ã

بر الأهل عند قومية هوي وبناء المجتمع المتناغم

ما يان

تشكيل الأطفال المسلمين كلمتين "حب ماما"

فتيات يغسلن أقدام أمهاتهن لرد جميلهن

 

في الصين؛ الدولة ذات التاريخ العريق والحضارة المشرقة، يحتل بر الأهل مكانة هامة في الثقافة الاجتماعية، بل إن البر هو الركيزة الأساسية للأخلاق في الصين. وإذا كان معنى البر هو حسن معاملة وصحبة الوالدين واحترام وتوقير كبار الأسرة، فإنه بذلك شرط ضروري لكل فرد يعيش في المجتمع. ولا غرو أن علاقة الدم التي تربط الوالدين والأبناء علاقة أساسية في الأسرة تشكل حقوق ومسؤوليات كل فرد في الأسرة، فالوالدان عليهما مسؤولية تربية أبنائهما ولهما الحق في أن يحترمهما الأبناء، وعلى الأبناء واجب طاعة الوالدين ورعايتهما، وكل ذلك لحماية الأسرة من التفكك وضمان استمرارها. إن توسع العلاقات الاجتماعية بين الناس جعل معنى البر أكثر شمولا، فامتد إلى الأهل جميعا ,على كل أفراد المجتمع، وصار في النهاية ثقافة عميقة وثرية في المجتمع الصيني. على المستوى السلوكي، يشمل البر احترام الوالدين والمحبة بين الأخوة والتناغم الأسري. ومن حيث المحتوى، يشتمل البر على أخلاق الشخص وفضائل الأسرة والأخلاق المهنية والأخلاق الاجتماعية العامة.

إن البر يمثل ركنا أساسيا في ثقافة أبناء قومية هوي المسلمين، ويلعب دورا بالغ التأثير في الحياة الأسرية لأبناء قومية هوي ومجتمعهم، ويساعد في تعميق العلاقات الأخلاقية بين الناس. ولا غرو أن البر يلعب دورا لا مندوحة عنه في بناء المجتمع المتناغم  فهو القاعدة الأخلاقية لتربية الفرد وكنز عظيم لبناء الأسرة الصالحة.

خصائص البر عند أبناء هوي

قومية هوي واحدة من ست وخمسين قومية في الصين. يتميز أبناء هذه القومية بحفاظهم على ثقافتهم الإسلامية واستيعابهم للثقافة الصينية ودمجها في ثقافتهم فزادت بها ثراء وحُسنا. والبر، كونه من العناصر الأساسية لثقافة هوي، يجسد التمازج بين الثقافتين الإسلامية والصينية.

والبر عند أبناء هوي ذو سمات إسلامية واضحة، باعتبار أن الإسلام هو دينهم الذي يستمدون منه أخلاقهم. وبر الوالدين في الإسلام خُلق أساسي. ويجمع بين الثقافتين الإسلامية والصينية تبجيلهما وتوقيرهما للوالدين.

أولا، بر الوالدين من الإيمان، فقد قال الله تعالي في كتابه الكريم، "لا تعبدون إلا الله وبالوالدين إحسانا" (2:83) و"ووصينا الإنسان بوالديه حملته أمه وهنا على وهن وفصاله في عامين أن أشكر لي ولوالديك إليّ لمصير" (31:14). إن بر الوالدين لا يسبقه إلا الإيمان بالله، ومن ثم فإن له أهمية كبيرة في الإسلام.

ثانيا، بالإضافة إلى الوالدين، احترام الأهل من البر أيضا. يقصد بالأهل كل من تربطه علاقة قربى بالوالدين. يحث الإسلام على احترام الأهل ورعايتهم.

ثالثا، الشخص الذي لا يوفي مسئوليته الدينية المتمثلة في بر الوالدين وعدم صلة الرحم، أنذره الله بالعقاب، فقد قال في كتابه العزيز "فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم. أولئك الذين لعنهم الله فأصمهم وأعمى أبصارهم." (47:22-23).

إن بر المرء بوالديه لا يكون في حياتهما فحسب، بل يمد إلى ما بعد وفاتهما، ويكون ذلك بإشاعة مشاعر المحبة والتقدير بين الأهل وخاصة كبار السن، فيورث البر جيلا بعد جيل، ويستفيد الناس منه.

لقد تأثرت ثقافة قومية هوي بالثقافة الصينية، وخاصة الثقافة الكونفوشية، فتوطنت الثقافة الإسلامية في الصين. والحقيقة أن تأثُر ثقافة هوي بالثقافة الكونفوشية بدأ منذ أن تكونت تلك في الصين. في فترة أسرتي مينغ وتشينغ، وبسبب الضغوط السياسية، شهدت بعض المفاهيم والسلوكيات الإسلامية عملية توطين في الصين. وفي أواخر أسرة مينغ وأوائل أسرة تشينغ، كان علماء الإسلام من قومية هوي يشرحون ويفسرون الثقافة الإسلامية حسب الكتب الكونفوشية المقدسة، وترجموا الكتب الإسلامية إلى اللغة الصينية، ونقلوا العلاقات الأخلاقية الإقطاعية الصينية إلى ثقافة قومية هوي. المبادئ الخمسة الأساسية للأخلاقيات الصينية القديمة هي "الطقوس بين الإمبراطور والوزير" و"الحب بين الأب والابن" و"الاختلاف بين الزوج والزوجة" و"الترتيب بين سنون وأطفال" و"الإخلاص بين الأصدقاء".

 

التحديات التي تواجه أخلاق البر لأبناء هوي في العصر الحديث

قامت الصين بإصلاح النظام الاقتصادي في ثمانينات القرن الماضي، وتغير المجتمع الصيني كثيرا. دخل المجتمع الصيني مرحلة تحديث اتسمت بالتنمية السريعة والتغيرات الاجتماعية التي أدت بدورها إلى تغير المفاهيم الأخلاقية التقليدية لأبناء قومية هوي وغيرت الشكل والنظام التقليديين للأسرة التقليدية. أدى ذلك إلى خروج أبناء هوي من إطار الثقافة التقليدية المغلقة إلى إطار أوسع من الثقافات المتعددة والانخراط في التغيرات الاجتماعية، وقد أدى كل ذلك على تغير مفهوم البر عند أبناء قومية هوي.

 أولا: اضمحلال الأسرة التقليدية لقومية هوي

مثل معظم الأسر التقليدية في المجتمع الصيني الجديد، يشهد مفهوم الأسرة التقليدية لأبناء قومية هوي اضمحلالا، فلم تعد الأسرة التقليدية المكونة من ثلاثة أو أربعة أجيال موجودة، وحلت محلها الأسرة الصغيرة التي تتكون من ثلاثة أفراد؛ الأب والأم والابن. قديما، كان المسنون يعيشون مع أبنائهم وأحفادهم فينعمون بالدفء الأسري والرعاية. لم يعد كبار السن يعيشون مع الأبناء والأحفاد، فالأبناء مشغولون في أعمالهم والأحفاد في دراستهم في الأيام العادية ولا ثمة فرصة للقاء إلا في المناسبات. لقد أدى ذلك إلى تغير شكل ونمط العلاقة بين الأجيال، فتراجع مفهوم البر بين الناس ووهنت العلاقة بين الاخوة والأخوات وبين الأهل.

ثانيا: تفكك نمطي الإنتاج والحياة التقليديين

يؤدي تغير نمط الإنتاج إلى تغير المجتمع ويصدم الثقافة التقليدية. يبدو أن أخلاق البر لأبناء قومية هوي لم تتكيف بعد مع الأحوال الجديدة. منذ تطبيق سياسة الإصلاح والانفتاح، يغادر كثير من أبناء قومية هوي بلدانهم إلى أماكن بعيدة للعمل ويبقون هناك فترات طويلة. في الأرياف، كان الناس قديما يبدءون عملهم في الحقول مع شروق الشمس ويعودون إلى بيوتهم بعد الغروب، لكن التقنيات الجديدة والميكنة الزراعية  قللت الحاجة إلى الأيدي العاملة الزراعية فهجر كثير من الفلاحين قراهم إلى المدن الكبيرة للعمل. يقف المسنون حائرين أمام هذا النمط الإنتاجي الجديد، فبرغم ما في جعبتهم من خبرة وتجربة في مجال الزراعة، لم يعد لهم القول الفصل في شؤون الأسرة كما كان الحال الماضي، وذلك يجعلهم يشعرون بأن كلمتهم غير مسموعة وأنهم عبء زائد على الأسرة. ومع تغير نمط الحياة التقليدي، يصعب الحفاظ على العادات التقليدية والثقافة التقليدية، يجد المسنون صعوبة في التكيف مع المفاهيم والأفكار الجديدة. أما الشباب فيهملون الالتزام بالتعاليم الدينية ويضعف وعيهم الديني، وهذا يشكل عبئا نفسيا وروحيا لكبار السن الذين يخشون من أن يهمل أبناؤهم إقامة الشعائر الدينية لهم عند الموت، مثل إحضار إمام ليلقيهم الشهادة والتوبة. كما أنهم يقلقون على عدم وفاء أبنائهم بالواجبات الدينية مثلهم بعد وفاتهم. وقلق المسنين الذين يعيشون في المدن الكبيرة بشأن تلك الأمور أشد ممن يعيشون في الريف، فصدمة الثقافة التقليدية في المدن الكبيرة أعنف من الأرياف.

ثالثا: تغير نظام ومفهوم الإنجاب

تلاشى مفهوم الإنجاب التقليدي الذي يعتبر إنجاب كثير من الأطفال قاعدة وقوة لتنمية الأسرة والمجتمع. مع نمو الاقتصاد وتعدد المفاهيم القيمية، ساد مفهوم جديد للإنجاب يدعو إلى إنجاب أطفال أقل وتربيتهم تربية أفضل. الآن يختار معظم شباب قومية هوي إنجاب طفل واحد، برغم أن لهم الحق في إنجاب طفلين أو أكثر أحيانا. لذلك يواجه أبناء قومية هوي "مشكلة الابن الوحيد"، وهذا يعني أنه على الزوج والزوجة أن يعيلا أربعة مسنين، وذلك يفرض ضغوطا اقتصادية وروحية على الأسرة.

 

تطوير أخلاق البر لأبناء هوي لبناء المجتمع المتناغم

إن البر لقومية هوي أساس تعليم الأخلاق، ويربط الأخلاق بالسياسة في كل المجتمعات. تقرر السياسة على اتجاه تنمية المجتمع، ويكون الأخلاق قاعدة لاستقرار المجتمع والسياسة. الآن تقع الصين على عملية بناء المجتمع القانوني، هذا يحتاج إلى التعاون بين القانون والأخلاق ولا يهمل بأي واحد منهما. قال المثل الصيني: "البر أول أمر من مائة أمر للتصرفات الخيرية". إن البر قاعدة الأخلاق، والمضمون المهم في الحضارة الروحية. ويعلب البر دورا خاصا في مجتمع قومية هوي، تنمية البر في مجتمع قومية هوي هذا يستطيع ارتفاع مستوى الأخلاق العام ودفع بناء المجتمع المتناغم في مجتمع قومية هوي.

يتعلق البر بالعلاقات بين الناس في الأسر، فمن اللازم أن ينمو البر من كل أسرة. إن رعاية السنين وتربية الأطفال مسؤولية لكل أسرة، على كل أسرة أن يكمل هذه المسؤولية بشكل جيد. إن الأسرة خلية واحدة للمجتمع، إذا تكون العلاقة في كل أسرة متناغمة، يكون المجتمع متناغما.

تكون تنمية البر الطريق الهام لافتتاح الخدمة في الحي السكني. يزداد عدد الشيخوخة في الصين كل سنة، يوجد مسنون كثيرون في كل حي سكني، فيجب على الحكومة أن تستثمر لإقامة نادي يلعب مسنون فيه في الأحياء السكنية، وتقدم خدمات متنوعة لهم في الأحياء. على الأحياء السكنية أن تنظم نشاطات لإعلان احترام السنين ورعايتهم ومساعدتهم من أجل تنمية البر في الأحياء السكنية. هكذا سيصبح المجتمع لقومية هوي متناغما، ثم ينتشر التناغم إلى المجتمع الشامل.

 

 

Address: 24 Baiwanzhuang Road, Beijing 100037 China
Fax: 86-010-68328338
Website: http://www.chinatoday.com.cn
E-mail: chinatoday@chinatoday.com.cn
Copyright (C) China Today, All Rights Reserved.

فرع مجلة ((الصين اليوم)) الإقليمي للشرق الأوسط بالقاهرة
رئيس الفرع: حسن وانغ ماو هو
العنوان: 5 شارع الفلاح، المتفرع من شارع شهاب
- المهندسين- الجزيرة- مصر
تليفاكس: 3478081(00202)
  ص.ب208 – الأورمان – الجزيرة – القاهرة – مصر
   الهاتف المحمول: 0105403068(002)
البريد الإلكتروني: kailuofenshe@yaoo.com.cn