الأستاذ باي شو يي (اليمين) مع الكاتب لي هوا ين (اليسار)

المؤرخ الصيني باي شو يي

الأستاذ باي شو يي (الوسط في الصف الأول) مع طلاب تشنغدا للمعلمين بمدينة قويلين سنة 1938

الأستاذ باي شو يي في بيته

كتاب ((تاريخ الصين العام)) المكون من 22 مجلدا

في التاسع عشر من فبراير للسنة التاسعة بعد المائة التاسعة عشرة للميلاد استقبلت أسرة باي المسلمة التي تنتمي لقومية هوي ابنها شو يي. نشأ الطفل باي شو يي في مدينة كايفنغ بمقاطعة خنان، حيث أمضى سني حياته الأولى التي تشرب خلالها حب العلم والوطن، وواصل مسيرته حتى صار مؤرخا ومفكرا ومعلما وناشطا اجتماعيا مرموقا.

 

البداية، أستاذ طيب

من التقاليد الحميدة للصينيين الاهتمام بتعليم أبنائهم واحترام الأساتذة. وقد أرجع الأستاذ باي شو يي الفضل في أنه صار مؤرخا إلى معلم وصفه بأنه طيب القلب، قابله في صدر شبابه. 

كان الحكماء من الصينيين المسلمين من أبناء قومية هوي بكايفنغ، أقاموا في السنوات الأخيرة لفترة أسرة تشينغ الإمبراطورية والسنوات الأولى لجمهورية الصين مدرسة إعدادية إسلامية في بجانب مسجد دونغداسه في مدينة كايفنغ لتعليم أبناء المسلمين في المدينة. كان باي شو يي أحد تلاميذ هذه المدرسة التي تعلم فيها اللغة العربية وتدرب على الووشو (الكونغ فو). كما ساعدته عمته على تعميق دراسته وفهمه للغة العربية و((القرآن الكريم)). وقد قال باي تشي ده، الابن الثالث للأستاذ باي شو يي: "استنار قلب أبي بما درس من المعارف الإسلامية في طفولته في كايفنغ، فأحب قومية هوي وبلدته، عقد العزم منذ ذاك على بذل جهوده لخدمة وطنه." بعد أن كبر باي شو يي، بدأ بدراسة الكتب الكونفوشية. وفي عام 1920 طلبت أسرته من المعلم ليوي، ابن قومية هوي، أن يكون معلما خاصا له في البيت. عندما بلغ الصبي باي شو يي الرابعة عشرة من عمره التحق بإحدى مدارس الإرساليات للكنيسة الإنجيلية، وعندما سأله مدير المدرسة الكندي الجنسية عن سبب رغبته في الدراسة بها قال باي شو يي: "تعلم اللغة الإنجليزية، فإذا عرفت الإنجليزية، يمكن أن أقرأ الكتب الإنجليزية، أريد توسيع رؤيتي ومعرفة العالم."

درس باي شو يي أربع سنوات في مدرسة الإرسالية التي كان التعليم فيها أفضل كثيرا من نظام التعليم الصيني ونظام التعليم لقومية هوي في ذلك الوقت. درس باي شو يي اللغة الإنجليزية والعلوم الحديثة في المدرسة، فاستفاد من ذلك في بحوثه ودراساته فيما بعد. ولكنه لم يغير عقيدته، فقد ظل طول حياته مؤمنا بالإسلام وملتزما بتعاليمه.

في سنة 1926 التحق بجامعة ونتشي بشانغهاي، وفي سنة 1929 درس بمعهد العلوم التقليدية الصينية لجامعة يانجينغ، حيث درس على يد علماء كبار مثل فنغ يوي لان وجي ون فو وهوانغ سي تونغ وشيوي دي شان.

 

مسيرة حياته وإنجازاته

عمل باي شو يي معلما في مدرسة تشنغدا للمعلمين بمدينة قويلين واشتغل بالتدريس في جامعة يوننان وجامعة تشونغيانغ (جامعة نانجينغ حاليا). في سنة 1949 تولى البروفيسور باي شو يي عمادة كلية التاريخ بجامعة المعلمين في بكين، وقد شغل هذا المنصب أكثر من ثلاثين سنة.

درس الأستاذ باي شو يي تاريخ الصين وتطور علم التاريخ في الصين وتاريخ المواصلات بين الصين والبلدان الأجنبية، وقام بالبحث العلمي أيضا. ولعل من أبرز إنجازات الأستاذ باي شو يي بحوثه في تاريخ الإسلام بالصين وتاريخ قومية هوي، إذ كان أول مؤرخ بحث في هذين المجالين. زار الأستاذ باي شو يي أماكن تجمع أبناء قومية هوي في كل ركن من الصين للاستطلاع وجمع المعلومات والسجلات. وكان من أصدقائه المسلمين علماء كبار مثل ها ده تشنغ ودا بو شنغ ووانغ جينغ تشاي وما سونغ تينغ وبانغ شي تشيان وما جيان الخ. ويعتبر باي شو يي العالم الصيني الأول في بحوث تاريخ الإسلام بالصين وقومية هوي. في الفترة من سنة 1939 حتى سنة 1949، أنجز مؤلفاته ((موجز تاريخ قومية هوي)) وكتاب ((منهاج تاريخ الإسلام في الصين)) و((مشاهدات حادثة يوننان – من سنة 1851 – 1862)) وغيرها. بعد تأسس الصين الجديدة، كتب ((الحياة الجديدة لقومية هوي)) و((انتفاضة قومية هوي)) و((قومية هوي.. غابرها وحاضرها)) الخ. بطلب وزارة التعليم الصينية ألف الكتب الدراسية لتطور علم التاريخ في الصين من سنة 1961 إلى سنة 1965، ونشر بعض المقالات حول تطور علم التاريخ في الصين. واشترك في مراجعة ((24 سجلا تاريخيا))، وكانت له مساهمات قيمة في علم التاريخ الصيني.

خلال مسيرة دراسته وبحوثه في علم التاريخ لاحظ افتقار الصين إلى المراجع التاريخية الشاملة والكبيرة. في سنة 1972 اقترح رئيس مجلس الدولة شو ان لاي إعداد موسوعة ((تاريخ الصين العام))، فرحب كثيرا بهذا الاقتراح، وأنجز ((موجز تاريخ الصين العام)) و((ملحق موجز تاريخ الصين العام)). وقد تُرجم هذان العملان إلى اللغات الإنجليزية والفرنسية واليابانية والأسبانية.

حضر الأستاذ باي شو يي مراسم إعلان قيام جمهورية الصين الشعبية بصفته عضوا بالمؤتمر الاستشاري السياسي للشعب الصيني، ثم أصبح عضو اللجنة الدائمة للمجلس الوطني لنواب الشعب من الدورة الثالثة إلى الدورة السادسة. بفضل شهرته، عين نائبا لرئيس الجمعية الإسلامية الصينية، وحضر العديد من المؤتمرات في الدول الإسلامية كمؤرخ صيني مسلم. في مجال التعليم والبحث العلمي، كان دقيقا، تمسك بآرائه واحترم آراء آخرين.

 

ثمار في خريف العمر

عندما بلغ الأستاذ باي الستين من العمر تقاعد من عمله الرسمي، وفي سن السبعين توهج الإبداع العلمي له، فبرغم بعض العلل الصحية اشترك في مشروع ضخم هو جمع وتأليف وترتيب ((تاريخ الصين العام)). وكان عقد الثمانينات من القرن الماضي فترة إنتاج علمي غزير له، فكتب الكثير من المقالات والكتب مثل ((نظرية جديدة في للسجلات التاريخية)) و((جامع المعلومات الخاصة بتاريخ الإسلام في الصين)) و((التعليم التاريخ وتراث علم التاريخ)) و((مختصر علم التاريخ)) و((سير شخصيات من قومية هوي)) و((تاريخ علم التاريخ الصيني)). أمضى الأستاذ باي شو يي ستين عاما يبحث في علم التاريخ، وهو المؤسس لعلم تاريخ الإسلام في الصين وتاريخ قومية هوي، وحقق إنجازات كثيرة في مجال تاريخ الصين وتاريخ علم التاريخ الصيني.

أكد الأستاذ باي شو يي أن علم التاريخ لا يبحث في أحداث الماضي فقط إنما يعطي إضاءات للمستقبل. وآمن بأن الأحداث التاريخية تؤثر في تطور المجتمعات، ومن ثم لابد من البحث في التاريخ لنساهم في تنمية وتطوير مجتمعاتنا.

نفر قليل من العملاء هم الذين يواصلون عطاءهم العلمي في سن السبعين، ولكن الأستاذ باي شو يي أصر على إتمام ((تاريخ الصين العام))، وكان عمره جاوز السبعين سنة. في سنة 1999، صدر ((تاريخ الصين العام)) المكون من اثنين وعشرين مجلدا، ليكون أثمن هدية للأستاذ باي شو يي في عيد ميلاده التسعين. في اليوم الثاني والعشرين من شهر إبريل لسنة ألفين ميلادية، صعدت روح باي شو يي إلى بارئها، عن واحد وتسعين سنة، بعد رحلة طويلة من الإخلاص والتفاني في العمل من أجل نهضة الوطن ورفعة الثقافة الصينية وتطوير قومية هوي. سجل المؤرخ الصيني المسلم باي شو يي اسمه بحروف من نور في صفحات التاريخ الصين.