ظلت قطر دولة غامضة بالنسبة للصينيين، فقد كانوا يظنونها دولة نفطية صحراؤها شاسعة، يلبس أهلها الجلابيب البيضاء وغطاء الرأس (الغترة) الأبيض، ويمتلكون السيارات الفارهة والبيوت الفاخرة. غير أن شهر ديسمبر سنة 2006 كان علامة فارقة في معرفة الصينيين بل وآخرين بدولة قطر، فقد جعل نجاح الدوحة في استضافة دورة الألعاب الآسيوية (آسياد) قطر جديرة بلقب "الدولة الرياضية".
والحقيقة أن القطريين مولعون بالرياضة البدنية، وقد فاز منتخبها لكرة القدم للرجال على المنتخب الصيني في مباريات التأهيل لكأس العالم مرات. وبرغم أن الصين وقطر غريمان في كرة القدم على المستوى الآسيوي إلا أن عرى ارتباطهما الرياضي لا تنفصم، حيث عرف المدربون الصينيون طريقهم إلى قطر قبل أكثر من عشر سنوات، وتركوا بصمات واضحة على تطوير الرياضة في هذه الدولة العربية الخليجية وتعزيز التبادل الرياضي بين الصين وقطر، وبات المدربون الصينيون يحظون بسمعة عالية هناك.
لاعبة صينية تدرب منتخب إطلاق السهم القطري
بعيون صافية وكلمات هادئة قالت لي لينغ جيوان التي جاوزت الأربعين ربيعا: "كنت أقرأ كلمات اللوحات الإرشادية بمجرد أن يراها الآخرون وأنا في المواصلات العامة". وبفضل قوة بصرها ومهارتها الفائقة، حطمت لي لينغ جيوان خلال 18 سنة خمسة أرقام قياسية أولمبية وحصلت على الميدالية الفضية لإطلاق السهم في أولمبياد لوس أنجلوس عام 1984.
بعد أن اعتزلت لي لينغ جيوان اللعب، اتجهت إلى التدريب، وصارت مدربة منتخب إطلاق السهم القطري للنساء عندما بعثت بها مصلحة الدولة الصينية للرياضة إلى الدوحة سنة 2002، لتنشئ هذه الرياضة للنساء في قطر. وخلال أربع سنوات أصبح المنتخب القطري للنساء بقيادتها من الفرق القوية وحصل على الميدالية البرونزية لسباق الفرق في آسياد 2006.
وإذا كان البعض اعتبر أن ما تحقق في آسياد ليس هو أفضل نتيجة لمدربة حاصلة على فضية أولمبية، إلا أن معرفة ظروف هذا الفوز قد تغير الصورة، فكافة أعضاء الفريق نساء لهن أعمالهن، فمنهن الطالبة والممرضة والمعلمة، وليس من بينهن رياضية واحدة محترفة. وكن يتدربن ساعتين فقط بعد الانتهاء من أعمالهن. ولهذا فإن تدريب هذا الفريق للحصول على ميدالية في آسياد كان مهمة مستحيلة بالنسبة إلى شخص عادي. وكما قالت لاعبة إطلاق السهم القطرية ندى، تلميذة لي لينغ جيوان: "هي مدربة ممتازة، نحبها حبا جما".
بعد آسياد، شارك منتخب إطلاق السهم القطري للنساء في دورة الألعاب العربية، وفاز بميدالية ذهبية.
صاحب ذهبية الجمباز يدرب فريق الجمباز القطري
فاز تشن تشاو بالمركز الأول للمتوازي في مباريات البطولة الوطنية الصينية للجمباز عام 1995، بدأ تدريب فريق الجمباز القطري قبل سنوات، وبعد جهود شاقة في سنوات عديدة حقق هذا الفريق اختراقا وفاز بميداليات ذهبية في الجمباز في مسابقات عربية وخليجية.
يطمح تشن تشاو إلى نتائج أفضل ولكن عدد سكان قطر قليل ومن ثم فإن عدد الموهوبين الرياضيين قليل، وهذا سبب يؤثر على تطور رياضة الجمباز بقطر.
التمرينات هي أساس لعبة الجمباز، فلا يمكن تحقيق نتائج جيدة بدون تمرينات قوية وكثيرة. وإتقان كل حركة ببراعة يحتاج إلى التدرب عليها مئات المرات في الأيام العادية. والحقيقة أن الأحوال في قطر تختلف عن الصين، فقطر دولة غنية بالنفط ويعيش أهلها حياة منعمة من صغرهم، وقد قررت حكومة قطر أن تكون مدة تدريب الرياضي ساعتين يوميا ولا يمكن زيادة وقت التدريب إلا بتصريح خاص. قال تشن تشاو: "لتمرين بمبادرة ذاتية من الفرد أمر صعب بالنسبة إلى الرياضيين القطريين، فلا يمكنني تدريبهم على الطريقة الصينية، ولكنهم يسمعونني دائما".
يوي تشونغ هوا، مدرب ومرشد
يوي تشونغ هوا الذي يناهز الستين سنة، بعثت به مصلحة الدولة الصينية للرياضة إلى قطر قبل أكثر من عشر سنوات للتدريب. يحمل يوي تشونغ هوا لقب "المرشد يوي" بين الصينيين، إذ أنه بجانب مهمته كمدير فني لفريق الكرة الطائرة بالنادي الأهلي القطري، يعتبر مرشدا ومعينا للصينيين المقيمين في قطر. يؤدي يوي تشونغ هوا عمله بإخلاص وتربطه علاقات طيبة بزملائه ولاعبيه، وقد حقق شهرة بين جماهير الأهلي القطري بعد أن احتل فريقه المركز الثالث في الدوري القطري للكرة الطائرة.
وهو خير معين للصينيين الذي يذهبون إلى قطر، يفيدهم من خبرته في قطر ويهتم بهم فيكون أول من يتصل بمن يمرض وأول من يصل إلى من يصاب وأسرع من يقدم المساعدة.
بالإضافة إلى لي لينغ جيوان وتشن تشاو ويوي تشونغ هوا، هناك عدد كبير من المدربين الصينيين يعملون في قطر، فبالإضافة إلى إطلاق السهم والجمباز والكرة الطائرة يدربون كرة الطاولة والغطس والسباحة. وهم يخلصون في عملهم وفي تعزيز الروابط الرياضية والشعبية بين الصين وقطر ودفع الروح الأولمبية الدولية.
منذ تأسيس العلاقات الدبلوماسية بين الصين وقطر عام 1988، تربط الدولتين علاقات طيبة ويتعزز التبادل بين شعبيهما، وفي هذا المجال يقوم المدربون الصينيون بمهمة جليلة ويقدمون مساهمات بارزة. وقد أعرب خليل إبراهيم جابر، رئيس مكتب الرياضة باللجنة الأولمبية القطرية، عن تقديره العالي للمدربين الصينيين بقوله: "مستوى المدربين الصينيين معروف لدى الجميع، ويجتهد هؤلاء المدربون في نشر المعارف الرياضية الأساسية وتدريب الرياضيين القطريين، حيث يقدمون مساهمات كبيرة في تطوير الرياضة القطرية. ونحن نعبر لهم عن شكرنا، ونتمنى لهم مواصلة بذل جهودهم لتطوير الرياضة في الصين وقطر وتحقيق أفضل النتائج".
