هل حان وقت انطلاق اليوان إلى الأسواق العالمية؟
الخبراء العرب يشاركون الصين في المطالبة بنظام مالي متعدد العملات

الدكتور خلاف عبد الجابر خلاف رئيس اللجنة الاقتصادية بمجلس الشورى المصري

الدكتور محمد نجيب أبو زيد الأستاذ بالجامعة الأمريكية بالقاهرة

يعتبر بعض الناس أن ما يطرح بشأن تحدي اليوان للعملة الأمريكية الخضراء "مجرد كلام"

الانخفاض المتواصل في قيمة الدولار الأمريكي
قامت الدنيا ولم تقعد عندما دعا رئيس بنك الشعب (المركزي) الصيني تشو شياو تشوان قبيل انعقاد قمة الدول الثمانية الصناعية الكبرى في يوليو الماضي بإيطاليا إلى إصلاح سوق العملات، باستبدال الدولار الأمريكي كعملة احتياطي دولية بسلة من العملات يشرف عليها صندوق النقد الدولي. اعتبر بعض الرموز السياسية والمحللين في الغرب هذا المقترح "الخطوة الكبيرة الأولى نحو مواجهة مفتوحة مع الدولار الأمريكي خلال السنوات المقبلة". وبالغ البعض واعتبر الأمر توجها يكشف عن نوايا الصين في مزاحمة الولايات المتحدة على قيادة العالم، بعد أن أصبحت القوة الاقتصادية الثانية، وزحزحة الدولار الأمريكي عن قمته التي يحتلها منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، عقب الأزمة المالية الحادة التي سببها سوء الإدارة في المؤسسات المالية الأمريكية وأدت إلى هزة عنيفة في أنحاء المعمورة. وعلى النقيض من ذلك اعتبر مشككون أن ما يطرح بشأن تحدي اليوان للعملة الأمريكية الخضراء "مجرد كلام".
بين هذه الآراء المختلفة رصدت ((الصين اليوم)) ما أثاره المحللون حول التوجه الذي اتخذته الصين بشأن تحويل اليوان إلى عملة إقليمية والدعوة إلى عدم اتخاذ الدولار الأمريكي كعملة احتياطي منفردة في العالم، بعد أن أثار الأمر لغطا في الأسواق الدولية، خاصة العربية التي مازالت تدور عملاتها واقتصاداتها في فلك الدولار الأمريكي، بينما تزداد فيه تعاملاتها مع الصين ومجموعة الدول التي نفذت أول صفقة من نوعها للتبادل التجاري خارج العملات الصعبة التقليدية واستبدالها باليوان وعملاتها المحلية.
يقول محللون إن الدولار الأمريكي يواجه منذ اندلاع الأزمة المالية العالمية في خريف 2008 حالة من التراجع الحاد، مفسحا المجال أمام عملات أخرى أقوى. فقد سجل في منتصف العام الحالي أعلى نسبة تراجع له أمام اليورو منذ ثلاث سنوات، بمعدل 10%، في حين سجل أعلى نسبة تراجع له أمام الين الياباني. هذا التراجع جعل المستثمرين يعزفون عن شرائه وأدى إلى فقدان الثقة به كعملة احتياطي عالمية. وبدا في الأفق أن الدولار الأمريكي لم يعد الملاذ الوحيد للمستثمر، وظهرت شكوك في إمكانية أن تشهد الفترة المقبلة انهيار إمبراطورية الدولار الأمريكي العالمية، مع ترقب ظهور عملات أقوى تحل محله، أو تشاركه مرحليا في السيادة على سوق العملات الدولية. هذه المخاوف دعت الصين إلى المطالبة قبل فترة من قمة العشرين الأخيرة في لندن إلى اعتماد عملة جديدة لاحتياطي صندوق النقد الدولي بدلا من الدولار الأمريكي بإنشاء نظام اقتصادي لا يتأثر بسياسات بعض البلدان. ولعل ذلك ما دفع رئيس مجلس الدولة الصيني ون جيا باو إلى التأكيد في كلمته أمام منتدى بوآو الآسيوي الذي يضم 28 دولة، على "أن إخراج الاقتصاد العالمي من عثرته قد يكون عملية طويلة وشاقة ومتعرجة المسالك"، منها القادة السياسيين ورجال الأعمال للبحث عن "القيم الآسيوية" لمواجهة أسوأ أزمة اقتصادية يشهدها العالم منذ سبعة عقود. ونوه ون جيا باو إلى أن الصين لن تكون قادرة بمفردها على إنقاذ العالم، مما حدا بأمين عام منتدى "بوآو" لونغ يونغ تو إلى القول بأنه على الأسواق الناشئة مثل الصين والبرازيل والهند وروسيا أن تصطف كي تجعل من الأزمة المالية فرصة كبرى لتأسيس علاقات مالية أكثر توازنا بين الشرق والغرب. وشدد النائب الأول لرئيس ايران برويز داودي في كلمته أمام المنتدى على ضرورة أن يكون للمنطقة الآسيوية نظاما ماليا وعملتها الخاصة بها، حتى لا يعكس النظام المالي العالمي مصالح عدة دول فقط، داعيا إلى وجود تنافس بين العملات المختلفة ووضع آلية دولية تشاورية تشرف على إصدار الدولار الأمريكي.
تقاسم الأرباح
يرجع المحللون تحمل الصين عبء الإفصاح عن هذه المبادرات إلى أنها "دولة غير أنانية تبنت سياسة منفتحة وترغب في مشاطرة الإنجازات التي أسفرت عنها مسيرتها التنموية الاقتصادية المتفردة مع الدول الأخرى وفي مقدمتها دول الجوار الآسيوي خاصة في غمرة الأزمة المالية العالمية". يأتي ذلك في وقت احتلت فيه المؤسسات الآسيوية مكانة هامة في الاقتصاد العالمي، حيث أن عدد المؤسسات الآسيوية المدرجة على قائمة أكبر وأقوى 500 مؤسسة في العالم وصل إلى 133مؤسسة في العام الماضي، وأصبحت الصين واليابان وجمهورية كوريا من أكبر خمس دول لبراءات الاختراع في العالم.
وساهمت الصين في إنشاء صندوق بقيمة 5ر10 مليارات دولار أمريكي لتعزيز التعاون مع دول آسيا في مواجهة الأزمة المالية العالمية وقدمت قروضا لجيرانها بلغت نحو 15 مليار دولار أمريكي، واعتمدت صفقات تجارية تدفع قيمتها بالعملات المحلية لأعضاء رابطة دول جنوبي شرقي آسيا (آسيان) وأمريكا اللاتينية تربو على 5ر9 مليار دولار أمريكي، بالإضافة إلى اعتماد اليوان كعملة تبادلية بين البنوك المركزية في الدول المجاورة للصين.
ووصف ديفيد دولار، مدير شئون الصين في البنك الدولي، الاقتراح الذي تقدمت به الصين لإدارة البنك وصندوق النقد الدولي الخاص بايجاد عملة عالمية عوضا عن الدولار الأمريكي بأنه " فكرة جيدة على المدى الطويل، طالما يقوم على أساس صلب". وأضاف دولار: "إنني أحبذ المضي قدما في هذا الاتجاه، و قد يستغرق الأمر فترة للوصول إلى هذا النوع من التنسيق بين الاقتصادات الكبرى، دعونا نبدأ العملية بالتنسيق وتثبيت سعر الصرف وعلى المدى البعيد سيتضح أن وجود عملية إقليمية أو عالمية هو فكرة جيدة". وحث دولار العالم على تعلم درسين أساسيين من الأزمة المالية الحالية أولهما: أن عددا كبيرا من البنوك تعثر بشكل جزئي لأن الولايات المتحدة الأمريكية ودولا متقدمة أخرى كانت جريئة جدا في تحرير قطاعاتها المصرفية، مشيرا إلي أن الصين تفعل الكثير من الأشياء الصائبة مثل فرض نظم جيدة على النظام المصرفي، ولذا لم تقع البنوك في متاعب. وأوضح ديفيد ضرورة علاج الاختلالات الكبرى في نظام التجارة العالمي وإصلاح المؤسسات المالية العالمية مثل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي لتعكس نسبة التصويت الثقل الدولي الذي تمتلكه الدولة المعنية في الاقتصاد العالمي، مبينا أن نسبة التصويت في المؤسستين تعكس ما كان يبدو عليه العالم منذ 40 عاما، مطالبا أن يكون للصين المزيد من الثقل في هذه المؤسسات بجانب الدول النامية والآسيوية.
الدولار يتأرجح
يشير خبراء إلى أن حالة عدم الاستقرار التي يشهدها الدولار الأمريكي أدت إلى حالة غير مسبوقة في تذبذب أسعار العملات والذهب والمعادن النفيسة والنفط الخام بالسوق العالمي، مما يهدد مسيرة الاقتصاد العالمي وبخاصة الصيني بعد أن أصبحت الصين ثاني أكبر مستهلك في العالم للنفط بعد الولايات المتحدة وثاني أكبر مستورد له بعد اليابان. وقد صرح روبرت زوليك، رئيس البنك الدولي، على هامش قمة الثمانية الأخيرة بإيطاليا بأن "دور الدولار الأمريكي كعملة للاحتياطي النقدي العالمي ليس موضع تهديد حاليا". وطالب زوليك الولايات المتحدة أن تراعي بواعث القلق بشأن العجز المتنامي في ميزانيتها وأن تأخذ أقوال المحللين بجدية للحفاظ على الوضع المتفرد للدولار الأمريكي كعملة احتياطي باستعادة الانضباط المالي واتباع سياسة نقدية قوية كخطة للحفز الاقتصادي.
من جانب آخر شهدت الأسواق العربية انقساما وتباينا في الآراء تجاه الدولار الأمريكي وإمكانية أن يصبح اليوان عملة دولية صعبة كبديل أو بجوار عملات أخرى مستقرة. يرى الدكتور مقبل الذكير، أستاذ الاقتصاد بجامعة الملك عبد العزيز بالسعودية، في مقابلة صحفية، أن الدولار الأمريكي لا يوجد بديل جيد له كعملة احتياطي دولية في الوقت الراهن، وأن دول الخليج باعتبارها تعتمد على إنتاج وتصدير خام النفط ليس لها بديل عن الدولار الأمريكي حتى الآن، مشيرا إلى هذه الدول تستثمر نسبة كبيرة من فوائضها المالية في سندات الخزانة الأمريكية. ويبرر الدكتور عبد الرحمن إبراهيم الصنيع، المستشار الاقتصادي وأستاذ التسويق في كلية إدارة الأعمال في جدة بالسعودية، الأسباب التي دعت الصين لتبني عملة بديلة عن الدولار الأمريكي للتبادل التجاري بأنها ليست إلا ردة فعل لانتقاد الولايات المتحدة لسياسية الصين النقدية، وذلك بخفض عملتها (اليوان) أمام العملات الأخرى الدولار الأمريكي واليورو والجنيه الإسترليني والين، لكي ترفع من صادراتها التي سجلت انخفاضاً بلغ 25% بسبب الأزمة المالية العالمية، على أمل أن تستعيد نموها الاقتصادي الذي حقق معدلات قياسية خلال السنوات القليلة الماضية، حيث بلغ النمو الاقتصادي 6ر14% في عام 2006 و12% في عام 2007، أما بعد تفشي الأزمة المالية العالمية فقد انخفض معدل النمو إلى ما دون 8%، هذا إضافة إلى أن الصين - حسب قوله - تحاول من خلال تبنيها هذه الدعوة إظهار مكانتها كقوة اقتصادية عالمية لا يستهان بها، لذا فإننا لا نعتقد بأن الصين جادة كل الجد في دعوتها هذه لأنها لا يمكن أن تخاطر بما تملكه من أذون الخزانة الأمريكية التي تفوق تريليون دولار أمريكي، ليس هذا فحسب بل لا يمكن لأي دولة مثل اليابان والمملكة المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي أن توافق على استبدال الدولار الأمريكي بأي عملة أخرى للتبادل التجاري الدولي. وأضاف: "في حالة تبني عملة أخرى بديلة عن الدولار الأمريكي في معاملات التجارة الدولية سيترتب على مثل هذا التوجه سلبيات وخيمة على الاقتصاد العالمي برمته، مشيرا إلى أن دول مجلس التعاون الخليجي على سبيل المثال ستتكبد خسائر فادحة في ممتلكاتها من أذون الخزانة الأمريكية، حيث تمتلك نحو 186 مليار دولار أمريكي منها 136 مليارا للمملكة العربية السعودية، و80 مليارا لدولة الإمارات العربية، و70 مليارا لدولة قطر، هذا إضافة إلى أن مدخرات المملكة العربية السعودية في مؤسسة النقد العربي السعودي تبلغ 440 مليار دولار أمريكي.
استقرار العملة
يقول الدكتور خلاف عبد الجابر خلاف، رئيس اللجنة الاقتصادية بمجلس الشورى المصري، إن العملة الدولية هي التي تتمتع بالقدرة على الوفاء بالتزاماتها على الصعيد العالمي منوها إلى أن العملة الصينية اليوان قد تكون قوية في سوقها المحلي، بينما الذي سيحدد قوتها هو أن تكون قادرة على المنافسة في السوق الدولية. ويبين الدكتور خلاف أن 85% من صفقات النفط وأغلب صفقات السلاح ومبيعات شركات التكنولوجيا والأدوية والمعلومات تتم باستخدام الدولار الأمريكي، مما منحه قوة غير مسبوقة لعملات أخرى. وقال: "إن البحث عن نظام مالي عالمي جديد لن يكون عبر دعم عملة بعينها ولكن من خلال تعديل شروط الاقتراض التي يضعها البنك الدولي وصندوق النقد الدولي بحيث لا يصبح الدولار الأمريكي هو العملة الوحيدة لإجراء التسويات النقدية". ويرى خلاف أن الصينين في طريقهم الصحيح نحو تحدي الدولار الأمريكي خاصة أن ما طروحه لم يكن فكرا جديدا بل سبق أن طرحوا فكرته قبل الأزمة المالية الاقتصادية الآسيوية التي وقعت عام 1997 وأعقبها إصلاح مالي موسع وتعديل سعر الصرف. وأكد خلاف أن شغف الصينيين بشراء أسهم الخزانة الأمريكية سيمنع تحركهم السريع نحو أن يصبح اليوان عملة متداولة عالمية على وجه السرعة، لأنهم بذلك يتعرضون لخسائر فادحة ستنجم عن تراجع المستثمرين عن شراء الدولار الأمريكي، وبالتالي قيمة الأصول الصينية. بالإضافة إلى ضرورة تعديل سعر الصرف للعملة لتصبح مرتبطة بالعرض والطلب دون تدخل من البنك المركزي بما يجعلها أكثر تقلبا في الأسواق إلى أن تستقر وتحصل على ثقة المشترين لها في أنحاء العالم.
ويذكر الدكتور محمد نحيب أبو زيد، الأستاذ بالجامعة الأمريكية بالقاهرة، أن تغيير العملات الدولية يجب أن يتم بحذر شديد خاصة أن العالم مازال يمر بمرحلة تغيرات اقتصادية وعدم استقرار بسبب الأزمة المالية التي تسببت فيها المؤسسات المالية الكبرى. وقال إن ارتباط الأسعار العالمية بالدولار الأمريكي أو الذهب، لا يجب أن يكون أبديا، فالأزمة بينت أن العالم يحتاج إلى عملة مستقرة، بما يعني أن الصين يجب أن تضع جدولا زمنيا لأن يصبح اليوان قابلا للتحويل على مدار العقد المقبل، حيث يمكن تحديد القيمة الحقيقية لليوان واستكمال إجراءات الإصلاح المالي والحد من اعتماد الصين على الدولار الأمريكي وتحقيق الاستقرار والثبات للعملة.
ويتفق الخبراء على أن العملة الخضراء انخفض حجم تداولها في أسواق المال العالمية من 90% عام 2000 إلى 85% عام 2008. كما ضاعفت الأزمة المالية من أزمة الثقة في الدولار الأمريكي، بما يعني أن الطرح الصيني جاء في موعده. وفي هذا الصدد قال وزير المالية الكندي جيم فلاهيرتى أمام المنتدى المالي الكندي الذي عقد في بكين أغسطس الماضي: "إن الصين تستحق دورا أكبر في صندوق النقد الدولي بما يتناسب مع ثقل اقتصادها ودورها في مجلس الاستقرار المالي الموسع الجديد. وأضاف: "إن الأزمة المالية العالمية اختبرت الأنظمة المالية في جميع الدول- بما فيها كندا والصين- ومن دواعي الفخر أن أقول إن نظامينا حافظا على مرونتهما بما يعكس رغبة العديد من الدول في أن يتم التعامل مع الدولار الأمريكي بحذر مع منح عملة قوية كاليوان فرصة الانطلاق نحو العالمية على نحو يساهم في استقرار الأسواق ورفاهية الشعوب".