ã

الدواء المر

حسين إسماعيل

  تشين شياو ينغ، باحث بمؤسسة الصين للدراسات الدولية والاستراتيجية

مقترحات كثيرة قدمها النواب لإصلاح العلاج الطبي في دورة هذه السنة للمجلس الوطني لنواب الشعب الصيني

مستشفى شِيخْه ببكين

 

سقط فك الرجل العجوز من الدهشة، وما هي إلا لحظات حتى فارق الحياة. كان وقع الخبر أكبر مما يحتمل السيد تشو، من أبناء بيبي في بلدية تشونغتشينغ. قالوا للرجل إن إدارة الحي الذي يقطنه سوف تتحمل جزءا من نفقات علاجه الطبي، فثار وابتهج وارتفع ضغط دمه وخر صريعا. قتلته فرحته، وفقا لصحيفة "تشونغتشينغ المسائية" الصينية التي تصدر في مدينة تشونغتشينغ. وفي مستشفى "شِيخْه" ببكين المعروفة لدى الأجانب بأنها مستشفىBeijing Union Medical College، رنا الطفل هوان وي قاو إلى والديه راجيا منهما أن يحملاه ويعودا به إلى بيتهم، وحسب الرواية التي نقلتها صحيفة "تشينا ديلي" الناطقة بالإنجليزية، قال الطفل: "أبي لا تقترض مالا من أجلي، أريد أن أتوقف (عن تلقي العلاج)، لنذهب إلى البيت". يتلقى الفتى الصغير هوان المصاب بسرطان الدم (لوكيميا) علاجا كيماويا في المستشفى منذ شهور، ولكن أسرته لا تمتلك الثمانين ألف يوان، أي حوالي 12 ألف دولار أمريكي، التي تطلبها المستشفى الحكومية من أجل إجراء دورة جديدة من العلاج الكيماوي لابن الأربعة عشر ربيعا. وفي مارس هذه السنة نشرت صحيفة شانغهاي اليومية خبرا عن الطفلة وانغ دان، البالغة من العمر ست سنوات، المصابة بحروق بالغة في كل أجزاء جسدها. كانت وانغ دان تحتاج عملية ترقيع جلد بمساحة 200 سم مربع، وكانت المشكلة عدم توفر كمية الجلد المطلوبة لدى المستشفى التي تعالجها في مدينة ووهان بمقاطعة هوبي بعد أن استنفدت عمليات اقتطاع جلد من بشرة والديها وأقاربها، فكتبت المستشفى إلى بنك الجلد الأوروبي فأرسل البنك مشكورا 700 سم متر مربع من الجلد بدون مقابل، متحملا حتى مصاريف الشحن، فهو مؤسسة غير هادفة للربح. جاء العون، وبسخاء، من وراء البحار ولكن ظلت المشكلة قائمة، فأسرة الفتاة الصغيرة لا تمتلك العشرين أو الثلاثين ألف يوان (الدولار الأمريكي يساوي 6,82 يوانات) التي تريدها المستشفى لإتمام جراحة الترقيع!

والد الطفل هوان قال: "الأطباء أخبروني بأن أربعمائة ألف يوان مطلوبة لإنقاذ حياة الولد ولكن لا أستطيع أن أفعل شيئا بعد أن أنفقت الثلاثين ألف يوان التي كنا ندخرها". وحسب "تشينا ديلي" التي تصدر عن مكتب الإعلام لمجلس الدولة الصيني، هوان واحد من عدد متزايد من المرضى الصينيين الذين يتوقفون عن تلقي العلاج لسبب بسيط هو أنهم لا يقدرون على تكلفته!

وفي ندوة حول اقتصاديات الصحة عقدت في الثاني والعشرين من شهر يونيو ببكين، أطلق ليو كه جيون، من معهد اقتصاديات الصحة الصيني، تحذيرا من أن تكلفة الرعاية الصحية المتواصلة الارتفاع صارت عبئا على كاهل الصينيين. وقال ليو كه جيون: "سوف تزيد التكلفة بنسبة 11% سنويا خلال الأعوام الخمسة القادمة". وحسب أرقام مصلحة الوقاية من الأمراض والسيطرة عليها التابعة لوزارة الصحة الصينية، أنفق المواطنون الصينيون 2,4 تريليون يوان على العلاج سنة 2005، أي 12,9% من إجمالي إنفاقهم السنوي. وهذه النسبة تزيد 5,4 مرات عن النسبة سنة 1993، وتنمو بمعدل أسرع من معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي.

تشين شياو ينغ، الباحث بمؤسسة الصين للدراسات الدولية والاستراتيجية، ذكر في مقالة له نشرتها وكالة شينخوا للأنباء عبارة قال إنه سمعها كثيرا في إحدى المستشفيات الكبيرة ببكين تعبر عن واقع العلاج المر في الصين.. "هل تدري من هم المؤهلون لحمل لقب الأثرياء في الصين حاليا؟ أولئك الذين لديهم القدرة على تحمل تكاليف زيارة الطبيب". في الصين يمكن لأسرة متوسطة أو منخفضة الدخل، أو كما يقول العرب "مستورة الحال" أن تهوي إلى مستنقع الفقر بين عشية وضحاها ، لا لشيء إلا لأن أحد أفرادها سقط مريضا ودخل مستشفى لتلقي العلاج. وفي مدونته الإلكترونية قال د. تشن تشي هاي، الطبيب بمستشفى ديتان المشهور ببكين، إنه رأي العديد من الأسر سقطت في هاوية الفقر بسبب غلاء العلاج الطبي. وقال أيضا: "المستشفيات تحصل على 15% فقط من تكلفة العلاج، ولا أعتقد أن إصلاح نظام الرعاية الصحية يمكن أن يقلل نفقات المريض على الرغم من السيطرة على سعر الدواء". كلام محير من طبيب في المستشفى التي عرف العالم كله اسمها أثناء انتشار وباء سارس في الصين، ثم مع انتشار أنفلونزا الخنازير. إذا كانت المستشفى تحصل على 15% فقط من تكلفة العلاج فأين يذهب الباقي؟

وأذكر أنني عندما رجعت إلى البيت مع زوجتي من مستشفى للنساء والأطفال ببكين بعد عمل فحوص الحمل لها، وألقت زوجتي نظرة على الفواتير التي دُفعت، أصيبت بدهشة بالغة وقررت أنها لن تواصل الفحوص التي كان عليها أن تجريها شهريا في فترة الحمل الأولى ثم كل أسبوعين، ثم أسبوعيا في الشهور الأخيرة. وبعد إلحاح مني قبلت أن تذهب إلى المستشفى على فترات متباعدة، وعندما وضعت وطلبت منا إدارة المستشفى أن تبقى لفترة من ثلاثة أيام إلى أسبوع في المستشفى، كانت تكلفة الإقامة في الغرفة في الليلة الواحدة حوالي مائة دولار أمريكي في هذه المستشفى الحكومية. وأصرت زوجتي على البقاء ليلة واحدة فقط ليس أكثر، ومع ذلك كانت تكلفة الأربع والعشرين ساعة التي أمضتها في المستشفى منذ دخولها حتى خروجها أكثر من سبعمائة دولار أمريكي، لعملية ولادة طبيعية تمت قبل دخول غرفة العمليات. وقد شعرنا بسعادة بالغة أننا دفعنا هذا المبلغ بعد أن علمنا من أصدقاء أن تكلفة ولادة طفل في مستشفى يونايتد فاميلي ببكين، وهو مستشفى بتمويل أجنبي، يمكن أن تصل من أربعة آلاف إلى سبعة آلاف دولار أمريكي!

وفقا لإحصاءات الجهات الرسمية، 96% من المستشفيات في الصين مملوكة للدولة وتديرها الدولة، ولكن نصيب التمويل الحكومي في إيرادات المستشفيات يتراوح بين 7% و 8%، ويأتي نحو 90% من إيرادات المستشفيات من خدماتها الصحية ومبيعاتها الطبية. معنى ذلك أن المستشفى الحكومية في الصين عليها أن تدبر من دخلها مرتبات العاملين بها، وتكلفة تحديث وصيانة الأجهزة الطبية الموجودة بها، فضلا عن نفقات الإدارة اليومية، الخ من مستلزماتها. محصلة ذلك أن المستشفى الحكومية تعمل كمؤسسة تجارية استثمارية غرضها الربح، وفي ظل هذه الظروف فإن الدور الذي ينبغي أن تقوم به المستشفيات، التي هي في النهاية مؤسسات رعاية اجتماعية تديرها الدولة، قد أفسح الطريق لاندفاعها نحو الربح. 

المواطن الصيني العادي الذي يدفع فاتورة علاجه بنفسه يشعر بأن الدواء مر حقا. العام الماضي قال تسنغ تشي يي، نائب مدير مصلحة الصحة بمدينة قوانغتشو عاصمة مقاطعة قوانغدونغ، إنه سافر إلى أنحاء العالم ووجد أن الصين هي المكان الأسهل والأقل تكلفة لزيارة الطبيب. كلمات المسؤول الصحي كانت مزحة كبيرة أثارت غضبا شديدا بين مستخدمي الإنترنت الصينيين وانهالت الانتقادات عليه، ولكن كلمات الرجل تكشف عن أن بعض المسؤولين في قطاع الصحة الصيني لا يشعرون حقا بمأساة المرضى، ربما لأنهم لا يتعرضون هم وأسرهم لمحنة الوقوف أمام المستشفيات بمرضاهم  حتى يتم دفع مبلغ تحت الحساب قبل البدء في العلاج.

يعترف تشين شياو ينغ، وهو على حق، بأن هذا الواقع مقلق ومحبط لكثير من الصينيين، ويؤثر أيضا على الأجانب الذين لديهم انطباعات طيبة عن الإنجازات العظيمة التي حققتها الصين منذ تبنيها سياسة الإصلاح والانفتاح سنة 1978. والحقيقة أن الإعلام الصيني المحلي لا يخلو يوميا من نقاشات حول نظام الرعاية الصحية في الصين والنزاعات بين المستشفيات والمرضى وحالات الفساد في المجال الطبي. ويعتقد السيد تشن أن السبب الجذري في أن الصيني العادي لا يستطيع تحمل تكلفة الذهاب إلى مستشفى أو أنه ليس لديه السبل المناسبة للوصول إلى المؤسسات الطبية، سواء في المدن أو الريف، هو حقيقة أن نظام الرعاية الصحية يفتقر إلى التمويل.

   يحدث ذلك في بلد خزينة احتياطي النقد الأجنبي به عامرة بما يقرب من تريليوني دولار أمريكي ويحوز سندات ديون خزانة أمريكية بما يقرب من ثمانمائة مليار دولار أمريكي، وحقق معدل نمو خلال الأعوام الثلاثين الماضية بمتوسط لا يقل عن 9% سنويا. 

لا يمكن إنكار أن عدد سكان الصين الضخم والقصور في المرافق والموارد البشرية الطبية وربما ضعف الوعي الصحي في بعض الأماكن، عوامل تضيف إلى المشكلة، ولكن عدم كفاية التمويل الحكومي لنظام الرعاية الصحية يظل السبب الرئيسي في بقاء عدد كبير من الصينيين بعيدا عن المستشفيات.

لكل ما سبق لم يدهشني أن يفوق عدد مشروعات القوانين والمقترحات الخاصة بالرعاية الطبية والصحية التي قدمها نواب الشعب وممثلوه خلال دورة هذه السنة للمؤتمر الوطني لنواب الشعب والمؤتمر الاستشاري السياسي للشعب الصيني، غيرها من القضايا الملحة التي يواجهها الصينيون، مثل البطالة وحماية البيئة والفساد. في شهر إبريل هذه السنة، أعلنت الحكومة الصينية خطة لإصلاح الرعاية الصحية مدتها ثلاث سنوات، من 2009 إلى 2011. وفقا لهذه الخطة تلتزم الحكومة بتوفير تأمين الرعاية الصحية الأساسية للمليار وثلاثمائة مليون صيني وتطرح نظاما للأدوية الأساسية وتحسن مرافق الرعاية الصحية الأساسية، وتوفر المساواة في الحصول على خدمات الرعاية الصحية وأخيرا تقوم بإصلاح تجريبي للمستشفيات التي تديرها الدولة.

وتهدف الحكومة الصينية بناء شبكة رعاية صحية وطبية أساسية تغطي كافة سكان الحضر والريف بحلول عام 2020، وبالطبع فإنه مع زيادة الدعم الذي تقدمه الحكومة لإقامة هذه الشبكة سيقل عدد المرضى الذين يتحملون نفقات علاجهم بأنفسهم. وقد اعتبر الباحث تشين شياو ينغ أن هذه الخطوة تُبرز صورة الحكومة الصينية كحكومة مسؤولة تضمن لكافة المواطنين الحصول على الخدمات الصحية الأساسية. ولكنه يرى أن نجاح حزمة الرعاية الصحية الجديدة للحكومة الصينية، التي تستهدف رئيسيا تغطية ذوي الدخل المنخفض والمجتمعات القاعدية والمناطق الريفية، مرهون بقدرتها على تقديم خدمات صحية متساوية للصينيين جميعا. 

 

 

 

Address: 24 Baiwanzhuang Road, Beijing 100037 China
Fax: 86-010-68328338
Website: http://www.chinatoday.com.cn
E-mail: chinatoday@chinatoday.com.cn
Copyright (C) China Today, All Rights Reserved.

فرع مجلة ((الصين اليوم)) الإقليمي للشرق الأوسط بالقاهرة
رئيس الفرع: حسن وانغ ماو هو
العنوان: 5 شارع الفلاح، المتفرع من شارع شهاب
- المهندسين- الجزيرة- مصر
تليفاكس: 3478081(00202)
  ص.ب208 – الأورمان – الجزيرة – القاهرة – مصر
   الهاتف المحمول: 0105403068(002)
البريد الإلكتروني: kailuofenshe@yaoo.com.cn