ã

موظف ريفي بشهادة جامعية!

تشو هونغ

الموظف الريفي هو جيان دانغ يساعد الفلاحين في زراعة الفطر

موظف ريفي يشرح تقنيات الزراعة والتربية للفلاحين

هو جيان دانغ يرغب في مواصلة العمل بالريف بعد انقضاء مدة عقده

  

في سنة 2006 طرحت حكومة بلدية بكين خطة "الموظف الريفي"، التي أعلنت بموجبها طلب موظفين من خريجي الجامعات والمعاهد العليا ببكين، من أهل العاصمة وغيرهم، للعمل مساعدين لأمناء لجان الحزب الشيوعي الصيني في قرى ريف العاصمة ومساعدين لرؤساء لجان القرى. وتهدف الخطة أن يكون في كل قرية بريف بكين مسؤول من خريجي الجامعات خلال الفترة من الثلاث إلى الخمس سنوات القادمة.

سمع الطالب هو جيان دانغ، عندما كان السنة الثالثة بجامعة بكين للتربية البدنية، عن هذه الخطة التي جاءت في وقت تتفاقم فيه مشكلة التوظيف، واطلع على تفاصيلها فوجد أن ظروف العمل في الريف مغرية والراتب أيضا معقول.

في السنة التالية، وتحديدا في الشهر السابع من السنة السابعة بعد الألف الثانية للميلاد، وصل هو جيان دانغ حاملا القليل من الأمتعة إلى بلدة بانغقهتشوانغ في ضاحية بكين، ليبدأ حياته العملية، مساعدا لأمين لجنة الحزب في قرية وانغتشانغ التابعة للبلدة.  

وفقا لخطة بكين، يبلغ الراتب الشهري لخريج الجامعة الذي يعمل في الريف2000 يوان أي ما يعادل 290 دولارا أمريكيا في السنة الأولى، يرتفع إلى 2500يوان  أي نحو 368 دولارا أمريكيا في السنة الثانية ليصل إلى 3000 يوان أي 440 دولارا أمريكيا في السنة الثالثة. فضلا عن ذلك، تتحمل القرية أو البلدة نفقات التأمين الطبي وتأمين البطالة والمعاش للخريج، الذي تكون له أفضلية إذا تقدم بعد ذلك لامتحان الموظف الحكومي وامتحان الدراسات العليا.

لم تكن تلك المزايا هي كل ما فكر فيه هو جيان دانغ، عندما اختار العمل في الريف، وإنما كانت لديه اعتبارات أعمق. يقول الشاب الذي نشأ في منطقة نائية بمقاطعة شاندونغ: "كنت ومازلت أبحث عن إجابة لسؤال— لماذا لا يكسب الفلاح كثيرا برغم اجتهاده في العمل مدى الحياة، ويعيش ويموت فقيرا؟ السبب هو الافتقار إلى التعليم والعلوم." من هنا نشأت في ذهن هو جيان دانغ فكرة تغيير ملامح الريف بالمعارف. يقول: "خرجت من الريف وعلىّ أن أرجع إليه لأرد فضل أبويّ الفلاحين وفضل الدولة بمعارفي وعلمي. آمل أن أسهم في رفع مكانة الريف في المجتمع."

 

الحلم والواقع

كان هو جيان دانغ، قبل وصوله إلى بانغقهتشوانغ، يحسب أن قرى بكين أفضل حالا من القرى التي في مسقط رأسه بشاندونغ. في قرية وانغتشانغ التي أتاها الشاب للعمل، رأى البيوت صغيرة منخفضة، والغبار يعم الطرقات، ولا توجد في القرية صناعة زراعية عالية التكنولوجيا، وفلاحين يعيشون حياة جد صعبة.

المسكن الذي يقيم فيه هو جيان دانغ، يقع على مسافة عشرة كيلومترات من القرية، ولا توجد وسيلة نقل عام بينه وبين القرية، وخلال بضعة شهور فقط بليت خمسة إطارات الدراجة التي يذهب بها إلى عمله.  مسكن مساعد أمين لجنة حزب  قرية وانغتشانغ الجديد، باستثناء السرير ليس فيه تلفزيون أو كمبيوتر إلا سرير ولا حتى لوازم الاستخدام اليومي، لدرجة أن الطعام صار مشكلة حقيقية له.

بيد أن شظف العيش ليس الصعوبة الأكبر التي واجهها هو جيان دانغ، وإنما التعرف على أحوال القرية والتكيف مع أحوالها والانسجام مع أبنائها وكسب ثقتهم.  في أول اجتماع لأبناء القرية حضره هو جيان دانغ، توشوشوا وتهامسوا وهو يقدم نفسه، متسائلين عن السبب في قدوم هذا الشاب الحديث التخرج إلى قريتهم. عن تلك الفترة يقول: "أمضيت شهرين أمارس ضبط النفس ومحاولة الحفاظ على هدوء نفسي، والتعامل بود وإخلاص مع أبناء القرية، وشيئا فشيئا بدأت أشعر بالارتياح والرضاء".

زار كل بيت في القرية، وتحدث مع الناس ليعرف مشاكلهم وهمومهم. وعندما علم بظروف العجوز لي تشون فانغ، الرجل الواهن الصحة الذي يعيش وحيدا منذ دخول ابنه السجن قبل عشرين سنة، ذهب إليه وساعده في تنظيف بيته وأعد له الطعام واحتفل معه بعيد ميلاده. هذا الموقف جعل ناس القرية ينظرون إلى المسؤول الحزبي الشاب بنظرة جديدة، وقد قال العم لي تشون فانغ متأثرا: "لم يحدث أن اهتم موظف في القرية بالفلاحين إلى هذه الدرجة. يبدو أن عادات وتقاليد الحزب الحميدة تعود".

 

منصة كبيرة

وانغتشانغ الآن هي بؤرة اهتمام هو جيان دانغ. يقول: "الوضع الاقتصادي في قريتنا سيئ للغاية. لا دخل لمعظم أبناء القرية إلا من الزراعة، وهم لا يعرفون تقنيات وعلوم إدارة الزراعة الحديثة والوقاية من الأمراض والآفات الحشرية والتسويق. هؤلاء الناس يكرسون حياتهم للأرض، فهم يستيقظون يوميا في الرابعة صباحا ويذهبون إلى حقولهم ولا يغادرونها قبل غروب الشمس. عندما يحين موعد الحصاد، إذا كانت أسعار منتجاتهم منخفضة، فإن العائد، حتى وإن كان الحصاد وافرا، لا يساوي ما يبذلونه من جهد. أود أن أساعد المواطنين الأشد فقرا بالقرية كي يعيشوا حياة سعيدة".

استعان هو جيان دانغ بموظف آخر من خريجي الجامعة، اسمه تشن مو للبحث عن سبيل لتنمية اقتصاد القرية. بلدة بانغقهتشوانغ مشهورة بزراعة البطيخ، وفي أواخر الخريف ينتهي موسم البطيخ وتبقى الأرض التي يزرع بها شاغرة، برغم أن هذا الوقت يكون أفضل موسم لزراعة الفطر (عيش الغراب). فكر الزميلان في زراعة الفطر بدلا من البطيخ. يقول هو جيان دانغ: "برغم شهرة بطيخ بانغقهتشوانغ، لا يزيد عائد كل مو من زراعته عن 6000 يوان (الدولار الأمريكي يساوي 6,82 يوانات)، فإذا زرع الفطر بدلا منه يتضاعف الدخل ثلاث مرات وأكثر". من أجل ذلك، كان هو وتشن يذهبان في العطلة الأسبوعية خلال شهري مايو ويونيو السنة الماضية إلى قاعدة زراعة الفطر وسوق الجملة بمقاطعة خبي للاستطلاع والبحث.

كان إقناع الفلاحين في القرية بالتخلي عن زراعة البطيخ واستبداله بزراعة الفطر مهمة جد صعبة، فهؤلاء الناس لا يمتلكون الجرأة على التجربة وليست لديهم رفاهية تحمل ما قد يقع من خطأ. لجأ الزميلان هو وتشن إلى طريقة عملية لتبديد هواجس أبناء القرية ومخاوفهم من الفشل، فاستثمرا بمساعدة أصدقائهما وأقاربهما حوالي 160 ألف يوان في مشروع لزراعة الفطر بالقرية. بعد أن ثبت نجاح المشروع انضم إليه أكثر من ثلاثين أسرة بالقرية.

لم يتوقف الأمر عند هذا الحد، وإنما أنشأ الموظفان اللذان صارا شريكين، هو وتشن، جمعية آينونغشينغ التعاونية للفطر ببكين. تولى هو ذو المهارات التقنية العالية الإشراف على الإنتاج، بينما نهض تشن الذي يجيد الإدارة مهمة التسويق والعلاقات العامة. يقول هو جيان دانغ بثقة: "الطلب على منتجاتنا أكثر من المعروض منها، ولذا نتوقع أن نستعيد كل استثماراتنا قبل نهاية العام الجاري. وحاليا تستعد بضع عشرة أسرة أخرى بالقرية لزراعة الفطر".  هو وتشن متفائلان بآفاق المشروع  بعد التغلب على الصعوبات التي كانت تواجههما في البداية. قال هو: "المناطق الريفية تقدم لنا منصة كبيرة، علينا أن ننتهز هذه الفرصة لاختبار أفكارنا وقدراتنا." أضاف تشن قائلا: "لقد أدركنا أن الزراعة لا تعنى التخلف؛ أن التخلف ظاهرة مؤقتة، وواجبنا هو تغيير هذه الظاهرة."

 

محطة أم اختيار المستقبل؟

بعد نجاحهما في العمل الريفي، أبدى كل من هو جيان دانغ وتشن مو رغبتهما في مواصلة العمل في الريف بعد انقضاء مدة التعاقد، وهي ثلاث سنوات، علما بأن معظم خريجي الجامعة الذين يعملون في الريف لا يقومون إلا بأعمال إدارية بسيطة، و بدأ بعضهم منذ السنة الأولى يفكرون في ترك الريف بعد انتهاء فترة التعاقد.

في استطلاع للرأي حول اختيارات العمل للموظفين الريفيين من خريجي الجامعات، بعد انتهاء مدة الثلاث سنوات للتعاقد، قال 39% منهم إنهم سيشاركون في امتحان الموظفين الحكوميين، وقال 5% إنهم سيواصلون الدراسات العليا. هذا يعني أن عددا غير قليل من خريجي الجامعات يختارون العمل في الريف حاليا نتيجة لأوضاع التوظيف الصعبة وجاذبية السياسات التفضيلية للعمل بالريف.

بدأت مقاطعة جيانغسو توظيف خريجي الجامعات للعمل بالريف سنة 1995. في مارس 2008، قررت الحكومة الصينية اختيار  100ألف خريج جامعي للعمل بالأرياف خلال السنوات الخمس القادمة. قال البروفيسور هو يويه قاو، الأستاذ بجامعة الزراعة الصينية، إن أرقام هذه الدراسة تعني أنه تم توظيف نحو 80 ألف فرد من خريجي الجامعات في الأرياف الصينية العام الماضي، وبذلك يتجاوز عدد الموظفين الريفيين من خريجي الجامعات مائة وخمسين ألفا. وأضاف: "نتمنى أن يأتي هؤلاء الموظفون الذين يحملون شهادات جامعية بفرص وأمال جديدة للتنمية الريفية وأن يغيروا ملامح الأرياف المتخلفة، لكننا لا نتوقع أن نرى إنجازات كبيرة خلال سنتين أو ثلاث سنوات. يتعين على الموظف الريفي الجامعي أن يحدد مكانته بشكل صحيح لكي يتعرف على الأرياف ويتعلم منها ليضع أسسا جيدة لعمله المستقبلي."

 

 

Address: 24 Baiwanzhuang Road, Beijing 100037 China
Fax: 86-010-68328338
Website: http://www.chinatoday.com.cn
E-mail: chinatoday@chinatoday.com.cn
Copyright (C) China Today, All Rights Reserved.

فرع مجلة ((الصين اليوم)) الإقليمي للشرق الأوسط بالقاهرة
رئيس الفرع: حسن وانغ ماو هو
العنوان: 5 شارع الفلاح، المتفرع من شارع شهاب
- المهندسين- الجزيرة- مصر
تليفاكس: 3478081(00202)
  ص.ب208 – الأورمان – الجزيرة – القاهرة – مصر
   الهاتف المحمول: 0105403068(002)
البريد الإلكتروني: kailuofenshe@yaoo.com.cn