عندما فازت اللاعبة الصينية تشانغ نينغ، البالغة من العمر ثلاثة وثلاثين عاما بذهبية فردي النساء لكرة الريش في أولمبياد بكين، اعتلت منصة الميداليات وركعت على الأرض ودمعت عيناها. بعد أولمبياد بكين انتهت مسيرتها كلاعبة لكرة الريش التي استغرقت ثلاثا وعشرين سنة.
تشانغ نينغ واحدة من عدد من اللاعبين الصينيين الذين اعتزلوا بعد أولمبياد بكين، كما هو الحال بعد كل دورة أولمبية. ومثل غيرهم من اللاعبين في العالم، يواجه اللاعبون الصينيون مشكلة "ماذا بعد الاعتزال؟"
مع نمو الاقتصاد الصيني تنوعت المهن التي يمارسها اللاعبون الصينيون بعد الاعتزال، فمنهم من يعمل في التجارة أو صناعة التسلية، على عكس الحال من قبل عندما لم يكن أمام اللاعب إلا أن يكون مدربا.
النزول إلى نهر التجارة
لي نينغ، الذي أشعل الموقد الأولمبي بعد أن طاف بسقف ملعب عش الطيور في حفل افتتاح أولمبياد بكين، حاصل على ثلاث ميداليات ذهبية في أولمبياد لوس أنجلوس عام 1984، وقبل اعتزاله سنة 1988 فاز بأكثر من مائة ميدالية ذهبية في مسابقات متعددة حتى حمل لقب "أمير الجمباز" في الصين. الآن لي نينغ يمتلك شركة قيمتها 8ر1 مليار دولار أمريكي، هي شركة لي نينغ المحدودة(Li Ning Co.)، وقد أصبح عملاقا تجاريا بين اللاعبين الصينيين المعتزلين.
في أواخر ثمانينات القرن الماضي كان معظم اللاعبين المشاهير يتجهون إلى التدريب بعد اعتزالهم أو يصبحون مسؤولين في مجال الرياضة، ولكن لي نينغ اختار النزول إلى نهر التجارة وأصبح مساعدا خاصا لمدير عام شركة جيانليباو. وفي سنة 1990 أسس لي نينغ شركة للمنتجات الرياضية تحمل اسمه. وبعد جهود عشرين سنة تقريبا، صارت "لي نينغ" ماركة مشهورة للمنتجات الرياضية في الصين وانضم لي نينغ إلى قائمة الصينيين الأكثر ثراء.
لي شياو شوانغ، الحاصل على ذهبية فردي الرجال للجمباز في أولمبياد أتلنتا، أسس هو الآخر شركة للمنتجات الرياضية سنة عام 1996. وفي سنة 1988 أنشأ لو يون، الفائز بذهبية حصان القفز في أولمبياد سيول 1988، شركة للتسويق الرياضي. وبعد اعتزالها أصبحت يانغ شي، عضو منتخب الصين الفائز ببطولة العالم للكرة الطائرة سنة 1981 وسنة 1982، صاحبة شركة للوساطة العقارية، وأقامت تشوانغ يونغ، صاحبة ذهبية السباحة الحرة 100 م للنساء في أولمبياد برشلونة عام 1992، شركة إعلانات. وأسست يانغ ون يي الفائزة بذهبية السباحة الحرة 50 م للنساء في برشلونة شركة للدعاية والإعلام الرياضي وفتحت نادي سباحة يحمل اسمها.
العمل بالسياسة
خلال فترة أولمبياد بكين، كانت دنغ يا بينغ الفائزة بأربع ميداليات ذهبية لكرة الطاولة في دورتين أولمبيتين وجها مألوفا في المؤتمرات الصحفية. دنغ حاليا نائبة رئيس القرية الأولمبية التابعة للجنة بكين المنظمة للألعاب الأولمبية، وهي واحدة من عدد قليل من اللاعبين المعتزلين الذين يعملون كمسؤولين للجنة بكين المنظمة للألعاب الأولمبية.
يختار عدد كبير من اللاعبين المعتزلين العمل بالحكومة بفضل إنجازاتهم البارزة ومعرفتهم عن الرياضة. على سبيل المثال، نائب رئيس مصلحة الدولة العامة للرياضة البدنية تساى تشن هوا كان بطل العالم لكرة الطاولة. لاعب الرماية شيوي هاي فنغ، الحاصل على ذهبية رماية المسدس في أولمبياد 1984، وهي أول ميدالية ذهبية تفوز بها الصين في الأولمبياد، يشغل حاليا منصب نائب مدير مركز إدارة الدولة لرياضة الدراجات والمبارزات. واللاعب شيونغ ني، الفائز بذهبية فردي السلم المتحرك 3 أمتار للرجال في أولمبياد سيدني عام 2000، يعمل نائب مدير مصلحة الرياضة بمقاطعة هونان.
مقارنة مع اللاعبين المعتزلين الآخرين، دنغ يا بينغ ليست الأعلى منصبا ولكنها الأفضل تعليما. أصبحت نائبة رئيس قسم القرية الأولمبية التابع للجنة بكين المنظمة للألعاب الأولمبية في مارس 2007 وصارت عضوا باللجنة الوطنية للمؤتمر الاستشاري السياسي للشعب الصيني في أوائل عام 2008.
في عام 1997، قررت دنغ يا بينغ، التي تربعت على عرش التصنيف العالمي ثماني سنوات، اعتزال لكرة الطاولة، وتقدمت لدراسة اللغة الإنجليزية في جامعة تشينغهوا المشهورة في الصين. لم تكن بطلة العالم تعرف كتابة حروف الإنجليزية، ولم تكن تفهم ما يقوله الأساتذة في المحاضرات، فتسجلها وترجع إلى القاموس تبحث كلمة كلمة. كانت تقضي 14 ساعة كل يوم في الدراسة، وبعد أشهر من الجهود حققت تقدما عظيما. في أوائل عام 1998 ذهبت دنغ يا بينغ في بعثة إلى جامعة كمبردج البريطانية لدراسة اللغة الإنجليزية، فبدأت مرحلة شاقة للدراسة خارج البلاد. بسبب ضعفها في اللغة الإنجليزية، بذلت دنغ يا بينغ جهودا مضاعفة حتى حصلت على شهادة الليسانس. اجتهدت دنغ في الدراسة حتى نالت درجة الماجستير من معهد بحوث القضايا الصينية المعاصرة بجامعة نوتينغهام البريطانية، وتدرس حاليا الدكتوراه في قسم اقتصاد الأرض بجامعة كمبردج البريطانية.
كتب خوان أنطونيو سامارانتش، رئيس الجنة الأولمبية الدولية السابق، في مقدمة رسالة الماجستير لدنغ يا بينغ: العالم يفتح أبوابه لك، إذ كان لديك المفتاح!
الاتجاه إلى التدريب
يعمل في مجال التدريب عدد كبير من اللاعبين الصينيين المعتزلين، ولكن تجربة لاعبة منتخب الكرة الطائرة السابقة لانغ بينغ خاصة ومميزة.
عندما كانت لانغ بينغ لاعبة في منتخب الكرة الطائرة الصيني، ساعدت الفريق في الفوز ببطولات عالمية خمس مرات، وحملت لقب "المطرقة الحديدية"، فكانت فعلا أسطورة في تاريخ الرياضة الصينية. خلال ثمانينيات القرن الماضي، كان منتخب الكرة الطائرة نموذجا لمختلف القطاعات في الصين، لدرجة أن صورة لانغ بينغ وهي تضرب الكرة وصورة منتخب الكرة الطائرة للنساء ظهرت على طوابع البريد والنقود والأوسمة التذكارية.
في عام 1985 اعتزلت لانغ بينغ، ولكنها ظلت تمارس أعمالا لها علاقة بالكرة الطائرة. في عام 1989 سافرت لانغ بينغ إلى إيطاليا لتلعب في أحد الأندية هناك. وفي عام 1990، عادت إلى الفريق الصيني للمشاركة في الدورة الحادية عشرة للبطولة العالمية للكرة الطائرة المقامة في بكين، وساعدت الفريق الصيني في الفوز بالميدالية الفضية.
بدأت لانغ بينغ مسيرتها مع التدريب منذ تسعينيات القرن الماضي. في عام 1995، عادت لانغ بينغ إلى الصين لتدريب فريق الصين للكرة الطائرة للنساء الذي كان مصنفا في المرتبة الثامنة عالميا. بعد سنة ونصف حصل هذا الفريق بقيادتها على الميدالية الفضية في أولمبياد أتلنتا عام 1996. وفي عام 1998، حصل على الميدالية الفضية في البطولة العالمية للكرة الطائرة، قبل أن تتركه لانغ بينغ.
في عام 2005، قبلت لانغ بينغ تدريب المنتخب الأمريكي للكرة الطائرة للنساء. وحسب صديق لها، كانت لانغ حائرة في هذا القرار خشية أن يؤذي تدريبها للمنتخب الأمريكي مشاعر الصينيين. ولكن في أحد استطلاعات الرأي على شبكة الإنترنت، عبر معظم مستخدمي الإنترنت الصينيين عن تفهمهم لموقف لانغ بينغ، وهذا التفهم والتسامح هو الذي شجعها على اتخاذ قرارها.
بقيادتها، تقدم الفريق الأمريكي بسرعة. ومن الواضح أن لانغ بينغ لعبت دورا رئيسيا في ذلك. في أولمبياد بكين عام 2008، فاز الفريق الأمريكي تحت قيادتها، بالميدالية الفضية.
دخول عالم الفن
بين الفن والرياضة ارتباط قوي. مع تنوع اختيارات العمل أمام اللاعبين المتقاعدين في السنوات الأخيرة، ازداد عدد اللاعبين الذين دخلوا عالم الفن ويتزايد ظهور نجوم الرياضة في الأوساط الفنية.
ليو شيوان، صاحبة ذهبية عارضة التوازن للنساء في أولمبياد سيدني 2000، هي أبرز نجوم الرياضة الذين ولجوا عالم الفن. ليو شيوان، ذات القوام الرشيق والوجه الجميل، اعتزلت الرياضة في نهاية عام 2001، ثم التحقت بجامعة بكين لدراسة الإعلام. خلال تلك الفترة، دخلت ليو شيوان الأوساط الفنية، حيث لعبت دورا في فيلم ومسلسلين، قدمت برامج رياضية وحفلات فنية مختلفة وظهرت في كثير من الإعلانات الخيرية والتجارية. وسجلت عددا من الأغنيات.
تيان ليانغ، الفائز بالمركز الأول للغطس من السلم 10 أمتار لفردي الرجال في أولمبياد سيدني 2000، نجم آخر دخل مجال الإعلام والفنون بعد اعتزاله سنة 2007. يانغ بوه، التي فازت بمسابقة عارضة التوازن للنساء في إحدى البطولات العالمية تقدم برنامجا موسيقيا في قناة تلفزيونية بعد اعتزالها وهي حاليا مطربة مشهورة. أما موه هوي لان، صاحبة الخمس ميداليات ذهبية في دورة الألعاب الآسيوية المقامة بهيروشيما باليابان عام 1994، فاختارت دراسة الإعلام، وهي حاليا مقدمة برامج في قناة فينيكس بهونغ كونغ.
سواء في التجارة أو السياسة أو الفن أو في الأوساط الرياضية، الفرص التي حصل عليها نجوم الرياضة أكثر من فرص اللاعبين العاديين، فإنجازاتهم وشهرتهم تساعدهم على اختيار العمل بعد الاعتزال. ويظل سؤال"ماذا بعد الاعتزال؟" مسألة قاسية للاعب العادي، خاصة الذي يفتقر إلى المعرفة والمهارات.
في أوائل عام 2006، أثارت الرأي العام قضية اللاعبة المعتزلة تسو تشون لان، الفائزة بالبطولة الوطنية لرفع الأثقال للنساء قبل بضع عشرة سنة، والتي حطمت الرقمين الوطني والعالمي في وزنها، ولكن تعليمها لا يتجاوز المرحلة الابتدائية، فعملت في حمام عمومي بعد أن اعتزلت الرياضة.
بعد أن سلط الإعلام الضوء عليها، اشترى لها اتحاد النساء لعموم الصين أجهزة للغسل بمائة ألف يوان (الدولار الأمريكي يساوي 8ر6 يوانات) كما ساعدها على فتح مغسلة بالبخار فانتهت حياتها الشاقة.
من أجل مساعدة اللاعبين العاديين المعتزلين مثل تسو تشون لان، رفعت الحكومة قيمة معاش التقاعد وميزانية التدريب المهني للاعبين المعتزلين بنسبة كبيرة. وفي سبتمبر 2007 بدأ تطبيق "القانون المؤقت لتوظيف اللاعبين المعتزلين" الذي يهدف إلى زيادة فرص التوظيف للاعبين المعتزلين. وحدد هذا القانون السياسات التفضيلية للاعبين المعتزلين عند التوظيف.
وصرح مسئول عن الموارد البشرية في الأوساط الرياضية بأن هناك قوانين جديدة لمساعدة اللاعبين المعتزلين في التوظيف.
