تباينت آراء عدد من الاقتصاديين حول قدرة الصين على قيادة الاقتصاد العالمي، والتصدي للأزمة المالية في المرحلة المقبلة، وفيما يراها بعضهم دولة قوية تتمتع باحتياطي نقد أجنبي ضخم، ونمو إيجابي متسارع، يزيد من قوتها شراكة مع دول الخليج، في ظل اقتصاد أمريكي كهل يصارع من أجل البقاء، ويعاني الفساد، يؤكد آخرون أن الصين رغم احتلالها المركز الثالث في الاقتصاديات العالمية بعد الولايات المتحدة واليابان، إلا أن ثمة فجوة واسعة بينها وبينهما في مختلف نواحي الحياة، فالناتج القومي الإجمالي الأمريكي يزيد بكثير عن نظيره الصيني، ونفس الوضع ينطبق على التقدم التكنولوجي، والصحي والتعليمي. يقول الخبير الاقتصادي، عضو مجلس الشورى(السعودي)، الدكتور زين العابدين بري: "رغم أن الصين بدأت تحتل مركزا متقدما بين الاقتصاديات العالمية، وضعها في المرتبة الثالثة، إلا أنه لازالت هناك فجوة كبيرة بينها وبين اقتصاد الولايات المتحدة الأمريكية على سبيل المثال". فالناتج القومي للأخيرة يزيد بكثير عن نظيرة الصيني، والتطور التكنولوجي الأمريكي يفوق كثيرا مستويات التقنية في التنين الآسيوي، وهذا انعكس على نواحي الحياة المختلفة، وبالتالي من الصعب تصور أن الصين ستكون الدولة القائدة في العالم في الفترة القريبة القادمة.
ومع هذا فإن الاقتصاد الصيني ظل ينمو بوتيرة عالية خلال السنين الماضية، وهو أمر استثنائي في ظل وجود الأزمة العالمية. وأوضح د. بري أن معدل النمو في الاقتصاد الصيني في العام 2007 بلغ 13في المائة، وانخفض إلى 9 في المائة في العام 2008، نتيجة الأزمة المالية العالمية. وأرجع ذلك الانخفاض إلى الضعف في الطلب العالمي على المنتجات الصينية وبالتالي ضعف التصدير. وقللت الصين من اندفاعها نحو الاستثمارات الخارجية، فبعد أن كانت على وشك شراء بنك ليمان برزر الذي أشهر إفلاسه قبل بضعة أشهر، تراجعت عن تلك الخطوة، لشعورها بارتفاع درجة المخاطرة في ذلك الاستثمار، رغم أن الصين من أكبر المستثمرين في سندات الخزانة الأمريكية نتيجة للفوائض المالية التي تمتعت بها في السنوات الأخيرة، حيث بلغت استثماراتها ما يقارب التريليون دولار أمريكي.
ويرى د. بري أن الصين استطاعت أن تتكيف مع الأزمة بشكل أفضل من الولايات المتحدة، لأنها لم تنشأ فيها من الأصل، ولذا لن تنالها آثار أكثر من التي تتعرض لها بقية دول العالم، ويكون ذلك في الغالب من خلال ارتباطها بالتجارة الخارجية، وتأثر الاستثمارات الأجنبية فيها، الأمر الذي يؤثر على ميزان المدفوعات، ومدى تأثر القطاع البنكي الصيني بهذه الأزمة. وبيّن د. بري أن الصين استطاعت أن تتجاوز بعض الآثار السلبية عن طريق استخدام وسائل السياسة المالية، بالضخ المباشر من الميزانية الحكومية داخل الاقتصاد في القطاعات الإنتاجية أو من خلال معالجة مشاكل البنوك المالية إن وجدت. وأكد د. بري تأثر اقتصاد المملكة (السعودية) بالأزمة العالمية، كونها تعتمد في اقتصادها على تصدير النفط، حيث انخفض سعر البرميل نتيجة الأزمة، وقلّ الطلب عليه ورافقه انخفاض في الصادرات، وكان لذلك أثر واضح على ميزانية الدولة.
ومن فضل الله أن الاحتياطات المالية للبلاد (السعودية) عالية جدا، مما مكن الحكومة من إعلان أكبر ميزانية للمملكة، مضيفا أن أكثر القطاعات المتأثرة بالأزمة في المملكة هو صادرات شركات البتروكيماويات مثل سابك، كما فاقمت الأوضاع في سوق الأسهم. من جهته استبعد رجل الأعمال والمحلل الاقتصادي فهد بن جمعه لـ (المدينة) أن تتحكم دولة الصين في اقتصاد العالم قريبا، لاسيما وأنها لازالت تتربع في المركز الثالث بعد أمريكا واليابان، فالأولى تمثل أكثر من 20 في المائة من الناتج العالمي، وبعدها اليابان. فالصين هي دولة نامية فمعدل نموها الاقتصادي سوف يتراجع إلى 6 في المائة. فيما كان لمدير مركز الشرق الأوسط للدراسات الإستراتيجية والقانونية، عادل محمد عبده، رأي آخر، فهو يؤكد أن مفهوم "الاقتصاد المتحكم بالعالم" انتهى، ولم يعد وجود للقطب الأوحد أو القوة المهيمنة. ويرى أنه سيحل محلها تكتلات اقتصادية، وتبادل منافع ويكون فيه الكل مستفيدا لا هيمنة ولا تسلط كما كان سابقا؛ القوي فيه يأكل الضعيف. ويعول على الأمم المتحدة وصندوق النقد الدولي في إرساء العدل الاقتصادي، ويتمنى عبده الاستفادة من تشريعات الدين الإسلامي بهذا الخصوص، ويجزم بأن الاقتصاد الصيني ستكون له الصدارة، وأرجع تكيف التنين الآسيوي مع الأزمة الاقتصادية أفضل من الولايات المتحدة، إلى قوة الصين كدولة اقتصادية عظمى تتميز بغزارة الإنتاج والتقنية العالية والعمالة الماهرة، ولم تترك مجالا إلا وخاضت فيه وأثبتت جدارتها وتميزت فيه بقوة، اقتصادها واعد يتجه بقوة للأعلى رغم الأزمة.
كما أن طريقة تعامل الصين مع الأزمة قلل من حدتها، وذلك حفاظا منها على مكتسباتها واستثماراتها حول العالم، ولديها احتياطات ضخمة من العملات الأجنبية خصوصا الدولار الأمريكي، ولها تطلعات وأهداف إستراتيجية في ذلك بعيدة المدى، واستثمارات ضخمة وفائض تجاري كبير ومتنامٍ.
وفي الوجه المقابل، يقف الاقتصاد الأمريكي اقتصادا كهلا يصارع من أجل البقاء، ويواجه صعوبات جمة أبرزها الفساد المتغلغل في إدارته مما أفقده الثقة. فضلا عن ارتفاع تكلفة الإنتاج فيه. واستمرارية هجرة التقنية والأموال والكفاءات الأمريكية للخارج تجعل من عملية الإنقاذ أكثر صعوبة. ناهيك عن تحوّله التدريجي من اقتصاد منتج إلى اقتصاد مستهلك.
ولا يوجد أدنى شك أن الصين هي صاحبة الحظ الأوفر في قيادة اقتصاد العالم ولديها المقومات أفضل من غيرها بكثير، خصوصا إذا أحسنت استغلال الشراكة في ذلك الأمر مع دول الخليج مما ينفع القطبين (الصيني و الخليجي).