ã

تأملات حول جمعية الصداقة الصينية العربية

الدكتور محمد نعمان جلال

في الفترة من 27 إلى 31 أكتوبر عام 2008، عقد الاجتماع الثاني لجمعيات الصداقة العربية الصينية في دمشق

السيد تشين هاو سو، رئيس جمعية الصداقة الصينية مع الشعوب الأجنبية

السيد تيمور داواماتي، رئيس جمعية الصداقة الصينية العربية

 

تمثل الصداقة بين الشعوب إحدى حقائق السياسة الدولية رغم أنها لا تعتبر من الحقائق المادية الملموسة التي تقاس من خلالها قوة الدولة، ولكن بالنسبة للعلاقات العربية الصينية فإن الصداقة تعتبر أحد أعمدة الحركة السياسية للصين وهي أحد مصادر القوة للدول العربية.  ولقد أثبت التاريخ السياسي المعاصر هذه الحقيقة بلا لبس.  ففي إبان أزمة السويس أو بالأحرى العدوان الثلاثي على مصر عام 1956م، وقفت الصين إلى جانب مصر في دفاعها عن وطنها بأربع طرق:

 أولها: التنديد بالعدوان والتعبير عن مساندة مصر ضده من خلال المظاهرات والمسيرات ووسائل الإعلام المختلفة،

 ثانيها: تحريك القوى الشعبية المساندة لمصر في العديد من الدول من خلال منظمة التضامن الأفروآسيوي والتي لعبت من خلالها الصين دوراً هاماً ورئيسياً،

وثالثها: إرسال بعض المساعدات العينية لمصر،

ورابعها: وهو الأهم أنه عندما فرضت الدول الغربية المقاطعة ضد مصر إثر تأميم قناة السويس وقاطعت شراء القطن المصري، مصدر العملة الصعبة - مثل البترول هذه الأيام- قررت الصين شراء القطن المصري، وترددت المقولة الشهيرة المنسوبة لشوان لاي رئيس وزراء الصين آنذاك إنه لو زاد كل صيني طول ملابسه بنصف سنتيمتر فسوف تشتري الصين كامل إنتاج مصر من القطن.

ونتساءل الآن ما دلالة كل ذلك في القرن الحادي والعشرين الذي لا يعترف بالصداقة، وإنما بالقدرات المادية والعسكرية والاقتصادية والتكنولوجية؟

وللإجابة على ذلك، نذكر عدداً من الملاحظات ذات المغزى السياسي لمصر خاصة وللدول العربية عامة:

 الملاحظة الأولى: أن الصين أنشأت منذ نجاح ثورتها الشيوعية جمعية للصداقة مع الشعوب الأجنبية، واعتبرت تلك الجمعية بمثابة وزارة الخارجية على المستوى الشعبي، بل ربما كانت عندما تم إنشاؤها أهم من وزارة الخارجية الرسمية، خاصة في ظل الحصار الغربي ضد الصين والحيلولة دون احتلال مقعدها الطبيعي في الأمم المتحدة حتى عام 1972م، حيث قررت الولايات المتحدة تغيير سياستها، وبذلك استطاعت الصين أن تستعيد مقعدها وتتبوأ عضوية الأمم المتحدة، وتحتل المقعد الدائم في مجلس الأمن.  وينبغي أن نذكر هنا أنه عندما قامت الجمعية العامة للأمم المتحدة بالتصويت لصالح عودة الصين للمنظمة الدولية، فقد دوت الهتافات في أرجاء الجمعية العامة، ووقف بعض مندوبي الدول النامية ومنهم بعض مندوبي الدول العربية فوق مقاعدهم ورقصوا فرحاً بانتصار إرادة الشعوب ضد الهيمنة الأمريكية والغربية.  وهكذا حدث تحول في علاقات الصين الدولية وأصبحت تستخدم تصويتها في المنظمة الدولية لصالح الشعوب النامية، وضد دعاة الهيمنة، ولم تستخدم حق الفيتو إلا في مرات قليلة في قضايا تمس أمن الصين المباشر، واستخدمت التلويح به في مرات عدة للحيلولة دون قيام الولايات المتحدة والدول الغربية بفرض عقوبات ضد بعض الدول النامية مثل حالة زيمبابوي وبعض مواقف خاصة بإيران والعراق والسودان.  ولكن في مرات أخرى لم تستطع الصين الحيلولة دون فرض عقوبات أو تبني قرارات ضد بعض الدول النامية التي زاد تحديها لما يوصف بالشرعية الدولية، وانتهاكها لحقوق الإنسان، وهكذا أصبحت الصين توازن بين اعتبارات كونها عضواً مسئولاً في المجتمع الدولي، وعلاقاتها بالولايات المتحدة وعلاقاتها بالدول الأوروبية ومواقفها المبدئية لمساندة الدول النامية تمشياً مع موقفها المعلن بأنها دولة نامية كبرى.

الملاحظة الثانية: أن الصين حافظت على جمعية الصداقة مع الشعوب الأجنبية بل طورت أنشطتها، وبالنسبة للدول العربية فقد أنشأت الصين في داخل الجمعية الكبرى جمعيات صغرى مثل جمعية الصداقة الصينية العربية، ووضعت على رأسها شخصيات صينية ذات وزن وثقل، وحالياً يترأسها السيد تيمور دوامات السياسي المخضرم من منطقة شينجيانغ ذات الأغلبية المسلمة، وصاحب المواقف السياسية والأفكار الأدبية والشعر الجميل المعبر عن مواقفه في التغني بقومية الويغور التي ينتمي إليها. كما أقامت الصين جمعيات صداقة مع دول كثيرة لا تنتمي لوحدة قومية محددة وهكذا استمرت جمعيات الصداقة الصينية مع الشعوب المختلفة تقوم بعمل موازٍ بل وأحياناً يضيف إلى عمل وزارة الخارجية الرسمية لما يتاح لها من حرية الحركة في إطار المبادئ المقررة للسياسة الخارجية الصينية، وان كانت بعيدة عن القيود البيروقراطية التي تكبل وزارات الخارجية في الكثير من الدول.

الملاحظة الثالثة: حول أنشطة جمعيات الصداقة ومنها الاحتفال بذكرى مرور خمس سنوات على إقامة العلاقات الدبلوماسية مع كل دولة أجنبية، والاحتفال بالمناسبات المهمة للدول الأجنبية، وتبادل الزيارات والوفود الشعبية وشبه الرسمية، وترتيب اللقاءات لها مع كبار الشخصيات الرسمية وغير الرسمية. وقد احتفلت جمعية الصداقة الصينية العربية خلال العام 2009 بمناسبتين مهمتين الأولى تخص مصر وهي ذكرى مرور عشر سنوات على توقيع اتفاقية الشراكة الإستراتيجية بين الصين ومصر، والثانية تخص مملكة البحرين وهي ذكرى مرور عشرين عاماً على إقامة العلاقات بين البحرين والصين. ووجهت دعوة لمركز البحرين للدراسات والبحوث للمشاركة في الاحتفال الأخير، ونظمت عدة لقاءات ومقابلات وزيارات للوفد مع المراكز العلمية والبحثية المناظرة له في الصين ومع الجامعات الصينية حيث تم تبادل للآراء حول الكثير من القضايا الاقتصادية والاجتماعية والسياسة الدولية والقضايا العربية فضلا عن العلاقات الثنائية البحثية والعلمية.

الملاحظة الرابعة: تتعلق بدور الفرد في جمعية الصداقة الصينية العربية، فرئيس كل جمعيات الصداقة الصينية مع الدول الأجنبية هو السيد تشين هاو سو، السياسي المخضرم ونجل الزعيم الصيني البارز والجنرال الذي لعب دوراً هاماً في المسيرة الكبرى للصين حتى تأسيس الصين الجديدة عام 1949م، وهو الجنرال تشين يي. وكذلك السيد تيمور دوامات الذي أهداني عدداً من مؤلفاته الأدبية والسياسية.  أما نواب رئيس جمعية الصداقة مع الشعوب العربية فمنهم السفير يانغ فو تشانغ والسفير وو سي كه، وكانا سفيرين للصين في مصر، والنائب النشيط لرئيس الجمعية السيد حكيم فنغ تسو كو، وهو من أعمدة جمعية الصداقة منذ كان شاباً يافعاً.  والسيدة جيا لينغ المشهورة بالاسم العربي عائشة، وهي أمينة عامة لجمعية الصداقة الصينية العربية، والواقع أن هذه السيدة شعلة من النشاط، تتميز بدماثة الخلق، والتفاني في أداء الواجب بصورة مذهلة، تضحي من أجل عملها على حساب راحتها وأسرتها، وقد لمست ذلك بصورة واضحة في مناسبات عديدة وآخرها أثناء زيارتي للصين ضمن وفد مركز البحرين للدراسات والبحوث.

الملاحظة الخامسة: أن جمعيات الصداقة في الصين مهمتها نشر التعارف والتفاهم بين الشعب الصيني بقومياته الست والخمسين والشعوب الأخرى من خلال ترتيب الزيارات والندوات والمهرجانات، ومن خلال إقامة علاقات تآخي بين المدن الصينية والمحافظات والمقاطعات الصينية ونظيراتها في الدول الأخرى. كذلك نلمس الجهد والعمل المتواصل لبناء أواصر الصداقة، ومع الصداقة تأتي التجارة في السلع والخدمات، وتأتي الثقافة ويأتي التفاهم والتعارف، وهكذا تتحول الأشياء المعنوية غير الملموسة إلى وقائع ملموسة مؤثرة في السياسة الدولية وفي القرارات السياسية للدول المختلفة.

قد أثبتت جمعية الصداقة الصينية العربية بمشاركتها في المنتدى الصيني العربي الذي أطلق في أوائل هذا القرن بمبادرة من رئيس الصين هو جين تاو مع الرؤساء العرب في إطار جامعة الدول العربية، هذه المبادرة المتعددة الأنشطة تضطلع جمعية الصداقة بدور هام في إطارها خاصة بالحوار العربي الصيني على المستوى الحضاري، وبترتيب ندوات ولقاءات لرجال الأعمال وغير ذلك من الأنشطة المتعددة والمتنوعة.

ختاماً نقول التعبير الصيني التقليدي (كم أخ لك لم تلده أمك، ومرحباً بالصديق القادم من بعيد، ولتبقى الصداقة الصينية العربية للأبد).  لأنها صداقة قائمة على المبادئ، ومهما تعاظم دور التجارة والاقتصاد والعلوم والتكنولوجيا فإن إرادة الإنسان وقراراته المبنية في شطر كبير منها على المبادئ والمثل والقيم التي يؤمن بها لها دورها المؤثر في تلك الإرادة وفي قراراتها.

هل تدرك الشعوب العربية والدول العربية أهمية جمعيات الصداقة في إطار الدبلوماسية غير الرسمية، وهل يمكنها الاستفادة من التجربة الصينية؟ إننا ما نزال في بداية المشوار، وأنا عضو في عدة جمعيات صداقة مصرية مع شعوب من دول عدة، ولكن معظمها شبة نائم في العسل، ونشاطه محدود لأسباب عديدة، وحبذا لو أدركت الدول العربية قيمة جمعيات الصداقة ودورها في إطار المسار الثنائي لعلاقات الدول، وهو المسار غير الرسمي الذي يذلل كثيراً من الصعاب والعقبات، ولا ننسى أن دبلوماسية البينغ بانغ لعبت دورها في حلحلة القطيعة في العلاقات الصينية الأمريكية، وأن جمعية الصداقة الصينية اليابانية لعبت دوراً في علاقات البلدين في ظل القطيعة الدبلوماسية الشاملة، وأن جمعية الصداقة الصينية العربية ترعى قضية فلسطين وتقيم احتفالاً سنوياً يوم 29 نوفمبر باسم يوم التضامن مع الشعب الفلسطيني. ونختم بالقول "عاشت جمعية الصداقة الصينية العربية" وتحية من أعماق القلب لرئيسها ونواب الرئيس والأمينة العامة وكافة العاملين والعاملات بها.

 

 

Address: 24 Baiwanzhuang Road, Beijing 100037 China
Fax: 86-010-68328338
Website: http://www.chinatoday.com.cn
E-mail: chinatoday@chinatoday.com.cn
Copyright (C) China Today, All Rights Reserved.

فرع مجلة ((الصين اليوم)) الإقليمي للشرق الأوسط بالقاهرة
رئيس الفرع: حسن وانغ ماو هو
العنوان: 5 شارع الفلاح، المتفرع من شارع شهاب
- المهندسين- الجزيرة- مصر
تليفاكس: 3478081(00202)
  ص.ب208 – الأورمان – الجزيرة – القاهرة – مصر
   الهاتف المحمول: 0105403068(002)
البريد الإلكتروني: kailuofenshe@yaoo.com.cn