ã

المفتش كرومبو آخر صيحة صينية في فانوس رمضان

عادل صبري

 

خالد فاروق يقف بجوار فوانيس رمضان الكبيرة المحافظة على تقليدها العربي

مصطفي عيسي يحمل فانوسا من الخشب المعشق

أسرة تبحث عن مميزات الفانوس الصيني لشرائه في رمضان

الطفلة رزان تحمل الفانوس العربي المزود بتكنولوجيا صينية

 

                                                                            

 

شراء فوانيس رمضان مشهد يتكرر في البلاد العربية، وبخاصة مصر، قبيل بدء شهر الصوم بأيام. هذه العادة التي عرفها العرب منذ نحو ألف عام، حيث يحمل الأطفال الفوانيس ويغنون بحلول أيام الصوم "حلو يا حلو.. رمضان كريم يا حلو"، أصبحت في السنوات الأخيرة تعكس الصراع الحضاري الذي عاشه الآباء ويحياه أطفال اليوم المقبلون على التكنولوجيا والألعاب الحديثة. لم يعد الأطفال يكتفون بحمل الفانوس التقليدي الذي تعود نشأته إلى العصر الفاطمي والذي كان يصنع من البلور والنحاس ويضاء بالشموع والزيوت النباتية، بل يسعون إلى الفانوس الآلي المصنوع من البلاستك ويعمل بالبطاريات والكهرباء ويغني من خلال أسطوانة ممغنطة كافة الأغاني الموروثة عن رمضان والتي يحبها الكبار والصغار.

برزت ظاهرة التنافس بين فوانيس الجيلين بعد دخول الصين على خط إنتاج هذه النوعية الجديدة  من الفوانيس التي لم يكن يألفها العرب من قبل، وأصبح اقتراب شهر الصوم موسما لإطلاق أحدث صيحة في عالم الفوانيس، التي وجدت إقبالا كبيرا من الأطفال والشباب. وبعد أن شهدت الأسواق منافسة بين فوانيس أطلقت عليها أسماء الفنانين والراقصين، أصبح فانوس "المفتش كرومبو" آخر صيحة في عالم الفوانيس الصينية التي راجت في الأحياء الشعبية والراقية. في الوقت نفسه أدت المنافسة بين الأجيال إلى ظهور طائفة جديدة من الفوانيس العربية المصنوعة يدويا من الخشب المعشق "الأركيد" التي تعمل بتكنولوجيا الفوانيس الصينية بما يجعلها تضاء بالكهرباء أو تغني بما تحفظه الأسطوانات الممغنطة. وبرز في الأفق جدل حول خطورة تأثير الألعاب الحديثة على تقارب الحضارات أو عزل  الماضي عن الحاضر.

 

خالد فاروق، وهو من كبار تجار فوانيس رمضان بمنطقة الدرب الأحمر والتي تعتبر مركز تجارة وتصنيع الفوانيس في القاهرة الفاطمية، يؤكد أن التنافس بين الفوانيس المصرية والصينية لن يتوقف، وأن تلك الظاهرة في صالح الجميع لأنها تدفع بالمنتج المصري للعمل على تطوير أعماله وابتكار وسائل جذب جديدة كل عام. ويوضح خالد أن دخول الفانوس الصيني السوق المصري، ساهم في عودة الأطفال إلى طلب الفانوس، خاصة أنه يعتمد على الإضاءة بالبطاريات ومزود بألعاب الكمبيوتر، في وقت كانت مصر تعاني من إصابة بعض الأطفال بالحروق نتيجة تشغيل الفوانيس التقليدية بالشموع. ويوضح خالد أن تجدد الأفكار دفعت الصناع  إلى الاهتمام بالشكل الجمالي للفانوس العربي، مع تكبيره من أجل وضعه في مداخل المحال والعقارات والشوارع بينما توسعوا في بيع الفانوس الصيني للأطفال خوفا عليهم من أذى نار الشموع.

ويقول عادل المصري، بائع فوانيس، إن الأطفال يهتمون دائما بالجديد، والفوانيس الصينية تقدم تقاليع كل عام تجعلهم يقبلون على شراء الفانوس، لأنهم يرون فيه اللعبة التي ترقص وتغني وتفرحهم بمناسبة قدوم شهر الصوم. ويذكر أن الصناع الصينيين يحصلون على أفكار الفوانيس من التجار المصريين الذي يقدمون لهم التصميمات الخاصة بالشخصيات التي يُقبل عليها الأطفال طوال العام، سواء كانت مرتبطة بلعبة أو راقصة أو فنان، أو المفتش كرومبو، الشخصية الكرتونية التي ظهرت في مسابقات إعلانية بالتلفزيون المصري خلال العام الحالي.

أسعار مقبولة

ويوضح ذكي محمد أن سعر فانوس العام الحالي في مصر يتراوح ما بين 5 جنيهات إلى 80 جنيها مصريا حسب حجم الفانوس وجودة المواصفات الفنية بداخله.

وحول أسباب اختيار التجار لشخصية المفتش كرومبو، رغم اعتراض العديد من أولياء الأمور على طريقتها في الكلام واستخدامها لألفاظ قريبة من اللغة المبتذلة، قال: "إنها الشخصية الأكثر شهرة حالياً  لذلك تهافت عليها تجار التجزئة وعندما بدأنا عرض تلك الفوانيس  نفدت منها كميات كبيرة".

تنوعت أشكال فانوس كرومبو حتى شكلت مجموعة كاملة لعصابته مثل "كرومبو راكب موتوسيكل" و "كرومبو يرقص ويغنى رمضان جانا"، وثالث يرقص ويردد مقدمة فوازير كرومبو بصوت الشخصية الأصلية، ورابع بملابس أقل جودة وهو أرخصهم سعراً، بالإضافة إلى مجموعته التي تضم "حمبوزو لاوي بوزوا" وسعيد الغتيت" وغير ذلك  من الشخصيات، ويتراوح سعر الفانوس بين ٢٠ و٧٥ جنيها مصريا.

 

ويقلل خبراء من مخاوف الآباء من تأثير اللغة التي يتكلم بها فانوس المفتش كرومبو على أطفالهم، مشيرين إلى أن  ارتباط بعض الأغاني بمناسبة معينة لدى الطفل هو جزء من ثقافته حول هذه المناسبة، إلا أن وجود هذه الأغنية داخل الفانوس لا يعني أبداً ارتباطها بثقافته، فمدة الأغنية المسجلة لا تزيد عن دقيقة واحدة، وبالتالي ينتقل المضمون الذي يتكون لدى الطفل حول مناسبة ما من خلال التنشئة الاجتماعية بصفة رئيسية. ويقول محمد علي السيد، إن الأغنية، لم تعد ترتبط بشهر رمضان، كما أن شكل الفانوس تغير حتى أصبح مجرد لعبة كبقية لعب الأطفال، فقد خرج الفانوس من مضمونه الثقافي ولم يعد ذا تأثير في ثقافة الطفل عن رمضان، فالأمر فقط هو أن والدته تحرص على شراء لعبة له في بداية هذا الشهر.

وتوضح تهاني عبد المجيد، وهي أخصائية تربية بمدرسة خاصة في القاهرة، أن الأغنية المسجلة داخل الفانوس ليست ذات تأثير على ثقافة الطفل، لأن الأم هي التي تلقن طفلها الأغنية، ومهما كانت الأغنية الموجودة داخل الفانوس فالأطفال عادة لا يرددون سوى أغنية "وحوي يا وحوي" أو "حالو يا حالو"، وهي الأغنية التي يلقنها الأهل لهم. وبالرغم من محاولات تغيير شكل الفانوس والأغنية الموجودة داخله فإن الأطفال ما زالوا متعلقين بالشكل التقليدي للفانوس.

 

وداعا أيها الملل

يذكر مصطفي عيسى، مدير الإعلام بشركة بدر الدين للبترول بالقاهرة، أن الفانوس الحديث أصاب الأطفال بالملل، مؤكدا أن انتشار ألعاب الكمبيوتر بين الأطفال جعلهم يبحثون عن جذورهم ويتجهون من جديد إلى الفانوس الذي يضاء بالشموع. ويؤكد أن الشباب بدأ العودة إلى زمن الأبيض والأسود والكلاسيكية، مبررا شراءه  لفانوس مصنوع من الزجاج والخشب المعشق "الأركيد" لتعليقه على باب إدارته بشركة البترول. ويوضح أن التنافس بين الفانوس الصيني والعربي في مصلحة المستهلك، خاصة أن أسعار البيع متقاربة وبدأ المشترون يبحثون عن مميزات كل نوع للفوز بالأفضل منهما.

ستظل قصص فانوس رمضان  حكايات وروايات، يرتبط تاريخها الطويل بفرحة الأطفال برمضان، وإن بدأ فاطمياً وانتهى صينياً. وستظل الفوانيس شاهدة على أن ظهورها كان البداية لخروج النساء ليلا على ضوئها مع الأطفال حتى وقت متأخر من الليل، حيث يتجمعن حول إحدى النساء المسنات يستمعن إلى القصص والحكايات الطريفة، وفي طريق عودتهن إلى بيوتهن كان التابع يتقدمهن بحمل فانوس كبير من النحاس، يضيء الطريق، ولم تكن الشموع قد استخدمت بعد، فقد كان الزيت هو الوقود المستخدم في إضاءة الفانوس.

وتعد الفوانيس من أشهر مظاهر الاحتفال بشهر رمضان الكريم في مصر، حيث نراها في أيدي الأطفال في أمسيات رمضان، وهم يجوبون الشوارع، وينشدون الأناشيد الرمضانية المميزة، أو نرى الأحجام الكبيرة منها معلقة على واجهات المحلات التجارية والمنازل والفنادق.

ورغم أن الفانوس لا يظهر إلا في شهر رمضان، إلا أن صناعة الفوانيس مستمرة طوال العام، حيث يتفنن صنَّاعها في ابتكار أشكال ونماذج مختلفة وتخزينها ليتم عرضها للبيع في رمضان الذي يعد موسم رواج هذه الصناعة.

وقد شهدت صناعة الفانوس رواجا كبيرا في عهد الحاكم بأمر الله الفاطمي، الذي أمر بأن لا تخرج النساء من بيوتهن ليلا إلا إذا تقدمهن صبي يحمل فانوسا، كما أمر بتعليق الفوانيس على مداخل الحارات، وأبواب المنازل، وفرض غرامات على من يخالف ذلك، وهو ما أدى إلى تطور أشكال الفوانيس واختلاف أحجامها طبقا لاستخداماتها المختلفة.

كما بدأ ظهور الفوانيس في أيدي رجال الشرطة في جولاتهم الليلية لتأمين الشوارع. وارتبط الفانوس كذلك بالمسحراتي الذي يجوب الشوارع لإيقاظ الناس في ليالي رمضان للسحور. وتعد القاهرة من أهم المدن الإسلامية التي تزدهر فيها هذه الصناعة، وهناك مناطق معينة مثل منطقة "تحت الربع" القريبة من حي الأزهر والغورية، ومنطقة "بركة الفيل" بالسيدة زينب التي تخصصت في تصنيع فوانيس رمضان وبيعها بالجملة.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

Address: 24 Baiwanzhuang Road, Beijing 100037 China
Fax: 86-010-68328338
Website: http://www.chinatoday.com.cn
E-mail: chinatoday@chinatoday.com.cn
Copyright (C) China Today, All Rights Reserved.

فرع مجلة ((الصين اليوم)) الإقليمي للشرق الأوسط بالقاهرة
رئيس الفرع: حسن وانغ ماو هو
العنوان: 5 شارع الفلاح، المتفرع من شارع شهاب
- المهندسين- الجزيرة- مصر
تليفاكس: 3478081(00202)
  ص.ب208 – الأورمان – الجزيرة – القاهرة – مصر
   الهاتف المحمول: 0105403068(002)
البريد الإلكتروني: kailuofenshe@yaoo.com.cn