فنغ تسوه كو
برغم ما يفصل بينهما من جبال وبحار وأنهار، يرجع تاريخ الصداقة بين الشعب الصيني والشعوب الأفريقية إلى قرون عديدة. وعندما تأسست الصين الجديدة سنة 1949 تتخذ الصين تأييد نضال الشعوب الأفريقية من أجل نيل الاستقلال الوطني والحفاظ عليه. سياسة ثابتة للصين.
في شهر إبريل سنة ألف وتسعمائة وستين ميلادية تأسست في بكين جمعية الصداقة الشعبية الصينية الأفريقية، بمبادرة من سبع عشرة جمعية أهلية صينية وبمشاركة من العديد من الشخصيات الاجتماعية المشهورة المهتمة بالعلاقات مع أفريقيا. تتبع جمعية الصداقة الشعبية الصينية الأفريقية لإدارة جمعية صداقة الشعب الصيني مع البلدان الأجنبية، وتعتبر واجهة الدبلوماسية الشعبية الصينية الأفريقية.
البداية... دعم متبادل
بالأرقام، زار الصين عبر القنوات الشعبية في الفترة من سنة 1949 التي تأسست فيها الصين الجديدة، حتى سنة 1960، ما يربو على ألف من زعماء منظمات التحرير الوطني والمثقفين الوطنيين وممثلي النقابات والشباب والطلاب والنساء وغيرهم من شخصيات الأوساط المختلفة من 41 دولة أفريقية.
وخلال الفترة التي تلت تأسيس الصين الجديدة حتى قبيل انتهاج الصين لسياسة الانفتاح والإصلاح، تبادل الشعب الصيني والشعوب الأفريقية الزيارات الودية والدعم في النضال ضد الإمبريالية والاستعمار. وقد ظلت الصين تؤيد الشعوب الأفريقية في التحرير الوطني والتنمية الاقتصادية وتقديم الدعم السياسي والاقتصادي وتدريب الكوادر البشرية للبلدان الأفريقية التي لم تحصل على الاستقلال في نضالها من أجل التحرر الوطني. كما تقدم الصين العون للبلدان الأفريقية التي استقلت لمساعدتها في تنمية الاقتصاد الوطني. من جانب آخر، ثمة تعاون وثيق بين البلدان الأفريقية والصين في المحافل الدولية، فبفضل الدول الأفريقية استطاعت الصين خرق الحصار الدبلوماسي الذي فرضته عليها الدول الغربية الكبرى، واستعادة مقعدها الشرعي في الأمم المتحدة.
بعد تأسيس جمعية صداقة الشعب الصيني مع البلدان الأجنبية سنة 1954، صارت قناة كبيرة للتبادلات الشعبية الصينية الأفريقية، جاء عبرها إلى الصين بعض رواد حركات التحرير الوطني والشبان الأفارقة لتلقي التدريبات والتعلم ولمعرفة الصين الجديدة والتجارب الناجحة للثورة الصينية. ومن الزعماء الأفارقة الذين زاروا الصين في فترة التحرير الوطني بدعوة من جمعية صداقة الشعب الصيني مع البلدان الأجنبية، رئيس زيمبابوي روبرت موجابى ورئيس ناميبيا السابق سام نوجوما.
التبادلات في الثلاثين سنة الأخيرة
الفترة الممتدة منذ انتهاج الصين لسياسة الانفتاح والإصلاح حتى الوقت الحالي والتي تعتبر المرحلة الثانية في تاريخ التبادلات الشعبية الصينية الأفريقية شهد خلالها التبادل والتعاون بين الشعب الصيني والشعوب الأفريقية تطورا شاملا في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية. بعد أن انتهجت الصين سياسة الانفتاح والإصلاح، أقامت علاقات دبلوماسية طبيعية مع معظم دول العالم، فواصلت جمعية صداقة الشعب الصيني مع البلدان الأجنبية في تبادلاتها السياسية التقليدية مع البلدان الأفريقية، ولكنها أضافت إليها التبادلات في مجالات الاقتصاد والثقافة الصينية والأفريقية وغيرها، فحققت إنجازات مرموقة.
بالأرقام أيضا، استقبلت جمعية صداقة الشعب الصيني مع البلدان الأجنبية في الفترة ما بين سنة 1979 وسنة 2008، أكثر من 330 وفدا من 52 دولة إفريقية، وأرسلت نحو 100 وفد لزيارة نحو 50 دولة إفريقية.
ويمكن تصنيف الأصدقاء الأفارقة لجمعية صداقة الشعب الصيني مع البلدان الأجنبية إلى ثلاث فئات، أولا الجمعيات الشعبية الصديقة للصين، وثانيا كبار الشخصيات وثالثا المنظمات الحكومية المحلية.
من بين الثلاث وخمسين دولة إفريقية، ثمة منظمات صداقة مع الصين في ثلاث وثلاثين دولة (بما فيها بوركينا فاسو التي ليست لها علاقات دبلوماسية مع الصين). أعضاء تلك المنظمات ينتمون للأوساط السياسية والاقتصادية والثقافية، وقد تأسست المنظمة الأولى منها سنة 1955، والأخيرة سنة 2009. وقد لعبت دورا مهما في دفع الصداقة السياسية والتعاون الاقتصادي والتبادل الثقافي بين الصين والدول الأفريقية.
في العشرين سنة الأخيرة، دعت جمعية صداقة الشعب الصيني مع البلدان الأجنبية عددا كبيرا من الزعماء الأفارقة لزيارة الصين كشخصيات صديقة، ومنهم رئيس المجلس الشعبي الوطني الجزائري وملكة ليسوتو وملك وملكة قبائل الزولو في جنوب أفريقيا ورئيس سيشيل السابق ونائب رئيس الجمعية الوطنية لساحل العاج وغيرهم. زادت معرفتهم عن الصين من خلال الزيارة مما أضاف مزيدا من الحيوية للعلاقات الودية الصينية الأفريقية.
التبادلات والتعاون بين الحكومات المحلية في الصين والدول الأفريقية جزء مهم لعلاقات التعاون الودية بين الجانبين، وهي روابط وقنوات مهمة لتعميق الصداقة الصينية الأفريقية. منذ إقامة العلاقة الودية بين مدينة تشانغشا بمقاطعة هونان في الصين ومدينة برازافيل عاصمة الكونغو سنة 1982، حتى بداية عام 2009، أقيمت علاقات ودية بين نحو 70 مدينة ومقاطعة صينية مع البلدان الأفريقية، وهناك علاقات تآخي بين91 مدينة ومقاطعة في الصين ونظيراتها في أفريقيا. في سنة 2000، انضمت جمعية صداقة الشعب الصيني مع البلدان الأجنبية، نيابة عن الحكومات الصينية المحلية والمدن، إلى الاتحاد العالمي للمدن والحكومات المحلية، وأقامت اتصالات مع الاتحاد الأفريقي للمدن والحكومات المحلية والجمعيات الحكومية المحلية في جنوب أفريقيا وكينيا وأوغندا وزيمبابوي وغيرها.
منذ عام 2007، عقدت جمعية صداقة الشعب الصيني مع البلدان الأجنبية في بكين وكينيا وأثيوبيا أربع دورات لمنتديات التعاون بين المدن والحكومات المحلية الصينية والأفريقية، حيث أسست منبرا مفيدا للتبادلات بين الحكومات المحلية الصينية الأفريقية.
خصائص الدبلوماسية الشعبية الصينية الجديدة تجاه أفريقيا
بعد انتهاج الصين سياسة الإصلاح والانفتاح، وخاصة بعد دخول القرن الحادي والعشرين، زادت الزيارات والتبادلات الصينية الأفريقية المتبادلة في المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية. لا يعد الأفارقة ينظرون إلى الصينيين كدبلوماسيين وفنيين، وصار شعار "صنع في الصين" غير مقتصر على المشروعات التي بنيت بمساعدة الصين، حيث وصل التجار والزوار الصينيون والمنتجات الصينية إلى كل ركن في أفريقيا.
ويمكن تلخيص أهداف الدبلوماسية الشعبية الصينية تجاه أفريقيا في العصر الجديد بأنها "دفع النشطات الشعبية بمساعدة الحكومة ودفع النمو الاقتصادي من خلال تعميق الصداقة ودفع تعميق الصداقة من خلال التبادلات الثقافية".
يُقصد بـ"دفع النشطات الشعبية بمساعدة الحكومة"، أن تساعد الشخصيات الحكومية المنظمات الشعبية على خلق أجواء ودية تجاه الصين في أفريقيا. في السنوات الأخيرة، استقبلت جمعية صداقة الشعب الصيني مع البلدان الأجنبية العديد من كبار الشخصيات الأفريقية المهتمة بأعمال المنظمات الشعبية المعنية بالصين في دولهم، مما يعزز المشاعر الودية تجاه الصين في تلك الدول. في مايو سنة 2004، قامت السيدة سلفيت بور، وزيرة الثقافة والرياضة والحكومات المحلية لسيشيل، بزيارة الصين. وبعد عودتها إلى بلادها بشهور قليلة، بذلت جهودا جبارة لتأسس جمعية الصداقة السيشيلية الصينية.
يهدف "دفع نمو الاقتصاد من خلال تعميق الصداقة"، تعميق التعاون الاقتصادي والتجاري بين الصين وأفريقيا من خلال أصدقائنا. في مايو عام 2008، قام وفد وزاري من الخمس الدول لتجمع شرقي أفريقيا (East African Community--EAC) برئاسة نائب رئيس وزراء أوغندا بزيارة الصين، وساعدت الجمعية في توقيع ((مذكرة تفاهم إطارية للتعاون في الطاقة وبناء المرافق الأساسية)) بين الوفد ومجموعة شركات قهتشوبا الصينية (China Gezhouba Group Corporation). وشاركت مجموعة شركات قهتشوبا الصينية في منتدى الاستثمار لتجمع شرقي أفريقيا الشرقية الذي انعقد في يونيو في رواندا. كما ساعدت الجمعية في إقامة اتصالات بين اللجنة الصينية لتنمية التجارة الدولية ومنتدى الصداقة بين بوركينا فاسو والصين من أجل حفز بوركينا فاسو لمشاركته في إكسبو شانغهاي العالمي عام 2010.
الهدف من "دفع تعميق الصداقة من خلال التبادلات الثقافية"، هو تمتين أسس الصداقة الصينية الأفريقية من خلال التبادلات الثقافية. في عام 2000، نظمت الجمعية جولة لفرقة أكروبات تيانجين في كينيا وأوغندا لتقديم العروض الفنية. استغرقت الجولة 18 يوما، قدمت خلالها الفرقة المكونة من 18 فردا 20 عرضا، شاهدها 50 ألف شخص/ مرة. وقد خُصص دخل العروض لمنظمة المرأة لإنقاذ الأيتام بأوغندا، فضلا عن التبرع بعشرة آلاف دولار أمريكي لسكان المناطق المنكوبة بكوارث الجفاف في كينيا؛ وفي عام 2008، نظمت جمعية صداقة الشعب الصيني مع البلدان الأجنبية فعاليات "استقبال الأولمبياد – معرض أعمال المخرج والمصور الصيني وانغ شينغ جيون" بالتعاون مع الجمعية الأفريقية لتعزيز التوحيد السلمي للصين (All Africa Association for the Promotion of the Peaceful Reunification of China) (Afcpprc) والسفارات والقنصليات الصينية لدى أفريقيا؛ وفي عام 2009، أصدرت جمعية صداقة الشعب الصيني مع البلدان الأجنبية أول مجلة في الصين باللغة الصينية للتعريف بأفريقيا والتي تتولى نشرها جمعية الصداقة الصينية الأفريقية....
منذ عام 2006، بدأت جمعية صداقة الشعب الصيني مع البلدان الأجنبية منح "جائزة المساهمة للصداقة الصينية الأفريقية" كل ثلاث سنوات إحياء لذكرى قمة بكين لمنتدى التعاون الصيني الأفريقي وللذكرى السنوية الخمسين لإقامة العلاقات الديبلوماسية الصينية الأفريقية. يقام حفل توزيع الجائزة قبيل أو عقب كل دورة للمؤتمر الوزاري لمنتدى التعاون الصيني الإفريقي. وقد أقيمت دورتان للجائزة حتى الآن، ومن المقرر أن يقام حفل توزيع جوائز الدورة الأخيرة في شهر نوفمبر هذا العام.
وفتحت جمعية صداقة الشعب الصيني مع البلدان الأجنبية بابا خاصا بعنوان "الصداقة الصينية الأفريقية" في جريدة "الشعب اليومية"، يكتب فيه المسؤولون ذوو العلاقة والعلماء والسفراء الصينيون السابقون لدى أفريقيا والسفراء الأفارقة لدى الصين عن الأحداث التاريخية الكبرى في الصين وأفريقيا؛ وتنظم الجمعية أيضا عددا من الدبلوماسيين الصينيين الذين عملوا في أفريقيا لمدة طويلة والرفاق المعنيين بالشؤون الأفريقية في الوقت الحالي لكتابة ونشر كتاب بعنوان ((نفس القلب من الذهب -- المسيرة المشرقة لروابط الصداقة الصينية الأفريقية))، كما أنها جمعت المقالات المنشورة في باب "الصداقة الصينية الأفريقية" بصحيفة "الشعب اليومية" لإصدارها في كتاب يحمل عنوان "لنتقدم يدا بيد – ومضات من الصداقة بين الشعب الصيني والشعوب الأفريقية"؛ وتعاونت مع محطة التلفزيون المركزي الصيني لتصوير فيلم وثائقي بعنوان ((أفريقيا)) (Afrikyah) الذي عرضته إحدى قنوات التلفزيون المركزي الصيني. بالإضافة إلى ذلك، نظمت الجمعية مهرجانا للثقافة السياحية بعنوان "دخول أفريقيا" في عدد من المتاجر الكبرى ببكين، حيث دعت هيئات السياحة للدول الأفريقية والسفارات الأفريقية لدى الصين وشركات الطيران الأفريقية والمؤسسات الأفريقية والفرق الفنية وغيرها للمشاركة فيه وعرض المناظر الأفريقية الطبيعية والعادات والتقاليد والثقافة الشعبية الأفريقية، فأقامت بذلك منبرا لتقديم الثقافة الأفريقية والموارد والمنتجات السياحية الأفريقية.
التعاون والصداقة بين الصين وأفريقيا تيار لا يقاوم، والتبادلات الشعبية الصينية الأفريقية موضوع وافر المحتويات. وسوف تواصل جمعية صداقة الشعب الصيني مع البلدان الأجنبية عملها الدءوب لاستكشاف أساليب عمل جديدة وتدشين مبادرات جديدة وستعمل على تقديم مساهمات جديدة للدبلوماسية الشعبية الصينية الأفريقية.
(الكاتب فنغ تسوه كو هو نائب رئيس جمعية صداقة الشعب الصيني مع البلدان الأجنبية ونائب رئيس جمعية الصداقة الصينية الأفريقية)