قصر تشيتشان، الرمز الروحي لتايوان

السكان الأصليون في تايوان يحتفلون بعيد فنغنيان (الحصاد الوفير)

أوبرا قهتساي من أكثر الفنون التقليدية المحببة لأبناء تايوان

شارع قديم  في مدينة جبلية بشمالي تايوان

معبد كونفوشيوس بمدينة تاينان

سائحون في قارب ببحيرة رييويه بتايوان

      تقع تايوان في جنوب شرقي آسيا، تطل على المحيط الهادي ويفصلها عن بر الصين الرئيسي مضيق تايوان الذي لا تتجاوز المسافة بين ضفتيه 140 كم. تتكون تايوان من جزيرة تايوان وجزيرة بنغهوليه وجزيرة ليوداو وجزيرة دياويو وجزيرة لانيو وجزيرة بنغجيا وغيرها، وتبلغ مساحتها الإجمالية 36 ألف كيلومتر مربع، وتقسم إداريا إلى 25 مدينة ومحافظة.

     تحتل المرتفعات والجبال ثلثي مساحة جزيرة تايوان التي تنحدر تضاريسها من الشرق إلى الغرب، الجبال ثم التلال ثم السهول. أشهر الجبال في تايوان هو جبل آلي الذي يعتبر رمزا للملامح التايوانية الجميلة. يمر بوسط جزيرة تايوان مدار السرطان، ولهذا فمناخها مداري في الجنوب وشبه مداري في الشمال.

     في أوائل القرن الـسابع عشر الميلادي، غزا الهولنديون والأسبان شواطئ تايوان وفي سنة 1624 طرد الهولنديون الأسبان، فصارت تايوان كلا مستعمرة لهم. في إبريل سنة 1661، قاد البطل القومي تشنغ تشنغ قونغ 25 ألف جندي ومئات السفن الحربية و طرد المستعمرين الهولنديين بعد عشرة شهور من النضال. في نهاية القرن التاسع عشر شنت اليابان حرب "جياوو" على الصين التي انتهت بهزيمة حكومة أسرة تشينغ وتنازلها عن تايوان لليابان. في أغسطس عام 1945، بعد هزيمة اليابان في الحرب العالمية الثانية أعيدت تايوان إلى الصين.

في ستينات القرن الماضي شهدت تايوان قفزة اقتصادية، وقد سميت مع كوريا الجنوبية وسنغافورة وهونغ كونغ بـ"الأربعة تنانين الآسيوية الصغيرة". وصارت السياحة من ركائز اقتصاد تايوان.

    تحمل تايوان ألقابا كثيرة منها "موطن الأرز" و"المستودع الشرقي للسكر " و"عاصمة الفواكه" و"بحر الغابات" و"مخزن الملح بالجنوب الشرقي" و"مملكة الفراشات" و"عالم المرجان" و"قرية الأسماك". تتمتع تايوان بموارد سياحية غنية، فبالإضافة إلى مناظرها الطبيعية الرائعة، تحتضن آثارا تاريخية وثقافية باهرة، وتزخر بالفنون الشعبية وسحر الأقليات القومية.

ماضي تاينان في قلعة

      تاينان من أقدم مدن تايوان وكانت مركزا ثقافيا وعسكريا وتجاريا في القرن السابع عشر، ومن ثم كان طبيعيا أن تقام بها قلعة.  بنى المستعمرون الهولنديون قلعة آنبينغ سنة1634 وأطلقوا عليها اسم"حصن زيلانديا". داخل الحصن كانت هناك مدينة مربعة الشكل استخدمها المحتلون الهولنديون كمقر رئيسي لهم، بينما كانت المدينة الخارجية المستطيلة الشكل مخصصة للتجار الأجانب. في سنة 1661 بعد أن طرد تشنغ تشنغ قونغ المستعمرين الهولنديين، غير اسم الحصن إلى آنبينغ، وهو نفس اسم مسقط رأسه في مقاطعة فوجيان.

     تاينان حاليا هي رابع أكبر مدينة في تايوان، وتحولت قلعة آنبينغ بها إلى متحف ثقافي. برغم اختفاء زخارف القلعة وأثاثها القديم، تحكي أسوارها الممتدة سبعين مترا وشجر الأثاب القديم بها تقلبات التاريخ. ويقال إن القرميد الأحمر المرقش الغامق المستخدم في بناء أسوارها جلبه الهولنديون من إندونيسيا، أما القرميد الأحمر الفاتح، فنقله تشنغ تشنغ قونغ من مقاطعة فوجيان.

أصداء النصر في تشيتشيان

قصر تشيتشيان الذي يقع مقابل قلعة آنبينغ هو "الرمز الروحي" لمدينة تاينان. يقال إنه أول مكان استولى عليه تشنغ تشنغ قونغ في معركته ضد المستعمرين الهولنديين، بعد ذلك اختار تشنغ المنتصر القصر ليكون مركز عملياته. في ساحة القصر تمثال  يخلد ذكرى تسلم تشنغ خطاب الاستسلام من المحتلين. وهنا يوجد أيضا معبد يانبينغجيونوانغ الذي أقيم قبل ثلاثمائة سنة إحياء لذكرى تشنغ تشنغ قونغ.

يُكن أبناء تايوان تقديرا كبيرا لتشنغ تشنغ قونغ ومنحوه لقب "الملك المقدس مؤسس تايوان" وتقام طقوس التعبير عن التبجيل والاحترام له في التاسع والعشرين من إبريل والسابع والعشرين من أغسطس كل سنة برعاية الحكومة المحلية. الآن، يوجد في تايوان أكثر من 200 معبد لتقديم القرابين لتشنغ تشنغ قونغ ويحمل أكثر من 36 طريقا ومؤسسة اسم تشنغ تشنغ قونغ، أشهرها جامعة تشنغ قونغ في تايوان. ومن أجل إحياء ذكرى هذا البطل القومي، أقامت مدينة تاينان سبع دورات من مهرجان تشنغ تشنغ قونغ الثقافي في الفترة من 25 إبريل إلى الثالث من مايو سنويا. وحاليا يقوم مواطن من تاينان بتصنيع سفينة حربية مقلدة لسفن أسطول تشنغ بالحجم الطبيعي. وحرصا على أن تكون هذه السفينة مطابقة تماما للأصل فإنه يستخدم لها خشب الجوز الأصلي بالمدينة، وسوف تعرض خلال مهرجان تشنغ تشن قونغ الثقافي الثامن للمدينة السنة القادمة.

 الكونفوشية في العمارة والرقص

يقع في تاينان أقدم معبد كونفوشي في تايوان. بدأ إنشاء هذا المعبد في فترة يونغلي لأسرة مينغ الجنوبية (1646-1662)، وكان أرفع مؤسسة تعليمية في تايوان أثناء فترة أسرة تشينغ. ومازال الباب الرئيسي للمعبد يحمل لافتة "المؤسسة التعليمية الأولى في تايوان". في السنوات الثلاثمائة الغابرة، أجريت على معبد كونفوشيوس عمليات ترميم كبيرة، وتطورت ملامحه التاريخية تدريجيا حتى صار أكثر مجموعة بنايات تقليدية اكتمالا بالأسلوب المعماري لجنوبي فوجيان في مدينة تاينان.

قاعة داتشنغ في معبد كونفوشيوس بمدينة تاينان هي أهم قاعاته، في وسطها شاهدة قبر "المعلم الحكيم كونفوشيوس". على العارضة الخشبية فوق الشاهدة، تعلق كثير من اللافتات الإمبراطورية الثمينة التي منحها الأباطرة الثمانية في أسرة تشينغ للمعبد. كما توجد بها شاهدات قبور تلاميذ كونفوشيوس النابغين الاثنين والسبعين وكبار الشخصيات من الأسلاف في القاعتين الشرقية والغربية على جانبي قاعة داتشنغ. المعبد به أكثر من 30 لوحة حجرية مختلفة الحجم تعتبر شاهدا لتاريخ معبد كونفوشييوس.

بين مدرسة تشونغيي الابتدائية ومعبد كونفوشيوس جدار واحد. كل يوم بعد الغداء يقوم طلاب مختارون من الصف السادس الابتدائي بالمدرسة بعمل بروفات رقصة المهارات الست. اعتقد كونفوشيوس أن ثمة ستة منجزات ضرورية للفرد المهذب والقادر، وهي منجزات تتطلب مهارة ومعرفة، وهذه المهارات هي آداب التعامل، الموسيقى، الرماية، الرياضة البدنية والأدب والرياضيات.

حماية التراث من الانقراض

    أوبرا قهتساي هي أكثر فنون المسرح التقليدية شعبية وانتشارا في تايوان. في نهاية فترة أسرة مينغ وأوائل بداية فترة أسرة تشينغ، انتقلت مع المهاجرين من تشانغتشو في مقاطعة فوجيان إلى تايوان أغنياتهم ورقصاتهم التقليدية وامتزجت مع الفنون الشعبية المحلية فظهر شكل فني جديد يجمع بين لهجة جنوبي فوجيان والأغنيات الأصلية لمحافظة إيلان في شمال شرقي تايوان، ثم عاد هذا الفن إلى مقاطعة فوجيان. من أجل الحفاظ على هذا الشكل الفني الشعبي وتطويره، أنشأت محافظة إيلان ناديا لأوبرا قهتساي سنة 1990.

 عند الحديث عن أوبرا قهتساي لابد أن نشير إلى موظفة في الإدارة الثقافية لمحافظة إيلان اسمها تشنغ ينغ تشو علمت أوبرا قهتساي قبل عشر سنوات. في سنة 2002، بتشجيع منها وغيرها من المتحمسين لأوبرا قهتساي أقام نادي أوبرا قهتساي دورات تدريبية وتعليمية للكبار وللأطفال في الأوبرا. عن ذلك تقول: "نحن نفي بواجبنا تجاه نقل تراثنا الثقافي إلى الأجيال الجديدة، وجيل الصغار يجب أن يبدأ بالأساسيات".

يحضر الأطفال فصول دورات قهتساي لأسباب متنوعة. تقول تشن تشوه شيوان، 12 سنة، إن ذلك قد يساعدها في التخلص من القلق الذي ينتابها في حضور جمهور كبير من الغرباء. ولكنها تدريجيا وقعت في غرام الأوبرا نفسها. ويقول وو يونغ تشي، تلميذ بالصف الأول الإعدادي، إنه في البداية شاهد عرضا عندما كان برفقة أمه في الفصل، وبسرعة  أبدى اهتمام شخصيا بالأوبرا وبدأ حضور الدروس رسيما قبل ست سنوات.

في إيلان توجد عروض قهتساي منتظمة يقوم بها الأطفال، يستهدف معظمها السياح. وهذه العروض مصممة لتكون أكثر تفاعلية مع المتفرجين ومطعمة بإشارات من الحياة اليومية.

موطن الحرفيين

تشتهر بلدة لوقانغ لمحافظة تشانغهوا بوسط تايوان بالمشغولات والحرف الفنية اليدوية. ويقال إنه قبل حقبة السبعينات في القرن الماضي، كانت العروس في تايوان تتباهى فخرا إذا كان أثاث بيتها الجديد مصنوعا في لوقانغ. تشمل الأعمال اليدوية الشهيرة الأثاث وتماثيل الإلهات والمشغولات القصديرية والفوانيس وغيرها.

داخل وخارج دكان وودونهو للفوانيس في شارع تشونغشان ببلدة لوقانغ، تعلق الفوانيس الورقية المختلفة الشكل والحجم. صاحب الدكان، وو دون هو، الذي جاوز عمره الثمانين بست سنين، رجل أصم فقد سمعه قبل ثلاث وسبعين سنة، ولكنه صار خبيرا في صنع الفوانيس بكفاءته العالية وصبره الجميل. ترجع أصول صناعة الفوانيس إلى مقاطعة فوجيان، وهناك مدرستان للفوانيس؛  تشيوانتشو وفوتشو، الفرق بينهما هو هيكل الفانوس. يؤمن وو دون هو بأن الثقافة الصينية التقليدية ثقافة موسوعية ذات جاذبية خاصة وينبغي التمسك بها والحفاظ عليها ونقلها من جيل إلى جيل.

الثقافة الأصلية

يبلغ عدد سكان تايوان حوالي 23 مليون نسمة، 2% منهم مواطنون أصليون، ويقصد بهم أبناء القوميات التي استوطنت هذا المكان أولا، وهؤلاء يقدر عددهم بنحو 430 ألف نسمة.

يوجد في محافظة تايدونغ بتايوان أكبر تجمع للسكان الأصليين، إذ يقطنها نحو ثلثهم، وينتمون لست قوميات أصلية منها قومية آمي. ويعد جبل دولان الموطن الأهم للسكان الأصليين، حيث يعيش فيه أبناء العديد من القوميات الأصلية. ويقدس أبناء قوميتي بينان وآمي هذا الجبل. ومازال بعض أبناء السكان الأصليين محتفظين بنمط الحياة والموسيقى والحرف اليدوية الأصلية.

مازالت مستوطنات السكان الأصليين متمسكة بنظام الطبقات الاجتماعية والألقاب، مثل شيخ القبيلة، المحارب والعراف. دو دوي تيان هو شيخ قبيلة آمي. غطاء رأسه المزين بقرون الماعز وأنياب الخنزير البري وريش التدرج يميز هذا الرجل القوي البنية عن الألفي فرد العاديين الآخرين من أبناء آمي في القرية. يقول دو حزينا: "الثقافة القديمة لقبيلتنا تحتضر. عندما كنت صبيا أخبرني جدي أن أسلافنا كانوا يصنعون الملابس من لحاء الشجر. ولكن هذا الأسلوب اندثر مع الزمن". الجيد أن كبار السن من أبناء القبيلة استطاعوا استعادة هذه الحرفة بعد عشر سنوات من التجارب.

شهدت السنوات الأخيرة عودة المزيد من أبناء القبائل إلى مواطنهم في جبل دولان، ومنهم الفنان شي جو سو في، الذي يسعى إلى استلهام أفكار أعماله النحتية. وقد تعمق أفراد آخرون من المجتمعات العرقية المحلية في تراثهم وطوروا أنواعا من الأثاث والحلي وأعمال النسيج الطبيعية، وكلها تحظى بإقبال السائحين.

على الرغم من وجود علامات على انبعاث جذورهم، إلا أن التوجه العام لشباب جبل دولان للخروج من موطنهم لم ينحسر. تواجه كافة القبائل نفس التحدي، إلا وهو كيف يمكن ضمان الحفاظ على ثقافتها وعاداتها. ويتعلق الأمل على أعياد الحصاد السنوية لها والتي يقيمها أبناء القبائل من شهر يوليو إلى شهر سبتمبر. وفقا لهذه الروح، بدأت محافظة تايدونغ سنة 2002 مهرجان ثقافة جبل دولان السنوي في محاولة لتشجيع وتقوية الاعتزاز الشعبي بالثقافة الأصلية. هذا المهرجان يقام لمدة عشرة أيام في شهر أكتوبر سنويا.

بعض القبائل لها لغاتها الخاصة المنطوقة والمكتوبة، ومنها قبيلة تسو. سكان جبل آلي في محافظة جيايي التي تسمى أرض أجداد تسو، ينتمون لقبائل عديدة ويحملون ألقابا عائلية مختلفة. تكون الأحداث الهامة مناسبات لاستعراض الطقوس القديمة للقبيلة، مثل تقديم القرابين للآلهة وبذر البذور والحصاد. قاو ده شنغ، وهو من أبناء تسو، بني كوخا خشبيا في الجبل وأسماه كوخ آيده (المحبة)، يقدم فيه الغناء الشعبي وعروض الرقص. يأمل السيد قاو أن يكون كوخه نافذة على ثقافة وروح تسو. يقول: "من خلال ذلك أعبر عن مشاعري الخاصة وأنهض بمهمتي الاجتماعية. الغرض الأساسي هو نقل ثقافتنا".