ã

المؤتمران

ديمقراطية على الطريقة الصينية

حسين إسماعيل

ون جيا باو يلقي تقرير عمل الحكومة

داخل قاعة الشعب الكبرى

السيد تشاو تشي تشنغ

السيد لي تشاو شينغ

اختتم الشهر الماضي اجتماع الدورة الثانية للمؤتمر الاستشاري السياسي الحادي عشر للشعب الصيني والمجلس الوطني الحادي عشر لنواب الشعب الصيني، أو ما اصطلح الصينيون على تسميته بالمؤتمرين (ليان هوي)، الذي عقد في الفترة من الثالث إلى الثالث عشر من مارس سنة 2009. جاء انعقاد "المؤتمرين" هذه المرة في وقت تمر فيه الصين والعالم بظروف مستجدة على الصعيدين الاقتصادي والسياسي وتشهد العلاقات الدولية مرحلة جديدة مع قيادة أمريكية ذات نهج يختلف عن القيادة السابقة، وتطورات إقليمية في العديد من مناطق العالم سيكون لها تبعات طويلة المدى.

كانت أمام المُجتمِعين من أعضاء الهيئة التشريعية الصينية العليا بمجلسها، الاستشاري والنيابي، جملة واسعة من القضايا الداخلية والخارجية، وإن استحوذت الأزمة المالية، التي تتحول إلى مشكلة اقتصادية مستفحلة، على جُل اهتمام مَن بداخل قاعات الاجتماع ومن بخارجها. ولهذا فإن المهمة الكبرى كانت وضع الخطوط العريضة للإجراءات والخطوات التي تنتهجها الحكومة الصينية لمواجهة الأزمة المالية العالمية التي بدأت، مثل كرة الثلج، في الولايات المتحدة وتمددت إلى أوروبا ووصلت إلى كافة أرجاء العالم، مهددة الاقتصاد العالمي بركود قد يجاوز الركود الكبير الذي شهده العالم في ثلاثينات القرن الماضي.

 والحقيقة أن الحكومة الصينية بادرت مع بدايات الأزمة بطرح حزمة من الإجراءات للتصدي لتداعياتها في الصين، وذلك من خلال رصد ما يعادل نحو 585 مليار دولار أمريكي تدبرها الحكومة المركزية والحكومات المحلية للاستثمار في قطاعات معينة، على رأسها البنية التحتية والخدمات الصحية والمجتمعية مع التركيز على المناطق الريفية من خلال مشروع توسيع السوق الريفية بدعم الفلاحين الذين يشترون منتجات معينة. ومع ذلك فإن الصين أضافت مع عطلة عيد الربيع 2009  نحو عشرين مليون فرد، سرحوا من أعمالهم، إلى قائمة المتعطلين عن العمل. ولأن الاقتصاد الصيني يعتمد في جانب كبير منه على الصادرات، فإن التوقعات تشير إلى أن الأسوأ لم يأت بعد، وأن الشهور القادمة سوف تشهد مزيدا من التراجع في حجم الصادرات، شأن التراجع الذي بدأت تتضح ملامحه في قطاعات لها ارتباط مع الخارج، مثل السياحة والنقل الجوي والشحن البحري الخ. 

كانت قضية التوظيف هي الأخرى على قمة اهتمامات أعضاء المؤتمرين، حيث أن هذا الأمر يرتبط ارتباطا وثيقا بالاستقرار الاجتماعي والسياسي في البلاد، في ظل مؤشرات إلى اتجاه معدل الجريمة إلى الارتفاع في الفترة الأخيرة، وهو ما يراه المحللون من تداعيات الأزمة الاقتصادية. وبرغم أن رئيس مجلس الدولة الصيني، السيد ون جيا باو، قد حث على استكشاف سبل مبتكرة لخلق فرص عمل جديدة، فإن استفحال الأزمة الاقتصادية ربما يحول دون تحقيق ذلك، وسيكون على الحكومة أن تبتكر سبلا للتعاطي مع التداعيات الاجتماعية والنفسية بل والسياسية لتلك الأزمة لاحتوائها والحيلولة دون تفاقمها وتحولها إلى مصدر تهديد اجتماعي. ومن القضايا الأخرى التي حظيت باهتمام نواب الشعب في المؤتمرين قضية الفساد، فاستطلاعات الرأي تشير إلى أنها أكثر قضية إثارة لاشمئزاز وغضب المواطن الصيني. وقد شهدت الشهور القليلة الماضية الكشف عن عدة قضايا فساد لمسئولين كبار تمت محاكمتهم، ما يعني أن حملة مكافحة الفساد في الصين تسير بخطى ثابتة. كما أن إقدام أكثر من ألف مسئول حكومي محلي في آلتاي بمنطقة شينجيانغ الويغورية الذاتية الحكم على تقديم إقرارات ذمة مالية لهم وإعلانهم أنهم لم يتلقوا أي نوع من الهدايا يتصل بأعمالهم خلال توليهم مناصبهم، خطوة مشجعة على الطريق الصحيح. ولكن المواطن الصيني يعلم أن الفساد يضرب بأطنابه في المحليات بالصين، وربما لهذا السبب كان نائب الرئيس الصيني، السيد شي جين بينغ، واضحا ومباشرا في حث قادة الحزب على تحسين نزاهتهم السياسية وكفاءتهم، وحث المسئولين على تحسين قدرتهم على حماية الاستقرار الاجتماعي وأن يكونوا قادرين على التواصل مع الإعلام ونقل آراء الجماهير. إن مهمة مكافحة الفساد في الصين شاقة ومريرة وتحتاج نفسا طويلا وجهدا كبيرا، ويأمل المواطن الصيني أن تستطيع الجهات الرقابية وأجهزة الانضباط تحجيم الفساد الذي باتت رائحته الكريهة تزكم الأنوف حقا.

والحقيقة أن الأهداف التي حددها رئيس مجلس الدولة ون جيا باو في تقرير عمل حكومته الذي ألقاه أمام أعضاء "المؤتمرين" تحدد خريطة طريق للصين خلال العام الحالي، فقد تضمنت تلك الأهداف: نمو إجمالي الناتج المحلي بنسبة 8%، خلق أكثر من تسعة ملايين فرصة عمل في المناطق الحضرية، الحفاظ على معدل البطالة في الريف عند مستوى أقل من 4,6%، اتخاذ سياسات وإجراءات أكثر حيوية وفعالية من أجل تحقيق استقرار ثقة وتوقعات السوق والمحافظة على استقرار الاستثمارات في قطاع العقارات، تخصيص 293 مليار يوان للإنفاق على شبكة السلامة الاجتماعية، رصد مخصصات إضافية قدرها 850 مليار يوان، منها 331,8 مليار يوان من الحكومة المركزية والباقي من الحكومات المحلية، لإصلاح نظام الطب والرعاية الصحية.

كان لافتا في "المؤتمرين" هذه السنة، أن بعض الخبراء وإن كانوا يعترفون بوجود مشكلة توظيف إلا أنهم ينكرون أن الصين بها فائض عمالة من خريجي الجامعات برغم أن عددهم حسب الأرقام الرسمية سيصل ثمانية ملايين صيف هذا العام، إذ يقول البروفيسور جي باو تشانغ، رئيس جامعة رنمين (الشعب) الصينية: "لا أصدق أن هناك فائض خريجين في الصين، وأعتقد أنه إذا تخلى الطلاب عن مفهومهم النخبوي لن تكون ثمة مشكلة توظيف".  ويقول مستشار مجلس الدولة الصيني نيو ون يوان، عضو الأكاديمية الصينية للعلوم: "يسود مفهوم طلب العلم لتحقيق الثراء والوصول إلى المناصب الرفيعة، فأولياء الأمور يتوقعون أن ينضم أبناؤهم، بعد التخرج في الجامعة، إلى النخبة ويصبحون من ذوي الياقات البيضاء. وأعتقد أن طلب العلم من أجل تحقيق الثراء والوصول إلى المناصب العالية من مظاهر الاحتقار المهني. في الريف فضاء واسع بحاجة إلى الزراعة الحديثة التي تتطلب العلم وتكنولوجيا المعلومات". ويعتقد الأكاديمي الكبير أن الصين ليس بها فائض من خريجي الجامعات، وإنما عجز، مقارنة مع إجمالي عدد سكان الصين.

والحقيقة أيضا تقتضي منا أن نقول إن الصين، واقعيا، لا ولن تواجه ركودا أو انكماشا اقتصاديا في المدى المنظور، فالحديث عن ركود وانكماش في الدول الغربية له ما يبرره، فمعدل نمو الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة الأمريكية كان سالبا خلال الستة شهور الأخيرة، بينما تراوح معدل النمو في الكثير من الدول الغربية، وفي اليابان، ما بين صفر واثنين في المائة، في حين كان المعدل في الصين 8ر6%. هذا يعني أن معدل نمو إجمالي الناتج المحلي في الصين يتباطأ ولكن لا يوجد انكماش أو ركود اقتصادي، وإذا استطاعت الصين أن تحقق نموا بنسبة 8% في 2009، كما أشار تقرير عمل الحكومة، فإن أي حديث عن أزمة حقيقة في الصين لا معنى له.

لقد حققت الصين خلال الثلاثين سنة الماضية إنجازات كثيرة، ومواصلة الصين السير على طريق التنمية يستلزم من مُشرعيها ومسئوليها بل ومواطنيها التعامل بجدية وحرص ومثابرة مع القضايا التي نتجت عن التنمية السريعة، ومن ذلك قضية توسع الفجوة بين المناطق الثرية والمناطق الفقيرة، وتوسع فجوة الدخل والثروة بين الأغنياء والفقراء، قضية الموارد التي تعرضت لاستنزاف حاد خلال الفترة الماضية بشكل يهدد التنمية المستدامة، قضية الأمن الاجتماعي بما في ذلك الأمن الصحي والسكني والمعيشي للمواطنين، خاصة مع ارتفاع نسبة المسنين واحتياجهم إلى رعاية يصعب على أبنائهم النهوض بها في ظل عجز المرافق العامة حتى الآن عن القيام بهذا الدور، وارتفاع فاتورة العلاج إلى مستويات تحول بين كثيرين وبين العلاج، وخاصة في المناطق الريفية التي مازال كثيرون فيها خارج مظلة التأمين الصحي، وارتفاع أسعار العقارات بشكل يجعل المسكن بالنسبة للمواطن العادي حلما بعيد المنال.

على هامش المؤتمرين

    ·        أسعدني أن أرى شخصين، أكن لهما تقديرا كبيرا، يعودان إلى دائرة الضوء، الأول هو الوزير تشاو تشي تشنغ، الرئيس السابق لمكتب إعلام مجلس الدولة الصيني، المتحدث الرسمي للدورة الثانية للمؤتمر الاستشاري السياسي الحادي عشر للشعب الصيني، الذي أضفى على الأجواء نفحات من رؤيته الفلسفية وتشبيهاته البليغة ودعوته أو مشروعه الذي يؤكد على ما يسميه بنظام المتحدث الرسمي، إذ يرى ضرورة وجود متحدث رسمي للمؤسسات الهامة في الدولة. الثاني هو وزير الخارجية السابق لي تشاو شينغ، المتحدث الرسمي للدورة الثانية للمجلس الوطني الحادي عشر لنواب الشعب الصيني، صاحب الشخصية الديناميكية والتعليقات والملاحظات التي تنتزع الضحك وأحيانا القهقهة من الصحفيين، بلكنته الشاندونغية الثقيلة التي يعزوها هو إلى عمق تاريخ وثقافة شاندونغ، مسقط رأس مفكر الصين وفيلسوفها كونفوشيوس. 

    ·        كان تركيز الصحفيين الصينيين على نجوم الغناء والسينما من أعضاء المؤتمرين ومحاصرتهم لالتقاط الصور لهم ومعهم ظاهرة غير صحية.

    ·        مازالت أجهزة الإعلام الصينية تحرص على إبراز الأزياء الفلكلورية للنواب والنائبات من أبناء الأقليات العرقية، وإن كانت مثل هذه الصور لم تعد تحتل الصفحات الأولى للصحف والمجلات.

    ·        كنت أتوقع، ولم يحدث، أن تولي أجهزة الإعلام العربية اهتماما أكبر بمناقشات وفعاليات المؤتمرين لعل فيها ما قد يفيد منه المسؤولون العرب في إجراءات مواجهة تداعيات الأزمة المالية العالمية.

    ·        تراجع اهتمام أجهزة الإعلام الغربية هذه السنة بمسألة النفقات العسكرية الصينية لصالح قضايا أخرى، على عكس الحال في السنوات السابقة.

 

 

Address: 24 Baiwanzhuang Road, Beijing 100037 China
Fax: 86-010-68328338
Website: http://www.chinatoday.com.cn
E-mail: chinatoday@chinatoday.com.cn
Copyright (C) China Today, All Rights Reserved.

فرع مجلة ((الصين اليوم)) الإقليمي للشرق الأوسط بالقاهرة
رئيس الفرع: حسن وانغ ماو هو
العنوان: 5 شارع الفلاح، المتفرع من شارع شهاب
- المهندسين- الجزيرة- مصر
تليفاكس: 3478081(00202)
  ص.ب208 – الأورمان – الجزيرة – القاهرة – مصر
   الهاتف المحمول: 0105403068(002)
البريد الإلكتروني: kailuofenshe@yaoo.com.cn