الصين: لم تتغير أم دائمة التغير؟!

لويز كاديو

شارع تشانغآن ببكين سنة 1980

الشباب يرتدون ملابس بأحدث موضة

  صفوف من السيارات الخاصة في شوارع بكين

"كلما تغيرت أكثر، كلما كانت كما هي"، هكذا نسمع دائما. في الصين، الأمر ليس كذلك. منذ بدء سياسة الإصلاح والانفتاح بها تغيرت الصين كثيرا وبسرعة عالية، مع محاولة الحفاظ على سماتها. ومنذ نجاح بكين في طلبها لاستضافة الأولمبياد، اكتشف الغربيون بدهشة الصين، حيث ظهرت البلاد وشعبها بطريقة لم يتخيلها الأجانب قط.

"عندما جئت إلى الصين أول مرة سنة 1986، كانت بكين مدينة خالية من ناطحات السحاب، وكانت الدراجات في كل مكان بالشوارع بل إن السيارات الرسمية كانت قليلة. كان إيقاع الحياة بطيئا، كان واضحا أن الناس لا يعملون بشقاء". هكذا قال لي صديق عاش في بكين لمدة سنة. وعندما وصلت أنا إلى الصين سنة 1994، لم يكن الوضع تغير كثيرا. ولكن كانت سيارات التاكسي متوفرة ورافعات البناء مشهدا شائعا والبنايات العالية تنتشر في كل مكان، حيث كان تحسين ظروف سكن المواطنين مهمة عاجلة. والحق أنه في ذلك الوقت كان العديد من الصينيين مكومين في شقق ضيقة.

كانت المؤسسات المملوكة للدولة أيضا فوق صفيح ساخن، حيث كان تشغيلها في حاجة إلى التحول إلى اقتصاد السوق. كانت الحكومة تدرس سبلا متعددة لهذا التحول دون الإضرار كثيرا بحياة العمال. كانت فترة للتجربة والخطأ. "شياهاي" أي النزول إلى نهر اقتصاد السوق لتحقيق الثراء، كان جاذبا للموظفين المدنيين بالاقتصاد المخطط السابق.

صرعة الاستهلاك

مع انقلاب القرن، مقترنا مع العولمة (التي وفرت مزيدا من المؤسسات والماركات الأجنبية) وانضمام الصين إلى منظمة التجارة العالمية سنة 2001، صار الربح، وليست الاعتبارات الاجتماعية، الغرض الرئيسي للمؤسسات الصينية، وصار الثراء بؤرة اهتمام الأفراد. عندئذ دخل المجتمع الصيني دوامة التنمية وغلبت عليه النزعة الاستهلاكية. وجذبت البورصة كثيرا من الصينيين الذي رأوا فيها طريقا سريعا إلى الثراء. اشترى العديد منهم شققا جديدة  وحلت المتاجر الحديثة محل الدكاكين القديمة وتوقفت المطاعم عن الإغلاق في الليل لاستقبال روادها الذين صاروا يأكلون في وقت متأخر. صارت بكين مدينة دولية، ليس من الضروري أن تمضي المساء فيها أمام جهاز التلفاز.

التنمية المادية هي التي أدهشت الأجانب الذين عاشوا في الصين فترة من الزمن. قال لي صديق: "قبل 11 سنة، عندما وصلت الصين كنت أرى السيارات سانتانا فولكس فاجن الزرقاء أو الداكنة فقط. اليوم صارت السيارة في مقدور أفراد الطبقة الوسطى بالصين، والاختيار متوفر للمستهلكين من بين الماركات الموجودة في العالم وبأحدث الموديلات. ونفس الشيء بالنسبة للبنايات. قبل عشر سنوات كانت حركة المعمار قوية ولكن معظم البنايات كانت مكررة، اليوم تأتي معظم المدن الصينية بأشهر مهندسي العمارة في العالم لإعادة بنائها.

إذا أدهش المرء الجانب الإيجابي للتنمية، لا أحد يستطيع أن يغض الطرف عن المشاكل التي خلقتها سرعة التنمية: التلوث، التفاوت بين المدن والمناطق الريفية، وبين "الأثرياء الجدد"  والفقراء. ولكن لا بد أن نقول إنه منذ انتهاج الإصلاح والانفتاح، نجحت الحكومة فعلا في انتشال الملايين من الفقر. والآن، ومع العمل على تطبيق شبكة ضمان اجتماعي، تسعى الحكومة لخلق تنمية متوازنة، كونها السبيل الوحيد إلى المجتمع المتناغم الحقيقي، وتلك مهمة لم تنته بعد.

تحول الفكر

كانت السنوات الثلاثون المنصرمة ساحة كثير من التغيرات المادية. قال لي زميل سابق: "ارتفع راتبي، وضعي تغير أيضا. قبل الإصلاح كان المثقفون لا ينظر إليهم بكثير من الاعتبار، بعد ذلك، صرت حقا عاملا مؤهلا تماما". والحق أنه في العديد من المجالات تغيرت عقلية وعادات والصينيين خلال تلك السنوات. لم يعد العالم الغربي خيالا أو أسطورة. كانت الخطوة هامة إذا تم الحكم عليها بقول واحد من الصينيين الذين يعيشون حاليا في الخارج. "قبل 30 سنة اكتشفت مجلة على مكتب صديق لي. المجلة وعنوانها شيجيه تشيتشوانغ (نافذة على العالم)، ذات صور بيضاء وسوداء بينت البيئة الطبيعية للقارات الأخرى والناس الذين ليسوا مثلنا في العيون والشعر، ومن المقالة عرفت أنهم لا يأكلون الأرز في كل وجبة مثلنا ولا جياوتسه في رأس السنة." كان الناس قبل عشر سنوات يبحلقون في الغربيين بالشوارع، الآن يمكنهم السير دون أن ينتبه لهم أحد في المدن الكبيرة. وبفضل الإعلام والاتصال المباشر مع الناس من كل الجنسيات، هناك علاقات طبيعية وتبادلات مثمرة بين الصينيين والآخرين.

على الرغم من تأثير عدد كبير من العادات الغربية (اللباس، الطعام، الخ)، هناك افتخار متزايد في إمكانيات الأمة الصينية يبزغ بين الناس. لم يعد كونفوشيوس محقرا ويدرك الناس أن الثقافة الصينية الكلاسيكية قد تكون مفيدة، ربما بنفس قدر تعلم اللغة الإنجليزية الشائعة جدا. صار عدد متزايد من الناس واعيا بالمشاكل التي تواجه البلاد ويشاركون في البحث عن حلول لها. مشكلة البيئة والأهمية المتزايدة للمنظمات غير الحكومية المرتبطة بتلك المسألة نموذج جيد.

ختاما، على الساحة العالمية، تؤكد الصين بقوة مكانها، وبالمثل خلال هذه العملية من الانفتاح التي تشارك الصين خلالها على نحو متزايد في التبادلات بين المؤسسات والأفراد، العالم الغربي يكتشف أيضا الصين التي عليه أن يعيش معها. وخلال سنوات قليلة، هل سنكون في صين لا متغيرة، الصين التي وصفت على مدى قرون، أم صين دائمة التغير؟ الآن، يمكن أن يقول المرء مؤكدا إن هناك دائما ناسا يؤدون تايجي كل صباح باكر، ويغنون أوبرا بكين في الحدائق العامة. الأجداد والجدات يحرصون على ترابط الأسرة، التي هي قيمة أساسية في الصين، ومازالوا يتولون بالرعاية أحفادهم، بينما يكدح الآباء الشباب نتيجة الضغط المتزايد الذي يفرضه نمط الحياة الغربية.  

 

 

Address: 24 Baiwanzhuang Road, Beijing 100037 China
Fax: 86-010-68328338
Website: http://www.chinatoday.com.cn
E-mail: chinatoday@chinatoday.com.cn
Copyright (C) China Today, All Rights Reserved.

فرع مجلة ((الصين اليوم)) الإقليمي للشرق الأوسط بالقاهرة
رئيس الفرع: حسن وانغ ماو هو
العنوان: 5 شارع الفلاح، المتفرع من شارع شهاب
- المهندسين- الجزيرة- مصر
تليفاكس: 3478081(00202)
  ص.ب208 – الأورمان – الجزيرة – القاهرة – مصر
   الهاتف المحمول: 0105403068(002)
البريد الإلكتروني: kailuofenshe@yaoo.com.cn