الإدارة الأمريكية الجديدة والشرق الأوسط الموسع

قاو تسو قوي

 مدير مركز الدراسات الاستراتيجية بالمعهد الصيني للعلاقات الدولية المعاصرة

أوباما اقترح إرسال عشرة آلاف جندي أمريكي إضافي إلى أفغانستان

الرئيس الأمريكي المنتخب باراك أوباما

مواجهات مستمرة بين الفلسطينيين والإسرائيليين

 

الانسحاب الأمريكي من العراق سيكون محدودا ويبدأ في 2010

السلام بين الدول العربية وإسرائيل يساعد في تخفيف التوتر في الشرق الأوسط

"الشرق الأوسط الموسع" سيظل مركز الثقل في السياسة الخارجية الأمريكية

 

بعد سنة كاملة من المفاوضات، وافقت الحكومة العراقية يوم 16 نوفمبر 2008 على الاتفاق الأمريكي العراقي حول الانسحاب العسكري والعلاقات السياسية والاقتصادية والأمنية الطويلة المدى (الاتفاق الأمني اختصارا) بين البلدين. هذا الاتفاق الذي يسمح للقوات الأمريكية بالبقاء في العراق ثلاثة أعوام إضافية عقب انتهاء تفويض الأمم المتحدة للقوات الأجنبية بالعراق نهاية 2008‏، ينتظر العرض على البرلمان العراقي في وقت لاحق إقراره. وكانت وزارة الدفاع الأمريكية أعلنت في استراتيجيتها للدفاع الوطني لعام 2008 أن واشنطن ستقيّْم عمليات مكافحة الإرهاب في أفغانستان وباكستان في المستقبل القريب. كما أن الرئيس الأمريكي المنتخب باراك أوباما عبر أكثر من مرة خلال حملته الانتخابية عن الرغبة في سحب القوات الأمريكية من العراق وإرسال مزيد من الجنود إلى دول جنوبي آسيا لدعم قوة مكافحة الإرهاب.

كل ذلك يعطي المرء انطباعا بأن الاستراتيجيات الخارجية للولايات المتحدة، وبشكل خاص "إستراتيجية مكافحة الإرهاب في العالم" تبدو على وشك التغيير، ولكن بعد تحليل معمق ومكتمل قد يجد المرء أن الاستراتيجية الأمريكية في المدى القريب والمتوسط سوف تبقى في جوهرها حبيسة "الشرق الأوسط الموسع"، إذا لم تشهد استراتيجيتها للدفاع الوطني المحكومة بمكافحة الإرهاب، تحولا كبيرا في مسارها.

أولا وقبل كل شيء، سيكون ما يُسمى بالانسحاب الأمريكي من العراق محدودا، وهذا هو السبب الأكثر أهمية في أن الاستراتيجية الخارجية الأمريكية سوف تبقى مركِزةَ على "الشرق الأوسط الموسع".

لقد تحسن بالفعل الوضع الأمني في العراق حاليا بشكل ملحوظ، وانخفض وقوع الحوادث الإرهابية بنسبة 80% عن سنة 2007، وتراجعت المصادمات العرقية والقبلية بنسبة 90%، وانخفض عدد تفجيرات السيارات والتفجيرات الانتحارية من 100 في مارس 2007 إلى 40 في يوليو هذا العام، وفي نفس الفترة قل عدد الضحايا من  قوات الأمن العراقية بمقدار النصف تقريبا، مع تراجع كبير في عدد الذين يفرون من بيوتهم.

إن الهيكل السياسي للديمقراطية الذي تم تبنيه مؤخرا يتقدم بثبات على مسار العمل الطبيعي، مع سعي متزايد من الشيعة والسنة والأكراد لتسوية القضايا عبر القنوات السياسية، ومع تغير البيئة السياسية للعراق. وأيضا يتحسن الوضع الاقتصادي للعراق مع إعادة فتح المزيد من الأسواق والمتاجر، واستئناف التبادلات الاقتصادية، وبخاصة التعاون في موارد الطاقة، مع الدول الأخرى. هذه التطورات تمهد الطريق لانسحاب القوات الأمريكية من العراق، وقد باتت مغادرتها مسألة وقت، وكم العدد الذي يغادر في كل مرة.

ولكن، على ضوء الوضع الراهن لا يمكن للولايات المتحدة أن تنسحب من العراق مرة واحدة ونهائية، ذلك أن ظروف إعادة الإعمار التي تتحسن مازالت هشة مع بزوغ تحديات جديدة. وقد قال ذات مرة الجنرال ديفيد بيتريوس، القائد السابق للقوات المتعددة الجنسيات في العراق، ورئيس القيادة المركزية الأمريكية حاليا، إن ذلك النوع من التحسُن "ليس مستديما حتى الآن ولا يمكن احتواؤه ذاتيا"، و"هناك كثير من الأشياء تحتاج (الولايات المتحدة) أن تقوم بها (في العراق)".

هذا يعني أن تحسن الوضع في العراق يمكن أن يتغير، وأن ما تحقق في عملية إعادة الإعمار والهيكلة يمكن أن يضيع تماما إذا انسحب عدد كبير للغاية من القوات الأمريكية في وقت مبكر للغاية. ولكي نكون أكثر دقة، علينا أو نوضح أن "انسحاب" القوات الأمريكية هو على أرض الواقع "تقليل عدد" الجنود الأمريكيين المتواجدين في العراق كلما سمح الوضع الأمني الداخلي. القضيتان الجوهريتان في اتفاقية سحب القوات التي وافق عليها مجلس الوزراء العراقي هما الوضع القانوني للقوات الأمريكية التي سترابط في العراق بعد  انقضاء مدة قرار الأمم المتحدة الذي يقر الاحتلال، في نهاية هذا العام، والحفاظ على الأمن.

سيوفر اتفاق العلاقات السياسية والاقتصادية والأمنية إطارا لعلاقات البلدين الاستراتيجية في المدى الطويل، ولحل أي قضية تتعلق بالمصالح الطويلة المدى والوجود العسكري الأمريكي في العراق. وقد قال ضابط أمريكي كبير مسئول عن تدريب قوات الأمن العراقية، إن العراق سيكون قادرا على النهوض بالمسئوليات الأمنية بنفسه سنة 2009. وإذا كان ما قاله الضابط الأمريكي صحيحا، فإن الاختيار الواقعي هو أن تبدأ القوات الأمريكية الانسحاب من العراق سنة 2010، وتتوقف العملية في العالم التالي عندما يكون عدد القوات الأمريكية الباقية في العراق نحو خمسين ألفا، أي النصف.

ثانيا، سيظل الصراع العربي- الإسرائيلي والسلام في الشرق الأوسط يشغل الولايات المتحدة. هذا الصراع هو لب قضية الشرق الأوسط منذ أن تأسست دولة إسرائيل سنة 1948، وأهميته قائمة، حتى وإن كانت الحرب في أفغانستان والعراق ومشكلة إيران النووية أزاحته إلى المقعد الخلفي في الوقت الراهن.

وهناك اعتقاد عام بأن المجتمع الدولي، شاملا الولايات المتحدة، يرى أن الصراع العربي- الإسرائيلي هو العامل الرئيسي الذي يؤثر في العلاقات بين الولايات المتحدة والدول العربية وكل العالم الإسلامي، بل ويثير مشاعر معادية للولايات المتحدة، وهي المشاعر التي أدت إلى هجمات 11 سبتمبر الإرهابية على الولايات المتحدة وصاغت خطة واشنطن لمكافحة الإرهاب.

إن تحقيق السلام بين الدول العربية وإسرائيل سوف يساعد في تخفيف التوتر في الشرق الأوسط مع تحقيق  نتائج إيجابية وسريعة لكافة المصالح الأمريكية تقريبا في المنطقة وفي كل العالم الإسلامي. يعتقد كثير من الناس في الولايات المتحدة وإسرائيل أن الرئيس الأمريكي، أيا كان، يعتبر أن أمن إسرائيل ثاني أهم مسألة في جدول الأعمال اليومي للإدارة الأمريكية. وإذا كان ثمة من يريد دليلا فلينظر إلى جورج دبليو بوش، الذي أهمل نوعا ما الصراع العربي الإسرائيلي في أيامه الأولى كرئيس، ولكنه سعى إلى جعل السلام في الشرق الأوسط تركة العلاقات الخارجية له في عامه الأخير بالمكتب البيضاوي. 

ومن وجهة نظر إسرائيل، السبيل الوحيد لضمان أمنها هو إقامة سلام مع الفلسطينيين والدول العربية الأخرى، وأيا كان الشخص الذي يحتل منصب رئيس وزراء إسرائيل، سيكون عليه أن يدفع قدما عملية السلام، بينما الولايات المتحدة خلف عجلة القيادة.

ثالثا، سوف تنتهي قضية إيران يوما ما. في مقالها المعنون ((إعادة النظر في المصالح الوطنية))، المنشور بعدد يوليو/ أغسطس لمجلة فورين أفيرز (الشئون الخارجية)، وصفت وزيرة الخارجية الأمريكية كوندوليزا رايس إيران بأنها "دولة بعيدة أساسا عن أعراف وقيم المجتمع الدولي وتفرض تحديات معينة، وهي تمارس سياستها التمزيقية من خلال أدوات الدولة ومن خلال وكلاء ليس لهم صفة الدولة، وتسعى إلى تدمير دولة وتمد نفوذها عبر منطقة الخليج الفارسي والشرق الأوسط الموسع. تهدد دولة إسرائيل بالفناء وتضمر عداءات حقودة تجاه الولايات المتحدة، وتزعزع استقرار العراق. ومن الواضح أن إيران بسلاح نووي أو حتى تقنية بنائه سوف تكون تهديدا خطيرا للسلام والأمن الدوليين". ولكن رايس كتبت أيضا: "إذا احترمت الحكومة الإيرانية مطالب مجلس الأمن للأمم المتحدة وعلقت تخصيب اليورانيوم والأنشطة ذات العلاقة، فإن المجتمع الدولي، بما في ذلك الولايات المتحدة، مستعد لمناقشة كافة القضايا المطروحة أمامنا. الولايات المتحدة ليس لها أعداء دائمون".

واليوم نرى أن اللعبة الدولية الموسعة للتعامل مع إيران، سواء من خلال المفاوضات السلمية أو العقوبات أو الهجوم العسكري، مازالت مستمرة، وسيكون على الولايات المتحدة أن تقوم بها بكثير من العزم والقوة والموارد.

رابعا، من الواضح أنه على الولايات المتحدة أن تحشد جهود مكافحة الإرهاب في أفغانستان وباكستان. لقد صعًّدت جماعة الطالبان في أفغانستان نشاطاتها وضمت قوتها إلى القاعدة مرة أخرى، وهي تنمو كقوة مدمرة وتصبح أكثر انتشارا يوما بعد يوم مُشَكِلة تباينا حادا للوضع في العراق. وفي ذات الوقت، فإن باكستان تواجه عدم استقرار سياسي. ويطل التطرف الإسلامي برأسه القبيح مرة أخرى مع محاولة الطالبان ملأ فراغ السلطة في منطقة القبائل الشمالية. لقد استبعدت إدارة بوش أي تعزيزات عسكرية كبيرة في أفغانستان ولكنها تضغط على حلفائها من الناتو ليرسلوا مزيدا من القوات إلى هناك. وقد طالبت "نيويورك تايمز"، في واحدة من افتتاحياتها، واشنطن أن تضع شروطا مسبقة لمساعداتها العسكرية لأفغانستان لتزيد مراقبتها على استخدامها لضمان توجيه كافة الموارد إلى حملة مكافحة الإرهاب.

ومن الواضح أنه إذا كانت الولايات المتحدة قادرة على سحب عدد كبير من القوات من العراق، فإنه من المنطقي أن تعيد واشنطن التركيز على جهود مكافحة الإرهاب في أفغانستان وباكستان بمزيد من القوة العسكرية. وكان أوباما اقترح بالفعل إرسال عشرة آلاف آخرين من الجنود الأمريكيين إلى أفغانستان.

وكما هو معلوم، فإن أفغانستان وباكستان هما أيضا جزء مما تسميه واشنطن "الشرق الأوسط الموسع"، ومن ثم سيكون الأمر مجرد إعادة انتشار عسكري داخل "الشرق الأوسط الموسع"، عندما تسحب الولايات المتحدة عددا كبيرا من قواتها في العراق مع إرسال المزيد إلى أفغانستان.

وإجمالا، فإن مستقبل مركز الثقل في السياسة الخارجية الأمريكية سوف يظل "الشرق الأوسط الموسع" أيا كان ما تقرر واشنطن أن تفعله، سواء سحبت قواتها من العراق أو عززت وجودها العسكري في أفغانستان أو واصلت دفع عملية السلام بين العرب وإسرائيل، أو حققت تصالحا إستراتيجيا مع إيران أو حتى لجأت إلى الحرب. 

 

Address: 24 Baiwanzhuang Road, Beijing 100037 China
Fax: 86-010-68328338
Website: http://www.chinatoday.com.cn
E-mail: chinatoday@chinatoday.com.cn
Copyright (C) China Today, All Rights Reserved.

فرع مجلة ((الصين اليوم)) الإقليمي للشرق الأوسط بالقاهرة
رئيس الفرع: حسن وانغ ماو هو
العنوان: 5 شارع الفلاح، المتفرع من شارع شهاب
- المهندسين- الجزيرة- مصر
تليفاكس: 3478081(00202)
  ص.ب208 – الأورمان – الجزيرة – القاهرة – مصر
   الهاتف المحمول: 0105403068(002)
البريد الإلكتروني: kailuofenshe@yaoo.com.cn