ã

بيني وبين مصر

وو سي كه

   سفير الصين السابق لدى جمهورية مصر العربية

السفير وو سي كه على ضفة النيل

السفير وو سي كه والسيدة سوزان مبارك مع فرقة فنية صينية بالقاهرة

القاهرة ليلا

                                    

خمسة وثلاثون عاما مرت كلمح البصر، منذ أن تنسمت هواء مصر لأول مرة. لقد كنت محظوظا أن أعمل في هذا البلد الحضاري العريق ثلاث مرات، تشبعت خلالها بثقافته المبهرة وشهدت التغيرات التي جرت على أرض مصر.

مصر التي تحتضن الجزء الأخير من النيل، وتقع في قارتي أفريقيا وآسيا،  نشأت فيها حضارة عريقة جعلت من مصر الحديثة بلدا ملفوفا بالغموض والسحر. لا تزال صورة الأهرامات الشاهقة، وغابات النخيل الممتدة بين الصحراء والوادي، والقوارب التي تمخر عباب مياه النيل تلوح أمام ناظري، ويتردد صدى إيقاع الطبل العربي في أذني.

بدأت رحلتي مع مصر قبيل أن ينطفئ لهيب حرب عام 1973، ففي نهاية ذلك العام وصلت مصر للعمل بسفارة الصين في القاهرة. وبعد أيام قليلة توجهت مع زملائي الدبلوماسيين الآخرين بالسفارة إلى جبهة القتال في منطقة قناة السويس. وقفت أمام أطلال الحرب والآثار التي خلفها الرصاص متخيلا قوات مصر الباسلة وهي تعبر قناة السويس وتحطم خط بارليف لتعتلي الضفة الشرقية للقناة. هذا المشهد جعلني أقدر كثير بطولة الشعب المصري في نضاله. لقد أدت حرب أكتوبر/تشرين 1973 إلى تغيير الوضع في منطقة الشرق الأوسط  بعد فترة طويلة من حالة اللا سلم واللا حرب، وهيأت لمنطقة الشرق الأوسط فرصة للدخول في مفاوضات سلام، فبعد وقت ليس طويلا من نهاية حرب أكتوبر، أعلن الرئيس المصري، الذي اتخذ قرار الحرب وقادها، محمد أنور السادات في خطابه أمام جلسة مشتركة لمجلسي الشعب والشورى المصريين أن السلام هو خيار مصر الاستراتيجي، وأعرب عن استعداده، من أجل السلام، أن يذهب إلى آخر الدنيا، وأن يزور القدس إذا وجهت إسرائيل الدعوة إليه. أثارت كلمات السادات دهشة بالغة في المجتمع المصري والدولي، فالعداء المستحكم بين العرب وإسرائيل ممتد منذ زمن طويل... كنت حاضرا هذه الجلسة، أتابعها من مقاعد الضيوف، وقد رأيت السيد ياسر عرفات، رئيس منظمة التحرير الفلسطينية حينذاك، وكان جالسا بمقاعد كبار الضيوف في الصف الأول من قاعة الاجتماع، يصفق ويضحك، وقد ظن الجميع أن السادات أراد بهذه الكلمات أن يحرج إسرائيل، وأن هذا نوع من النضال ضد إسرائيل. مازال هذا المشهد ماثلا في ذهني بوضوح. بعد وقت غير طويل على هذا الخطاب، كان السادات بالفعل في القدس، وبعد ذلك توصل الجانيان المصري والإسرائيلي إلى اتفاق سلام بوساطة أمريكية واستعادت مصر شبه جزيرة سيناء بعد احتلال إسرائيلي دام أكثر من عشر سنوات. منذ ذلك الوقت، طرأت تغيرات تاريخية على الوضع في الشرق الأوسط ودخلت مصر مرحلة جديدة لإعادة البناء والتنمية. كنت محظوظا أن أشهد وأنا دبلوماسي شاب هذه التحولات التاريخية في منطقة الشرق الأوسط.

بفضل السلام تطورت صناعة السياحة في مصر، فصارت ركيزة رئيسية لاقتصاد مصر. والحقيقة أن مصر في حد ذاتها متحف مكشوف، حيث الأهرامات الشاهقة، ومعبد أبو سمبل العريق في الأقصر ومعبد الكرنك والدير البحري الخ، وتأتيها الأفواج السياحية من أنحاء العالم على مدار السنة. وفي المتحف المصري بالقاهرة يرى الزائر عن قرب حضارة الإنسان في عهد الفراعنة. هذا المتحف مكتظ بالزوار دائما، في كل أركانه ترى الدهشة والإعجاب في عيونهم. وكيف لا يدهش الناس، وقد وصل المصريون القدماء قبل أربعة أو خمسة آلاف سنة إلى مستوى مازال يثير العجب إلى اليوم في مجالات الفلك، القانون، الطب والبناء وأبدعوا أعمالا فنية دقيقة رائعة. أستدعي من الذاكرة المرة الأولى التي لمست فيها يداي الأحجار العملاقة للأهرامات، فكأني كنت أتحسس نبض الحياة قبل آلاف السنين. شعرت بأن الزمن توقف وأنني أتحدث مع الإنسان القديم عبر أنفاق الزمن، ويزداد إعجابي وتقديري لشعب المصر العظيم صاحب تلك الحضارة الرائعة.

بعد ثلاثين عاما، ذهبت إلى مصر سفيرا لبلادي، وكانت هذه ثالث مرة أعمل في مصر. في ذلك الوقت كان السلام أتي لمصر بتطورات هائلة وحيوية كبيرة، فتحولت شرم الشيخ من قرية صغيرة لصيادي السمك إلى مدينة ساحلية جميلة مشهورة في العالم، يأتيها السياح من كل مكان للتمتع بالسواحل والشمس، كما تعقد بها كثير من المؤتمرات الدولية، فحملت شرم الشيخ لقب "مدينة السلام"، وشيدت في صحراء مصر الكثير من المدن الجديدة والمناطق الاستثمارية التي تحمل أسماء تخلد ذكرى حرب أكتوبر، وانتشرت المقاصد السياحية على ساحل البحر الأحمر وساحل البحر المتوسط مثل عقد من اللؤلؤ. وعندما تقترب الشمس من الغروب تتموج المراكب السياحية مثل التنانين على صفحة مياه النيل، على إيقاع رقصة التنورة والرقص الشرقي. 

على متن مركب سياحي، يمكنك أن تستمتع بمناظر الحقول الممتدة على ضفتي النيل وأن تزور المعابد القديمة الواقعة على ضفتي النهر، من مدينة أسوان إلى مدينة الأقصر. ذات مرة، كنت في زيارة إلى مدينتي أسوان والأقصر على متن مركب سياحي، وعندما وصلنا إلى بلدة إدفو، الواقعة بين المدينتين كان يوم عيد الفطر المبارك، خلال جولتنا بالمدينة  بحنطور (عربة يجرها حصان) أدهشني كثيرا مشهد الشوارع والأزقة المكتظة بالناس في لباس العيد، مبتهجين مرددين الأغاني، بينما تتردد أصداء تلاوة القرآن في الأرجاء، ويتبادل الناس التهنئة بالعيد. في الطريق إلى معبد إدفو كان أبناء البلدة يبادروننا بالتهنئة بالعيد بل ودعوتنا لمشاركتهم في مهرجان الاحتفال بعيد الفطر، وتقديم مأكولات العيد لنا.

في مصر يقولون "العالم يخاف الزمن، أما الزمن فيخاف الأهرامات". الحقيقة أن الأهرامات لا تتغير، فبعد عودتي إلى القاهرة زرت الأهرامات عشر مرات على الأقل، أقف أمامها وأفكر. الزمن تغير، فقبل ثلاثين سنة كنا في طريقنا إلى الأهرامات من وسط المدينة نمر بحقول زراعية ونقطع قنوات مائية. اليوم، تحولت الحقول الواسعة إلى شوارع متقاطعة ترتفع فيها ناطحات السحاب، وأضحت الأهرامات مرتبطة مباشرة مع وسط المدينة.

تحمل القاهرة لقب "مدينة الألف مئذنة" نظرا لكثرة المساجد بها. أيما تذهب في هذه المدينة تسمع الآذان للصلوات الخمس يوميا، وفي المساء، تضيء الأنوار الملونة  المآذن، مما يجعل ليل القاهرة نهارا. زرت الكثير من المساجد ذات الطراز المعماري الرائع، وشعرت هناك بإخلاص المسلمين. كما زرت مرات منطقة المدينة القديمة التي توجد بها الكنائس المسيحية والمعابد اليهودية للتعرف على رحلة النبي موسى والنبي عيسي، والتواصل بين الحضارات الدينية المختلفة.

الصداقة بين الصين ومصر عريقة.  في زمن أسرة هان الغربية (206 ق.م- 24 م) وصل مبعوث من الإمبراطور هان وو دي إلى مدينة الإسكندرية- عاصمة مصر حينذاك. وبعد ذلك، أصبح طريق الحرير رابطا بين الحضارتين القديمتين. في التاريخ المعاصر، وقف الشعبان إلى جانب بعضهما البعض في حروب التحرير والاستقلال. ومصر أول دولة إفريقية وعربية أقامت علاقة دبلوماسية مع الصين الجديدة. في أوائل ستينات القرن الماضي، عندما قام رئيس مجلس الدولة الصيني تشو آن لاي بزيارة لعشر دول إفريقية، كانت مصر أول محطة له، ومنها أعلن خمسة مبادئ لتطوير العلاقات بين الصين والدول الإفريقية والعربية، وكان لذلك تأثير عميق مازال قائما إلى اليوم. بعد ذلك، زار قادة الصين من الأجيال المختلفة مصر مرات. وفي سنة 1999، أعلنت الدولتان بناء علاقة شراكة استراتيجية موجهة نحو القرن الحادي والعشرين. وفي سنة 2006، بمناسبة ذكرى مرور خمسين سنة على إقامة العلاقة الدبلوماسية بين الصين ومصر، قام رئيس مجلس الدولة، ون جيا باو، بزيارة لمصر، شارك خلالها مع رئيس الوزراء المصري، أحمد نظيف، في مهرجان "يد بيد" الفني الضخم، الذي أقيم بهضبة الهرم، وقدم فيه الفنانون الصينيون والمصريون عروضا فنية مميزة. في نوفمبر سنة 2006، شارك رئيس مصر حسني مبارك في قمة منتدى التعاون الصيني الإفريقي التي عقدت ببكين وقام بتاسع زيارة له إلى الصين، والتي صاحبته فيها وسمعت منه مرات ثناءه على الإنجازات التي حققتها الصين منذ انتهاج سياسة الإصلاح والانفتاح. وخلال محادثات الرئيس مبارك مع قادة الصين ورجال الأعمال الصينيين أعرب مبارك عن أمله واهتمامه باستمرار التعاون بين مصر والصين في مختلف المجالات. إن شجرة الصداقة الصينية المصرية تنمو وتترعرع بفضل رعاية الطرفين، وأشعر بسعادة مضاعفة لأنني ساهمت في تعزيز الصداقة والتعاون بين الدولتين العريقتين.

 

 

Address: 24 Baiwanzhuang Road, Beijing 100037 China
Fax: 86-010-68328338
Website: http://www.chinatoday.com.cn
E-mail: chinatoday@chinatoday.com.cn
Copyright (C) China Today, All Rights Reserved.

فرع مجلة ((الصين اليوم)) الإقليمي للشرق الأوسط بالقاهرة
رئيس الفرع: حسن وانغ ماو هو
العنوان: 5 شارع الفلاح، المتفرع من شارع شهاب
- المهندسين- الجزيرة- مصر
تليفاكس: 3478081(00202)
  ص.ب208 – الأورمان – الجزيرة – القاهرة – مصر
   الهاتف المحمول: 0105403068(002)
البريد الإلكتروني: kailuofenshe@yaoo.com.cn