قصة مدينة وملحمة

كما في روايات الخيال، تطل شنتشن على العالم اليوم بوجه مغاير تماما لما كانت عليه قبل ثلاثين سنة. الذي حدث في هذه البلدة الساحلية يفوق خيال الحالمين ويتجاوز أفق المبدعين، فكيف لقرية صيد أن تتحول خلال ثلاثة عقود ليس أكثر إلى نقطة هامة على خريطة العالم؟

كانت شنتشن، منذ أن تقرر جعلها منطقة اقتصادية خاصة مقصد كل المغامرين والطامحين من شباب الصين، فهي أرض الحلم التي تحولت لاحقا إلى معجزة في كل شيء، وبخاصة بعد الزيارة التفقدية الشهيرة التي قام بها زعيم الصين الراحل دنغ شياو بينغ إليها عام 1992 وكلمته التي ألقاها بها، والتي أكد فيها على أن "السوق موجود أيضا في المجتمع الاشتراكي، والتخطيط موجود كذلك في المجتمع الرأسمالي، ويتعين على المجتمع الاشتراكي تطبيق اقتصاد السوق، وإلا سيدخل في طريق مسدود". كانت كلمات دنغ بمثابة شرارة الانطلاق، بعد شرارة التأسيس، لقرية الصيادين التي كانت مساحتها ثلاثة كيلومترات مربعة يسكنها 24 ألف نسمة، والتي أصبحت الآن مدينة مساحتها أكثر من ألفى كيلومتر مربع ويقطنها أكثر من سبعة ملايين نسمة يحققون أعلى متوسط دخل في الصين.

قررت شنتشن أن تنطلق اقتصاديا في وقت كان جد حرج بالصين، فلا شمس الاقتصاد المخطط والشعارات الأيدلوجية التي سيطرت على الساحة الاقتصادية والسياسية في الصين منذ عام 1949، أفلت، ولا فجر اقتصاد السوق والواقعية الجديدة انبلج تماما. كان صراعا نفسيا وسياسيا واقتصاديا وعقائديا يحتاج جسارة، ويحتاج أيضا حنكة وتدرجا. البعض من الصينيين، وفي مقدمتهم أبناء شنتشن وقادتها، امتلك الجرأة في تلك الفترة وقرر "النزول إلى نهر التجارة" وهي العبارة التي كانت تطلق على من يخوض مجال العمل غير الحكومي، وكسر "القدر الحديدي" المملوك للدولة، وهو المصطلح الذي كان يطلق على الوظيفة الحكومية، والذي يتناول منه الجميع طعامهم وشرابهم ولباسهم ودواءهم، بل وكفنهم. كانت مغامرة صعبة ولكنها حقا كانت جديرة بالتضحية، هكذا أثبتت السنون اللاحقة، وصارت شنتشن نموذجا للتنمية في الصين وفي العالم.

خلال ثلاثين عام تقريبا حقق اقتصاد شنتشن نموا سنويا بمعدل 28 %، وارتفع إجمالي الناتج المحلي من 196 مليون يوان سنة 1979 إلى 541ر676 مليار يوان سنة 2007  وارتفع متوسط نصيب الفرد بها من إجمالي الناتج المحلي من 606 يوان سنة 1979 إلى 10628 دولار أمريكي سنة 2007.

والآن تنطلق شنتشن، كما توضح مقالتنا "شنتشن: نموذج للإصلاح والانفتاح"، نحو أفق جديد عنوانه الابتكار والإبداع.

 

 

 

 

 

أطلقت الدورة الكاملة الثالثة للجنة المركزية الحادية عشرة للحزب الشيوعي الصيني إشارة البدء لمسيرة الإصلاح والانفتاح في الصين. في تلك الأثناء، وفي ظل قيود الأفكار القديمة، اتخذت الحكومة الصينية قرارا بإقامة أربع مناطق اقتصادية خاصة في المناطق الساحلية لمقاطعتي قوانغدونغ وفوجيان، وشق طريق السير على درب الاشتراكية ذات الخصائص الصينية، بيد أنه لم يكن في الصين نموذج يمكن التعلم منه.

شنتشن فتعتبر من أقدم المناطق الاقتصادية الخاصة التي أقيمت في الصين. ولا شك أن قصة ابتكار منطقة شنتشن الاقتصادية الخاصة وتطورها والتقلبات التي مرت بها ونجاحها اللافت، تعكس بشكل واسع سمات وروح أبناء شنتشن التي تتجسد في جرأتهم على العمل وخوض التجارب والتقدم تحت قيادة الحزب الشيوعي الصيني. وقد أقامت تشنتشن، كونها مدينة رائدة للإصلاح والانفتاح، نموذجا للصين عندما كانت تبحث عن سبيل للتنمية.

جرأة في التفكير والتجريب والتطبيق

مع اختتام الدورة الكاملة الثالثة للجنة المركزية الحادية عشرة للحزب الشيوعي الصيني في ربيع عام 1979، خالج قادة مقاطعة قوانغدونغ شعور بأن فرصة تاريخية لتحرير الفكر وتنمية الاقتصاد تلوح في أفق الصين، وشرع كل منهم يشمر عن ساعديه استعدادا لمعركة جديدة.

 بعد تحليل شامل لفكر وثقافة المقاطعة وتفوقها الجغرافي استقر الأمين الأول للجنة الحزب الشيوعي الصيني بمقاطعة قوانغدونغ شي تشونغ شيون على تقديم اقتراح للحكومة المركزية بأن تخطو قوانغدونغ الخطوة الأولى للإصلاح استفادة من الوضع الإيجابي الداخلي والخارجي وتفوق المقاطعة.

وفي الثامن من إبريل ذلك العام، وخلال كلمته في اجتماع الأعمال المركزية، ناشد شي تشونغ شيون، نيابة عن لجنة الحزب الشيوعي الصيني بمقاطعة قوانغدونغ، الحكومة المركزية أن تمنح قونغدونغ سياسيات خاصة للإصلاح، وتفوضها أو تعطيها حق اتخذا الخطوة الأولى، مشيرا إلى تحديد بعض المناطق الساحلية المجاورة لهونغ كونغ وما كاو لتكون منطقة خاصة للتعاون والتبادل مع الخارج وجذب الاستثمارات الخارجية. واقترح أن تكون قوانغدونغ رائدة لتحقيق "التحديثات الأربعة" وتسريع التنمية، استفادة من جوارها وقربها من هونغ كونغ وماكاو، ووجود عدد كبير من أبنائها في الخارج، وسهولة وكثرة التبادلات الدولية بها. بعد كلمة شي تشونغ شيون، رد دنغ شياو بينغ عليه بقوله الذي سجله التاريخ: "سيبدأ إصلاح وانفتاح الصين في المناطق الساحلية ببحر جنوب شرقي الصين، وينبغي أن يبدأ إصلاح وانفتاح المنطقة الساحلية ببحر جنوب شرقي الصين في مقاطعتي قوانغدونغ وفوجيان، وبخصوص الإصلاح والانفتاح في قوانغدونغ، يجب البحث عن ثغرة للاختراق أولا، وإنشاء موقع تجريبي. واعملوا وأطلقوا أيديكم." وأضاف دنغ شياو بينغ بقوله: "كانت منطقة حدود مقاطعات شنشي وقانسو ونينغشيا منطقة خاصة.

بعد ذلك بدأ رواد إصلاح وانفتاح الصين عملهم الإبداعي. ربما يتذكر قليل من الناس الآن اسم محافظة "باوآن" الذي تغير إلى مدينة شنتشن في يناير عام 1979، مما فتح صفحة جديدة في تاريخ الإصلاح والانفتاح والتنمية الاقتصادية بالصين.

في الثاني من يوليو سنة 1979، أطلق رائد الإصلاح والانفتاح يوان قنغ، نائب رئيس مصلحة جذب المستثمرين بوزارة النقل والمواصلات آنذاك، الطلقة الأولى للإصلاح والانفتاح في الصين، وذلك بمنطقة شهكو الصناعية بحي نانشان في مدينة شنتشن، حيث بدأ ردم البحر بتفجير الجبل، فرفع الستار عن ملحمة الإصلاح والانفتاح في الصين.

حققت شنتشن معجزة في تاريخ البناء، ففي أثناء إنشاء المنطقة الاقتصادية الخاصة، كان يتم بناء طابق كامل في عمارة شنتشن للتجارة الدولية كل ثلاثة أيام حتى ظهر في الصين مصطلح معماري هو "سرعة شنتشن" فقد انتشرت مواقع البناء وتشكيل الهياكل الإنشائية ووضع الأساس. ارتفع في شنتشن شعار "الوقت من ذهب، والفعالية حياة"، فبدأ العمل في البنية التحتية، والذي ركز على إنشاء المرافق الأساسية.

قررت شنتشن أن تكون تنميتها الاقتصادية موجهة نحو الخارج، فأقامت منطقة صناعية معفاة مؤقتا من الضرائب وحديقة للصناعات التكنولوجية، هي الأولى من نوعها في الصين. وحطمت شنتشن، كساحة تجريبية للإصلاح والانفتاح، أغلال الفكر وأبدعت جملة من الابتكارات غير المسبوقة في الصين، ومن ذلك بيع حق استخدام الأرض بالمزاد، إقامة مكتب صرافة للنقد الأجنبي، وتغيير نظام استخدام الأيدي العاملة وتوزيع المرتبات، وإصلاح المؤسسات المملوكة للدولة بتحويلها إلى مؤسسات مساهمة، إصلاح نظام الإدارة المالية، والسماح بأعمال البنوك الأجنبية وإنشاء سوق للأوراق المالية، وإصلاح نظام الأسعار، وإصلاح نظام الإسكان إلخ. أزالت تلك الإصلاحات حبالا تشد وثاق اقتصاد الصين منذ أكثر من ثلاثين سنة، ومكنت شنتشن من إبراز قدرات هائلة فتطورت اقتصاديا واجتماعيا بسرعة هائلة.

خلال عقد من الزمان، من سنة 1979 إلى عام 1989، بلغ معدل زيادة إجمالي قيمة الناتج بشنتشن 35 % سنويا، وهذا معدل غير مسبوق في تاريخ الصين والعالم. في عام 1984، أثنى دنغ شياو بينغ على منطقة شنتشن الاقتصادية الخاصة خلال زيارته التفقدية لها. بعد ذلك قررت الحكومة الصينية إقامة 14 منطقة اقتصادية خاصة إضافة إلى الأربع مناطق القائمة.

حصلت شنتشن، كونها منطقة تجريبية ونافذة للإصلاح والانفتاح في الصين، على دعم من الدولة متمثلا في منحها سياسات ومعاملات خاصة، ففي سنة 1988، أقر مجلس الدولة بأن شنتشن مدينة استثنائية في خطة الدولة، ولها حقوق الإدارة الاقتصادية على مستوى المقاطعة. وبعد ذلك الوقت صار اقتصاد شنتشن ذا قدرة تنافسية أعلى.

في الصين، يأتي بناء وتطور القوانين والأنظمة متأخرا عن التنمية الاقتصادية، ولهذا فإن تنمية الاقتصاد والقطاعات الأخرى في شنتشن افتقرت في البداية إلى الإطار القانوني والنظامي والمعايير الموحدة، مما أثار قلق ا لحكومة والشعب والمستثمرين الأجانب، فليس ثمة اقتصاد سوق لا تحكمه قوانين. بعد سنة من الجهود الشاقة، فوضت اللجنة الدائمة للمجلس الوطني لنواب الشعب الصيني في يوليو عام 1992 حكومة شنتشن واللجنة الدائمة لمجلس نواب الشعب بها حقوق سن القوانين والأنظمة للمنطقة الاقتصادية الخاصة. وقد أدت حكومة المدينة المهمة على خير وجه حتى أصبح لشنتشن سماتها الخاصة في هذا المجال بفضل جرأتها في الاستفادة من خبرات سن القوانين في الخارج. يشتمل النظام القانوني للمنطقة الاقتصادية الخاصة على معايير موحدة لمكونات السوق الأساسية، وتطوير منظومة السوق وسوق وسائل الإنتاج(الأيدي العاملة، ورأس المال، والأرض وغيرها)، وتعديل علاقات المكونات الأساسية للسوق وحماية المنافسة العادلة وتعزيز إدارة الهيئات الوسيطة للسوق، وإقامة وإكمال نظام الضمان الاجتماعي، وغيرها من خمسة مجالات كبيرة. في الوقت نفسه، وضعت شنتشن لوائح إدارة مكاتب خدمات التجمعات السكنية مستفيدة من تجربة هونغ كونغ في هذا المجال، وقادت ركب إدارة الأحياء السكنية التي تقوم على دمج الخدمات التخصصية في الإدارة الذاتية لصاحب العقار، وحظيت بتقدير وزارة البناء.

حتى نهاية يونيو عام 2002، كانت للجنة الدائمة لمجلس نواب الشعب بمدينة شنتشن قد سنت 191 مادة من الأنظمة والقوانين(بما فيها تعديل وإلغاء 56 مادة)، منها 185 مادة للمنطقة الاقتصادية الخاصة. قوانين المنطقة الاقتصادية الخاصة التي وضعتها شنتشن، استخدم ثلثها في تشريع قوانين الدولة، وثلثها الآخر حسن وعدل القوانين الوطنية الموجودة، وفقا للمتطلبات الحقيقية للإصلاح وتنمية اقتصاد المنطقة الاقتصادية الخاصة، وثلثها الأخير وضع لمقتضيات تعزيز الإدارة القانونية، وحماية البيئة، وإدارة المدينة بالمنطقة الخاصة، وبناء الثقافة والحضارة الروحية.

من نافلة القول أن أي إصلاح يواجه مشكلات، والإصلاح في منطقة شنتشن الاقتصادية الخاصة ليس استثناء.

في أواخر ثمانينات وأوائل تسعينات القرن الماضي، طرأت تغيرات هائلة على الأوضاع السياسية والاقتصادية في الصين وفي الخارج، وظهرت في المجتمع مناقشات حول الإصلاح والانفتاح، فاعتبر البعض أن الإصلاح والانفتاح في الصين إصلاح اشتراكي ورأى آخرون أنه إصلاح للرأسمالية. في هذا الوقت الحرج، أثنى دنغ شياو بينغ، المهندس العام للإصلاح والانفتاح في الصين، للمرة الثانية على نتائج البناء في المنطقة الاقتصادية الخاصة وتجربتها. في سنة 1992 أكد دنغ شياو بينغ أن بناء المنطقة الاقتصادية الخاصة بناء اشتراكي وليس رأسماليا، وأثنى على المنطقة الاقتصادية الخاصة بقوله: "الخبرة الهامة لشنتشن هي الجرأة على التجريب".

في زيارتيه التفقديتين لشنتشن سنة 1984 وسنة 1992 ، كتب توجيهاته مرتين لها، وقد شجع هذا مدينة شنتشن على الإصلاح والانفتاح، كما دفع مسيرة الإصلاح والانفتاح في الصين، فشاعت في البلاد "حرارة شنتشن" في الصين، وراحت أجهزة الإعلام تتابع وترصد أخبار ونتائج التنمية في منطقة شنتشن الاقتصادية الخاصة. وصارت شنتشن قبلة الباحثين عن مجال للإبداع والتطور ومزارا للصينيين والأجانب.

في سنة 1994، قام رئيس الصين السابق جيانغ تسه مينغ بزيارة تفقدية لشنتشن، وشجعها  على "بذل الجهود لإبداع التفوق والارتقاء إلى مستوى أعلى". اعتبارا من سنة 1995، بدأت شنتشن "إبداع الأعمال مرة ثانية".

مع توسع الإصلاح والانفتاح في عموم الصين، وتعميم السياسات التفضيلية التي كانت تمتع بها المناطق الاقتصادية الخاصة في البداية، قررت مدينة شنتشن تنفيذ سياسة "الثلاث تحولات"، أي تحويل نظام الاقتصاد من الاقتصاد المخطط التقليدي إلى اقتصاد السوق الاشتراكي، وتحويل نمط نمو الاقتصاد من الاقتصاد الغليظ إلى الاقتصاد الدقيق، وتحويل تطور المنطقة الاقتصادية الخاصة من الاعتماد على السياسيات الخاصة إلى رفع النوعية الشامل وإيجاد تفوق جديد. في عام 2000، طرحت حكومة شنتشن هدف جعل شنتشن مدينة نموذجية ذات خصائص صينية اشتراكية اعتمادا على إبداع النظام الجديد، وتوسيع الإصلاح والانفتاح، ورفع درجات الصناعات، وإدارة المدينة بالقوانين وغيرها من التفوقات الجديدة، وتحقق التحديثات من حيث الأساس، ومواصلة البحث عن تفوق جديد والتطلع إلى مستوى  جديد. أسرعت شنتشن في الإصلاح والانفتاح وعمقت الإصلاح والانفتاح، فعدلت نظام الملكية، وأصلحت نظام إدارة المؤسسات المملوكة للدولة، وأصلحت نظام الأسعار ونظام التدقيق والموافقات الإدارية والضمان الاجتماعي  وأنشأت منظومة السوق، وأنشأت نظاما لمكافحة الفساد والحفاظ على النزاهة إلخ.

بعد إعادة الهيكلة الصناعية، تشكلت في شنتشن ثلاث صناعات ركيزة هي صناعة التكنولوجيا العالية الجديدة، صناعة نقل وتوزيع البضائع الحديثة، صناعة المال الحديثة، فارتفع معدل نموها الاقتصادي حتى بلغ حوالى 20 % سنويا. وخرجت دفعة كبيرة من مؤسسات التكنولوجيا العالية بها إلى خارج الصين، مثل شركة هواوي،  وZTE، وBYD، كما أصبحت هذه المؤسسات  شركات مشهورة في العالم.

من أجل تحويل نتائج بحوث التكنولوجيا بأسرع وقت إلى قوة إنتاج، وعرض وتحويل النتائج التكنولوجية الجديدة الصينية والعالمية، ، أقامت شنتشن سنة 1999 الدورة الأولى للمعرض الدولي لنتائج التكنولوجيا العالية الجديدة، فخلقت بذلك منصة لنتائج التكنولوجيا العالية الجديدة في العالم، وأصبح هذا المعرض المعرض الأول للتكنولوجيا في الصين. بعد عشر سنوات من التطور أصبح المعرض الدولي لنتائج التكنولوجيا العالية الجديدة بطاقة هوية لشنتشن، فثبتت مكانة شنتشن الرفيعة في مجال صناعة التكنولوجيا العالية الجديدة في الصين، وأتى إليها الكثير من المبدعين.

في سنة 2003، قام الرئيس الجديد للصين هو جين تاو بزيارة تفقدية لشنتشن، وطالبها بتسريع التنمية والتقدم والتنمية المتناغمة. في يناير سنة 2005، طرحت مدينة شنتشن مشروع تنمية المجتمع الاقتصادي بنظرية التنمية العلمية وبناء "شنتشن المتناغمة" و"شنتشن المفيدة". في ذلك الوقت كانت شنتشن سارت على درب التنمية 27 سنة وتغيرت أوضاعها وبيئتها تغيرا كبيرا: قلت الأراضي الصالحة للاستثمار، وزادت الحاجة للطاقة، وزاد عدد السكان، وتدهورت البيئة الإيكولوجية. لمواجهة هذا الواقع، غيرت مدينة شنتشن فكر ونمط التنمية وشرعت تحول نمط التنمية من السرعة إلى الفائدة. نفذت شنتشن استراتيجية "تنمية المدينة بالثقافة" وجعل شنتشن مدينة ثقافية رفيعة المستوى، إضافة إلى بنائها مدينة للابتكار الذاتي. وقد أضافت صناعة الثقافة ركيزة رابعة إلى الثلاث صناعات القائمة في يشنتشن فصارت المدينة تسير بثبات على أربعة أقدام، أما الصناعات الأخرى فهي، صناعة التكنولوجيا العالية الجديدة، صناعة نقل وتوزيع البضائع الحديثة، صناعة المال الحديثة.

تتطور صناعة الثقافة بشنتشن تطورا سليما، فتحولت هذه المدينة "صحراء ثقافية" إلى "واحة ثقافية"، وحملت ألقابا ثقافية مثل "عاصمة التصميم"، "مدينة المكاتب"، "مدينة البيانو"، وأصبحت النشاطات الثقافية التي تقيمها شنتشن مثل"معرض الثقافة" و"شهر القراءة" و"دروس لأهالي المدينة" وغيرها علامة ثقافية لشنتشن. تغيرت السمات الروحية لسكان شنتشن تغيرا كبيرا مقارنة مع بداية الإصلاح والانفتاح.

في سنة 2007، بلغ إجمالي قيمة الإنتاج لشنتشن 541ر676 مليار يوان، وبلغت قيمة صادراتها 493ر168 مليار يوان، واحتلت الصدارة بين المدن الكبيرة والمتوسطة في الصين لمدة 15 سنة متتالية، وتجاوز متوسط نصيب الفرد فيها من إجمالي الناتج المحلي عشرة آلاف دولار أمريكي سنويا، متجاوزا المعدل في المدن الكبيرة ببر الصين الرئيسي. وأصبح ميناء شنتشن رابع أهم ميناء للحاويات في العالم  لمدة سبع سنوات متتالية. حققت شنتشن إنجازات كبيرة في مجالات التشجير والتجميل، والبناء الإيكولوجي. وشنتشن أول مدينة في الصين حصلت على لقب "المدينة البستانية إلايكولوجية على مستوى الدولة".

2008 عام غير عادي في تاريخ تنمية منطقة شنتشن الاقتصادية الخاصة، فقد شهدت خلاله قفزة نحو دورة جديدة للتنمية.

إبداع وتجديد وازدهار

خلال ثلاثين عاما تغيرت شنتشن من قرية صغيرة لصيد السمك إلى مدينة حديثة، فماذا فعلت شنتشن؟

في ناحية الأنظمة والهياكل ونمط التنمية، حطمت شنتشن قيود نظام الاقتصاد المخطط، وامتلكت جرأة التجربة والإبداع، ويعتبر تحديد الاتجاه وفقا للسوق الخبرة الأولى لشنتشن. حققت شنتشن قصب السبق في القيام بالاستطلاع في مجالات متعددة، ومنها تعميق الإصلاح وتوسيع الانفتاح، سن التشريعات واللوائح، ترقية الصناعات، إعادة الهيكلة، وحققت مئات المراكز الأولى في الصين، مثل بيع حقوق استخدام الأرض بالمزاد، إصدار السندات المالية، استخدام الاستثمارات الأجنبية، وإنشاء نظام الضمان الاجتماعي، وزودت التنمية الاقتصادية بقوة عظيمة، وقدمت نموذجا حيا وخبرة ثمينة للإصلاح والانفتاح على نطاق الدولة. تعتبر استطلاعات وممارسات شنتشن في مجال تنمية الاقتصاد الاجتماعي وإبداع نظام توزيع الثروة مساهمات هامة لبناء الاشتراكية ذات الخصائص الصينية.

بفضل الإصلاح والإبداع حققت شنتشن ثروة مادية هائلة ، فخلال ثلاثين عام تقريبا، منذ إقامة منطقة شنتشن الاقتصادية الخاصة بسنة 1979، حقق اقتصاد شنتشن نموا سنويا بمعدل 28 %، وارتفع إجمالي الناتج المحلي من 196 مليون يوان سنة 1979 إلى 541ر676 مليار يوان سنة2007 (بزيادة أكثر من 3450 ضعفا)، وارتفع متوسط نصيب الفرد من إجمالي الناتج المحلي 606 يوان سنة 1979 إلى 10628 دولار أمريكي سنة 2007.

ومن خلال توظيف تفوق منطقتهم الاقتصادية الخاصة وإبداعهم اقتصاد السوق، ساهم أبناء شنتشن في لبناء الاشتراكية ذات الخصائص الصينية وتحقيق التحديثات الأربعة. وقد بلغ إجمالي الضرائب التي قدمتها شنتشن للخزانة المركزية خلال ثلاثين سنة  أكثر من سبعمائة مليار يوان، كما ساعدت 66 محافظة ومدينة في عشر مقاطعات وبلديات، بأكثر من 5ر7 مليار يوان، عملا بروح "شعب البلاد يدعم شنشتن وشنتشن تخدم شعب الصين". في سنة 2007، وضعت شنتشن ((الخطة الخمسية الحادية عشرة للتعاون الاختصاصي والخدمات العامة للدولة))، وأقامت دفعة من الحدائق الصناعية بها وحدائق تحويل نتائج البحوث إلى صناعات خارجها، وتعزز التعاون مع مناطق غربي الصين، وشمال شرقي الصين، وجنوبي الصين على نطاق شامل في مجلات إنشاء المرافق الأساسية، والطاقة، والأيدي العاملة.

فعلى صعيد بناء المدينة، في الفترة من سنة 1979 إلى سنة 2007، استثمرت شنتشن 85ر456 مليار يون في البنية الأساسية،  وحاليا تصل مساحة المنطقة الحضرية للمدينة 88ر719 كيلومترا مربعا. تتطور صناعة نقل وتوزيع البضائع الحديثة تطورا سريعا في شنتشن التي صارت مركزا إقليميا للنقل والمواصلات، ومحورا هاما لنقل وتوزيع البضائع في الصين، كما تتطور بها صناعة الخدمات الحديثة وعلى رأسها المال، والتجارة، والسياحة، والمعلومات، وأصبحت موقعا هاما تتجمع في الأموال، والمنتجات، والأيدي العاملة، والأكفاء، والتكنولوجيا، ويوما بعد يوم تصبح مدينة مركزية اقتصادية إقليمية ذات قدرة كبيرة على التأثير في الصين وخارجها.

شنتشن نموذج للاقتصاد الموجه للخارج، إذ يأتي أكثر من 60 % من إجمالي إنتاجها الصناعي وصادراتها من مؤسسات باستثمار أجنبي. وحتى نهاية سنة 2007، كان بها 148 شركة من أقوي خمسمائة شركة في العالم، تستثمر في 272 مشروعا. زادت قيمة صادراتها من تسعة ملايين و300 ألف دولار أمريكي سنة 1979 إلى 493ر168 مليار دولار أمريكي سنة 2007. اليوم أصبحت شنتشن ميناء جويا وبريا وبحريا منفتحا، يدخل ويخرج عبر منافذها 50 % من إجمالي الذين يدخلون ويخرجون من الصين، ويعبر من جماركها 80 % تقريبا من إجمالي السيارات التي تدخل الصين أو تخرج منها. وأصبحت شنتشن المدينة الأولى في الصين من حيث الانفتاح والاقتصاد الموجه للخارج، وقلت كثيرا فجوة التنمية الاقتصادية بين شنتشن وهونغ كونغ، مما أرسى الأساس الاقتصادي للتعاون بين المدينتين وبناء منطقة شنقانغ (شنتشن وهونغ كونغ) الكوزموبوليتانية.

أخرجت شنتشن كنوزا ثمينة، فهي التي أبدعت "روح شنتشن" التي تتجسد في "الفتح، الإبداع، التضامن، التقدم" و"جرأة التجربة والتطبيق، السعي إلى أعلى، تقدير النجاح، التسامح مع الفشل". أقامت شنتشن نشاطات مختلفة منها "أعمال الحب"، و"مهرجان المتطوعين" لدعوة المواطن إلى العناية بغيرهم وخدمة المجتمع.

اليوم، تتيح الثروة المادية الوفيرة لأهل شنتشن الاهتمام أكثر بعالمهم الروحي. يأمل قادة شنتشن أن تقود مدينتهم ركب البناء الروحي وأن تصبح مدينة حديثة ثقافية.

إن أهم تركة لشنتشن كلمة واحدة هي "الجرأة". وبتعبير واحد من سكانها"جرأة القادة على التفكير، وجرأة المواطن على التجربة والتطبيق". لقد فتح الإصلاحيون الصينيون الذين يمثلهم دنغ شياو بينغ "نافذة" للإصلاح والانفتاح في قرية صغيرة لصيد السمك، ودشنوا مسيرة الإصلاح والانفتاح في الصين. وفي وقت لم يكن فيه نموذج ولا إرشاد نظري، شقت شنتشن طريق اقتصاد السوق الاشتراكي ذي الخصائص الصينية، حيث اجتهدت في البناء، وتوحيد المعايير، والتعديل، والإبداع، والارتقاء، والتقدم في آن واحد، وأصبحت راية للإصلاح والانفتاح في الصين.

خبرات شنتشن الثمينة وممارساتها في إقامة المنطقة الاقتصادية الخاصة والبناء والتنمية ليست ملكا للصين وحدها بل لكل العالم.

 

 

Address: 24 Baiwanzhuang Road, Beijing 100037 China
Fax: 86-010-68328338
Website: http://www.chinatoday.com.cn
E-mail: chinatoday@chinatoday.com.cn
Copyright (C) China Today, All Rights Reserved.

فرع مجلة ((الصين اليوم)) الإقليمي للشرق الأوسط بالقاهرة
رئيس الفرع: حسن وانغ ماو هو
العنوان: 5 شارع الفلاح، المتفرع من شارع شهاب
- المهندسين- الجزيرة- مصر
تليفاكس: 3478081(00202)
  ص.ب208 – الأورمان – الجزيرة – القاهرة – مصر
   الهاتف المحمول: 0105403068(002)
البريد الإلكتروني: kailuofenshe@yaoo.com.cn