عملت لي نان، ذات الخمسة والعشرين ربيعا، محررة بموقع إنترنت لفترة، قبل أن تتركه منذ ستة شهور وتتقلب بين عدة وظائف لم ينل أي منها رضاها، فقررت أن تكتب رواية على الإنترنت، تجمع بين قصص الكونغ فو والقصص الرومانسية. لي نان تعمل حاليا كاتبة روائية لصالح موقع www.cmfu.com، وقد اقترح عليها مسئول الموقع أن تكتب ما بين ألف وألفي كلمة يوميا من رواية كونغ فو / رومانسية للموقع. تقول لي نان إنها تحقق من هذا العمل دخلا يغطي نفقاتها اليومية.
وفقا لأرقام مصلحة الإحصاء الصينية يمارس 80% من مستخدمي الإنترنت في الصين، الذين بلغ عددهم 253 مليونا حتى نهاية يونيو 2008، الكتابة على الإنترنت، بفضل توفر سبل متنوعة لذلك سواء من خلال المواقع الأدبية والمدونات وشبكات بي بي إس BBS.
مزايا أدب الإنترنت
يقول يه كوانغ تشنغ، وهو صاحب دار نشر مستقلة: "في الماضي كان كثيرون يكتبون أعمالا أدبية ولكن لم تتوفر لهم سبل النشر، فكانت أعمالهم تبقى حبيسة الأدراج. الآن، شبكة الإنترنت "درج عمومي" يوفر مكانا للتخزين وقنوات متنوعة للنشر". يتفق مع هذا الرأي الناقد الأدبي تشانغ يي وو، الأستاذ بجامعة بكين، ويضيف بالقول: "الإنترنت يجعل عتبة النشر يسيرة العبور، وتتمثل أهم مزايا أدب الإنترنت في الانفتاح والشعبية، مما يجعل وصوله إلى عامة الناس أسهل بالمقارنة مع الأدب التقليدي".
والحقيقة أن أدب الإنترنت ببر الصين الرئيسي شهد تطورا سريعا منذ نشر رواية "الاتصال الحميم الأول" التي كتبها روائي الإنترنت المشهور تساى تشي هنغ سنة 1999. ظهر كثير من أعمال أدب الإنترنت التي تحولت إلى أعمال مطبوعة وحققت شهرة ومبيعات كبيرة.
ويعتقد أحد مؤلف الإنترنت أن الأدب التقليدي، كونه أحادي المحتوى والنمط، قد لا يلبي متطلبات القراء، الشباب والمراهقين في ظل التغير السريع لأذواق القراء، ويقول: "أنا أعتبر الأدب هواية أستمتع بها، ولا أشعر بالتزام بأن تكون لأعمالي أهمية اجتماعية أو إحساس بالمسئولية". ويعزو تشانغ يي وو نجاح أدب الإنترنت إلى حقيقة أن معظم مؤلفيه وقرائه ولدوا بعد ثمانينات القرن الماضي، نشئوا وترعرعوا في ظل سياسة الإصلاح والانفتاح واقتصاد السوق في الصين وتطور شبكة الإنترنت والعولمة الخ، فاكتسبوا مفاهيم جديدة، بالمقارنة مع آبائهم وأمهاتهم، وصار لهم طابع ثقافي فريد وآفاق أوسع. ولا شك أن أدب الإنترنت يوفر لهم أيسر وأفضل مسرح للبوح بأصواتهم وتبادل أفكارهم.
رواية الإنترنت تتحدث لغة العصر
من أبرز أنماط روايات الإنترنت، الروايات التي على نمط السيرة الذاتية التي تبوح بالمشاعر أو تنضح بالشكوى من الحياة اليومية، وهناك الروايات التي تعكس تفرد الشخصية أو تمردها على المفاهيم التقليدية. وهذا النوع من الروايات هو الأكثر تفضيلا لدى القراء بفضل قربها من الحياة وأسلوب كتابتها الساخر.
كما أن روايات الخيال والرعب تجذب القراء بقصصها الجذابة والمشوقة، ومن نماذجها رواية "الشبح يطفئ الضوء" للكاتب تشانغ مو يا، الذي يوقع كتاباته باسم "تيان شيا با تشانغ". هذه الرواية التي تحكي قصص بعض لصوص القبور، مكتوبة بأسلوب فيه سحر وغموض، ممزوجا بالخيال وبعض معارف علم الآثار القديمة. حققت رواية "الشبح يطفئ الضوء" انتشارا كبيرا بين القراء الصينيين، بل إن شركة إنتاج سينمائي بهوليود تعتزم تحويلها إلى فيلم.
جدير بالذكر أن الروايات التاريخية شهدت في السنوات الأخيرة ازدهارا على الإنترنت، فتلك الروايات تحكي قصص التاريخ وأحداثه بمفردات شعبية وبأسلوب ساخر أحيانا وتحلل قضايا التاريخ برؤية عصرية. من نماذج الروايات التاريخية على الإنترنت سلسلة "قصص من أسرة مينغ"، للمؤلف شي يويه، الذي يوقع كتاباته باسم "دانغ نيانغ مينغ يويه". تسرد الرواية معظم القضايا التاريخية الهامة في زمن أسرة مينغ وفقا لترتيب جلوس أباطرتها على العرش، وتحلل بعض القضايا التاريخية برؤية معاصرة وباللغة الشائعة الاستخدام حاليا.
وقد جاء ترتيب مؤلف "الشبح يطفئ الضوء" ومؤلف "قصص من أسرة مينغ" في المركز التاسع عشر والثاني والعشرين على التوالي في قائمة الكتاب الأثرياء لسنة 2007، حيث حقق الأول 8ر2 مليون يوان والثاني 25ر2 مليون يوان من حقوق التأليف، وتجاوزا بذلك بعض مشاهير كتاب الأدب التقليدي.
مواقع أدب الإنترنت
مع ازدهار أدب الإنترنت، ظهر المزيد من مواقع أدب الإنترنت، من أبرزها موقع www.cmfu.com، وهو أكبر موقع إلكتروني في العالم حاليا لأدب الإنترنت الأصلي باللغة الصينية، حيث يوجد لديه 220 ألف عمل أدبي أصلي، يتجاوز عدد كلماتها 12 مليار كلمة، ويتم تجديد ثلاثين مليون كلمة يوميا. ويبلغ عدد زيارات الموقع يوميا 220 مليون مرة، وهذا رقم ربما لا تستطيع أن تحققه أية وسيلة إعلامية تقليدية.
الجانب المؤسف في هذا الموضوع هو أن بعض مؤلفي أدب الإنترنت يتعمدون إضافة محتويات غير جيدة في كتاباتهم لتحقيق عدد أكبر من الزيارات لما يكتبون ومن ثم تحقيق ربح أكبر. وقد قال أحد كتاب أدب الإنترنت: "إن أدب الإنترنت حقق النجاح لبعض المؤلفين، ولكن في نفس الوقت طفحت على سطحه أعمال قذرة تحتوي على العنف والجنس، وربما إذا لم تتم السيطرة عليها، يصير أدب الإنترنت أدبا سيئ السمعة."
ويبدو أن ظاهرة المحتوى غير الجيد مستفحلة، فقد أعلن تشن تسن، المدير الفني السابق في أول موقع إلكتروني لأدب الإنترنت ظهر بالصين www.rongshuxia.com،، عن يأسه وخيبة أمله في أدب الإنترنت وقال: "كنت أعتقد أن هناك كتابا يحرصون على تأليف أعمال أدبية مختلفة ومتميزة، ذات أسلوب خاص، ملتزمين بما يؤمنون به من أفكار، ولكنني اكتشفت أنه من المستحيل أن يحدث ذلك على شبكة الإنترنت". ويناشد تشن سن الكتاب أن ينأوا بأنفسهم عن العوامل التجارية، ولكنه يستدرك قائلا إن مشاركة المواقع الإلكترونية التجارية في أدب الإنترنت تحوله إلى "أدب تجاري"، وتجعل تقييم الأعمال الأدبية يعتمد على القيمة التجارية، وليس الفنية، لها، استنادا إلى عدد الزيارات وعدد النسخ المطبوعة وغيره من العوامل التجارية. ويحذر تشن سن من أن عدد أعمال أدب الإنترنت الجيدة قد يتضاءل مع سعي أدباء الإنترنت وراء المصالح التجارية بل قد يصل الأمر إلى تخريب مستقبل أدب الإنترنت برمته. ويعترف الرجل بأنه لم يقرأ، حتى الآن، عملا أدبيا على الإنترنت يفوق روائع الأدب التقليدي. ولكن من يدري، ماذا يضمر المستقبل في جعبته؟