
((مشاهد رائعة من الوطن)) للرسام تشو تشي تشان

((أكواخ في قرية)) للرسام لين فنغ ميان

((الثلج في الربيع)) للرسام وو قوان تشونغ

((الثلج على جبل تايباي)) للرسام تشانغ دينغ

الرسام لي جيان تشن (1900-2002)

الرسام لو شي باي
من بين أشهر مائة رسام وخطاط في الصين خلال المائتي سنة الفائتة، عاش أكثر من عشرين منهم إلى ما بعد سن الخامسة والثمانين، بل امتد العمر ببعضهم إلى مائة وتسع سنين. هذه الظاهرة اللافتة دفعت كثير من الناس إلى البحث في أسرار عمرهم المديد، وخلصوا إلى أن الأمر له علاقة وثيقة بارتباط هؤلاء المعمرين بفن الخط والرسم الصيني لمدة طويلة.
واللافت أيضا، أنه على الرغم من أن متوسط عمر الفرد الصيني منذ ما قبل أسرة تشين (قبل 221 ق.م) حتى نهاية أسرة تشينغ في بداية القرن العشرين، لم يتجاوز خمسا وثلاثين سنة، فإن عددا غير قليل من الرسامين والخطاطين الصينيين في تلك الفترة عاشوا عمرا مديدا، فقد عاش، مثلا، الخطاط الكبير ليو قونغ تشيوان سبعا وثمانين سنة، بينما مات الرسام ون هوي مينغ عن عمر يناهز التسعين سنة.
في العصر الحديث، وبفضل تحسن ظروف الحياة والرعاية الطبية، ارتفع متوسط العمر المتوقع للصينيين عموما، وبخاصة الرسامين والخطاطين، فالخطاط الصيني المشهور، ابن شانغهاي، سو جيوي شيان، لم تتوقف إبداعاته في الخط حتى جاوز عمره المائة سنة بست سنين، بينما استمرت إبداعات الخطاط سون موه فوه والرسام تشو تشي تشان حتى بلغ كل منهما مائة وأربع سنين. بل إن الرسام لي جيان تشن حضر افتتاح معرض للوحاته وكان عمره جاوز المائة سنة. الأكثر، أن الرسام الصيني ليو هاي سو تسلق، وهو فوق التسعين، جبل هوانغشان عشر مرات لاستلهام موضوعات لوحاته. وقد نُقل عن الرسام الصيني وو قوان تشونغ الذي جاوز عمره التسعين قوله إنه لا يعيش حياة مملة، طالما أنه يواصل عمله الإبداعي. أما الرسام العجوز هوانغ يونغ يوي البالغ من العمر 86 سنة فإنه مفعم بالتفاؤل دائما، وكلما ينجز عمل كبير، يسعد سعادة بالغة ويدعو أصدقاءه لمشاطرته التمتع بسعادة إبداعه.
إذن، ما سر العمر المديد للرسامين والخطاطين؟
إبداع الرسم والخط عمل ذهني في الأساس. وعندما يمسك الخطاط أو الرسام ريشته ويعمل، يتحرك جانبا المخ بالتناوب، وهذه العملية الحركية مفيدة لصحة المخ. بعد أن يتخيل الفنان عمله الإبداعي يستغرق في عملية طويلة تتسم بالسكينة والاستمرارية، يبدع خلالها صورا جميلة، قد تكون لزهرة أو طائر أو حشرة أو سمكة أو إنسان أو جبل أو نهر، أو قصيدة شعر ومقطوعة نثر، وكلها أشياء تعطي المرء شعورا بالرضا والسعادة. يؤيد ذلك ما قاله عالم الفيزيولوجيا الروسي إيفان بيتروفيتش بافلوف من أن السعادة تزيد الإحساس، فيشعر المرء بنبض الحياة وتغيراتها، فيصير الجسم أكثر قوة.
ويُعتقد أن ممارسة الخط والرسم نوع من التدريب البدني. وفي حديثه عن سر عمره المديد قال الرسام العجوز لو شي باي الذي جاوز عمره التسعين بسنة واحدة، إن وضع الجسم أثناء الرسم لا يضمن جودة الإبداع فقط وإنما أيضا هو نوع من التدريب البدني للجسم. يقف لو شي باي، وهو يرسم، معتدل الرأس ومستقيم الجسم بينما كتفاه مرخيتان ويتنفس بعمق وهدوء، ويستمد القوة من معصمه. خلال ممارسة الخط والرسم، تتحرك المعصمان والذراعان في اتجاهات مختلفة بلا انقطاع، فيكون ذلك بمثابة تدريب للعضلات ولقنوات جينغ ولو (قنوات وهمية في الجسم وفقا للطب التقليدي الصيني) في اليد، وكأن الفرد يمارس رياضة تايجيتشوان (ملاكمة الظل).
العمر المديد للخطاطين والرسامين له علاقة بالبيئة المحيطة أيضا، فالإبداع يحتاج إلى التأمل في الحياة والتمتع بالمناظر الطبيعية، والطبيعة تساعد، دون شك، في تهذيب جسم الإنسان وأخلاقه. وكثير من الفنانين يعشقون سماع الموسيقى أثناء ممارسة الخط والرسم، حيث تساعدهم الموسيقى على الاسترخاء بدنيا ونفسيا. ونشير هنا إلى أن الرسام الصيني المشهور يانغ تاي يانغ، أحد رواد مدرسة رسم الأنهار، أمضى عشر سنوات في منطقة نهر ليجيانغ يستلهم منها لوحات المناظر الطبيعية. يبلغ عمر يانغ تاي يانغ حاليا مائة سنة، ومازال يتمتع بالعافية والصحة، والسر في عمره المديد هو أنه يثري حياته برسم لوحات الطبيعة منذ سنوات عديدة.