سر شعبية الصين
كمال جاب الله
جريدة "الأهرام"
- (1) 29/10/2009
في ندوة استضافتها نقابة الصحفيين يوم السبت الماضي (24 أكتوبر 2009)، تحت عنوان "الصين والعرب في60 عاما"، أفاض المتحدثون فيما يمكن تسميته بـشعبية الصين في الدول العربية.
حسب خبير الشئون الصينية حسين إسماعيل، فإن هذه الشعبية تعود لأسباب خمسة هي:
ـ حضور الصين في الذاكرة العربية ـ منذ زمن بعيد ـ مقرونا بصورة تخيلية لبلد آسيوي صديق، يحتضن العلم والصناعة والثقافة، إضافة إلى الجد والاجتهاد والمهارة، ومدعوما بما كان يربط الجانبين من طرق برية وبحرية، وما يربط بينهما ـ كذلك ـ من مساندة في التحرر الوطني، بعد معاناتهما من نير الاستعمار في العصر الحديث.
ـ عدم وجود تاريخ من الصراع بين الجانبين، وقد ظلت الصورة النمطية للعربي في الصين مجسدة بشخصية العم العربي، وفقا لمحتويات الكتب المدرسية الصينية حتى وقت قريب.
ـ القواسم المشتركة في منظومة الأخلاق والقيم في الثقافتين ـ العربية والصينية ـ مثل: بر الوالدين ـ احترام وتوقير الكبير ـ التكافل الاجتماعي، وحسن الجوار، دعم العرب للصين لاستعادة مقعدها في الأمم المتحدة، ودعم الصين للعرب في قضاياهم العادلة، خاصة في ملف الصراع العربي ـ الإسرائيلي.
ـ الصورة المثالية، وتتمثل في ارتفاع توقعات العرب من الصين إلى أسقف بعيدة المدى، كأن تصبح بكين مثلا، حليفا دوليا بديلا، في مواجهة الغرب بعد انهيار الاتحاد السوفيتي.
المثير للانتباه أن المتحدثين أمام الندوة تناولوا ـ بإسهاب ـ في كلماتهم المعنى نفسه، ولكن كل واحد منهم بطريقته، وهنا وجبت الإشارة إلى أسماء عربية كبيرة مثل: مفيد شهاب، وأحمد جويلي، وعلي الدين هلال، مع حفظ الألقاب.
(2) 5/10/2009
بعد غد (7 أكتوبر 2009) تتجه الأنظار نحو مقر جامعة الدول العربية، بالقاهرة، حيث من المقرر أن يلقي رئيس مجلس الدولة الصيني ون جيا باو كلمة إلى العالم العربي، تتناول مسيرة العلاقات بين الجانبين الصديقين في60 عاما، وآفاقها الواسعة في القرن الحادي والعشرين. وفي اليوم التالي، الأحد، تبدأ في مدينة شرم الشيخ فعاليات منتدى التعاون الإفريقي ـ الصيني.
هنا أعود إلى ما سميته الأسبوع الماضي، في هذه الزاوية، سر شعبية الصين لدى الجمهور العربي العريض، وربما لدى الأفارقة، أيضا، ونحن منهم.
أترك التشخيص للسفير الصيني (في مصر) وو تشون هوا الذي يقول: إن الصين المتطورة يوما بعد يوم ستظل صديقا حميما وأخا عزيزا وشريكا موثوقا به للدول العربية.
ويضيف: "الصين تحتل الآن المرتبة الثالثة على مستوى العالم ـ بعد الولايات المتحدة واليابان ـ من حيث إجمالي الناتج المحلي الذي يبلغ نحو 2ر4 تريليون دولار أمريكي، وتجاوزت قيمة الثروة التي تحققها الصين في يوم واحد من عام 2008، ما حققته في سنة 1956 كلها، وتحتل الصين المركز الأول من حيث احتياطي النقد الأجنبي، الذي تجاوز تريليوني دولار أمريكي، كما شهد مستوى المعيشة للشعب الصيني تحولا نوعيا وطفرة تاريخية، وقد خرج من حالة الفقر مرورا بمرحلة تأمين الغذاء والكساء وصولا إلي المستوى الميسور."
بتواضع جم يقول السفير وو: "لدينا وعي تام بأن بعض مؤشرات الاقتصاد الصيني تبدو كبيرة، لكنها تصبح ضئيلة إذا قسمناها على حجم السكان الذي يبلغ 3ر1 مليار نسمة، فمتوسط دخل الفرد يبلغ نحو3 آلاف دولار أمريكي سنويا، ومازال هناك 30 مليون صيني يعيشون تحت خط الفقر، وبالتالي تبقى الصين دولة نامية وأمامها مشوار طويل في مسيرة التقدم."
من جديد يؤكد السفير الصيني دعم بلاده الثابت للقضايا العربية العادلة، ويشير إلى أن حجم التبادل التجاري بين الصين والعرب بلغ نحو8ر132 مليار دولار أمريكي في عام 2008، متجاوزا السقف المستهدف له في عام 2010.
يبقى أن نشير إلى أن العلاقات الصينية ـ الإفريقية تسير على المستوى نفسه من النمو والازدهار، وقد بلغ حجم التبادل التجاري بين الجانبين نحو108 مليارات دولار أمريكي في عام 2008.
كلمة سفير الصين في القاهرة وو تشون هوا، جاءت جامعة، لم تقتصر على تناول البعد السياسي والدبلوماسي المتين في العلاقات العربية ـ الصينية، فحسب، بل تطرقت أيضا إلى كل الجوانب الأخرى، وفي مقدمتها ـ بطبيعة الحال ـ تطور العلاقات الاقتصادية والتجارية والاستثمارية والثقافية، حتى تاريخه.
الندوة التي نظمتها مجلة ((الصين اليوم)) بمناسبة مرور 5 سنوات على افتتاح مقرها الإقليمي بالقاهرة، واحتفالا بمرور 60 عاما على تأسيس الجمهورية، تناولت الكثير والكثير مما يمكن وصفه بسر شعبية الصين لدى العرب.