ã

فن الخط للأباطرة والزعماء

وو بينغ

لوحة خط للزعيم الصيني صون يات صن

لوحة خط للإمبراطور تشيان لونغ

من أعمال فن الخط  لتشاو جي

 

فن الخط الصيني عنصر هام من الحضارة الصينية القديمة، فالصين هي منبع الكتابة بالفرشاة، وقد ظل فن الخط فرعا هاما من الحضارة الصينية. وإلى اليوم يمارس فن الخط الصيني عدد كبير من المتحمسين له وهواته داخل الصين وخارجها.

نافذة على فكر الزعماء

عبر تاريخ الصين الطويل، عشق كثير من الأباطرة فن الخط وأجادوه وبلغوا فيه مبلغا عظيما. وثمة مثل صيني قديم بأن "فن الخط مرآة لشخصية الفرد"، وعليه فإن فن الخط للأباطرة المختلفين يعكس الشخصيات المتباينة التي حكمت البلاد، بل وقدراتهم القيادية.

عند الحديث عن فن الخط الصيني للأباطرة لابد من ذكر تشاو جي (1082 – 1135 م)، الذي حمل اسم الإمبراطور هوي تسونغ لأسرة سونغ الإمبراطورية (960 – 1279 م). تميز أسلوبه في فن الخط المسمى "شو جين تي"، أي النحيل الذهبي، بضم المقاطع لتكون ضيقة في عرضها وطويلة ومستقيمة. كانت ضربات فرشاته الأفقية تنتهي بخطاف، والرأسية بنقطة. وكانت ضربات فرشاته المائلة حادة مثل نصل السكين، والرأسية نحيلة وطويلة تشبه شابا يافعا. لقد عكس أسلوبه في الخط سعيا إلى الكمال وفي ذات الوقت الانصياع للقواعد والأعراف. من جانب آخر، نجد أن سعيه الدءوب إلى جمال الشكل جعله يتغاضى عن الوضع الكلي، مما يشير إلى افتقاره إلى الحزم والمثابرة والإبداع. كانت كتاباته انعكاسا لحكمه، فقد أدمن تشاو جي، خلال الربع قرن الذي أمضاه في الحكم، الخط والفن، فلم تحظ القضايا السياسية المعقدة من وقته إلا بالقليل. في البداية جعل قاو تشيو، لاعب كرة القدم، قائدا للجيش، ثم سلم كافة سلطات الحكم تقريبا لحفنة من مسئولي البلاط الأوغاد، وكرس نفسه هو للفن والثقافة.

لم يكن عجيبا أن الخطاطين والرسامين تمتعوا بأعلى مكانة اجتماعية خلال حكم تشاو جي. وقد أُبدعت في عهده مجموعة ضخمة من أعمال فن الخط والرسم الكلاسيكية، وأفرزت تلك الحقبة أساتذة في الخط والرسم أكثر من أي حقبة أخرى. أجاد تشاو جي أيضا كتابة الشعر والأغاني، الموسيقى والرقص. وقد أمضى وقتا طويلا في جمع الآثار الثقافية، خاصة أعمال فن الخط والرسم، ولهذا كان ويسمى "سيد الفنون". وخلال فترة حكمه توسع المعهد الإمبراطوري للفنون، وتم تصنيف كافة أعمال فن الخط والرسم القديمة المحفوظة في القصر الإمبراطوري في كتب مازالت باقية حتى اليوم، وفي هذا المجال فإنه قدم مساهمات عظيمة لتطوير المعهد الإمبراطوري للفنون لأسرة سونغ وللرسم بأسلوب البلاط، وأيضا في تنقية وحفظ الأعمال الفنية القديمة.

غير أن تركيز الإمبراطور على الجمال جعله يموت بطريقة بائسة، وواجهت إمبراطوريته العديد من التهديدات الخارجية، ولم تتمكن المنجزات العالية في عالم الفن من حمايته من غزو القبائل البدوية الشمالية. وقع تشاو جي في الأسر سنة 1127 بعد سقوط عاصمته وأنهى حياته أسيرا في ووقوه تشنغ (ييلان في مقاطعة هيلونجيانغ حاليا)           

الإمبراطور تشيانغ لونغ (1700 – 1799 م) لأسرة تشينغ (1644 – 1911)، عاشق آخر لفن الخط، على الرغم من اختلافه تماما عن تشاو جي. أحب تشيان لونغ فن الخط طوال حياته، وجمع الأعمال المشهورة وقرأها ودوَّن عليها ملاحظاته. واليوم، تحمل كل الأعمال القديمة تقريبا ختمه.

تميز خط يد تشيان لونغ بأنه ممطوط وقوي، مع التزام بالقواعد في التكوين. وكانت مقاطع الكتابة ذات ضربات فرشاة طويلة متدفقة وتكوين متوازن. وقد اتخذت مقاطع كتابة تشيان لونغ قوتها وحيويتها من السمات الشخصية للإمبراطور ولكنها أيضا كانت ذات علاقة بالعصر الذي عاش فيه. بعد اعتلائه العرش، دافع تشيان لونغ عن إمبراطوريته ضد الغزو وشجع على استصلاح الأراضي، وحظر كافة الكتب التي تعارض حكمه ووضع مؤلفيها في السجن، فأحكم قبضته على البلاد. وفيما يتعلق بالثقافة، أسس دار نشر لجمع وترتيب كتب التاريخ. وقد تجلى فخره بتعزيز قوة الدولة في أعمال فن الخط له.      

فن الخط للزعماء المعاصرين

أجاد معظم الزعماء الصينيين في العصر الحديث الخط الصيني. لم يكن الرائد الثوري صون يات صن (1866 – 1925م) مشهورا بتمكنه في فن الخط، ولكن عُرف عنه ممارسته لفن النقش على الحجر لفترة طويلة. قبل أسرة تشينغ، كان نسخ أعمال الخط شائعا بين المتعلمين الذين يسعون إلى أناقة الأسلوب. وبعد أسرة تشينغ، اتجه الناس إلى محاكاة نقوش الألواح الحجرية لخطاطين من أسرة وي الشمالية (386 – 534 م)، التي تميزت بقوة وخشونة تكوينها.

تجمع أعمال صون يات صن بين سمات كل من كتب النسخ ونقوش الألواح الحجرية، فبعضها تميز بالجرأة والطموح، وبعضها تميز بالأناقة واللطف والنعومة، مما يعكس انفتاحه العقلي. وبشكل عام، كان خطه محكم البناء. وقد أخذت روحه أعماله إلى عالم أسمى.

لم تكن مفاجأة أن يظهر اسم ماو تسي تونغ في قائمة "أعظم عشرة فنانين في القرن العشرين"، وفقا لاستطلاع رأي أجري في أوساط فن الخط في بداية هذا القرن. لقد وصفت أعمال ماو بأنها "توازن بين فضائل سابقيه. بوتقة صهر لأساليب الأساتذة. رشيقة مثل تنين طائر. فيها أناقة مع جرأة وجمال مع نشاط".

تعلم ماو تسي تونغ الكتابة بالفرشاة عندما التحق بمدرسة خاصة وعمره ثماني سنوات. لم يتوقف ماو عن استخدام الفرشاة حتى صار واحدا من أعظم أساتذتها. في بداية حياته درس النقش على الألواح الحجرية، مثل معاصريه، ثم اجتهد في النسخ، وهذا وفر له أساسا متينا لتشكيل أسلوبه الخاص. وفقا لحراسه، كان ماو يخصص وقتا لقراءة أعمال مطبوعة بالحك لنقوش الألواح الحجرية، أو للذهاب إلى الألواح الحجرية بنفسه، حتى في زمن الحرب. كان أعظم إنجاز له هو الخط المنحني المهيب الرائع، ذو الإيقاعات العالية والمنخفضة، وهو أسلوب خط شكله في منتصف عمره. كان خط يده مفعما بالقوة ملتزما بالقواعد ومعبرا عن جمال بصري قوي.  من يقرأ كتابات ماو بالخط المنحني يغوص في تدفقات ضربات الفرشاة البطيئة والسريعة، الكثيفة والمتباعدة. وأكثر ما يجذب القراء هو الهالة التي أحدثتها أعماله، إضافة إلى وجوده على قمة السلطة. في حوار معه، كشف ماو عن رؤاه حول فن الخط، حيث اعتقد بأن فن الخط الصيني مفعم بالتباينات والتوازنات. تكوين بعض المقاطع ضخم، وبعضها صغير، بعضها كثيف وبعضها متباين، وتختلف ضربات الفرشاة في الطول والقوة والانحناء، بحيث يكون الوضع العام متوازنا مع السطور والمساحة البيضاء والسوداء. وقال ماو تسي تونغ إن الخطاطين ينبغي أن يهتموا بقوة خطوط المقاطع والتي تسمى "العظم" في فن الخط،، وأيضا بروحها. "النسخ البسيط في البداية، ثم محاكاة التركيب وتعلم الروح. إذا مارست الخط وقتا كافيا، سوف تجد أن العظم والروح يخرجان".

أبدع ماو أسلوبه الخاص في فن الخط، على الرغم من احترامه الكبير للخطاطين القدامى. وقد قال ناصحا ذات مرة: "عليك أن تنسخ في البداية. بعد ذلك، ركز على تحسين أسلوبك الخاص. أنت بحاجة أن تتعلم أسلوبا معينا، ولكن لا تكن حبيسا له. تعلم من الجميع وحسن خطك، فهذا هو الطريق إلى التميز".        

كان تشيانغ كاي شيك (1887 - 1975)، زعيم حزب الكومينتانغ لفترة طويلة، خطاطا جيدا. تميز أسلوبه بالعظم القوي والتكوينات المتقنة، وبالأناقة والتنظيم مثل أسلوب تشاو جي، مع وجود اختلافات واضحة، فأسلوب "النحيل الذهبي" لتشاو جي الذي اتسم بضربات الفرشاة النحيلة والمتينة، أسلوب متوازن رشيق، جذب عددا لا يحصى من الأتباع. كان تشانغ أنيقا في الشكل وحكيما، ولكنه لم يكن مبدعا. كان خطه دائما منظما ومستويا بغض النظر عن حالته المزاجية. هذا يبين أنه كان حريصا على إطاعة النظام ومقيدا بالتقاليد والأعراف.

هزم ماو تشيانغ عسكريا وتفوق عليه في فن الخط. لقد بلغ خط ماو، المفعم بالحيوية والأمل، الحدود القصوى ولكن في إطار المعايير المعترف بها. اعترف ماو بالقواعد التي وضعها القدامى واستخدمها ولكنها لم تكن عائقا لتقدمه. عندما كان يكتب، كان ماو يدع مشاعره تحمل فرشاته بحرية، فأبدع مشهدا خطيا جديدا.

هناك كثير من زعماء الصين في العصر الحديث خطاطون ممتازون، مثل شو ان لاي، تشو ده وتشن يي. إذا كان فن الخط، مقارنة مع الشؤون العسكرية والاقتصادية، يعتبر نوعا من الهوايات، فإنه كفن يجسد ثقافة ثرية، يعكس سمات الشخصيات الهامة وقدراتهم القيادية الخاصة.

 

 

Address: 24 Baiwanzhuang Road, Beijing 100037 China
Fax: 86-010-68328338
Website: http://www.chinatoday.com.cn
E-mail: chinatoday@chinatoday.com.cn
Copyright (C) China Today, All Rights Reserved.

فرع مجلة ((الصين اليوم)) الإقليمي للشرق الأوسط بالقاهرة
رئيس الفرع: حسن وانغ ماو هو
العنوان: 5 شارع الفلاح، المتفرع من شارع شهاب
- المهندسين- الجزيرة- مصر
تليفاكس: 3478081(00202)
  ص.ب208 – الأورمان – الجزيرة – القاهرة – مصر
   الهاتف المحمول: 0105403068(002)
البريد الإلكتروني: kailuofenshe@yaoo.com.cn