ã

رؤية الصين لنفسها وللعالم

السفير: د.السيد أمين شلبي

منذ أن أطلق الزعيم الصيني العظيم دنغ شياو بينغ في نهاية السبعينات سلسلة الإصلاحات الاقتصادية والمراجعات الأيديولوجية، والصين تشهد عملية صعود ونمو اقتصادي استمرت بثبات بنسبة 10% على مدى ثلاثين عاما، في أول سابقة نمو في التاريخ ووضعت الصين كرابع اقتصاد في العالم وأصبحت هي البلد التي تمتلك الكم الأكبر من سندات الخزانة الأمريكية، إذ بلغت وفقا لبعض الإحصاءات تريليون دولار أمريكي. وخلال هذه الرحلة والصين وزعماؤها يحرصون على تأكيد حقيقيتين، الأولى أن الصين ليست بعد قوة عظمى، وأنها تعاني العديد من المشكلات الاقتصادية والاجتماعية والفوارق بين الريف والحضر، وأنه لا يزال لديها 800 مليون مزارع في المناطق الريفية . الثانية، هي أن الصعود الصيني هو صعود سلمى لا يستهدف بلدا أو منطقة ما، وهو ينشد بيئة إقليمية وعالمية سلمية وعالما متناسقا.

هذا الواقع وهذه الحقائق هي التي جعلت خبيرا استراتيجيا أمريكيا هو فريد زكريا يجري حوارا مطولا مع رئيس الوزراء الصيني (رئيس مجلس الدولة) ون جيا باو (راجع مجلة نيوزويك الأمريكية 2 أكتوبر 2008)، حول رؤية الصين لنفسها وللعالم وعلاقتها بوجه خاص بالولايات المتحدة والتأثير المتبادل بين البلدين، وعن متطلبات بناء نظام ديمقراطي، ودور الأخلاق في الاقتصاد.

وقد كان من الطبيعي أن يبدأ فريد زكريا حواره بالتساؤل حول رؤية رئيس وزراء الصين للأزمة المالية الأمريكية ومدى تأثر الصين بها، حيث يقول ون جيا باو إن كسادا أمريكيا لابد أن يكون له تأثير على الاقتصاد الصيني، فقبل عشر سنوات كان حجم التجارة الصينية الأمريكية 6ر102 مليار دولار أمريكي، أما اليوم فقد ارتفع هذا الرقم ارتفاعا كبيرا ليصل إلى 302 مليار دولار أمريكي، وهو ما يعني ارتفاعا لثلاثة أضعاف تقريبا، ويعني أن انخفاض الطلب الأمريكي يؤثر على الصادرات الصينية.

أما عن مصير ما تمتلكه الصين من أذونات الخزانة الأمريكية فإن ون عبرعن ثقته في أن الاقتصاد الأمريكي يقوم على قاعدة صلبة خصوصا في قطاع تكنولوجيا المعلومات والصناعات الأساسية، ويستخلص ون أن الصين تأمل في نمو مستدام في الولايات المتحدة لأن ذلك سوف يعود  بالفائدة على الصين. ورغم أن الصين قلقة على أمن وسلامة الأموال الصينية في الولايات المتحدة إلا أنها تعتقد في مصداقية الولايات المتحدة.

وفي الحوار، يحرص رئيس الوزراء الصيني على أن يصحح القول بأن الصين قوة عظمى وينبه إلى أنه على الرغم من النمو الاقتصادي الذي شهدته الصين إلا أنها ما زال لديها 800 مليون مزارع في المناطق الريفية وعشرات الملايين الذين ما زالوا يعيشون في الفقر.

وعن المعضلة التي تواجهها الصين في إتباع الإصلاح الاقتصادي وتحرير القوى الإنتاجية وبين النظام السياسي الذي ما زال يعتمد على حكم وسيطرة الحزب الواحد، يعلق ون بأنهم يعتقدون أنه في الوقت الذي تمضي فيه الصين قدما في الإصلاحات الاقتصادية فإن عليها أيضا أن تدفع قدما بالإصلاحات السياسية، لأن تطور الصين هو تطور شامل بطبيعته، غير أنه فيما يتعلق بضمانات التطور السياسي فإنه يحتاج إلى التقدم في ميادين ثلاثة: الأول هو التحسين التدريجي لنظام الانتخابات الديمقراطي بحيث تكون قوة الدولة هي فعلا ملك للشعب، والميدان الثاني هو الحاجة إلى تحسين النظام القضائي وحكم البلاد بالقانون وأن يكون لدى الصين نظام  قضائي مستقل وعادل، أما الميدان الثالث فهو أن تكون الحكومة خاضعة لإشراف الشعب وهو ما يتطلب زيادة الشفافية في الشؤون الحكومية، وأن تقبل الحكومة مفهوم الإشراف من قبل وسائل الإعلام. ويبلور ون مفهومه للديمقراطية بأنها يجب أن تأخذ في الاعتبار ظروف الصين الوطنية الخاصة وما تحتاجه من طرح نظام يناسب الخصائص الخاصة بالصين، وطرح نهج يقوم على التدرج، ويستخلص أنه من الصعب توقع ما سيحدث خلال 25 سنة، ولكن لديه قناعة بأن الديمقراطية في الصين ستواصل النمو خلال 20-30 سنة وسيكون المجتمع الصيني أكثر عدالة.

وينقل فريد زكريا حواره مع رئيس الوزراء الصيني إلى المستوى الأخلاقي والفلسفي ويشير إلى الفيلسوف ماركوس أوروليوس الذي يؤكد على ألا يكون الإنسان  معنيا بذاته فقط، وأنه يجب على الفرد أن يقوم بالأعمال التي تعود بالمنفعة على المجتمع ككل، ويقارن زكريا هذا بما يشاهده من الاتجاهات الفردية والنزعات الاستهلاكية. ويجيب ون أنه قرأ أوروليوس كثيرا وأنه يقدر كثيرا العنصر الأخلاقي وأنه على رجال الأعمال والخبراء الاقتصاديين ورجال الدولة أن يولوا قدرا أكبر للأخلاق والتصرف الأخلاقي، وأن المعيار الأسمى برأيه لقياس الأخلاق هو العدالة. ولكن حين نفكر في الاقتصاد فإننا عادة ما نفكر أكثر في الشركات ورؤوس الأموال والأسواق والتكنولوجيا، وقد ننسى في هذا الزخم التفكير في عناصر مثل المعتقدات والأخلاق. ويضيف ون  أنهم لن يسمحوا لذلك أن يحدث لأن هذا النهج ببساطة لا يمكنه الدوام.

وهكذا ينبئ هذا الحوار وردود رئيس الوزراء الصيني عن رؤية الصين لنفسها وللعالم، فهي رغم مستوى النمو غير المسبوق الذي حققته لا ترى في نفسها بعد قوة عظمى، وأن استمرار نموها وثباته يتطلب عالما متناسقا وبيئة عالمية وإقليمية سلمية. وعلى العكس مما قد يتصور البعض، فإن أي كساد أمريكي هو ضد المصالح  الصينية، وأن الإصلاح السياسي والديمقراطي في الصين له متطلبات يجب أن تتحقق مثل الإصلاح القضائي وزيادة الشفافية في الحكم. ولعل ما يلفت نظرنا هو تركيز رئيس الوزراء الصيني على العلاقة بين الأخلاق والاقتصاد، وأن رجال الأعمال والسياسة يجب أن توجههم الأخلاق وأن يجمعوا بين الاهتمام بالشركات وبناء الثروة والتكنولوجيا وبين العنصر الأخلاقي.

 

 

Address: 24 Baiwanzhuang Road, Beijing 100037 China
Fax: 86-010-68328338
Website: http://www.chinatoday.com.cn
E-mail: chinatoday@chinatoday.com.cn
Copyright (C) China Today, All Rights Reserved.

فرع مجلة ((الصين اليوم)) الإقليمي للشرق الأوسط بالقاهرة
رئيس الفرع: حسن وانغ ماو هو
العنوان: 5 شارع الفلاح، المتفرع من شارع شهاب
- المهندسين- الجزيرة- مصر
تليفاكس: 3478081(00202)
  ص.ب208 – الأورمان – الجزيرة – القاهرة – مصر
   الهاتف المحمول: 0105403068(002)
البريد الإلكتروني: kailuofenshe@yaoo.com.cn