ã

على طريق التحول الحضري

شين شين

عمال فلاحون في مدينة ينتظرون الباص للعودة إلى بيوتهم

فتاة في سوق العمال

العامل الفلاح تشانغ يون قانغ يدرس بعد انتهاء عمله

323 عاملا فلاحا يتسلمون شهادات حضور دورة تدريبية بجامعة ليانخه ببكين ومجموعة الهندسة المعمارية ببكين في إبريل عام 2007.

 

يدخل سوق العمل في المدن الصينية جيل جديد من العمال الفلاحين، من مواليد ثمانينات وتسعينات القرن الماضي. شباب في مقتبل العمر تصدمهم حضارة المدينة عندما يهجرون قراهم بحثا عن رزقهم، ويدركون الهوة الواسعة بين واقعهم وبين الأمل الذي يراود خيالهم.

 

المقصد: المدينة

يمثل أبناء جيل ثمانينات القرن الماضي الغالبية العظمى من المائة وثلاثين مليون عامل فلاح في الصين حاليا، ويحملون لقب "الجيل الثاني" من العمال الفلاحين.

رغم أنهم ترعرعوا في أحضان الريف، لا يحب أبناء هذا الجيل الأرض مثلما كان الحال مع من سبقهم من العمال الفلاحين، بل إن بعضا منهم لم يمارس فلاحة الأرض قط. إنهم جيل سياسة الطفل الواحد لكل أسرة، وربما بعضهم له أخ أو أخت، ولكنهم جميعا تمتعوا بظروف تنشئة جيدة عموما، ولاسيما الذكور الذين تدللهم أسرهم منذ صغرهم. مقارنة مع الجيل السابق من العمال الفلاحين، يتمتع جيل الثمانينات بمستوى تعليمي أفضل، فمعظمهم حاصل على الشهادة الإعدادية أو الثانوية. كما أنهم، بفضل توسع التغطية التلفزيونية، على معرفة جيدة بنمط حياة المدن، وتتوفر لديهم، شأن شباب المدن، أحدث المعلومات عبر شبكة الإنترنت. في عام 2007 بلغت نسبة الزيادة السنوية لمستخدمي الإنترنت في الريف 100%، وجاوز عدد مستخدمي الإنترنت في الريف 52 مليونا، معظمهم شباب. من الناحية النفسية، المدينة ليست كيانا غريبا عليهم، بل إنهم يعرفونها أكثر من الريف. فضلا عن أن واقع الحال في الريف وعملية التحول الحضري في الصين تدفعان الأغلبية الساحقة منهم للانتقال إلى المدينة بحثا عن الرزق. بالنسبة للشاب الريفي، الانتقال إلى المدينة بغرض العمل يعني أنه وصل سن الرشد وأصبح رجلا بالغا. غادر كثير منهم قراهم وبلداتهم وبدءوا العمل في المدن بعد إتمام المدرسة الإعدادية أو الثانوية. ومن بين أفراد الجيل الثاني من العمال الفلاحين مجموعة صغيرة من أبناء الجيل الأول الذين ترعرعوا في المدن مع أسرهم التي هجرت إلى المدينة من الريف أيضا.

كان الواحد من أبناء الجيل الأول من العمال الفلاحين يعمل في المدينة لكسب الرزق وتوفير المال، فإن دبر ما يعتقد أنه كاف من المال، يحزم حقائبه ويعود من حيث أتى. أبناء الجيل الثاني، على العكس من ذلك، يأتون إلى المدن ليبقوا فيها، فهم يريدون أن يكونوا من أهل البندر. إنه جيل يواجه وضعا صعبا، كما يقول ليو تشوان جيانغ، نائب رئيس معهد الإدارة الإستراتيجية التابع لجامعة ووهان، فأبناء هذا الجيل لا يستطيعون إجادة فلاحة الأرض إن عادوا إلى الريف، وفي المدينة، إن أرادوا الانخراط في حياتها، يجدون أنفسهم في هوة واسعة بين نمطين جد متباينين من النظم والثقافة.

 

التصادم بين المدينة والريف

المهنيون، من أبناء الريف، هم الأوفر حظا عندما يتعلق الأمر بكسب الرزق في المدينة الصينية. في محافظة لوهتيان بمقاطعة هوبي يجد 95% من الثلاثة آلاف طالب الذين يتخرجون سنويا في المدارس المهنية أعمالا في المؤسسات والشركات الكبيرة الحجم. ويعتقد تيان تشونغ هاي، وهو عامل فلاح من الجيل الأول، أن ولده تيان بينغ البالغ من العمر ثلاثا وعشرين سنة أكثر حظا منه: "إن ابني لم يمارس فلاحة الأرض قط، والتحق بالمدرسة الثانوية المهنية في المحافظة بعد المرحلة الإعدادية وبدأ يعمل في شنتشن بعد تخرجه في المدرسة الثانوية المهنية، وبفضل شهادته ومهاراته يحقق بسهولة دخل شهريا أكثر من أربعة آلاف يوان (حوالي 588 دولار أمريكيا)، وهو مبلغ يساوي دخلي في عدة شهور". وبرغم الأزمة المالية التي أثرت على صادرات الصين من المنتجات الإلكترونية، لم يقل دخل ابنه الذي يعمل في مصنع كبير، ويتمتع بمهارات عالية. يكافح تيان الابن مع خطيبته من أجل شراء شقة في شنتشن يعيشان فيها، وقد يصبحان من أهل المدن يوما ما.

ولكن الحقيقة هي أن عدد ذوي المهارات من أبناء الجيل الجديد محدود للغاية. وفقا لبيانات سوق العمالة غير المحلية لمدينة هانغتشو، تحتاج 30%-40% من الوظائف بها إلى إجادة بعض المهارات المهنية، ولكن 80% من العمال الفلاحين الذين يطلبون العمل يفتقرون إلى تلك المهارات المهنية.

وحسب مسح عينة أجري في مدينة سوتشو، يتجاوز عدد العمال الفلاحين الذين يعملون في المدينة خمسة ملايين نسمة، يشكلون ثلثي العاملين في سوق العمل بسوتشو، و80% منهم من الجيل الجديد من العمال الفلاحين. وأوضحت دراسة مسحية أجريت على عينة من خمسمائة عامل فلاح تقل أعمارهم عن خمس وعشرين سنة، يعملون في قطاع الإلكترونيات والأجهزة الإلكترونية وقطاع الغزل والنسيج وقطاع الأزياء وغيرها، أن مستواهم الثقافي منخفض بشكل عام، وأن المستوى التعليمي لأكثر من ثلثيهم لا يتجاوز التعليم الإلزامي (تسع سنوات)، أي أنهم دخلوا سوق العمل بعد المرحلة الابتدائية أو الإعدادية. وحسب المسح، 7ر29% أتموا المرحلة الابتدائية و4ر48% أتموا المرحلة الإعدادية و9ر21% أتموا المرحلة الثانوية. وعدد قليل للغاية منهم شارك في محاضرات للتثقيف المهني، وغالبيتهم لم يتلقوا التدريب المهني الذي تقوم به الشركات والمؤسسات، ومن ثم يضطرون إلى ممارسة أعمال ذات محتوى تكنولوجي منخفض وقليلة الدخل.

غير أن هذه الدراسة تشير إلى أن العمال الفلاحين يرغبون في رفع مهاراتهم ومستواهم الثقافي من خلال الدراسة الثقافية والتدريب المهني من أجل تغيير واقعهم ومصيرهم، فقد أعرب 4ر48% منهم عن الرغبة في المشاركة في الأنواع المختلفة من الدراسة والتدريب، وقال 4ر31% منهم إنهم يرغبون في الدراسة ولكنهم لا يعرفون ماذا يدرسون، بينما رفض 3ر20% المشاركة في أي نوع من الدراسة والتدريب. معنى ذلك أن 8ر79% منهم على وعي بأهمية الدراسة المتتابعة. وفي ناحية الدراسة المهنية، يفضل 5ر93% دورات التدريب المتعلقة بمهنتهم، وجاء ترتيب رغباتهم المهنية كما يلي: خدمات الكمبيوتر 78%، صيانة المعدات الكهربائية 6ر56%، وقيادة السيارات 3ر50%، وصيانة السيارات 8ر36%، والحلاقة والتدليك 4ر28%.

النتيجة المدهشة حقا في هذه الدراسة هي الفهم العقلاني لهذه الفئة لمعنى "وقت الفراغ"، حيث أن 67% منهم يعتقدون أن وقت الفراغ لا ينبغي أن يكون للراحة فقط وإنما للدراسة أيضا. ويعتقد 5ر81% منهم أن طريقة قضائهم لوقت الفراغ تحدد مستقبلهم، ويخططون للدراسة في وقت الفراغ.

يرى البروفيسور قاو تشونغ، أستاذ علم الاجتماع في معهد العلوم والتكنولوجيا بسوتشو، والمشرف على هذه الدراسة، أن أبناء الجيل الثاني من العمال الفلاحين لديهم رغبة جارفة في الدراسة المتتابعة، وأن مبعث ذلك هو حبهم لحياة المدينة ورغبتهم الشديدة في الانخراط في حياة المدينة في أسرع وقت ممكن.

مقارنة مع الجيل القديم من العمال الفلاحين، متطلبات أبناء الجيل الجديد أكثر وتوقعاتهم أعلى في الدخل والضمان الاجتماعي وظروف العمل وتحقيق القيمة الذاتية وتطورهم في المستقبل. قال قاو تشونغ إن طموحاتهم المهنية عالية وصعبة المنال وطلباتهم المادية والمعنوية كثيرة، ولكن قدرتهم على تحمل العمل ضعيفة. وقال رجل الأعمال تشانغ يي شنغ، وهو صاحب مصنع للملابس الجاهزة في مدينة كايبينغ بمقاطعة قوانغدونغ، إن أفراد الجيل الجديد من العمال الفلاحين لا يطلبون راتبا عاليا فقط وإنما شروطهم في بيئة العمل وظروف المسكن مرتفعة أيضا. في السنة الماضية، بدأ مصنعه تطبيق المعيار الدولي للعمل SA8000 للعمالة، استجابة لمطالب العمال والمتعاملين الدوليين، وهذا أدى إلى ارتفاع تكلفة الإنتاج بنسبة 30% عما كان في السابق. ويعتقد السيد تشانغ أن تعزيز وعي العمال بحقوقهم ومصالحهم يدفع تعديل هيكل الصناعات في الصين.

وحسب مسح ميداني أجري على عينة عشوائية في مدينة قوانغتشو، يقبل 70% من أهل هذه المدينة أن يتوطن العمال الفلاحون في مدينتهم، ولكنهم لا يرغبون الزواج معهم. يقول البروفيسور وو لو بينغ، الأستاذ بجامعة الشباب للعلوم السياسية، إن العمال الفلاحين يعانون التمييز ضدهم والإبعاد من أهل المدينة، ومن الصعب تغيير ذلك. وهم يعملون في مهن منخفضة الأجر وغير مستقرة، وتُنتهك حقوقهم ومصالحهم دائما.

 

المستقبل: اختيارات متعددة

وضعت الأزمة المالية العالمية مشكلة العمال الفلاحين الصينيين في دائرة الضوء مرة أخرى، فقد صرح تشن شي ون، مدير مكتب فرقة القيادة المركزية للعمل الريفي، وهو صاحب خبرة في مجال الريف، بأن حوالي 3ر15%، أي عشرين مليونا، من المائة وثلاثين مليون عامل ريفي فقدوا أعمالهم، أو لم يجدوا أعمالا بسبب الأزمة المالية العالمية، وعادوا أدراجهم إلى مواطنهم.

إن مساعدة العمال الفلاحين على تحقيق حلمهم في المدينة وعلى إيجاد عمل سواء في المدينة أو في الريف، ومساعدتهم على شق طريق العمل الذاتي وتهيئة بيئة حياة أفضل مسؤولية الحكومة ومسؤولية أهل المدن. إن أبناء هذا الجيل الجديد من العمال الفلاحين يضيقون الفجوة الاجتماعية والاقتصادية والثقافية بين المدينة والريف ويلعبون دورا تاريخيا مهما في تغيير المجتمع الصيني من خلال نمط معيشتهم المميز.

اقترحت جريدة "نانفنغ" الأسبوعية الصينية أن يشارك العمال الفلاحون في إعادة توزيع الثروة في المجتمع من خلال إجراءات تتخذها الحكومة، وأن يتم تحويلهم إلى سكان مدن وتضييق الفجوة بين أبناء أهل المدن وأبناء أهل الريف من خلال المساواة في التعليم حتى يمكن القضاء على هذه الفجوة، وذلك من خلال إكمال نظام الضمان الاجتماعي وإنشاء نظام جديد لتسجيل الإقامة وتعديل نظام تعليم البالغين وإصلاح نظام التدريب المهني، والقضاء على ظاهرة التمييز ضد أبناء الريف، من أجل خلق بيئة اجتماعية صالحة لحل مشاكل العمال الفلاحين.

ويعتقد البروفيسور جيان شين هوا، الأستاذ في قسم الاقتصاد والإدارة بجامعة ووهان، أن تحول الجيل الثاني من العمال الفلاحين إلى سكان مدن مشروط بارتفاع كفاءاتهم الشاملة وقدراتهم المهنية، وذلك يحتاج إلى دعم حكومي قوي، وعلي الحكومة ألا تنتظر حتى ينتعش الاقتصاد. ويطالب جيان الحكومة المركزية والحكومات المحلية أن تولي اهتماما لمسألة توظيف العمال الفلاحين الذين عادوا إلى قراهم، مشيرا إلى صدور سياسات متعددة لحفز التوظيف، ومنها سياسة تمويل التدريب المهني للعمال الفلاحين الذين عادوا إلى مواطنهم.

لقد زادت الحكومة الصينية الاستثمار في الزراعة والريف مما يوفر فرص عمل أكثر للعمال الفلاحين. ويرى البروفيسور داي بين، الأستاذ بقسم الإدارة العامة في جامعة جياوتونغ جنوب غربي الصين، أن تحويل العمال الفلاحين إلى عمالة حضرية مهنيا قبل انتقالهم إلى المدن رمز مهم للتحول الحضري في الصين. ومع انتقالهم إلى الحضر، تقل العمالة في الريف مما يوفر فرص عمل للعمال الفلاحين الذين يعودون إلى مواطنهم. ويذهب آخرون إلى أن أبناء الجيل الجديد من العمال الفلاحين يتمتعون ببنية جسد قوية وخبرات ومعارف وافرة، ومن ثم فهم "النخبة الريفية"، فإذا شارك بعضهم في بناء الريف الاشتراكي الجديد، فسوف تتطور الأرياف الصينية بسرعة أعلى.

جاء في الوثيقة الأولى التي أصدرتها الحكومة المركزية في فبراير أن تشجيع العمال الفلاحين على شق طريق أعمالهم الخاصة هو عمل مهم للحكومة. كما ذكرت الوثيقة ست إجراءات فعالة للتعامل مع مسألة توظيف العمال الفلاحين، ومنها توفير التدريب المجاني للعمال الفلاحين وتقديم الخدمات المالية لهم وتوفير الدعم التكنولوجي وخلق بيئة صالحة لتوظيفهم. ويقول الخبير الاقتصادي المشهور قو شنغ تسو، عضوا للجنة الدائمة للمجلس الوطني لنواب الشعب الصيني، إن الحكومة تعمل على توظيف العمال الفلاحين من خلال تشجيعهم على شق طريق العمل الخاص وتوجيه ما يسمى بموجة رابعة لشق طريق جديد للعمل منذ تنفيذ الصين لسياسة الإصلاح والانفتاح مما يساعد عددا متزايد من العمال على أن يصبحوا أصحاب أعمال.

 

 

Address: 24 Baiwanzhuang Road, Beijing 100037 China
Fax: 86-010-68328338
Website: http://www.chinatoday.com.cn
E-mail: chinatoday@chinatoday.com.cn
Copyright (C) China Today, All Rights Reserved.

فرع مجلة ((الصين اليوم)) الإقليمي للشرق الأوسط بالقاهرة
رئيس الفرع: حسن وانغ ماو هو
العنوان: 5 شارع الفلاح، المتفرع من شارع شهاب
- المهندسين- الجزيرة- مصر
تليفاكس: 3478081(00202)
  ص.ب208 – الأورمان – الجزيرة – القاهرة – مصر
   الهاتف المحمول: 0105403068(002)
البريد الإلكتروني: kailuofenshe@yaoo.com.cn