
كان الصينيون، قبل أكثر من عشر سنوات، يتندرون بقصة عجوزين، صينية وأمريكية، اشترت كل منهما شقة. العجوز الصينية، ظلت تجمع المال اللازم واشترت الشقة قبل أن تفارق الحياة بوقت قليل، أما العجوز الأمريكية، فحصلت على قرض من البنك واشترت الشقة وأقامت فيها، وقبل أن توافيها المنية كانت سددت القرض كاملا. كانت القصة تُحكى للسخرية من موقف العجوز الصينية التي لم تشرع في الاستهلاك إلا بعد أن توفر لها المال.
تركت القصة تأثيرها واضحا على السلوك الاستهلاكي للصينيين، فشرع بعضهم يفعل مثل العجوز الأمريكية؛ الاستهلاك أولا. وعندما تم طرح العقارات السكنية للبيع اشترى كثير من الصينيين مساكنهم بقروض من البنوك. في سنة 2007، بلغت مساحة البنايات التجارية التي تم تداولها في سوق العقارات الصينية 760 مليون متر مربع، منها 690 مليون متر مربع من البنايات التجارية السكنية، بزيادة قدرها 7ر24% عن السنة السابقة.
ارتفعت أسعار العقارات التجارية بشكل كبير، ووصلت ذروتها في منتصف 2008. في شانغهاي، حيث بلغ متوسط سعر المتر المربع في العقارات السكنية أكثر من 17 ألف يوان (الدولار الأمريكي يساوي 6,85 يوانات)، في حين كان متوسط دخل الفرد الشهري القابل للإنفاق في المناطق الحضرية أكثر قليلا من ألفي يوان، وهذا يعني أن الفرد يستطيع أن يشتري بدخله القابل للإنفاق كل سنة 1,5 متر مربع.
مع تفاقم الأزمة المالية العالمية بدأت فقاعات قطاع العقارات تنفجر، ففي ديسمبر 2008 انخفض متوسط سعر المتر المربع في العقارات السكنية بشانغهاي إلى أقل من 12 ألف يوان، وبلغت نسبة الانخفاض ما بين 30%، و50% في أسعار العقارات بالصين، كما تراجع حجم التعاملات في العقارات السكنية بشكل كبير، ففي سنة 2008 بلغت 600 مليون متر مربع، بانخفاض أكثر من 20% عن السنة السابقة، ووصلت مساحة العقارات الشاغرة أكثر من 130 مليون متر مربع.
وفقا لإحصاء الجهات المعنية، تمثل التعاملات في العقارات 25% من إجمالي الاستثمارات في الأصول الثابتة بالصين، ويرتبط بها أكثر من خمسين قطاعا. وانخفاض البناء مليون متر مربع يعني أن 300 ألف فرد يفقدون أعمالهم، ويقل الطلب على الحديد والصلب 20 ألف طن. ولهذا فإنه لتفادي تراجع الاقتصاد الناجم عن كساد سوق العقارات، اتخذت الحكومة الصينية إجراءات عديدة، ضريبية وائتمانية، لحفز الاستهلاك في مجال العقارات.
الضرائب من الوسائل التي تلجأ إليها الحكومات للسيطرة الاقتصادية والمالية، وتغير نسبة الضرائب هو باروميتر سوق العقارات. في سنة 1999، من أجل التوافق مع إصلاحات المساكن وحفز سوق العقارات، قررت وزارة المالية ومصلحة الضرائب تخفيض ضريبة صفقة العقارات بمقدار النصف، من 3% إلى 5ر1%. ولكن مع تطور سوق العقارات، لم يعد يتمتع بهذا التخفيض إلا من يشتري شقة مساحتها أقل من تسعين متر مربع. وفي أوج ازدهار سوق العقارات سنة 2007، كانت ضريبة الصفقات العقارية في معظم المناطق الصينية 3%، بل وأكثر. تغير الوضع في نهاية سنة 2008، مع ركود سوق العقارات حيث قررت وزارة المالية في نوفمبر 2008، تخفيض ضريبة الصفقات العقارية لمن يشترى شقة مساحتها تسعين مترا مربعا أو أقل إلى 1%، وألغت ضريبة دمغة بيع وشراء الوحدات السكنية. ولجأت بعض المناطق، مثل مدينة نانجينغ، إلى تشجيع الاستهلاك السكني، بإعفاء مشتري الوحدة السكنية التي تقل مساحتها عن تسعين مترا مربعا من ضريبة الصفقات العقارية.
إضافة إلى ذلك عدلت الحكومة إجراءات نقل ملكية الوحدات السكنية، فبعد أن قررت الحكومة في يونيو عام 2006 تحصيل ضريبة تعاملات عقارية بنسبة 5% من قيمة إجمالي صفقة نقل ملكية العقار الذي لم يمر على شرائه خمس سنوات، عدلت هذا القرار في أول يناير سنة 2009، فألغت ضريبة التعاملات العقارية لنقل ملكية المساكن التي مضت على شرائها سنتان، وغيرت نسبة ضريبة التعاملات العقارية لنقل ملكية الوحدات السكنية التي لم تمر على شرائها سنتان من 5% من قيمة إجمالي الصفقة إلى 5% من قيمة الفرق بين سعر الشراء وسعر البيع. وقد ساعدت هذه التعديلات إلى حد ما في تنشيط سوق الوحدات السكنية القديمة.
وفي النصف الثاني لسنة 2008، خفضت الصين سعر فائدة قروض شراء المساكن بمقدار الثلث تقريبا، وخفضت سعر الفائدة السنوية على قروض الإسكان لمدة خمس سنوات من 22ر5% إلى 87ر3%، بل إن البنك المركزي الصيني يشجع المؤسسات المالية على تخفيض سعر الفائدة أكثر حتى 30% لمن يشتري مسكنا لأول مرة للسكن فيه بنفسه، ومن يشتري وحدة سكنية لتحسين ظروفه السكنية.
وقد رحبت البنوك التجارية باقتراح تخفيض سعر الفائدة بنسبة 30%، ولكنه ترحيب لم يجد تطبيقا فعليا، لأن هذا التخفيض يعني أن سعر فائدة الإقراض سيكون أقل من سعر فائدة الإيداع في نفس الوقت، وهذا يعرض البنوك للخسارة.
وفي الوقت نفسه، انخفضت نسبة الدفعة المقدمة لشراء الوحدة السكنية من 30% من إجمالي الثمن إلى 20%، كما رفع الحد الأقصى لقرض الإسكان من 400 ألف يوان إلى 600 ألف يوان.
تخفيض الضرائب يعني تقليل الدخل المالي للحكومة وتقليص شروط الحصول على القروض يُعرض المؤسسات المالية لمخاطر عملية. وتبدو في الأفق مؤشرات لتغير سياسة الإقراض لشراء مسكن للمرة الثانية، والتي كان يقال أنها سياسة ثابتة لن تتغير.
قصة العجوزين، الصينية والأمريكية، عادت للظهور بطبعة جديدة في الصين، فالسيدة الأمريكية تعاني أزمة القروض وهي تحتضر، وتواجه مشكلة استعادة شقتها، بينما العجوز الصينية، وفي ظل سماح البنوك الصينية للفرد بالحصول على قرض عقاري للمرة الثانية، تستعد لشراء شقة ثانية ليتزوج فيها ابنها.
إن أكثر ما يقلق العجوز الصينية هو أن تمتد أزمة القروض العقارية الأمريكية إلى الصين. باستثناء تخفيض سعر الفائدة على القروض، لم تحظ إجراءات الحكومة الصينية لإنقاذ سوق العقارات بقبول جماهيري واسع، فالسعر المعقول هو أكبر حافز لشراء المساكن.