كانت العلاقات غير الرسمية التي جمعت بين الصينيين والعرب منذ ما قبل وخلال فترة طريق الحرير القديم، الأطر التي نشأت فيها وتطورت العلاقات الرسمية بين الشعبين العريقين. كان ثمة تواصل إنساني بين التجار الصينيين والعرب وتبادلات، كانت تتعمق أحيانا باتخاذها أنماطا من روابط المصاهرة والشراكة التجارية والتبادل المعرفي والدخول في عقيدة الآخر، مما أدى إلى ظهور الصينيين المسلمين، الذين تخلد الصين هذه الأيام ذكرى واحد منهم، كما في مقالة العلامة الشيخ لي هوا ين "مئوية المؤرخ الصيني المسلم باي شو يي". هذا النوع من العلاقات الذي اصطلح على تسميته حديثا بالدبلوماسية الشعبية ظل حاضنا وراعيا للعلاقات الصينية- العربية على مر العصور، برغم تطور وتنوع أدوات التواصل وتشابك العلاقات وتشعبها وتعقدها.

ومازال هذا الشكل من العلاقات التي تتجاوز الأنماط الرسمية يلعب دورا بالغ الأهمية في العصر الحديث من خلال وجود جاليات صينية يتزايد عددها في الدول العربية، تحمل معها إلى مقاصدها ثقافة الصين وعاداتها وتقاليدها إلى جانب منتجاتها، ومن بينها الذهب، كما في تحقيق الزميل عادل صبري، "الذهب الصيني.. هدية شباب العرب لعروس الأحلام"، ومن خلال وجود جاليات عربية تنمو بشكل لافت في العديد من المدن الصينية، التجارية خاصة، ومنها مدينة إيوو، بمقاطعة تشجيانغ، وفقا للتفاصيل التي يجملها تقرير الزميل عبد الرزاق طريبق، "قطب تصديري صيني يشجع توافد مزيد من التجار العرب".

وقد انتبهت الصين الجديدة منذ تأسيسها إلى أهمية البعد الشعبي في علاقاتها الخارجية، فتأسست سنة 1954 جمعية الشعب الصيني للصداقة مع الشعوب الأجنبية التي أنشئت في إطارها جمعية الصداقة الصينية- العربية  في شهر ديسمبر سنة 2001، والتي تلعب دورا لا غنى عنه في تعزيز العلاقات الصينية- العربية من خلال جمعيات الصداقة الثنائية التي تقيمها مع كل الدول العربية تقريبا ومن خلال التعاون الجماعي مع المجموعة العربية في إطار جامعة الدول العربية. ونشير هنا إلى أن جمعية الصداقة المصرية- الصينية كانت من أوائل جمعيات الصداقة بين دول العالم والصين عندما أنشئت سنة 1956 تحت اسم "جمعية الصداقة العربية -الصينية".

في هذا العدد يستعرض السفير الدكتور محمد نعمان جلال رؤاه وتقييمه لجمعية الصداقة الصينية- العربية في مقالته "تأملات حول جمعية الصداقة الصينية العربية".

في هذا العدد أيضا، نغوص بك عزيزي القارئ، في أعماق الثقافة الصينية الشعبية، من خلال رحلة في "تايوان.. تاريخ وعادات وقبائل ترفض الاندثار" وإطلالة على "الخزف الأسود.. اختراع صيني أتى مصادفة"، والتعرف على "شعب يأكل.. رحلة الصينيين من قرقرة البطون إلى شرب الحليب"، ولكن تظل "الثقافة بوابة الصين وخبي الرائعة أولا"، قبل أن نصل إلى "الوجه الآخر.. مرة أخرى".