ã

في ظل الأزمة الاقتصادية العالمية

قطب تصديري صيني يشجع توافد مزيد من التجار العرب

عبد الرزاق طريبق

رئيس مكتب وكالة المغرب العربي للأنباء ببكين

تاجر عراقي  في المعرض الدائم للسلع في إيوو

  معرض منتجات بالمدينة التجارية الدولية في إيوو

   حاويات بمحطة السكة الحديد الغربية في إيوو في طريقها إلى ميناء نينغبوه

 

تلقي مدينة إيوو مركز بيع السلع الصغيرة بالجملة في شرقي الصين كل ثقلها من أجل استقطاب مزيد من التجار خصوصا العرب، للاستقرار وفتح قنوات تصدير إلى منطقة شمال إفريقيا والشرق الأوسط.

وفي ظل الأزمة الاقتصادية العالمية الراهنة تجد المدينة نفسها مجبرة على الحفاظ على وتيرة تصدير قوية، فأي تباطؤ في الصادرات سيهدد مستقبل قرابة 250 مدينة صغيرة ومتوسطة قائمة في محيط إيوو، تدور فيها بشكل يومي عجلة إنتاج ضخمة تتكون من ملايين المصانع والورش والمقاولات الصغرى والمتوسطة، تنتج يوميا آلاف السلع الجديدة.

يقول فو شونغ مينغ نائب عمدة المدينة، خلال ندوة حول التجارة بين العالم العربي والصين احتضنتها المدينة في 26 أبريل 2009: "إننا نرحب بقوة بالتجار العرب للإقامة وإبرام صفقات، وسيحظون بكل التسهيلات الممكنة".

ويضيف: "تخطط المدينة لتنظيم سلسلة من المؤتمرات لتنشيط التجارة توجه خلالها الدعوة للمزيد من رجال الأعمال والتجارة العرب لاكتشاف فرص التجارة التي تتيحها، كما نشتغل حاليا على إقامة معرض ضخم للسلع الصينية خلال هذا العام في مدينة دبي بالإمارات العربية المتحدة، والتي أصبحت خلال السنوات الأخيرة قاعدة رئيسية بالنسبة للصين لإعادة تصدير سلعها خصوصا إلى البلدان العربية وإفريقيا".

وبشأن موضوع جودة المنتجات، المشكلة المؤرقة لمشتري السلع الصينية عبر العالم، سعى فو شونغ مينغ للطمأنة قائلا: "لم تكن في السابق غالبية السلع جيدة، لكن هذا الأمر تغير مع السنوات وأصبحت المنتجات المعروضة في المدينة تلقى إقبالا بالنظر لجودتها وسعرها الرخيص، خصوصا وأن الأزمة الاقتصادية العالمية عجلت بانكماش الأسواق التي كانت تعرض منتجات غالية".

وتستقطب إيوو سنويا عشرات الآلاف من التجار من مختلف الجنسيات من بينهم آلاف العرب والأفارقة، يزورونها لفترات متقطعة على مدار العام، وخلال الأشهر الثلاثة الأولى من العام الجاري زارها 50 ألف أجنبي من بينهم أكثر من 22 ألفا من البلدان العربية وإفريقيا حسب معطيات دائرة العلاقات الخارجية بالمدينة.

وتشتهر إيوو الواقعة في مقاطعة تشجيانغ شرقي الصين بكونها مدينة بيع السلع الصغيرة والرخيصة، حيث تتوفر على معارض دائمة طيلة العام، وبدأت تعرف بفعل الأزمة الاقتصادية العالمية الراهنة مشاكل تصدير بفعل تباطؤ الطلب العالمي.

وتقول سلطات المدينة إنها تسعى لمواجهة الطلب المتراجع من الولايات المتحدة وأوروبا بتوسيع المنافذ في إفريقيا الشمالية والشرق الأوسط وأفريقيا وأمريكا اللاتينية، والأسواق الناشئة الأخرى مثل الهند وروسيا والبرازيل.

واعتبر وانغ يون تسو، نائب رئيس جمعية الصداقة العربية الصينية، الذي تحدث في ندوة إيوو أن المقاولات الصغيرة والمتوسطة هي في الواقع الأكثر تضررا من الأزمة العالمية، حيث أغلقت الآلاف منها أبوابها، لكن هناك آفاقا لتطوير العلاقات التجارية مع العالم العربي الذي أصبح يقبل بشكل كبير على السلع الصينية. وأضاف: "العلاقات التجارية بين الصين والعرب تتطور بشكل كبير جدا فقد بلغت المبادلات 8ر132 مليار دولار أمريكي العام 2008 بزيادة نسبتها 54 في المائة عن 2007".

وبخصوص موضوع جودة المنتجات أقر بكون "بعض الشركات لم تكن تمارس علمها حسب المعايير"، وأضاف أن أعمال "التعريف والدعاية للمنتجات الصينية في العالم العربي لم تكن أيضا كافية".

وقال: "في السعودية والإمارات، وهما أكبر سوقين لبيع المنتجات الصينية في العالم العربي، نلقى رواجا وإقبالا هامين، لكن هناك أيضا بضائع رديئة الجودة تخبرنا الجمارك بها وترصدها الإدارات المعنية".

أما محمد التلايتلي التاجر الفلسطيني المقيم في إيوو لأكثر من عشر سنوات فاعتبر أن مشكلة الجودة "قائمة فعلا وستظل قائمة ما دام هناك مستوردون لا يبحثون عن الجودة ".

ويقول إن المسألة تطرح بالشكل التالي: "كل مبلغ يدفعه المستورد يحصل مقابله على نوعية السلعة المرغوب فيها، والمبدأ هو أن الشركة أو المصنع ينتج السلعة حسب المقابل المادي المدفوع، لذلك نرى أن السلع التي توجه لأوروبا وأمريكا ليست هي السلع التي توجه لإفريقيا أو العالم العربي. هناك مستويات في الجودة وفي المستقبل يتعين القيام بعمل أكثر لتحسين الجودة".

وقال إن هذا الموضوع يجب أن يعالج على مستوى الحكومات، فهناك آليات رقابة في كل بلد يجب أن تشتغل، لفرض تطبيق واحترام معايير المواصفات والجودة والسلامة المفروض توفرها في كل منتج يدخل الحدود.

إبراهيم الحاج، يمني يقيم بالمدينة بعد أن قدم طالبا إلى الصين قبل 15 سنة وأصبح لاحقا صاحب مكتب وساطة تجارية يقول: "قواعد تعامل جزء كبير من التجار العرب غير سليمة وغير وطنية كذلك. البعض يأتي بحثا عن السلع المقلدة، وآخرون يبرمون صفقات منتجات معينة بمواصفات يحددونها هم، ويوجهونها لأسواقهم المحلية، وهذا محض تزوير في الواقع يكتوي بناره المستهلك المحلي وقد فقد كثيرون حاوياتهم في موانئ العبور بأسبانيا ومالطا بعد أن ضبطتها الجمارك مملوءة ببضائع مزورة من قبيل الأحذية الرياضية ومواد التجميل والمساحيق والملابس وغيرها. هناك سلع رديئة الجودة بالطبع تصنع هنا، لكن الأخطر هو جشع التجار الذين يبحثون عنها ويطلبون إنتاجها، وأعينهم تركز فقط على الربح، لا تهمهم مواصفات الجودة أو السلامة ".

عاصمة السلع الصغيرة

الكثير من الرموز في مدينة إيوو، تحيل إلى البيئة العربية؛ لافتات لوحات إشهارية وأسماء شركات ومحال تجارية ومطاعم مكتوبة بالعربية إضافة للصينية، شارع كبير بمواصفات عربية يقطنه مئات العرب المقيمون، مساجد، ومترجمون يتحدثون اللغة العربية بالعشرات، غالبيتهم من القوميات الصينية المسلمة.

وتعمل هذه المدينة التي تأسست في العام 1982 كمركز لتجارة السلع الصغيرة، كل شيء لاستقطاب التجار العرب للإقامة وممارسة التجارة، ويوجد بها حاليا نحو 10 آلاف أجنبي من بينهم ما لا يقل عن 4000 عربي أكبرهم الجالية اليمنية التي يقدر عددها بنحو الألف.

ومن المغرب العربي توجد جالية موريتانية هامة بالمدينة يفوق عددها 250، غالبيتهم درسوا في الصين وتعلموا اللغة وفتحوا مكاتب تجارية، وأصبحوا يصنعون سلعا خاصة بأسواق المنطقة ويصدرونها، فيما لا يتجاوز عدد المغاربة والجزائريين والتونسيين العشرين نفرا.

ولا تشجع الصين الهجرة إليها بقدر ما تشجع مواطنيها على الهجرة للخارج والاستيطان هناك، لكنها تجعل المهمة يسيرة للتجار الأجانب للاستقرار في مدنها. إنهم أحد مفاتيح نجاحها الاقتصادي وصلة الوصل لبيع منتجات مصانعها المتعددة الأشكال والألوان إلى بلدانهم الأصلية.

وجعلت الحصول على تأشيرات ووثائق الإقامة أكثر سهولة ويسرا بالنسبة للأجانب خصوصا التجار ورجال الأعمال، وعادة يتطلب الأمر رسالة دعوة من شركة ما للحصول على تأشيرة قد تكون لثلاثة أشهر قابلة للتجديد في مكاتب وساطات بهونغ كونغ مقابل دفع ما بين 200 و500 دولار أمريكي لمضاربين.

ويخضع جميع المقيمين لنظام دقيق صارم، بحيث لا يستطيع أي منهم تجاوز المدة المسموح بها في التأشيرة وإلا أجبر على دفع غرامة عن كل يوم تجاوز 500 يوان (60 دولارا أمريكيا).

وهناك حاليا أكثر من 450 ألف شخص في الصين مع فترات سماح بالبقاء فيها تتراوح ما بين سنة إلى خمس سنوات، وهذا العدد هو ضعف ما كان عليه عام 2003 حيث لم يتجاوز رقم 230 ألف شخص، كما يحمل 700 أجنبي آخر البطاقات الخضراء للإقامة الدائمة والتي تم العمل بها لأول مرة منذ عام 2004.  

في عام 2005 منحت الأمم المتحدة والبنك الدولي إيوو صفة أكبر سوق عالمي للسلع الصغيرة والمتوسطة بالجملة.

يقول فو شونغ مينغ، نائب عمدة إيوو، إن التجار العرب المقيمون في المدينة "يعملون بشكل كبير على التقارب بين الشعبين العربي والصيني إنهم يجددون طريق الحرير الذي ربط قبل مئات السنين الصين بالعالم العربي. يوجد في إيوو أكثر من عشرة آلاف شخص يقيمون إقامة دائمة، وفي مدارسها نحو 400 طفل عربي، ومن بين هؤلاء المقيمين من فتح مكاتب تجارية واشترى منازل وعقارات، ما يعني أنهم مرتاحون هنا ويعملون بجد ونشاط ويكسبون ويربحون الأموال".

وتحتل ثلاث أسواق ضخمة بالمدينة دائمة العرض على مدار السنة مساحة 5ر2 مليون متر مربع، يشتغل فيها أزيد من 200 ألف، بها 62 ألف كشك بيع لنحو 7ر1 مليون سلعة، وإذا زار المرء هذه السوق لفترة ثمان ساعات في اليوم، وتوقف عند كل كشك ثلاث دقائق فسيحتاج لسنة كاملة من أجل الانتهاء من زيارة كل أكشاك السوق.

وأضاف المسؤول الصيني إن كل سنة تخرج من المدينة أكثر من 500 ألف حاوية متوجهة إلى 215 دولة ومنطقة عبر العالم.

وأشار إلى أن هذه المدينة أنشأت أكبر مكتب جمركي في بر الصين الرئيسي، كما أنها أول مدينة في الصين منحت التأشيرات وتصاريح الإقامة للأجانب مباشرة على مستوى المحافظة، وبها 939 مكتبا تجاريا تابعا لمؤسسات أجنبية، من بينها نحو 300 مكتب لتجار عرب.

وتحيط بإيوو عشرات المدن المصانع (نحو 250) كل مدينة منها مختصة في صناعة بذاتها. وترجع سمعة إيوو كمقصد للتجار العرب والأفارقة بالخصوص لنوعية السلع التي تباع بها فهي رخيصة وعادية الجودة، غالبا ما تصنعها مقاولات صغرى ومتوسطة حديثة الإنشاء، وتلقى رواجا في أسواق دول الجنوب.

وخلال السنة الأخيرة أصبحت تعرف توافدا أكثر لتجار من أوروبا والولايات المتحدة وكندا بعد تباطؤ الاستهلاك والاستيراد في تلك البلدان وضعف القدرة الشرائية على المنتجات الغالية والباهظة الثمن.

وتعد المدينة حاليا قطبا هاما للتجارة في المنطقة، وعرفت نهضة شاملة في ظرف وجيز، فبها شبكة طرق لشحن البضائع من وإلى أكثر من 250 مدينة كبيرة ومتوسطة، وخمسة خطوط للسكك الحديدية لشحن البضائع من بينها خط مباشر إلى ميناء نينغبوه لنقل الحاويات (رابع أكبر ميناء في العالم)، وأبرز منشأة افتتحت بها الصيف الماضي هي الجسر الضخم بطول 36 كلم على خليج هانغتشو والذي يعد أكبر جسر من نوعه في العالم على البحر، يربط المدينة بشانغهاي، القطب الصناعي والمالي في الصين، مقلصا المسافة بينهما بنحو 120 كلم.

وأضاف فو شون مينغ أن المدينة تربطها علاقات ودية مع بلدان الشرق الأوسط منذ مدة طويلة، وقال: "أصبحنا في السنوات الماضية نتبنى المصالح المشتركة في التجارة، وفي العام 2008 بلغت صادرات إيوو لبلدان الشرق الأوسط وشمال إفريقيا 14 مليار يوان (1ر2 مليار دولار أمريكي)، ووارداتها منها 3 مليارات يوان (400 مليون دولار أمريكي) في حين بلغت صادراتها لأفريقيا 8ر8 مليار يوان (مليار و300 مليون دولار أمريكي) ووارداتها 7ر1 مليار يوان.

ومضى قائلا: "إننا نتبنى سياسة توجه اقتصاد الصين إلى الخارج ودول الشرق الأوسط من بين أهدافنا، وبيننا تبادلات متنوعة في المجالات الثقافية والسياحية وغيرها، ما يعني أنه بيننا مصالح مشتركة واسعة. وبالنظر للأزمة الاقتصادية العالمية الراهنة نتوقع إبرام شراكات أوسع مع دول أفريقيا والشرق الأوسط سعيا لإقامة شراكات مثمرة وعلاقات مربحة لكلا الطرفين".

 

 

Address: 24 Baiwanzhuang Road, Beijing 100037 China
Fax: 86-010-68328338
Website: http://www.chinatoday.com.cn
E-mail: chinatoday@chinatoday.com.cn
Copyright (C) China Today, All Rights Reserved.

فرع مجلة ((الصين اليوم)) الإقليمي للشرق الأوسط بالقاهرة
رئيس الفرع: حسن وانغ ماو هو
العنوان: 5 شارع الفلاح، المتفرع من شارع شهاب
- المهندسين- الجزيرة- مصر
تليفاكس: 3478081(00202)
  ص.ب208 – الأورمان – الجزيرة – القاهرة – مصر
   الهاتف المحمول: 0105403068(002)
البريد الإلكتروني: kailuofenshe@yaoo.com.cn