تشن قن تو وابنه تشن جيون بياو في قاعة العرض لشركة شونبو للقبعات
عاملة في ورشة بشركة شونيو
قاعة العرض لشركة شونبو للقبعات
بنبرة راضية قال تشن قن تو، رئيس مجلس إدارة شركة شونبو المحدودة للقبعات بمقاطعة تشجيانغ: "أعتز بابني، فهو لديه القدرة ليحل محلي في إدارة الشركة، بينما كثير من أبناء أصحاب الشركات العائلية غير مؤهلين لقيادة شركات آبائهم".
الابن الذي يتحدث عنه الرجل الذي خط الشيب شعره، هو الشاب تشن جيون بياو، وهو نموذج لأبناء الجيل الثاني من أثرياء الصين الذين يستعدون لخلافة آبائهم في إدارة شركات عائلية تصل ممتلكات الواحدة منها مئات الملايين، بل مليارات اليوانات. معظم أفراد "الجيل الثاني" ولدوا بعد ثمانينات القرن الماضي وآباؤهم من مؤسسي الشركات الخاصة التي ظهرت بعد تطبيق سياسة الإصلاح والانفتاح في الصين. يقول البريطاني روبرت هووجورفRupert Hoogewerf ، صاحب "قائمة أثرياء الصين" المعروفة باسم "قائمة هورون": "بدأ أفراد الجيل الثاني من الأغنياء أصحاب الشركات يخلفون آبائهم، وهذه الظاهرة ملحوظة أكثر في مقاطعات تشجيانغ وقوانغدو وفوجيان، لأن رجال الأعمال هناك بدءوا تجارتهم مبكرا نسبيا، ولهذا تولى أبناؤهم أعمال تجارتهم أبكر من الأماكن الصينية الأخرى".
ويقول تشن لينغ، رئيس معهد بحوث المؤسسات العائلية في جامعة تشجيانغ إن الخلافة الفعالة والسليمة لإدارة الشركات تحتاج إلى وقت، موضحا أن هذا الأمر صار مشكلة عامة للشركات العائلية في آسيا، والصين تفتقر إلى نماذج خلافة من هذا النوع في العصر الحديث، مثلها مثل الاقتصادات الناشئة الأخرى".
التعلم واللامركزية
يعتقد تشن جيون بياو أن عمله في شركة عائلته قدر محتوم، فالشاب ما إن أنهى دراسته الجامعية حتى التحق بالعمل في شركة والده. الاختلاف في حالته عن الوضع في الشركات العائلية الأخرى، هو أن والده لم يمنحه منصبا فوريا في مجلس إدارة الشركة، وإنما أرسله إلى أحد مصانع إنتاج الورق التابعة للشركة لتعلم فنون صناعة الورق، حيث عمل في ورشة المصنع كعامل وكفني لمدة سنة قبل انضمامه إلى مجلس الإدارة.
ومن الطبيعي أن تكون ثمة مفاهيم مختلفة بين الجيلين في إدارة الشركة، فتشن الأب يهتم أكثر بالمشاركة في المعارض التجارية لترويج منتجات الشركة، بينما تشن الابن يرى أن إدخال المفاهيم الإدارية الحديثة إلى الشركة أمر لا يقل أهمية عن المشاركة في المعارض، ويعلق أهمية كبيرة على التسويق الإلكتروني، عن طريق التجارة بين التجار B2B، مستفيدا من مواقع مثل علي بابا (alibaba.com) وصنع في الصين (cn.made-in-china.com) الخ. على الرغم من أن الأزمة المالية العالمية أثرت سلبيا على صادرات الشركة، ما زال تشن الصغير يتلقى طلبات شراء للقبعات عبر مواقع التجارة الإلكترونية، مما يزيد حجم الصادرات ويخفف تأثير الأزمة. بالإضافة إلى ذلك، يولي تشن الابن اهتماما كبيرا بالتفاصيل عند التعامل مع العملاء، ومن ذلك أن بطاقة اسمه صممها بنفسه بطريقة فريدة على العكس من والده الذي يحمل بطاقات مصممة بالطريقة التقليدية، وبذلك فإن تشن الابن يترك انطباعا عميقا لدى عملائه.
وفي نمط الحياة يختلف الابن عن الأب، فالأب يكرس كل وقته لشركته، ولكن الابن يأمل أن يخصص يوما كل أسبوع لرعاية أسرته وأن يسافر في رحلة عائلية سنويا. يعتقد الشاب أن الشركة العائلية ينبغي أن تكون منبرا للعاملين بها لإظهار كفاءتهم ومواهبهم، وليست أداة لإدارة موظفيها فقط. يقول: "أتمنى إذا تركت الشركة في يوم ما، يستطيع أحد من غير أفراد الأسرة إدارتها وقيادتها إلى مستقبل واعد." بيد أن أبناء الجيل الثاني ليسوا جميعا مثل تشو جيون بياو، فكثير منهم لا يرغبون العمل في شركات عائلتهم، بل يفضلون فتح شركات خاصة بهم، برغم حقيقة أنهم يحصلون على رأس المال الذي يؤسسون به شركاتهم من العائلة.
تشن قن تو يعتزم أن يترك إدارة الشركة خلال سنتين أو ثلاث سنوات، إذ أنه يثق بقدرة ابنه وابنته على إدارة الشركة بشكل جيد، وقد تولى ابنه معظم أعماله في العام الماضي. منذ سنة 1998، بدأ بتكليف ابنه بمسؤولية شؤون الإنتاج والتسويق بينما تكفلت ابنته بمسؤولية الشؤون المالية. ولم يتدخل الأب في شؤون الإنتاج والتسويق والحسابات منذ سنة 2001. ويعتقد السيد تشن أن تطوير الشركة يحتاج إلى مزيد من الأكفاء المتخصصين، مؤكدا أنه باستثناء ابنه وابنته، لا يوجد شخص آخر من أقاربه في مجلس إدارة الشركة، لإيمانه بأن قبول أقرباء بلا كفاءة وقدرة لا يؤدي إلى تطوير الشركة.
وبالنسبة للقدرة التنافسية لأبناء الجيل الثاني، يعتقد تشن لينغ أن العائلات التي لديها شركات تربي رجال أعمال ممتازين، والفضل في ذلك يرجع إلى البيئة المحيطة وتربية الأسرة وتقاليدها في ممارسة التجارة، بل والجينات الموروثة من الأسرة. ويقول إن أبناء الجيل الثاني يمكنهم تعلم تجارب الإدارة من الأسرة إضافة إلى الثروة التي يرثونها. كل ذلك يجعلهم مؤهلين لتجاوز آبائهم ما دامت شركاتهم موجودة في بيئة مناسبة للتطور والمنافسة في الأسواق منظمة وعادلة.
مزيد من التجارب
في سنة 2007، حصلت الشابة يانغ هوي يان، وكان عمرها 26 سنة، من والدها على 70% من أسهم شركة حديقة بيقوييوان. الأسهم التي تقدر قيمتها بنحو 16 مليار دولار أمريكي، جعلت يانغ هوي يان أغنى شخص في الصين، وجاءت على رأس قائمة فوربس لأثرياء بر الصين الرئيسي، وقائمة هورون لأثرياء الصين سنة 2007.
بسبب الأزمة المالية العالمية وانكماش سوق العقارات الصينية، أظهر التقرير السنوي للشركة لعام 2008 خسارة فادحة لاستثمارات الشركة في المشتقات المالية، وانخفض سعر سهمها من 14 دولار هونغ كونغ عندما وصل أعلى مستوى له في أكتوبر 2007، إلى نحو دولار هونغ كونغ فقط في أكتوبر عام 2008. خلال سنة واحد، تراجعت قيمة أسهمها بنسبة أكثر من 90%.
إن الأزمة المالية تشكل تحديا كبيرا لأبناء الجيل الثاني الذين حلوا محل الجيل الأول في قيادة الشركات العائلية. أفراد الجيل الأول بدءوا التجارة قبل انضمام الصين إلى منظمة التجارة العالمية، ولكن أبناء الجيل الثاني يواجهون بيئة مختلفة وأكثر تعقيدا. يقول تشاو مين، مؤسس شركة أدفيث للاستشارات الإدارية ببكين Adfaith Management Consulting Inc.: "إن معظم الشركات الخاصة تعمل في صناعات ذات عائد منخفض، وهذا الوضع قد يؤدي إلى منافسة قصيرة الأجل بين الشركات المنتجة لهذه الصناعات، كما أنه غير ملائم لتطوير السوق الصينية والمنافسة الطويلة الأجل. لذا ينبغي على أفراد الجيل الثاني أن يتقنوا قواعد منافسات السوق في المرحلة الحالية من أجل إبراز المزايا التنافسية لشركاتهم. وعليهم أن يحترموا الحكمة الجماعية دون الاعتماد على ذكائهم فقط لمواجهة الأزمة المالية".
ما جين لونغ، رئيس جمعية ونتشو الاقتصادية والأستاذ بجامعة ونتشو، باحث متخصص لفترة طويلة في المؤسسات الخاصة بونتشو. يعتقد أن أبناء الجيل الثاني نشئوا في بيئة متفوقة ولم يعانوا من الضغوط المعيشية مثلما عانى آباؤهم في بداية ممارسة التجارة. غير أن السعي إلى "تحقيق الذات" يمثل ضغطا عليهم، كما أن منافسات السوق صارت أشد شراسة.
تشاو تسى كان، مؤسس شركة كيوتك Cutech المحدودة للتكنولوجيا بمدينة شيجياتشوانغ والمدير التنفيذ لها، والمولود سنة 1981 لديه كثير من الأصدقاء من الجيل الثاني لأغنياء الصين. يقول إن ثمة أمرين مزعجين له ولهم: الأول، ضغوط التكيف مع الشركة العائلية، فمعظم أبناء الجيل الثاني من الأثرياء، ما إن أنهوا دراساتهم في الجامعات الغربية حتى تسلموا وظائف في شركة عائلاتهم، ولكن يصعب عليهم التعرف على إنتاج وإدارة الشركة كما أنه من العسير أن يخلفوا آبائهم في إدارة شركاتهم في وقت قصير. الثاني، صعوبة تطبيق ما درسوه من علوم ومفاهيم في إدارة شركاتهم، إذ يوجد اختلاف كبير بين البيئة التجارية في الصين وفي الدول الغربية.
من أجل مساعدة أبناء الجيل الثاني لمواجهة الأزمة المالية الحالية، يقترح تشاو مين على أفراد الجيل الأول أن يتعلموا من رجل الأعمال لي كا شينغ، الذي أعد معاونين لديهم خبرات ووضعهم في مجلس الإدارة لمساعدته، معتقدا أن ذلك وسيلة جيدة لمعالجة الأزمة المالية ومساعدة الشركات على تحقيق التطور السليم.
اختيارات متعددة
أجرى تشن لينغ، رئيس معهد بحوث المؤسسات العائلية بجامعة تشجيانغ، دراسة للمؤسسات الخاصة في ثماني مدن ومحافظات بمقاطعة تشجيانغ، حيث وجد أن ثلثي المؤسسات الثلاثمائة واثني عشر التي درسها تنتمي إلى الشركات العائلية. ويقول روبرت هووجورف إن متوسط عمر أثرياء الصين في قائمة هورون لأثرياء الصين 46 سنة، ووفقا للتقاليد الصينية، يتقاعد الفرد عن العمل في سن الستين، ومن ثم فإن فترة من 10 إلى 20 سنة القادمة هي فترة تقاعد الجيل الأول، أي فترة الذروة لتولي الأبناء مكان الآباء.
يقول تشنغ تشن آي، رئيس جمعية الملابس الجاهزة في ونتشو، إن ابنته رفضت تولى إدارة شركته، ولم يحاول هو إجبارها على ذلك. يفضل كثير من أفراد الجيل الثاني العمل في الصناعات الحديثة مثل الإنترنت والمعلومات والفن الخ، وتعمل ابنته حاليا في تصميم الإعلانات. يعتقد السيد تشنغ أن كثيرا من أفراد الجيل الثاني يرفضون تولي إدارة شركات أسرهم لأن معظم الشركات العائلية تعمل في صناعات منخفضة العائد. على سبيل المثال، معظم الشركات العائلية في ونتشو تعمل في صناعة الملابس الجاهزة والأحذية والقبعات الخ. في حين أن معظم أفراد الجيل الثاني تلقوا تعليما جيدا ولديهم القدرة على العمل في صناعات أعلى نسبيا. وقال إن معظم رجال الأعمال يرحبون بأن يمارس أبناؤهم الأعمال التي يريدها الأبناء.
يقول المثل الصيني، "الثروة لا تنتقل ثلاثة أجيال"، وتشير الأرقام إلى أن متوسط عمر الشركة العائلية 24 عاما، و30% منها ينجح في الانتقال إلى الجيل الثاني، و13% منها ينجح في الانتقال إلى الجيل الثالث.
الخبرة والتجربة أهم من نقل الثروة، وربما نقل الوعي بالمسؤولية الاجتماعية والعمل الخيري أكثر أهمية. في التاسع عشر من فبراير عام 2009، أعلن تساو ده وانغ، رئيس مجلس إدارة مؤسسة فوياو لصناعة الزجاج، التبرع بسبعين في المائة من أسهم مؤسسته أي بنحو 3ر4 مليارات يوان لإنشاء مؤسسة خيرية، يخصص عائدها للتعليم والقضاء على الفقر والإغاثة في الكوارث والشؤون الدينية وغيرها من الأعمال الخيرية.