
((جولة الرئيس ماو في كل الصين)) للفنان لي تشي

((الشعب مع رئيس مجلس الدولة)) للفنانة تشو سي تسونغ

((كسارة الطرق)) للفنان هوانغ فا بانغ
في خضم النضال من أجل تأسيس الصين الجديدة التي أُعلن قيامها سنة 1949، ظهر عدد لا يحصى من الزعماء في أعمال كثير من الرسامين، فتركوا تأثيرا على الصينيين جيلا بعد جيل.
اللوحات النموذجية لماو تسي تونغ
في مزاد علني في ربيع السنة الجارية، بلغ سعر لوحة موضوعها الرئيس ماو للرسام جين شانغ يي (1934 - ) 16ر20 مليون يوان (الدولار الأمريكي يساوي 83ر6 يوانات) فسجلت أعلى سعر للوحات التي موضوعها الزعماء الصينيون. هذه اللوحة أبدعها جين سنة 1966، مقاسها 262 سم × 137 سم، وتعتبر عملا نموذجيا للرسام الذي يشغل حاليا منصب رئيس الرابطة الصينية للرسامين، ولها تأثير تاريخي كبير. تعكس شخوص اللوحة القدرات الإبداعية للرسام، فضلا عن أنها أكبر لوحة رسم كاملة للرئيس ماو في التاريخ.
مقارنة مع لوحات البورتريه للرئيس ماو، تتمتع لوحة ((الرئيس ماو يذهب إلى آنيوان)) بسمات عصرية واضحة وتعتبر نموذجا فريدا في فن الرسم.
في خريف سنة 1995، كانت لوحة ((الرئيس ماو يذهب إلى آنيوان)) موضوع نزاع قضائي حول حقوق الملكية الفكرية فأثارت اهتمام الرأي العام. وعندما عرضتها شركة الأوصياء الصينية المحدودة للمزادات (China Guardian Auctions Co., Ltd.) للبيع، بتكليف من مبدعها الرسام ليو تشون هوا، اشتراها فرع قوانغتشو لبنك الإنشاء الصيني بسعر 05ر6 ملايين يوان. وقد طُبع من هذه اللوحة 900 مليون نسخة، غير اللوحات المقلدة لها، مما يعني أنها اللوحة الأكثر نسخا في العالم، وأنها تتفوق في ذلك على لوحة الموناليزا للفنان ليوناردو دافنشي.
أبدع ليو تشون هوا ((الرئيس ماو يذهب إلى آنيوان)) سنة 1967، وسرعان ما احتلت مكانة عالية في أوساط الفن الصينية، وصارت لوحة نموذجية لذلك العصر. وإلى اليوم، مازالت النسخ المطبوعة لتلك اللوحة والتذكارات ذات العلاقة بها رائجة في سوق التحف.
تعرض لوحة ((الرئيس ماو يذهب إلى آنيوان)) تاريخ المرحلة الأولى للثورة الصينية سنة 1921، عندما ذهب ماو تسي تونغ إلى آنيوان للدعاية لنظرية ثورة العمال ولتحريض عمال المناجم في آنيوان على الإضراب. ولد الرسام ليو تشون هوا في أسرة ريفية عادية في منطقة سهل سونغنن (نهرسونغهوا – نهر ننجيانغ) في شمال شرقي الصين، وأحب الرسم منذ صغره. في صيف عام 1967، أقيم معرض بعنوان " أشعة أفكار ماو تسي تونغ تضيء الحملة الثورية للعمال في آنيوان"، وتحمّل ليو تشون هوا مهمة رسم لوحة تعكس ذهاب الرئيس ماو إلى آنيوان. كان الهدف من إبداع هذه اللوحة هو تجسيد صورة ماو تسي تونغ في شبابه. قاد ليو تشون هوا فريقا لجمع المقالات حول ماو تسي تونغ في شبابه والمذكرات حول الأعمال الثورية لماو والسجلات التاريخية حول حملة العمال في آنيوان. كان عمر ليو تشون هوا 24 سنة في ذلك الوقت، وكان لايزال طالبا في الجامعة ولم يكن درس الرسم الزيتي التخصصي من قبل. من أجل إنجاز هذه المهمة المجيدة والشاقة، ذهب إلى منجم آنيوان في يوليو تلك السنة للتعرف على الحياة هناك من خلال المعايشة الشخصية ومقابلة العمال القدامى وجمع المعلومات حول زيارات ماو تسي تونغ لآنيوان.
من خلال دراسة السجلات التاريخية واستطلاعات الحياة حدد ليو تشون هوا فكرته. في تشكيل اللوحة، وضع صورة ماو تسي تونغ في القلب، ومن خلفه سحب الصباح الوردية تتصاعد، ومن تحته الأفق غامض. يرتدي ماو في اللوحة زيا صينيا تقليديا ويخطو خطوات ثابتة على طريق جبلي. وقد أعطى الرسام معنى لكل حركة بسيطة لماو تسي تونغ؛ فالرأس مرفوع والعنق مستدير قليلا، مما يعبر عن عدم خشية ماو المشقات والأخطار وعدم خوفه من العنف والقوة، وجرأته على النضال، تجسيدا لشجاعة هذا الزعيم الصيني. يده اليسرى المضمومة تعكس طموحة العظيم لتحرير الشعب الصيني وثقته بالنجاح في ذلك؛ أما يده اليمنى الممسكة بمظلة فمغزاها أنه لا الرياح ولا المطر يمكن أن تُوقِف ماو تسي تونغ عن العمل.
بعد إنجاز هذه اللوحة، راجعها ماو تسي تونغ بنفسه، وقال: "روح الشخصية في اللوحة تشبهني، ولكنني لا أملك حذاء قماشيا ممتازا مثل الحذاء الذي في اللوحة. كنت ألبس حذاء من القش. ولم أكن أرتدي ثيابا طويلا وأنا في آنيوان، وإنما معطف قصير". برغم ملاحظاته، أعرب ماو عن رضاه عن تلك اللوحة التي أُدرجت في الكتب الدراسية المستخدمة في كل المدارس الابتدائية بالصين كصورة توضيحية، وصُنعت مئات الأنواع من الميداليات التذكارية والأعمال الفنية من الجبس المقلدة لها، فانتشرت على نطاق واسع وصارت لوحة ((الرئيس ماو تسي تونغ يذهب إلى آنيوان)) معروفة للجميع في الصين، كما ذاع صيتها خارج الصين.
من بين الزعماء الصينيين، ماو تسي تونغ هو الشخصية الأكثر تفضيلا للرسامين الصينيين. وقد تأثرت لوحات الزعماء في أفكارها وفنها باللوحات السوفيتية تأثيرا كبيرا.
الحياة البسيطة للزعماء
فضلا عن لوحات البورتريه للزعماء، هناك اللوحات التي تصور الزعماء في حياتهم البسيطة.
الرسام لي تشي (1928 - ) يحمل لقب "الرسام الأول لزعماء الثورة"، لأنه أبدع سلسلة من لوحات الزعماء المعروفة في الصين. في لوحته ((حي في قلوب الشعب دائما)) يصور الرسام شو أن لاي تصويرا مفعما بالحيوية، وقد أثنت عليه دنغ ينغ تشاو، عقيلة شو أن لاي، واستقبلته. أما لوحاته ((مهندسنا العام)) التي تصور دنغ شياو بينغ، و((الرفيق)) التي تصور ليو شاو تشي، و((نحن معا)) التي تجسد تشو ده، و((الرفيق بي شي))، وغيرها، فقد تركت تأثيرات مهمة في أوساط الفن، بل في كافة أوساط الشعب الصيني.
يُكِن لي تشي مشاعر خاصة للزعماء الصينيين، والسبب في ذلك يعود إلى أيام طفولته. في سنة 1937، ذهب لي تشي، وهو في التاسعة من عمره، مع والديه إلى يانآن، بعد أن قطعوا آلاف الكيلومترات. في يانآن، حياه ماو تسي تونغ وغيره من الزعماء ذات مرة في حفل، فتشجع وتحمس لهم وقرر في نفسه أن يخلد مآثر زعماء الشعب بريشة الرسم.
((جولة الرئيس ماو في كل الصين))، التي أبدعها لي تشي في بداية ستينات القرن الماضي، تعتبر عملا نموذجيا له. يصور فيها مشهد مشاركة الرئيس ماو وبعض الزعماء الآخرين في العمل بموقع مشروع خزان شيسانلينغ للمياه. في اللوحة، يضع الرئيس ماو ذراعه اليسرى على خصره ويمسك بيده اليمنى قبعة من القش. تبدو ملامحه لطيفة وعيناه مشرقتين، كأنه مفعم بالاعتزاز والثقة. شعره غير المرتب والخيط القطني المرفرف لقبعة القش التي يرتديها تعطي المشاهد انطباعا بأن نسمة هواء تعبر بوجه ماو. البسمة والوجه المحمر البراق تعكس مشهد العمل الزاخر بالحيوية والنشاط. استخدم الرسام أسلوب "ليو باي" (ترك الفراغ) الفني للرسم الصيني التقليدي، فهو لا يصف الأشخاص وبيئاتها وصفا تفصيليا وإنما يترك مساحات فارغة لخيال المشاهد. وعلى الرغم من أن الرئيس ماو وحده في اللوحة، يشعر المشاهد بأنه بين الآلاف من الشعب.
الرسام ليو ون شي (1933- ) هو أكثر فنان من حيث تقدير ومحبة الرئيس ماو والزعماء الآخرين. عندما كان طالبا، أحب ليو ون شي الرئيس ماو حبا جما، وأعرب غير مرة عن رغبته في أن يكرس حياته لرسم الرئيس ماو، كي ينقل صورة هذا الزعيم إلى الأجيال القادمة. من سنة 1957، ولمدة أربعين سنة، زار ليو ون شي منطقة شانبي ثماني وخمسين مرة وتجول في مئات القرى في ست وعشرين محافظة في منطقة شانبي، حيث تأثر بأجواء عمل ونضال الرئيس ماو في ذلك الوقت.
في سنة 1997، عندما اعتزم بنك الشعب (البنك المركزي) الصيني إصدار المجموعة الخامسة من العملة الصينية، رنمينبي، تقرر، بعد الدراسة، استخدام صورة الرئيس ماو تسي تونغ على العملة. وحيث أن ليو ون شي هو أفضل من يرسم صورة ماو تسي تونغ، طلب منه البنك رسم صورة ماو للمجموعة الجديدة من العملة الصينية. خلال عشرين يوما أو أكثر قليلا أنجز ليو ون شي رسم الصورة وأقرها المسؤولون في اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني.
صور ماو تسي دونغ التي رسمها ليو ون شي لا تعد ولا تحصى. في حقبة ستينات وسبعينات القرن الماضي، رسم لوحة ((عيد الربيع في تساويوان)) ولوحة ((حديث من القلب إلى القلب)) وغيرهما من اللوحات التي تصور الرئيس ماو وهو يتحدث مع الفلاحين في منطقة شانبي الذين يضع كل منهم منشفة بيضاء على رأسه ويمسك الغليون الصيني الطويل في يده، وذلك في الفترة التي عمل فيها ماو في يانآن. من أجل تصوير المشاهد تصويرا حقيقيا، كان ليو ون شي يفكر نهارا وليلا، ويرسم الأماكن التي زارها الرئيس ماو فأبدع رائعته ((الرئيس ماو وراعي غنم)). في اللوحة، فلاح عجوز لا يستطيع كبح فرحته أمام الرئيس، يتكلم بحماسة والرئيس ينصت مبتسما بصبر لثرثرة الفلاح، حتى أنه نسي نفض رماد سيجارته.
تصور لوحة ((الشعب مع رئيس مجلس الدولة)) مشهد زيارة رئيس مجلس الدولة الراحل شو أن لاي إلى المنطقة التي ضربها الزلزال في مدينة شينغتاي بمقاطعة خبي سنة 1966، لمواساة المنكوبين وتشجيع أبناء الشعب للتغلب على الكوارث الطبيعية وإعادة بناء بيوتهم. من أجل رسم هذه اللوحة، ذهبت الرسامة تشو سي تسونغ إلى المنطقة المنكوبة بالزلزال في مدينة شينغتاي، ورسمت عددا كبيرا من الرسم التخطيطي، وجمعت كثيرا من المعلومات. تجولت في الأطلال بعد وقت قصير من وقوع الزلزال وعاشت وأكلت وشربت مع المنكوبين. رسمت تشو سي تسونغ صورة رئيس مجلس الدولة وقلبها مفعم بالمشاعر العميقة، فأبدعت لوحة دقيقة رائعة. في اللوحة، يمسك شون أن لاي بيدي عجوز والدموع ملء مقلتيه مطبقا شفتيه بقوة. بعد مرات من الإصلاح والتعديل، أكملت الرسامة هذه اللوحة سنة 1978. وفي سنة 1979، فازت لوحة ((الشعب مع رئيس مجلس الدولة)) للرسامة تشو سي تسونغ بجائزة في المعرض الوطني للأعمال الفنية، فصارت من الرموز التاريخية المهمة للوحات البورتريه بالحبر الصيني.
الصور الجماعية للزعماء
هناك عدد غير قليل من لوحات الصور الجماعية للزعماء الصينيين، مثل لوحة ((انتفاضة نانتشانغ)) ولوحة ((مؤتمر تسونيي)) وغيرهما من الأعمال الفنية ذات التأثير الواسع في الأوساط الفنية.
((انتفاضة نانتشانغ)) أبدعها الرسام لي بينغ هونغ (1913- 1986) سنة 1958، وهي معروضة حاليا في المتحف العسكري لثورة الشعب الصيني. يصف الرسام في هذه اللوحة حادثة أول أغسطس 1927، عندما قاد زعماء الحزب الشيوعي الصيني مثل شو أن لاي وخه لونغ ويه تينغ وتشو ده وليو بوه تشنغ، أكثر من عشرين ألف شخص لشن انتفاضة نانتشانغ التي دشنت لمرحلة جديدة في تاريخ الحزب الشيوعي الصيني تميزت بإنشاء الجيش الشعبي وقيادته المستقلة للثورة الشعبية.
في اللوحة، جنود يقفون أمام فندق جيانغشي، أشهر فندق في شارع تشونغشان بمدينة نانتشانغ آنذاك، قبل اندلاع الانتفاضة المسلحة. الأضواء باهرة وكل جندي يلف قطعة من القماش الأبيض على ذراعه ويلبس ربطة حمراء وفي يده سلاح. يلوح شو أن لاي بيده على المنصة، فيتجمع أتباعه بسرعة. ومن خلف شو أن لاي أربعة قادة يرتدون الزي العسكري، وهم رئيس أركان الانتفاضة ليو بوه تشنغ الذي يجلس بجانب صندوق الذخيرة ينظر في خريطة للعمليات؛ ومن خلفه يه تينغ، القائد العام لجيش الجبهة الثانية وقائد الجيش الحادي عشر؛ ووراء شو أن لاي تشو ده، رئيس مصلحة الأمن العام لمدينة نانتشانغ آنذاك الذي تولى منصب القائد العام لجيش التحرير الشعبي الصيني بعد، ومن خلفه خه لونغ، قائد الجيش العشرين، ولم يكن عضوا بالحزب الشيوعي في ذلك الوقت، ولكن قواته كانت نواة الانتفاضة.
هناك رسامون آخرون أبدعوا أعمالا متعلقة بانتفاضة نانتشانغ، ومنهم الرسام تشن يان نينغ (1945- ) الذي أبدع لوحة ((انتفاضة نانتشانغ)) في سبعينات القرن الماضي وكان لها تأثير كبير، لأنها تختلف عن أعمال لي بينغ هونغ لكثرة الشخصيات فيها، فهي مثل صورة شاملة للأشخاص تصف بسهولة تعبيراتهم. استخدم تشن يان نينغ في تلك اللوحة أسلوب وصف المناظر القريبة، حيث ركز على رسم الأشخاص مع تبسيط الخلفية. في اللوحة، يسير الزعماء، بقيادة شو أن لاي، بحزم بين الجيش. إلى جانب شو أن لاي، يسير تشو ده بنظرات ثابتة لاستعراض جيش الانتفاضة. هذه اللوحة عمل مميز من حيث أسلوب الرسم وأسلوب وصف تعبيرات الأشخاص.
أمضى الرسام شن ياو يي (1943- ) نحو نصف سنة لإنجاز لوحته الزيتية ((مؤتمر تسونيي)) بمقاس 500 سم × 200 سم. خلال عشرين سنة ونيف، من 1975 إلى 1997، أعاد شن ياو يي تجسيد المسيرة الكبرى للجيش الأحمر خمس مرات. كلما وصل مكانا، جمع المعلومات وأمعن الفكر من أجل فهم التاريخ فهما عميقا.
في يناير سنة 1935، عقد المكتب السياسي للجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني مؤتمرا في تسونيي – مدينة صغيرة بمقاطعة قويتشو- شارك فيه أعضاء المكتب السياسي للجنة المركزية للحزب، ومنهم ماو تسي تونغ وتشانغ ون تيان وشو أن لاي وتشو ده وليو شاو شي ودنغ شياو بينغ. أقر المؤتمر أفكار ماو تسي تونغ العسكرية الاستراتيجية، ورسخ مكانة ماو تسي تونغ القيادية في الحزب الشيوعي الصيني والجيش الأحمر.
في بداية المؤتمر، لم تكن مكانة ماو تسي تونغ القيادية قد تأكدت بعد. في لوحة ((مؤتمر تسونيي))، يحتل شو أن لاي الموقع المركزي، نظرته ثابتة، يواجه النواب المشاركين في المؤتمر بكل ثقة؛ بينما ماو تسي تونغ ممسك بسيجارة منصتا ومستغرقا في التفكير. تبدو تعبيرات وجه تشو ده صلبة، وينصت وانغ جيا شيانغ وتشانغ ون تيان إلى الكلام بجد، أما ليو شاو شي ودنغ شياو بينغ، فينظران إلى المشاهدين من خلفهما، كأنهما يستقبلان النواب الآخرين المشاركين في المؤتمر. المسافات المتروكة في اللوحة موزعة بطريقة فنية، فكأن الأمل يكمن في هذه الأجواء المتوترة.
رسم ليو ون شي صورة ماو تسي تونغ منفردا، كما رسم الصور الجماعية للزعماء. لوحة ((الشرق)) المعلقة في قاعة الشعب الكبرى ببكين، تجمع بين أربعة قادة؛ ماو تسي تونغ وليو شاو شي وشو أن لاي وتشو ده. تبدو تعبيرات وجوههم حيوية وكأن أصواتهم مازالت ترن ووجوههم مازالت مشرقة.