ã

شعبية الصين عربيا بعد ستين عاما من التأسيس

حسين إسماعيل

ماو تسي تونغ يعلن من بوابة تيان آن من تأسيس جمهورية الصين الشعبية في أول أكتوبر 1949

احتفالات الذكرى السنوية الخمسين لتأسيس الصين الجديدة

الوفد الصيني في الأمم المتحدة عند إعلان استعادة الصين لمقعدها في المنظمة اأفريقي في أكتوبر 1971

عرض حرس الشرف في احتفالات الذكرى السنوية الخمسين لتأسيس الصين الجديدة

 

   أطفال صينيون يغرسون أشجار الصداقة مع أطفال سعوديون في السعودية

 

يحتفل الصينيون هذا الشهر، أكتوبر/تشرين الأول للسنة التاسعة بعد الألف الثاني للميلاد بمرور ستين سنة على ميلاد دولتهم الجديدة، جمهورية الصين الشعبية، التي أعلن تأسيسها زعيمهم ماو تسي تونغ على بوابة تيان آن من، في الساحة الشهيرة التي شهدت أحداث الصين الهامة خلال المائة سنة الأخيرة. في الصين، عندما يبلغ المرء ستين عاما يحتفل أهله بهذه المناسبة أيما احتفال، فإذا كان ذلك بالنسبة لفرد، فما بالك بعيد ميلاد الوطن الأم!

استعدت الصين للمناسبة بما يليق بها، فتم تكليف مخرج حفلي افتتاح وختام أولمبياد بكين تشانغ يي مو، بإخراج حفل إحياء المناسبة، وأجرت قوات الأمن الصينية أكثر من مرة مناورات لمكافحة الإرهاب تجاوزت المناورات التي سبقت استضافة الدورة الأولمبية السنة الماضية، حرصا على أن تمر هذه المناسبة بسلام ودون أحداث مؤسفة. لقد بهرني احتفال الصين بذكرى مرور خمسين عاما على تأسيسها سنة 1999 وقد شاهدته ضمن عدد محدود من الأجانب تمت دعوتهم لمشاهدته في ساحة تيان آن من. سوف يتجاوز احتفال الذكرى الستين، الذي يتضمن استعراضا عسكريا، في إبهاره افتتاح أولمبياد 2008 واحتفال الذكرى الخمسين، أو هكذا أحسب، كوني أكتب تلك الكلمات قبل الاحتفال، الذي آثار جدلا بين الصينيين أنفسهم في فترة الإعداد له. وأذكر أنه قبل فترة، كنت في لقاء مع الإعلامي الصيني يانغ روي، مقدم برنامج ديالوج على القناة التاسعة للتلفزيون الصيني المركزي، كان موضوع الاستعراض العسكري محور نقاش وجدل بيننا، وكان من رأيه أنه من الأفضل أن يخلو احتفال الذكرى الستين للصين من أي مظاهر عسكرية، وتحديدا استعراض الأسلحة والمعدات. وقد سمعت وقرأت آراء عديدة تتفق مع يانغ روي، فقد كتب الصحفي الصيني شيونغ ليه، بجريدة تشينا ديلي في غرة يوليو هذه السنة، يوم ذكرى تأسيس الحزب الشيوعي الصيني، مقالة بعنوان "قوة الشعب ينبغي أن تكون فخر العرض"، أشار فيها إلى أن كثيرا من الناس ربما يعتقدون أن الاستعراض العسكري هو الطريقة الأفضل لتعرض الدولة قوتها وإنجازاتها في مجالات الاقتصاد والعلوم والتكنولوجيا والدفاع، وقد أقامت الصين 13 استعراضا عسكريا خلال الستين سنة المنصرمة. الأسلحة الحديثة في الاستعراض الأول الذي أقيم في غرة أكتوبر سنة 1949 كانت جميعها مستوردة تم الاستيلاء عليها في حرب التحرير، وفي آخر استعراض عسكري، سنة 1999، كان 95% من الأسلحة صينية الصنع.

ويتساءل ما إذا كان الصينيون، وقد بلغت الصين الجديدة الستين عاما، ينبغي أن يتمسكوا بالمفهوم التقليدي لإبراز القوة بهذه الاستعراضات، مشيرا إلى أنه مهما كانت حداثة الأسلحة التي ستعرض فإنها على الأغلب لا تضارع مستويات الأسلحة الأكثر حداثة التي تمتلكها دول أخرى. ويخلص إلى القول بأن العصر الذي كانت فيه الأمم تستعرض قوتها وجاهزيتها وترفع معنوياتها من خلال استعراض الأسلحة قد ولى وانقضى.

الحقيقة أن ما أنجزته الصين من مكانة دولية وما تحققه من شعبية عالمية يعود إلى ما أسماه عالم السياسة الأمريكي البروفيسور جوزيف ناي، بالقوة الناعمة، في مقابل القوة الغاشمة أو الخشنة التي استخدمتها دول كبرى لأخرى.

وأنا أنظر إلى عيد ميلاد الصين الجديدة الستين بعين عربية من زاوية مدى شعبية الصين في العالم عموما، وفي المنطقة العربية خصوصا، خلال السنوات الستين المنصرمة. وأبدأ من النهاية، وهي النتيجة التي أعلنها مركز غالوب لاستطلاعات الرأي في شهر مايو هذه السنة حول شعبية الدول الكبرى في العالم فقد أظهرت نتيجة الاستطلاع الذي استمر من سنة 2006 حتى سنة 2008، وشمل مواطنين في 148 دولة بالعالم أن 40% من الذين شملهم الاستطلاع يفضلون قيادة فرنسا للعالم و39% يفضلون الصين بينما يفضل بريطانيا 37%، ثم الولايات المتحدة بنسبة 34%.

وقد جاء في التقرير الذي أصدره المركز برفقة نتائج الاستطلاع ما يلي: "النتيجة المهمة للاستطلاع هي تسليط الضوء بصورة أكبر علي تنامي شعبية الصين على وجه الخصوص في العالم". وأن "الصين تتفوق على الولايات المتحدة بصورة حاسمة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، حيث حصلت على 41%‏ مقابل 14% فقط أيدوا الولايات المتحدة الأمريكية، وهذا أكبر فرق بين شعبية الدولتين في أي منطقة أخرى بالعالم".

ولا أعتقد أن نتيجة الاستطلاع فيما يخص الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، أي المنطقة العربية رئيسيا، كانت مفاجأة للمتابعين للشؤون الدولية والمعنيين بالشؤون الصينية والمتابعين للعلاقات الصينية العربية. أما عن أسباب شعبية الصين في الدول العربية فهي عديدة ويمكن أن نذكر منها:

أولا: أن الصين في الذاكرة العربية منذ زمن بعيد مثال للخير والمحبة والفكر، ومقولة "اطلبوا العلم ولو في الصين"، سواء كانت حديثا للنبي العربي محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم أو كانت قولا مأثورا، تعبر عن حضور الصين في الذاكرة العربية، وهو حضور مقرون بصورة تخيلية لبلد فيه علم وصناعة وثقافة. وقد استمر هذا الحضور عبر العصور مدعوما بما كان يربط الجانبين العربي والصيني من طرق تجارية برية وبحرية قديما، وما ربط بينهما من دعم ومساندة متبادلة في فترة التحرر الوطني في العصر الحديث بعد أن عانى كل منهما من نير الاستعمار والإمبريالية.

ثانيا: أن حقيقة عدم وجود تاريخ من الصراع بين الجانبين جعلت وجدان العربي والصيني لا يحمل للآخر ذكريات مريرة، بل على العكس، ظلت الصورة النمطية للعربي في الصين مجسدة بشخصية "العم العربي" وفقا لمحتويات الكتب المدرسية الصينية حتى وقت قريب. وظلت صورة الصيني في ذهن العربي ترمز للجد والاجتهاد والمهارة.

ثالثا، أنه على الرغم من الاختلاف الكبير بين الثقافتين العربية والصينية، إلا أن هناك قواسم مشتركة بين منظومة الأخلاق والقيم في الثقافتين، فقيم أخلاقية مثل بر الوالدين واحترام وتوقير الكبير، والتكافل الاجتماعي وحسن الجوار الخ، قيم أصيلة في الثقافتين.

رابعا، أن حقيقة تعرض الجانبين العربي والصيني لمعاناة متشابهة من طرف ثالث مشترك هو الغرب، جعل التقارب بينهما له أسباب موضوعية وعاطفية، وقد انعكس ذلك في الدعم العربي للصين في المحافل الدولية في مواجهة الغرب، مثل دعم العرب للصين لاستعادة مقعدها الشرعي في الأمم المتحدة، ودعم الصين للدول العربية في قضاياها العادلة وخاصة في قضية الصراع العربي الإسرائيلي.

خامسا، أن شعبية الصين الجارفة عربيا تكون أحيانا في جزء منها نتيجة لسياسات القوى الكبرى الأخرى المعادية للعرب، فسياسات الغرب المؤيدة لإسرائيل والتوجهات المعادية للإسلام في الغرب تجعل العرب يبحثون –على المستوى النفسي- عن حليف دولي خاصة بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، ويأملون أن تصعد قوة دولية تواجه الغرب، أو على الأقل توازنه. 

ولكن علينا أن ننبه إلى أن الصورة النمطية للصين في الذهن العربي، وهي في أحيان كثيرة صورة مثالية، تكون لها جوانبها السلبية عندما ترتفع توقعات العرب من الصين إلى أسقف بعيدة لا يمكن الوصول إليها، وعندما يتوقع العرب أن يجدوا في الصين الجنة المفقودة والعالم المثالي فيصدمون عندما تواجههم الحقيقة بأن الصين دولة ككل الدول فيها الطيب والخبيث وأن الصينيين مثل كل البشر، فيهم الجيد والسيئ، المجتهد والمهمل، الصادق والكاذب الخ من صفات البشر. وأنا أعرف بعض العرب الذين كانوا يعشقون الصين عشقا أعمى ويتصورن أنهم سيجدون بها، عندما يأتونها، كل شيء ولكن بعد أن يصلوا الصين تتغير نظرتهم، لاتساع الهوة بين ما كانوا يأملون وما يجدونه على أرض الواقع. ونفس الشيء يحدث على المستويات العليا السياسية والاقتصادية عندما يتوقع العرب من الصين مواقف دولية من قضاياهم أكثر حزما وتشددا من مواقف دولهم العربية أحيانا، غير مدركين أن الصين دولة لها علاقاتها الدولية وحساباتها ومصالحها التي لا تتفق بالضرورة دائما مع المصالح والحسابات العربية. يتوقع العرب من الصين أن تكون لها استثمارات أكثر في بلادهم وأن تساهم في دعم وتطوير قطاعات مختلفة في الدول العربية، برغم أن الصين تقوم بذلك بالفعل، ولكن المتوقع منها عربيا يظل عاليا.

الشيء الذي لا مراء فيه هو أن الصين في عامها الستين بعد تأسيس الدولة الجديدة تحظى بشعبية عربية لا ينافسها فيها أي دولة أخرى، وأن معرفة العرب بالصين الآن أكثر عمقا واتساعا، وأن الصين، بفضل منتجاتها وتوسع تعلم لغتها وتنامي دورها الدولي صارت موجودة في الحياة اليومية للعربي. إن مقارنة ما تنشره أجهزة الإعلام العربية عن الصين اليوم مع ما كان قبل خمس أو عشر سنوات تكشف عن تقدم بالغ في هذا المجال.

ولا شك أن تطورات جديدة حدثت وسوف تحدث في المستقبل مع زيادة حركة التبادل بين الجانبين، وسوف يكون هناك سوء فهم، وسوف تسعى أطراف أخرى لتشويه صورة العربي عند الصينيين وتشويه صورة الصينيين لدى العرب، وأحداث الخامس من يوليو في شينجيانغ بالصين، وأيضا الشجار الذي وقع في ذات الشهر بين جزائريين وصينيين في الجزائر، نموذج لذلك. ومن ثم فإن الجانبين العربي والصين مطلوب منهم الحذر والانتباه ومعالجة ما قد ينشأ من سوء فهم أو اختلاف بسرعة وبعقلانية وانفتاح تام لحماية ما بين الجانبين من صداقة عميقة ومودة لا تمنع الاختلاف أو التباين في المواقف أحيانا.         

 

       

 

 

Address: 24 Baiwanzhuang Road, Beijing 100037 China
Fax: 86-010-68328338
Website: http://www.chinatoday.com.cn
E-mail: chinatoday@chinatoday.com.cn
Copyright (C) China Today, All Rights Reserved.

فرع مجلة ((الصين اليوم)) الإقليمي للشرق الأوسط بالقاهرة
رئيس الفرع: حسن وانغ ماو هو
العنوان: 5 شارع الفلاح، المتفرع من شارع شهاب
- المهندسين- الجزيرة- مصر
تليفاكس: 3478081(00202)
  ص.ب208 – الأورمان – الجزيرة – القاهرة – مصر
   الهاتف المحمول: 0105403068(002)
البريد الإلكتروني: kailuofenshe@yaoo.com.cn