
الرئيس الصيني هو جين تاو مع رئيس الوزراء البريطاني غوردون براون في قمة العشرين بلندن

قادة قمة العشرين في لندن

شبح البطالة يهدد ملايين الصينيين
مثلت قمة مجموعة العشرين التي عقدت في العاصمة البريطانية لندن، الشهر الماضي، دافع ثقة قويا للاقتصاد العالمي، على الرغم من الاحتجاجات ضدها، حيث تعهد قادة عشرين من الاقتصادات الصناعية والاقتصادات الناشئة بإنقاذ الاقتصادات المتعثرة، وتعزيز التجارة العالمية وتشديد النظم واللوائح المالية، إضافة إلى التعهد بصندوق قيمته تريليون دولار أمريكي لتعزيز المؤسسات المالية الدولية مثل صندوق النقد الدولي. وقد لوحظ في هذه القمة أن القادة حاولوا كتم اختلافاتهم ورسم صورة وردية من الأمل والتفاؤل.
في ظل التراجع الاقتصادي الحالي تتوقع المؤسسات المالية الدولية الكبيرة، مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ومنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، أن ينكمش الاقتصاد العالمي هذه السنة، وهو أول انكماش اقتصادي منذ الحرب العالمية الثانية. ومازال العالم المتقدم غارقا في الركود الاقتصادي بينما تعاني الاقتصادات الناشئة، التي كانت نشيطة، من التباطؤ بشكل يهدد العالم بأسوأ أزمة اقتصادية منذ الكساد الكبير.
في مواجهة الأزمة، سعت مجموعة العشرين، التي تمتلك 90% من الإنتاج العالمي، إلى طرح الخلافات جانبا وتنسيق السياسات ووضع خطط إيجابية للتغلب على الأزمة، كما تناولت النظام العالمي لما بعد الأزمة، وهذا يجعل هذه القمة معلما بارزا في التاريخ.
لقد ناقشت القمة التي استمرت يوما ونصف اليوم ثلاثة موضوعات رسمت معالم الطريق ووجهة التنمية الاقتصادية العالمية بعد الأزمة. وكانت المهمة الأساسية هي تنسيق الإجراءات للتغلب على الأزمة وضمان انطلاق الاقتصاد العالمي.
أثناء التحضير للقمة، اقترحت الولايات المتحدة أن تتخذ الدول أعضاء مجموعة العشرين سياسات مالية نشيطة وتضمن حزم حوافز تصل إلى 2% من إجمالي الناتج المحلي. وعلى الرغم من التحفظات التي أبدتها الاقتصادات المحورية في منطقة اليورو، خاصة ألمانيا وفرنسا،على الإسراف في الإنفاق، أكد بيان القمة على التأثير الإيجابي لخطط الحوافز المالية.
مجموعة 7 وليس 2
قبيل انعقاد قمة العشرين في لندن، صك مجموعة من الخبراء مصطلح قمة الاثنتين ((G2))، وحجتهم في ذلك أن الصين والولايات المتحدة هما في الحقيقة الأكثر أهمية في التعامل مع الكساد العالمي، وليس مجموعة الدول الصناعية السبع الكبرى، ودعا البعض الصين والاقتصادات ذات الاحتياطي النقدي الكبير إلى المساهمة أكثر في تعزيز موارد صندوق النقد الدولي. ولكن يعتقد محللون أن الانتعاش الحقيقي للاقتصاد العالمي مازال يعتمد على ما إذا كانت الولايات المتحدة وأوروبا راغبتين في ترتيب الفوضى في القطاع المالي. وكما قال البروفيسور هوانغ وي بينغ، الأستاذ بجامعة رنمين الصينية، "إنها مازالت مجموع السبع، ومن غير المعقول توقع الكثير جدا من الصين، ذلك أن جذور الأزمة المالية موجودة في الولايات المتحدة وأوروبا." وعلى الرغم من اتفاق قادة مجموعة العشرين على تشديد الإجراءات والنظم، يرى محللون أن اتفاق قادة المجموعة لا يتناول بعض القضايا الجوهرية في النظام المالي، مثل هيكل التحفيز غير المنطقي في الصناعة. فمع وجود توافق واسع لمعظم الدول على الحاجة إلى الإصلاح التنظيمي لتقليل فرص تكرار الأزمة المالية، تركز الولايات المتحدة على الإنفاق التحفيزي، بينما فرنسا وألمانيا متحمستان لإجراءات ونظم مالية أكثر صرامة. ومرة أخرى يقول البروفيسور هوانغ: "إن الدول الغنية بدلا من أن تنظر إلى حافظات نقود الآخرين، عليها أن تستكشف كيفية إعادة تنظيم أنظمتها المالية وإنعاش القطاع المالي أولا."
خمسة تريليونات دولار أمريكي
كان من بين أهم الموضوعات التي طرحت على جدول أعمال القمة، خطة تعزيز قوة صندوق النقد الدولي والمؤسسات المالية الدولية الأخرى، فيما يمكن أن يكون هدية للدول للاقتصادات النامية. وحسب مجلة الإيكونومست فإن ديون الدول الفقيرة التي ستتجدد هذه السنة فقط تبلغ 1,4 مليار دولار أمريكي. وقد اتفق قادة مجموعة العشرين على زيادة صندوق الإنقاذ لصندوق النقد الدولي إلى 750 مليار دولار أمريكي مقارنة مع 250 مليارا من قبل، وسوف تقدم الصين واليابان والاتحاد الأوروبي المائتين وخمسين مليارا الأولى للصندوق.
وقد تعهدت القمة بحزم حوافز قيمتها خمسة تريليونات دولار أمريكي، أي ما يعادل 4% من إجمالي الناتج المحلي العالمي، حتى نهاية سنة 2010. وأشارت إلى أن الدول الأعضاء أكدت مجددا استقلالية الاقتصاد العالمي على الرغم من الفوضى الحالية.
كان الموضوع الثاني هو تعزيز المعونات الدولية. حيث كان من أعظم إنجازات قمة لندن التعهد الجماعي بإعادة تقوية مؤسسات المعونات الدولية، مثل صندوق النقد والبنك الدولي. كما وافق البنك الدولي على مساعدات إضافية تصل إلى 1,1 تريليون دولار أمريكي، والتي سوف تساعد بالتأكيد في استقرار الأوضاع المالية وأنظمة التجارة والاستثمار في العالم، ومن ثم تعجل بانتعاش الاقتصاد العالمي.
القضية الثالثة هي الحمائية. استنكرت كل الدول الأعضاء الحمائية بالإجماع، ودعت إلى استئناف جولة محادثات الدوحة التجارية ومقاطعة إجراءات تخفيض قيمة العملة، وتعهدت بعدم اتخاذ إجراءات حمائية حتى نهاية 2010.
بيد أن عددا من الاختلافات تظل باقية، إذ لم تتوافق الدول الأعضاء على إصلاح المؤسسات المالية الدولية. إن استقرار النظام المالي الدولي، الذي يعتبر أوردة وشرايين الاقتصاد العالمي، هو القضية المحورية للإنعاش الاقتصادي والتنمية. وكانت قمة مجوعة العشرين التي عقدت في واشنطن في نوفمبر 2008 أكدت على أن أحد الأسباب الجوهرية لأزمة الفقاعات الائتمانية والأزمة المالية هو الافتقار إلى التنظيم المالي الدولي، وتعهدت بتعزيز التنظيم المالي وإصلاح النظام المالي الدولي. ولا شك أن المقدمات المنطقية للتغلب على الأزمة وإنعاش قطاع المال الدولي هي تحديد الثغرات والتخلص من ما يسمى بالأصول السامة، واستعادة صحة النظام المالي.
إن كافة دول العالم تحتاج، في مواجهة التحديات القاسية للأزمة المالية العالمية إلى تعديل سياستها الخاصة للاقتصاد الكلى واتخاذ الوسائل المالية والنقدية الضرورية لتعزيز النمو الاقتصادي بنشاط وتجنب الانهيار الاقتصادي العالمي.
وفي هذا الإطار فإنه لا مندوحة عن تعزيز الاستهلاك والتجارة والاستثمار، كون ذلك المحرك لنمو الاقتصاد العالمي. وبالفعل، تتسابق شتى الدول في تسريع إعادة الهيكلية وتثبيت الأسواق وتعزيز النمو وزيادة فرص التوظيف والتشغيل وتحسين مستوى معيشة الشعب وحفز الاستهلاك المحلى، وكل ذلك يساهم في التخفيف من صدمة وأثار الأزمة المالية العالمية على الاقتصاد.
لقد توقعت منظمة التجارة العالمية أن ينخفض حجم التجارة العالمية بنسبة 9% هذا العام، وهذا هو أكبر انخفاض منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، كما أن هناك صعوبات متزايدة في توفير وتدبير التمويل. وكل ذلك سيؤثر مباشرة على التدفق السلس للتجارة والاستثمار في أرجاء العالم وسيقيد انتعاش الاقتصاد العالمي وسيعرقل مسيرة تخفيض عدد الفقراء والتنمية المستدامة.
رؤية للخروج من الأزمة
المؤسسات المتوسطة والصغيرة سواء في الدول المتقدمة أو في الدول النامية، هي أنشط عناصر الاقتصاد المجتمعي، ومن ثم فإن مساعدة تلك المؤسسات في التخلص من صعوباتها الإدارية يساهم في ازدهار الاقتصاد الإقليمي وزيادة عدد الوظائف في المجتمع ودفع الابتكار التقني وزيادة تصدير المنتجات وتعزيز التنمية الاجتماعية. وتعزيز التعاون في هذا الصدد ذو أهمية واقعية.
كما أن الصناعات الناشئة، مثل الصناعات التي تتميز بتوفير الطاقة والتقليل من الانبعاثات وحماية البيئة والطاقة الجديدة ستضيف نقاط نمو جديدة إلى الاقتصاد العالمي. وتطوير الاقتصاد الأخضر إجراء ضروري لمواجهة الأزمة بل هو مطلب للتنمية الصحية والمستدامة للاقتصاد العالمي. وقد أشار أمين عام الأمم المتحدة بان كى مون إلى أن الاقتصاد الأخضر يلعب دورا نشيطا في دفع عجلة الاختراع والابتكار وتعاظم حجمه.
والتقدم العلمي والتكنولوجي قوة محركة تدفع تواصل تعزيز نمو الاقتصاد العالمي. كما أنه من أجل حل معضلات تغير المناخ وتفاقم التدهور البيئي وموارد الطاقة وسلامة وأمن الأغذية، وكلها قضايا تتعلق بوجود البشرية وتطورها، لابد من تعزيز التعاون العلمي والتكنولجي بين مختلف الدول.
إن العولمة الاقتصادية تتطور إلى العمق في عالم اليوم يوما بعد يوم ويصبح الاعتماد المتبادل بين الدول وثيقا أكثر فأكثر. ولا تزال الأزمة المالية العالمية تتفشى وتتعمق، وتطال كافة الدول، وتفرض التحديات الكونية تعزيز التعاون العالمي. فلا سبيل أمام المجتمع الدولي للتغلب على هذه الأزمة بأسرع وقت ممكن واستعادة نمو الاقتصاد العالمي إلا بمزيد من تعزيز التعاون.