ã

حلمي

تشيوي قه بينغ

تشيوي قه بينغ (الثاني من اليمين) في زيارة لمنجم

تشيوي قه بينغ في فعاليات لحماية البيئة

تشيوي قه بينغ يتسلم جائزة "الكوكب الأزرق" الدولية

 

رواية: تشيوي قه بينغ

تحرير: لي يونغ فنغ

 

تشيوي قه بينغ، المولود سنة 1930 في مدينة فيتشنغ بمقاطعة شاندونغ، كان أول مندوب للصين لدى برنامج البيئة للأمم المتحدة، وأول رئيس لمصلحة حماية البيئة الصينية، فضلا عن رئاسته للجنة حماية البيئة والموارد بالمجلس الوطني لنواب الشعب منذ عام 1976. بفضل مساهمته العظيمة، حصل على جائزة البيئة للأمم المتحدة وجائزة "الكوكب الأزرق" الدولية وغيرها من الجوائز الدولية.

انخرطت في أعمال حماية البيئة لمدة أربعين سنة، منذ عام 1969، واعتبر نفسي شاهدا على مسيرة حماية البيئة في الصين، برغم أنني أحمل لقب"الشخص الأول لحماية البيئة في الصين". أقامت الصين هيئة لحماية البيئة خلال فترة "ثورة الثقافة الكبرى" بتوجيه من رئيس مجلس الدولة شو آن لاي. ومنذ بداية الإصلاح والانفتاح، صارت حماية البيئة سياسة أساسية للدولة. وفي سنة 1997، أصبحت التنمية المستدامة استراتيجية وطنية للتنمية، حيث أصدرت الحكومة الصينية سلسلة من السياسات والقوانين لحماية البيئة في ذلك الوقت. الآن، وقد تقاعدت من جميع مناصبي الرسمية، أحلم بأن تصير سماء الصين أكثر زرقة ومياهها أكثر خضرة.

لست "الشخص الأول لحماية البيئة في الصين"

انضممت إلى فريق وضع البرامج لمجلس الدولة في عام 1969. كانت الصين مازالت في فترة الاقتصاد المخطط، حيث يتم وضع خطط التنمية الاجتماعية والاقتصادية. كان الفريق يتكون من 16 فردا، يعملون ليلا نهارا. كانت مهمتي وضع خطط صناعات الوقود الكيماوية والطاقة والنسيج، وهي جميعا صناعات لها علاقة بتلوث البيئة، فارتبط عملي بحماية البيئة منذ ذلك الوقت حتى الآن.

في ديسمبر سنة 1970، استقبل رئيس مجلس الدولة الصيني شو آن لاي السيدة أسانومو كيوكو، زوجة أسانومو إنجيرو، رئيس الحزب الاجتماعي السابق في اليابان، التي كانت في زيارة إلى الصين وكان برفقتها صهرها، وهو صحفي مهتم بتغطية مشاكل حماية البيئة في اليابان. كان شو آن لاي مهتما بمشاكل حماية البيئة، فدعا هذا الصحفي إلى التحدث عن مشاكل البيئة في اليابان وسبل حلها.

في اليوم التالي للقاء شو آن لاي والصحفي الياباني، عقدنا اجتماعا حضره بعض العلماء والمسئولين الصينيين وألقى فيه الصحفي الياباني كلمة عن حماية البيئة. كانت حماية البيئة مفهوما غريبا في الصين في تلك الأيام، حيث ساد الاعتقاد بأن الصين في غنى عن حماية البيئة، وأن ذلك أمر يخص الدول الغربية المتقدمة، لدرجة أن بعض المسؤولين لم يرغبوا في  حضور الاجتماع.

في سنة 1972، أرسل رئيس مجلس الدولة شو آن لاي وفدا صينيا لحضور الدورة الأولى لمؤتمر البيئة والإنسان في استوكهولم، عاصمة السويد، في وقت كانت حماية البيئة، بالنسبة للصينيين، مشكلة غريبة. كان الصينيون لا يعرفون معنى حماية البيئة، واعتقد البعض أنها معالجة النفايات.

أثناء تشكيل الوفد حدث خلاف، فالبعض رأى أن تلوث البيئة يضر الصحة، ومن ثم فإن حماية البيئة مشكلة صحية وينبغي أن يتشكل الوفد من مسئولي وزارة الصحة. لم يوافق شو آن لاي على هذا، حيث رأى أن حماية البيئة لها علاقات بمجالات كثيرة في الاقتصاد الوطني. فأعاد تشكيل الوفد، وكان معظم أعضائه من لجنة الدولة للمخطط.

من بين أعضاء الوفد الأربعين لم يكن من أعضائه من مارس أعمال حماية البيئة غير أنا وشخص آخر. بعد عودتي من المؤتمر، عرفت أن حماية البيئة مشكلة عالمية ترتبط بالتنمية الاقتصادية. كان المؤتمر بمثابة مشعل أضاء قلبي وبث الأمل فيه.

تأثرت كثيرا خلال حضوري المؤتمر الذي شهد مظاهرة بجانب مكان انعقاده، وقد حمل بعض المتظاهرين أشخاصا يلحقون الضرر بالبيئة. كانت مشاهد مدهشة، ومنذ ذلك الوقت قررت أن أساهم بكل جهودي في قضية حماية البيئة بالصين.

بعد عودة الوفد إلى الصين، اقترحت أن ننقل الحقيقة إلى رئيس مجلس الدولة. قلنا له إن مشكلة البيئة في الصين شديدة وإن مشكلة البيئة ليست مجرد التلوث في المدن وإنما تشمل تخرب البيئة الطبيعية. عقد شو آن لاي اجتماعا لبحث ومناقشة مشكلة حماية البيئة.

في الدورة الأولى لاجتماع حماية البيئة بالصين في أغسطس 1973، حدد رئيس مجلس الدولة مبدأ حماية البيئة، ألا وهو "الوقاية من تلوث البيئة"، وعدم تكرار خطأ الدول الغربية، أي تلويث البيئة أولا ثم معالجة التلوث.

كان من نتائج الاجتماع إنشاء هيئة لحماية البيئة تابعة لمجلس الدولة باسم "مكتب الفرقة القيادية لحماية البيئة". منذ ذلك الوقت، أصبحت حماية البيئة إحدى أعمال الحكومة الصينية.

في سنة 1976، سافرت إلى نيروبي، عاصمة كينيا، لتولي منصب مندوب الصين إلى برنامج الأمم المتحدة لحماية البيئة. أتاحت لي هذه الفرصة التعرف على مشكلة البيئة العالمية ودراستها. عندما كنت في نيروبي، أنفقت أوقاتا كثيرة في زيارة خبراء أجانب وقراءة المعلومات عن حماية البيئة، وعرفت في تلك الأيام أن أهم شيء لدفع حماية البيئة هو وضع التشريعات الشاملة التي تكفل ذلك. بعد عودتي من نيروبي إلى الصين، دعوت إلى إصدار تشريعات لحماية البيئة في الصين. استجابت الحكومة لاقتراحي، فبعد وقت قليل، بدأت الصين سن تشريعات لحماية البيئة، وقد شاركت بنفسي في هذا العمل.

وافقت اللجنة الدائمة للمجلس الوطني لنواب الشعب على ((قانون جمهورية الصين الشعبية لحماية البيئة  (تجربة))) في سبتمبر عام 1979، فكان أول قانون لحماية البيئة في تاريخ الصين. يحدد هذا القانون صلاحيات هيئات حماية البيئة، واتجاه العمل لحماية البيئة.

وقعت الثورة الثقافية في سبعينات القرن الماضي، فشهدت الصين اضطرابات اجتماعية، ولكنها حققت إنجازات كبيرة في مجال حماية البيئة خلال تلك الفترة. وقد قمت خلالها ببعض الأعمال فأُطلق عليّ لقب "الشخص الأول لحماية البيئة في الصين"، ولكن الحقيقة هي أن رئيس مجلس الدولة الراحل شو آن لاي هو رائد قضية حماية البيئة في الصين.

 

حماية البيئة سياسة أساسية في الصين

لأن الحكومة تهتم بقضية حماية البيئة، قررت إقامة مصلحة حماية البيئة في عام 1982، وهي تابعة لوزارة البناء وحماية البيئة، وكنت أول رئيس للمصلحة.

في الدورة الثانية لاجتماع حماية البيئة سنة 1983، تم إقرار فكرة "تطوير أسلوب لحماية البيئة صيني الخصائص"، وحدد مجلس الدولة حماية البيئة كسياسة أساسية للدولة. هكذا انتقلت قضية حماية البيئة من الهامش إلى المركز في خضم مسيرة التحديث في الصين، وهذا له مغزى هام لدفع تنمية قضية حماية البيئة الصينية.

في الحقيقة، لا يعرف معظم الناس أن كثيرا من المسؤولين كانوا يرفضون بسخرية إدراج حماية البيئة كسياسة أساسية للدولة في ذلك الوقت.

ألغي مكتب الفرقة القيادية لحماية البيئة في عام 1984، وأقيمت بدلا منه لجنة حماية البيئة لمجلس الدولة الصيني. كان لي بنغ، نائب رئيس الوزراء الصيني في ذلك الوقت، هو المسؤول عن اللجنة. أصدرت الحكومة الصينية سلسلة من السياسات الهامة المتعلقة بحماية البيئة بمساعدة لجنة حماية البيئة خلال عشر سنوات، اعتبارا من عام 1984.

في عام 1988، تم فصل مصلحة حماية البيئة عن وزارة البناء وحماية البيئة، وألحقت بمجلس الدولة الصيني مباشرة، وبقيت أنا رئيسا للمصلحة. كان البعض يعارضون فصل مصلحة حماية البيئة عن وزارة البناء وحماية البيئة، لأنهم لم يفهموا مفهوم حماية البيئة، وحسبوا أن حماية البيئة هي أعمال مثل معالجة النفايات والتشجير ومعالجة المياه الملوثة الخ، وهي أعمال تتولاها بعض الوزارات والمصالح فلا حاجة إلى مصلحة حماية البيئة. لكن في الحقيقة، مهمة مصلحة حماية البيئة هي المراقبة، وليست أعمال بناء البيئة. بعد الدورة الثانية لاجتماع حماية البيئة، بذلت مصلحة حماية البيئة الجهود خلال خمس سنوات وجمعت التجارب الأجنبية المتقدمة لوضع أنظمة إدارة الحماية الصينية، التي يمكن أن نسميها اختصارا: "ثلاث سياسات للبيئة" و"ثمانية أنظمة لإدارة البيئة". رغم أن مشكلة تلوث البيئة أصبحت شديدة في الصين، أمكن تخفيفها بفضل تطبيق سياسات وأنظمة حماية البيئة.

 

تشريعات لحماية البيئة

عندما كنت رئيسا لمصلحة حماية البيئة، فكرت في فضح التصرفات التي تخرب البيئة وتبدد الموارد عن طريق وسائل الإعلام، من أجل نشر الوعي بحماية البيئة بين المسئولين والشعب. ثم حاولت أن أحقق فكرتي. نظمت نشاط خيري "مسيرة الصين القرنية لحماية البيئة"، تعميم وعي حماية البيئة في الصين وإقامة صورة الصين الجيدة في العالم.

مع زيادة الوعي بحماية البيئة في المجتمع، أغلقت الحكومة الصينية عشرات الآلاف من المصانع الملوثة للبيئة بدرجة شديدة في عام 1996، وهذا أمر غير مسبوق في تاريخ الصين. أدركت في ذلك الوقت أنه إذا أرادت الصين حل مشكلة تلوث البيئة، فعليها أن تغير من نمط تنميتها الاقتصادية. في عام 1992، كنت رأس فريق صياغة  ((عشر سياسات حول حماية البيئة والتنمية))، التي أولها "تطبيق استراتيجية التنمية المستدامة". أصدرت الحكومة الصينية برامج وإجراءات لتطبيق خطة التنمية المستدامة في عام 1994، ورفعت الصين "خطة التنمية المستدامة" إلى استراتيجية وطنية للتنيمة في عام 1997.

عندما كنت رئيس لجنة حماية البيئة والموارد بالمجلس الوطني لنواب الشعب لمدة عشر سنوات، كانت أعمال دفع سن القوانين لحماية البيئة مهمتي الرئيسية. في تلك السنوات اشتركت في سن وتحسين أكثر من عشرين قانونا، منها ((قانون تقييم التأثير البيئي)) الذي بذلت جهودا كبيرة في صياغته.

لقد علمت أن بعض الدول المتقدمة تعالج مشكلة تلوث البيئة اعتمادا على ((قانون تقييم البيئة))، وحققت نتائج مرضية. مثلا أصدرت الولايات المتحدة (( قانون تقييم التأثير البيئي)) في نهاية ستينات القرن الماضي. المحتوى الرئيسي لـ((قانون تقييم التأثير البيئي)) هو تقييم التأثير البيئي لأي مشروع قبل البدء فيه. أصبحت مشكلة البيئة شديدة في بعض المناطق بسبب تنمية الاقتصاد بدون حماية البيئة، فصارت الصين في حاجة إلى ((قانون تقييم التأثير البيئي)) للوقاية من مشاكل تلوث البيئة خلال عملية تنمية الاقتصاد.

من أجل وضع قانون تقييم التأثير البيئي في الصين، قدمت اقتراحا ورفضه بعض أعضاء لجنة حماية البيئة والموارد، بحجة أن قانون تقييم التأثير البيئي لا يناسب ظروف الصين في ذلك الوقت، ففشلت في وضع قانون تقييم التأثير البيئي في السنوات الخمس الأولى عندما كنت عضوا بلجنة حماية البيئة والموارد.

عندما عملت في لجنة حماية البيئة والموارد في السنوات الخمس التالية، واصلت طرح اقتراح سن تشريع تقييم التأثير البيئي، وشرحت وجهة نظري لرئيس اللجنة الدائمة للمجلس الوطني لنواب الشعب لي بنغ، وفي النهاية حصلت على موافقته ودعمه، فبدأت الصين وضع ((قانون تقييم التأثير البيئي)) في عام 1998.

لكن بعد وقت قصير، رفضت معظم الوزارات اصدار هذا القانون، بحجة أن الصين مازالت في المرحلة الأولية للتنمية الاقتصادية وأن مستوى الاقتصاد غير مرتفع، وأن الصين لا يناسبها تطبيق قانون تطبقه الدول المتقدمة وأن هذا القانون يضر بناء الاقتصاد الصيني، فتوقف دراسة قانون تقييم البيئة. بعد ذلك شرحت وجهة نظري لرئيس مجلس الدولة السابق تشو رونغ جي، ولنائب رئيس مجلس الدولة آنذاك ون جيا باو، وحصلت على دعمهما فأعيد ((قانون تقييم تأثير البيئة)) إلى إجراءات قانونية.

 

حلمي

تقاعدت من عملي في لجنة حماية البيئة والموارد عام 2003، لكنني لم ولن أتخلى عن قضية حماية البيئة الصينية. اشتغلت في أعمال حماية البيئة لمدة 40 سنة، ولا أعتقد أنني حققت إنجازات كثيرة، بل أشعر بالقلق ونحن نواجه مشاكل البيئة الشديدة.

 مشكلة البيئة مستفحلة في الصين، والسبب الجذري، في اعتقادي، هو أن بعض المسئولين المحليين يهتمون بتحقيق معدلات نمو عالية لإجمالي الناتج المحلي ويهملون حماية البيئة من أجل تنمية الاقتصاد المحلي. تتبنى الحكومة الصينية حاليا مفهوم التنمية العلمي واقتصاد التدوير، وهذا يعني أن الحكومة الصينية تريد تغيير مفهوم التنمية الاقتصادية، أي تعديل العلاقة بين الاقتصاد والبيئة والموارد.

في الحقيقة، لا تستطيع الصين أن تحل مشكلة تلوث البيئة بشكل جذري في وقت قصير. حسب الخطة الوطنية، نسعى للسيطرة على مشكلة تلوث البيئة في المدن بحلول سنة 2015 أو  سنة 2020، وتحسين البيئة الحضرية والطبيعية بحلول سنة 2030، وتحقيق المجتمع المتناغم بين الإنسان والبيئة في سنة 2050.

ماذا يكون المستقبل في القرن الحادي والعشرين، هذه المشكلة يهتم بها كل إنسان. بالنسبة إلي شخص مثلي اشتغل بحماية البيئة لمدة أربعين سنة أحلم بمياه أكثر خضرة وسماء أكثر زرقة، وازدهار كل شيء في الدنيا.

 

 

Address: 24 Baiwanzhuang Road, Beijing 100037 China
Fax: 86-010-68328338
Website: http://www.chinatoday.com.cn
E-mail: chinatoday@chinatoday.com.cn
Copyright (C) China Today, All Rights Reserved.

فرع مجلة ((الصين اليوم)) الإقليمي للشرق الأوسط بالقاهرة
رئيس الفرع: حسن وانغ ماو هو
العنوان: 5 شارع الفلاح، المتفرع من شارع شهاب
- المهندسين- الجزيرة- مصر
تليفاكس: 3478081(00202)
  ص.ب208 – الأورمان – الجزيرة – القاهرة – مصر
   الهاتف المحمول: 0105403068(002)
البريد الإلكتروني: kailuofenshe@yaoo.com.cn