ã

الصينيون في بلاد العرب

حسين إسماعيل

صيني (الوسط) مع زميليه العاملين بفندق برج العرب في دبي

مدرسة النموذجية للصداقة المصرية الصينية بمصر

نشاط مشترك لطلاب المدرسة السعودية ببكين ومدرسة تشاويانغ الابتدائية التجريبية ببكين

كان وجه محدثي، وأنا في القاهرة خريف العام الماضي، مملوءا بالدهشة والاستغراب وهو يخبرني أن الصينيين فتحوا صالونات حلاقة في مدن الأقاليم بمصر.. يشتغلون مزينين حاليا. وعندما زارني في بيتي بالعاصمة المصرية صديق ممن يسمونهم النُخبة، مازحني بعد أن قدمت له طبقا من الكعك متسائلا: كعك مصري أم صيني؟ مع إشارة لا تخلو من مغزى. عرفت بعد ذلك أن الصينيين المقيمين في مصر طرحوا في الأسواق المصرية أنواعا من الكعك  بمناسبة عيد الفطر 2008، نوعيته جيده وبسعر يقل عن نصف المتداول في السوق، وبالطبع الكعك صُنع في مصر وبمواد خام مصرية، وربما بأيد مصرية. الشخص الوحيد الذي لم أر دهشة على وجهه عندما جاء ذِكرُ الباعة الصينيين، هو أمي التي تحدثت عنهم في حضور أصدقاء صينيين، معددة مناقبهم وحلو كلامهم ومهارتهم في البيع عندما يطرقون بابها عارضين عليها بضاعتهم (في معظم الأحيان بضاعتهن).

البعض اعتبر موضوع الباعة الصينيين في الدول العربية ظاهرة جديدة، وقد كُتب عنها في الصحف والمجلات ومواقع الإنترنت، ونوقشت من النواحي الاجتماعية والاقتصادية، بل والنفسية، إذ فسرت إحداهن، اسمها د. منال أحمد، إقبال بني وطنها على المنتجات الصينية والباعة الصينيين "أننا مصابون بعقدة الخواجة والدليل علي ذلك تفضيل كل ما هو مستورد عن أي منتج محلي، ونلهث وراء السلع الأجنبية لشرائها حتى ولو كانت أقل جودة من المحلية، فعندما تطرق فتاة صينية باب أسرة مصرية يًُفتح لها الباب على مصراعيه وتحسن الأسرة استقبالها وتشتري بكميات كبيرة وبأسعار مرتفعة". ولعلك، عزيزي قارئ هذه السطور، صادفت عناوين مقالات وتحقيقات صحفية مثل: انتشار العمالة الصينية في الجزائر (العربية نت)، رصيف الإمارات.. بضاعة مجهولة والباعة صينيون (إسلام أون لاين نت)، الصينيون يكتسحون مهرجان السياحة والتسوق بالإسكندرية (جريدة الشرق الأوسط)، التجار الصينيون يفتحون متاجر في المغرب (موقع مغاربية)، الدلالة الصينية وصلت بني سويف (جريدة الجمهورية المصرية) الخ. بل إن موقع إنترنت عربيا هو شبكة محيط  نشر مقالة حول مسألة الباعة الصينيين في المدن العربية، ولكن الذي كتبها لم يستطع الحصول على صورة لصيني في مدينة عربية فنشر صورتين لصينيين ولكن داخل الصين. إذن هو حديث لا ينقطع عن ظاهرة الصينيين في الدول العربية وهو في معظمه حديث يفتقر إلى الدقة والموضوعية، إذ هو أقرب لما يسميه أهل مصر حكايات المصاطب.

والحق أن الأمر قد يكون ظاهرة، ولكنها ليست جديدة، (أو هكذا ينبغي أن تكون)، خاصة بالنسبة لأهل بلدان مثل مصر ولبنان وسورية، الذين ظلت أوطانهم حتى وقت قريب فسيفساء من الوجوه والملل والنحل، وبوتقة تستوعب ما يأتيها من خارجها من عرب وعجم. وأزعم أن كثيرا من المُسنين من أهل ريف مصر، ولن أقول مدينة الإسكندرية، يمكن أن يذكروا أسماء فلان اليوناني صاحب ورشة إصلاح السيارات والماكينات التي كانت هنا، وفلان، المزين التركي، والبائع الأرمني الذي كان يتجول حاملا البقجة (الصرة) وبداخلها أنواع القماش يبيعه بالتقسيط ويعود كل فترة يُحصل ماله، وغيرهم. وربما يدهش البعض عندما يعرف أن الصينيين لم يكونوا بعيدين عن هذا المجال، وقد روى لي السفير هاني شرف الدين، نائب رئيس جمعية الصداقة المصرية الصينية، أن من بين الذين كانوا يعملون بهذه التجارة، البيع المتجول، والد رجل الأعمال المشهور هاني يان، المصري من أصل صيني، صاحب سلسلة مطاعم بكين في مصر. وقال إن الرجل الصيني الذي قدم من مقاطعة شاندونغ الصينية إلى مصر واتخذها وطنا وتزوج سيدة من أصل سوري، كان يصل ببضاعته إلى رأس البر في دمياط، بدلتا النيل. كان ذلك في النصف الأول للقرن العشرين، قبل عصر العولمة. كما أن "الصيني" لقب يحمله عدد لا بأس به من أبناء الصين الذين هاجروا إلى دول الخليج، وخصوصا السعودية، فما الجديد وما الذي يثير الاستغراب؟

تختلف الرؤى لوجود الصينيين في الدول العربية، كباعة وأصحاب مهن، فهناك من يرى أنهم يقضمون كسرة خبز ابن البلد، ويزيدون البطالة ويعطلون المصانع، الخ من قائمة اتهامات لابد أن تضحك لها عندما تعرف الحقيقة. البيانات الرسمية المتوفرة من الجهات المصرية المعنية مثلا تفيد بأن عدد الصينيين الذين يدخلون مصر سنويا هو ما بين سبعين ألفا وثمانين ألفا، ما بين مسئولين رسميين وعلماء وخبراء زائرين وسائحين وتجار، وبافتراض أن 1% منهم يتخلف ولا يرجع إلى بلاده، أو لا يغادر مصر مع انتهاء مدة إقامته القانونية،  فإن من يبقى يكون سبعين فردا، فهل هؤلاء السبعون أو المائة أو حتى الخمسمائة هم سبب البطالة وإغلاق المصانع وتعطل الأحوال في مصر؟

السؤال المنطقي الآخر هو: إذا كان الباعة الصينيون ينجحون فلماذا لا يتعلم الآخرون من أسباب نجاحهم، خاصة أن ابن البلد يظل الأكثر قدرة على فهم سيكولوجية المستهلك واحتياجاته، فالأعجمي يظل أعجميا مهما بلغت قدرته. ما يقال عن الصينيين في مصر يقال عن بقية بلدان العرب، من المحيط إلى الخليج.

الجانب الآخر من الصورة والذي ينبغي الانتباه إليه جيدا هو أن أبناء بلاد العرب، قصدوا إلى الصين وصارت لهم تجمعاتهم وشوارعهم، يمارسون كافة الحرف ويعملون في كل المجالات، وعندما تنتهي مدة تأشيرة أو إقامة بعضهم يتخلفون ويبقون في الصين. والعرب في الصين منهم المزين، صاحب الصالون (ارجع إلى الصين اليوم العدد 6 لسنة 2006)، ومنهم النادل في مطعم والوسيط والعاطل والتاجر ومعلم اللغة الإنجليزية، ولا تعجب فقد صادفت شبابا من العرب تخرجوا حديثا في الجامعة ويعملون مدرسين للغة ربما لا يجيدونها هم أنفسهم بالقدر الكافي. ويُقدر عدد العرب المقيمين في مدينة إيوو بمقاطعة تشجيانغ وحدها بنحو ثلاثة آلاف فرد، ألا يقضم هؤلاء من طبق الصينيين؟

الجيد، إلى الآن، في الحالتين، وأعني الصينيين في الدول العربية والعرب في الصين، أنه لا توجد شكوى من أي طرف بأنهم يثيرون مشاكل أو يرتكبون أفعالا مشينة، أو يتعرض أي طرف منهم إلى معاملة سيئة من جانب الطرف الآخر. فالعرب الذين يعملون ويقيمون في الصين، وبعضهم يقيم مخالفا للقانون بالتحايل على اللوائح، يشعرون بالأمن والأمان.

الرأي الأخر في شأن الصينيين بالدول العربية أنهم يساهمون في جعل حياة المواطن العادي أكثر يسرا بتوفير سلع جيدة بأسعار معقولة ومستوى خدمة طيب، ثم أنهم يوفرون فرص عمل لمن يستخدمونهم من المحليين لمساعدتهم في تجارتهم، بل ويحققون دخلا للجهات التي يستأجرون أماكنها لإقامة معارض السلع ولإقامتهم وفي التنقلات وغيرها من الخدمات الاستهلاكية، ففي النهاية هم ينفقون جزءا من دخلهم في المكان الذي يقيمون فيه وهذا من شأنه زيادة الرواج وتدوير المال.

ينبغي عليَّ أن أنوه هنا أنني أتحدث عن الصينيين في الدول العربية وليس عن المنتجات الصينية، فهذا أمر آخر قد نتعرض له فيما بعد. وهنا قد يكون من المناسب التذكير بأننا في القرن الحادي العشرين، قرن العولمة والسماوات المفتوحة والإنترنت والويبكام. نحن أمام جيل جديد من الشباب في كل أنحاء العالم، يعتبر الدنيا كلها وطنا له، لا يرى شيئا بعيدا، فإذا فكر وعقد العزم، أو اضطرته ظروفه، للذهاب إلى أقصى الأرض لن يمنعه شيء. وقد شاهدنا وقرأنا عن قوارب الموت التي كانت تقل شبابا قرروا السفر إلى بلدان لا يحملون سمة دخول لها فابتلعهم البحر، ومع ذلك هناك من سار على ذات الدرب.

بيد أن المسألة الجديرة باهتمام الجهات المسئولة على الجانبين، في الصين وفي الدول العربية، هي أننا أمام حالة مرشحة للاستمرار والزيادة، ومن الطبيعي أن تنتج هذه الحالة أوضاعا تستلزم التعامل معها، فمع كثرة العرب في الصين، وزيادة الصينيين في البلاد العربية لابد أن خلافات ومخالفات سوف تبرز على السطح؛ خلافات تجارية، خلافات بين الأشخاص، قضايا قانونية تتعلق بالملكية والحقوق، وربما جرائم وأنشطة غير مرغوبة. ثم أنه مع هذا التدفق المتبادل يزداد عدد حالات الزواج بين أفراد من الجانبين، ونحن بالفعل حاليا أمام حقيقة وجود عدد من الأبناء الصينيين/ العرب وسوف يرتفع هذه العدد مستقبلا، وهذا يعني ضرورة وجود آليات للتعامل مع قضايا الأحوال الشخصية، من زواج وطلاق وحضانة أطفال وإقامة شريك الحياة (الزوج أو الزوجة) في بلد شريكه. ويرتبط بذلك مسألة التعليم والمدارس، فالضرورة وواقع الحال يفرض وجود مزيد من المدارس العربية في الصين، وخاصة في المدن ذات الكثافة العربية العالية، وبالمثل لابد من وجود مدارس صينية في المدن العربية التي يزداد فيها عدد الصينيين بمعدلات عالية. وعندما أتحدث عن مدرسة فإنني أعني نظاما تعليميا متكاملا من  الحضانة إلى المرحلة الثانوية وربما الجامعية، وتكون شهاداته معترفا بها من الجانبين، ولعل فكرة المدارس الثنائية اللغة هي الأنجع، كونها تضمن تخريج أجيال متمكنة من اللغتين العربية والصينية وعلى وعي بثقافتي الأمتين، وهذا أكبر ضمان لمستقبل مشرق للعلاقات العربية الصينية. 

husseinismail@yahoo.com

     

 

 

  

 

 

Address: 24 Baiwanzhuang Road, Beijing 100037 China
Fax: 86-010-68328338
Website: http://www.chinatoday.com.cn
E-mail: chinatoday@chinatoday.com.cn
Copyright (C) China Today, All Rights Reserved.

فرع مجلة ((الصين اليوم)) الإقليمي للشرق الأوسط بالقاهرة
رئيس الفرع: حسن وانغ ماو هو
العنوان: 5 شارع الفلاح، المتفرع من شارع شهاب
- المهندسين- الجزيرة- مصر
تليفاكس: 3478081(00202)
  ص.ب208 – الأورمان – الجزيرة – القاهرة – مصر
   الهاتف المحمول: 0105403068(002)
البريد الإلكتروني: kailuofenshe@yaoo.com.cn