إلى مساعدتها في مجال توزيع المجلة. وبعد تصدير كل عدد للمجلة كانت ترسل بنفسها عشرات النسخ إلى أصدقائها الأجانب لتوسيع تأثير المجلة في الدول الأجنبية.

خبراء أجانب يقدمون رقصة "تجديف المركب" الصينية. وذلك في احتفال مجلة "بناء الصين" بعيد رأس السنة الجديدة عام 1965 .

بعناية سونغ تشينغ لينغ ساد هيئة التحرير جو من الوئام الأسري. في يناير 1957 أقيم احتفال بالذكرى الخامسة لتأسيس مجلة "بناء الصين"، وبهذه المناسبة أبدع عدد من الرسامين الكبار المشهورين مشتركين لوحة كاريكاتورية كبيرة عنوانها: بانوراما لحياة هيئة التحرير. وقد جسدت اللوحة هذا الجو الأسري خير تجسيد.

وكان تشانغ يانغ، رئيس التحرير السابق للمجلة، قد كتب في مقالة له  بعنوان "مد جسر الصداقة والتفاهم": "عندما شاهدت تلك اللوحة الكاريكاتورية تذكرت تلك الأسرة الكبرى السعيدة التي عرفتها وعملت مع أفرادها. وفي تلك الأيام لم تكن هناك مسافة تفصل بين العاملين في المجلة، والعلاقة بينهم علاقة أخوية، لا كلفة بين رئيس ومرؤوس في التعامل فيما بينهم وفي مخاطبة بعضهم بعضا. هذا باستثناء نائب رئيس لجنة التحرير تشن هان شنغ، فالجميع كانوا ينادونه"هان لاو" بصفة الاحترام. ذلك أنه أكبر رجل سنا في دار المجلة، هذا من جهة، ومن جهة أخرى كان رجلا وقورا، متشددا في العمل مع نفسه ومع الآخرين.

"المحرر التنفيذي أ.أبشتاين ونائب رئيس اللجنة تشن هان شنغ كانا من مؤسسي المجلة، ومن مؤسسي التقاليد والأسلوب الممتاز فيها. وكنا نخاف منهما قليلا، ولكنا نعجب بمستواهما العالي. ومقالة أي شخص منا لم تكن تنشر مباشرة إلا بعد تصحيحها و تنقيحها الدقيق بقلم أ.أبشتاين. وبرغم ما كنا نلقاه من تشدد في العمل داخل إطار هذه الأسرة الكبيرة، إلا أن تعايشنا في أوقات الفراغ كان مريحا وسارا. وبمناسبة الاحتفال بأعيادنا التقليدية كنا نقدم عروضا فنية نؤلفها بأنفسنا. وفي فصلي الربيع والخريف الجميلين كان جميع العاملين في المجلة يقومون برحلة جماعية يصطحبون فيها أفراد أسرهم إلى ضواحي بكين، وأصبحت هذه الرحلات من العادات المألوفة لدى أسرة المجلة.

وإلى اليوم لا تزال المجلة تحافظ على هذه العادة، موفرة بذلك جوا من الفرح والمرح لجميع  العاملين فيها من صينيين وخبراء.

جولة في التاريخ

في فترة الثورة الثقافية في أوائل السبعينيات تغلغل محررو المجلة داخل القرى لإجراء التحقيقات.

في أوائل الثمانينيات بعثت قارئة فرنسية عمرها 82 سنة برسالة إلى هيئة تحرير المجلة تقول فيها بأنها اشتركت في مجلة "بناء الصين" من بداية الستينيات، وأنها تهتم كل الاهتمام بأوضاع الصين. ولكن الاضطرابات التي أثارتها الثورة الثقافية الصينية أشعرتها بخيبة أمل وأوقعتها في حيرة، ومنذ ذلك الوقت توقفت عن قراءة المجلة. ولكن عندما بدأت الصين المسيرة الكبرى الثانية (مسيرة الإصلاح والانفتاح في الصين- المحرر) أعادت اشتراكها في هذه المجلة.

على الرغم من أن مجلة "بناء الصين" التزمت بكونها مجلة شعبية عند تأسيسها، والتزمت كذلك بالمبادئ الأساسية للتغطية، إلا أنها لم تستطع تفادي الأمور الواقعية. لذلك تعرضت لتأثيرات الحملات السياسية في فترات مختلفة بعد ولادة الصين الجديدة، مثل حملة المقاومة ضد الانتهازية اليمينية، وحملة القفزة الكبرى، وحملة الثورة الثقافية الكبرى. ففي فترة القفزة الكبرى، نشرت المجلة مقالة "تجاوز بريطانيا خلال 15 سنة"، ومقالة"مصنع فولاذ  يديره الحي السكني"، وفي فترة الثورة الثقافية نشرت مقالة "ما هو النضال والنقد والإصلاح"، ومقالة "عاشت روح تمرد الحرس الأحمر"، ومقالة "الشمس الحمراء تضيء مصنع التريكو العام ببكين"..الخ. وكل هذا أثار كراهة القراء الأجانب، فكتب بعضهم إلى هيئة التحرير، يقول: إن مجلتكم تغيرت، ومقالاتكم غير واضحة، وأصبحنا نقرأ المجلة عدة مرات لنفهم معناها. ونقد أحد القراء هيئة التحرير قائلا: كنت أرى أن "بناء الصين" مجلة صينية جيدة يحبها القراء الأجانب، أما الآن وقد أصبحت مقالاتها تعج بالشعارات الثورية، فستفقدون قراءكم بسرعة!

المحررون الشبان في المجلة يفضلون حفل الزفاف البسيط والنشيط الذي يقام في المجلة، ليشعروا بالسعادة والهناء ضمن الأسرة الكبيرة.

ومن حسن الحظ أن شو أن لاي وسونغ تشينغ لينغ أمسكا بالمبادئ الأساسية للمجلة بعقلهما وحكمتهما من البداية إلى النهاية. في عام 1958 أرسلت هيئة التحرير إلى سونغ تشينغ لينغ مقالة حول قضية الرعاية الصينية لتراجعها. وعندما وجدت سونغ أن محتويات المقالة تتسم بالمغالاة كتبت إلى هيئة التحرير تقول: "إن المقالة تركت في ذهني انطباعا بأن لدينا القدرة على حل جميع المشاكل." وأشارت إلى أن هذه المقالة توهم الناس بأننا قادرون على حل مشكلة كل فرد، ومعالجة أي أمر مفاجئ.

وعندما علم شو أن لاي أن هيئة المجلة تريد إضافة الموضوعات السياسية إلى المجلة لتصبح مجلة ثورية للبرولتاريا طلب من مساعده أن ينقل إلى المجلة وجهة نظره التي تقول: إن"بناء الصين" نشرت تقارير كثيرة عن أحوال الصين الاقتصادية والثقافية وغيرها من المجالات المختلفة، وهي بذلك قد جسدت السياسة. فإذا أضفتم المحتويات السياسية إلى المجلة، غيرتم أسلوبها الأصلي، وتصبح عندها مثل مجلة"بكين الأسبوعية" مجلة سياسية. وهذا ليس جيدا.

من الجدير بالذكر أنه في فترة الثورة الثقافية كان طالع "بناء الصين" حسنا، إذ لم يتوقف إصدار أي عدد لها، في حين توقفت مجلات كثيرة عن الصدور. لذلك خلفت "بناء الصين" لتاريخ الصين الإعلامي الخارجي سجلات ثمينة تدعو الناس إلى التفكير العميق في الأمور التي حدثت في تلك الفترة الزمنية الخاصة.

عبر مسيرة نصف قرن تطورت "الصين اليوم" من مجرد طبعة باللغة الإنجليزية إلى طبعات متعددة اللغات، كالطبعة الأسبانية (1962) والطبعة الفرنسية (1963) والطبعة العربية (1964) والطبعة الألمانية (1978) والطبعة البرتغالية (1980) والطبعة الصينية (1980) وطبعة أمريكا الشمالية باللغة الإنجليزية (1983). ومن أجل تقوية الفاعلية الزمنية قامت طبعة أمريكا الشمالية والطبعة العربية بإجراء الطبع والتوزيع في سان فرانسيسكو بأمريكا وفي القاهرة بمصر كل على حدة، مما وفر اتصالا مباشرا بالقراء.

بدأت الصين تطبيق سياسة الإصلاح والانفتاح على الخارج في ثمانينيات القرن العشرين، ولتقديم التغيرات التاريخية العظيمة للقراء الأجانب قامت "الصين اليوم" خلال السنوات الثلاث بتغطية أحوال 14 مدينة صينية ساحلية منفتحة على الخارج. كما قدمت في أواخر الثمانينيات تقارير عن حياة عامة الصينيين في موضوعين أحدهما "يوم واحد للبكينيين" وهو يعكس حياة عامة الناس الذين يشتغلون في أعمال مختلفة مبينا نشاطاتهم من الصباح إلى المساء. والآخر "رحلة الحياة" وهو يحكي سيرة حياة 24 شخصا عاديا من ولادتهم إلى طفولتهم  إلى الشباب فالكهولة فالشيخوخة، وهي تضم مراحل الالتحاق بالمدرسة والانخراط في العمل والإحالة على التقاعد. ويمكن القول بأن هذا النوع من الموضوعات وأسلوب التغطية على هذا المنوال لم يكن له مثيل في أوساط الصحافة الصينية حينذاك. وقد رحب القراء الأجانب ترحيبا حارا بهذه التقارير الحقيقية المفعمة بالمشاعر الإنسانية بعد أن سئموا المقالات الكاذبة والفارغة التي كانت تنشر في فترة الثورة الثقافية. وهكذا تشكلت تدريجيا صورة الصين المتقدمة والمنفتحة في قلوب القراء الأجانب.

من بداية العدد الأول عام 1990، وتحقيقا لرغبة سونغ تشينغ لينغ الراحلة، تغير اسم المجلة من "بناء الصين" إلى "الصين اليوم"، وهذا الاسم يمتاز بالشعور العصري ويتفق مع خواص الإعلام الخارجي للمجلة بشكل أكثر. ففي هذا العصر أسرعت الصين في خطوات الإصلاح والانفتاح، ومجلة "الصين اليوم" تقدم للقراء بصورة موضوعية وموثوقة الأحداث الكبيرة والصغيرة والتغيرات العظيمة السريعة التي تجري في الصين.

مع تغيرات العصر العظيمة تحولت طبعة اللغة الإنجليزية وطبعة اللغة الصينية للمجلة في عام 2000 إلى طبعتين ملونتين كليا، فأصبحت المحتويات أوفر والصور أجمل. هذا وإن جميع طبعات المجلة على اختلاف لغاتها تصدر على الإنترنت، إلى جانب إصدارها مطبوعة، مما شق للقراء طريقا سهلا سريعا لمعرفة أحوال الصين اليوم.

ومن الطريف أن"الصين اليوم" قد حظيت بالمزيد المزيد من ترحيب القراء داخل البلاد، فهم يتخذونها مادة دراسية لتعلم اللغات الأجنبية. وهذا يبين أن "الصين اليوم" توسع تأثيراتها داخليا وخارجيا، وأنها جسر لغوي يمكن الصينيين من معرفة أحوال بلدان العالم. أوليس هذا إنجازا من إنجازات الإصلاح والانفتاح التي أحرزتها الصين خلال أكثر من عشرين سنة مضت؟

واليوم يعكف المحررون والصحفيون والخبراء الأجانب  في مجلة "الصين اليوم" على أعمالهم، ويبذلون أقصى جهودهم لتسجيل صفحة باهرة جديدة في تاريخ الصين للإعلام الخارجي.

--+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-

 

 

 


 

 

Address: 24 Baiwanzhuang Road, Beijing 100037 China
Fax: 86-010-68328338
Website: http://www.chinatoday.com.cn
E-mail: chinatoday@263.net
Copyright (C) China Today, All Rights Reserved.