الفرعون يحلم بعرش اليونسكو

بيت فاروق حسني متحف فني ينتمي لكافة الحضارات

فاروق حسني الفنان التشكيلي

مقابلة بين فاروق حسني وكاتب المقال عادل صبري

وزير الثقافة المصري لـ((الصين اليوم))

العالم يحتاج إلى حوار هادئ بين أصحاب الأديان والحضارات

أمارس الفن باحتراف والسياسة مجرد هواية

لو فشلت في اليونسكو سأعود للفرشاة ورسم أحلام الطفولة

الجسور بين مصر والصين الآن أقوى من الماضي

حوار وتصوير

عـادل صـبري

مع إطلالة شهر أكتوبر الماضي بدأ العالم يشهد ماراثون اختيار مدير عام جديد لمنظمة اليونسكو، يتحمل مسئولية التقارب الثقافي بين الشعوب على مدار سنوات خمس تبدأ عام 2009 وحتى 2013. هذا السباق الذي تهرول فيه شخصيات بارزة من الشرق والغرب والعرب والعجم، يأتي على خلفية علاقات ساخنة ومتوترة أحيانا بين الحضارات الشرقية والغربية، بل بين أصحاب الألسنة والأديان الواحدة في كثير من الأحيان. ويلقى هذا الزخم الثقافي بظلال رمادية على مشهد الانتخابات التي علت أصواتها قبيل بدء الماراثون، بعدة أشهر برزت فيها قيمة المناورات والكتل السياسية على المستويين الدولي والإقليمي، فلم تعد قدرة المرشح على العطاء هي العنصر الحاسم لهذا الماراثون بقدر امتلاكه لعلاقات متعددة بين حاملي الثقافات المتنوعة وأصحاب المصالح والحقوق والمظالم الذين يتطلعون إلى أن تصبح منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة "اليونسكو" هي البوتقة التي تنصهر فيها بحق كل الثقافات والقيم الإنسانية النبيلة.

في هذا الحوار نلتقي بأحد المرشحين لمنصب مدير اليونسكو، وهو وزير الثقافة المصري الفنان فاروق حسني الذي ينافس على المنصب زميلته العربية عزيزة بنان المندوب الدائم للملكة المغربية في اليونسكو والمرشحين البرتغالي والياباني.

ويخوض فاروق حسنى معركة اليونسكو وسط جدل عربي كبير حول إمكانية تنازل أحد المتنافسين العرب لأحدهما في اللحظات الأخيرة، كي تكون المعركة الفاصلة بين عربي وأحد الأعاجم من البرتغال أو اليابان، ومخاوف من أن يصاب الوزير الذي تربع على مقعده نحو 22 عاما بهزيمة تعيده إلى منزله خالي الوفاض، وفقدان الأمل في تبوأ هذا المنصب الدولي المهم الذي لم يصل إليه عربي من نشأة المنظمة عام 1945.

عندما توجهنا إلى منزل فاروق حسني وشاهدنا بساطة المكان الذي يقطنه على ضفاف النيل غرب العاصمة، قبل الدخول إلى ردهاته، اعتقدنا أن استقبال الوزير لنا في الحديقة الصغيرة المؤدية للمدخل الرئيسي والجلسة على النيل ستكون آخر اللقطات الجميلة التي نراها في هذا المكان المحاط بمنازل بسيطة يقطنها مئات الفقراء المصريين. عند دخولنا القاعة الرئيسية للمكان، وجدنا أنفسنا في متحف فني ينتمي لكافة الحضارات، فبين اللوحات السيريالية والطبيعية التي تنتمي لمدارس أوربية عريقة تتناثر التحف الصينية والمصرية والإيطالية والأسبانية الراقية. وتدهش عندما يستقبلك في مدخل البيت نسخة من القرآن الكريم كتبت بخط اليد، وعلى جوانبها تماثيل لآلهة اليونان, وتتراص فوقها مئات الكتب التي جاءت من نفائس المكتبات في الغرب والشرق. وتشم بين روائح المكان نسمات النيل العليلة والعطور الباريسية الفواحة والبخور الجاوي والهندي والصيني العتيق وكأننا على موعد مع التاريخ حيث يكتب، ومع أجواء احتفالات وطقوس لآلهة هلت على المكان من كل صوب وحدب.

· الصين اليوم : لماذا دخلت ماراثون الانتخابات في وقت تشن الحروب باسم الأديان وترغب دول في الهيمنة على أخرى باسم صراع الحضارات؟.

· عَلمَنا التاريخ أن الدول لا تقاس حضارتها بفترات زمنية قصيرة، فالحضارة تحسب بالقرون وعندما تسقط حضارة من حسابات الأمم لفترة محدودة ثم تعود كما فعلت الحضارة الصينية بأن تدفع بأجيال جديدة وأن تظهر شبابها المتجدد فإن ذلك ينم عن رغبة في إحياء الحضارات وليس رغبة في تأجيج صراع ما بين الدول أو الثقافات. ونحن في هذه الفترة من التاريخ لا نحتاج إلى حوار بين أصحاب الحضارات فحسب بل بين المؤمنين بكافة الأديان وأصحاب الأفكار والمبادئ الإنسانية، وليس علينا سوى إظهار الأرضية التي تقف عندها كافة الأفكار والأديان كي نتصالح مع أنفسنا والطبيعة، كي ينظر الأغنياء إلى الدول الفقيرة، وتولي الدول المكتظة بالأموال وجهها شطر الدول المحتاجة إلى المساعدة. ولابد أن يتصالح الفرد مع الآخر وأن يعرف المجتمع الفقير كيف يقدم خدمة للأغنياء، وكيف يغدق المجتمع الغني على الفقير.

· الصين اليوم : كيف ستدير حوارا بين الحضارات وأنت قادم من هوية عربية إسلامية ومجتمع وصمه الغرب بالتشدد ويتخذه عدوا لحضارته؟.

· الاختلاف مع الآخر يخلق التجديد ولا يجب أبدا أن يتجه نحو الصراع، وكسب المعركة في الخارج يحتاج إلى الفوز بها في الداخل أولا، فالدور الذي سنقوم به يعتمد على ما قمنا به من قبل في الداخل، من مواجهات مع الفتاوى المتشددة والقدرة على التغيير في العقل الإنساني على المستويين المحلي والإقليمي حيث واجهنا مصادمات فكرية عديدة. فنحن دولة بها مسلمون ومسيحيون تربينا على احترام كل طرف للآخر, وأن يحترم كل واحد بعقيدته وأن يحتفظ بشخصيته وتدينه القوى الذي يريده وليس كما يريده الآخر. صحيح أن المجتمع العربي والمصري بخاصة شهد انقساما وتنافسا في التدين الشكلي وحب المظاهر والرغبة في الثراء والتي خلقت هوة بين أبناء المجتمع الواحد ولكن هذه الأمور طالت العديد من المجتمعات وانعكست على رغبة كل مجموعة في العيش في عزلة عما حولها، وهذا ما يجعلنا راغبين في استكمال المواجهة مع الهوية المتشددة مع الذات والآخر حتى لا يكون انعكاس هذا السلوك به خطورة على مستقبل الدول والبشرية بأسرها.

· الصين اليوم : لماذا ظهر الانقسام العربي حول منصب مدير اليونسكو؟.

· كان يجب على الدول العربية أن تتفق على شخصية عربية واحدة تنافس على هذا المنصب الدولي وخاصة أن العرب هم أحق بهذا المنصب الذي لم يتولونه منذ إنشائه قبل نحو 60 عاما. وقد تلقت مصر تأييدا لمرشحها من عمان وقطر والبحرين وفرنسا وتونس والجزائر والسودان والعراق وفلسطين وسوريا واليمن بالإضافة إلى دعم من الدول الأفريقية والأمريكية، وأخرى لا يمكن أن تعلن موقفها إلا عند التصويت لأسباب متعلقة بظروف خاصة بها. وعلى كل حال هي الانتخابات في نهاية الأمر، وليكن ما يكون وليفوز الأفضل الذي سيختاره أعضاء المنظمة.

· الصين اليوم : ألا تخشى الهزيمة فتفقد فوزا دوليا أو منصبك الذي تتولاه منذ 22 عاما؟.

· كنت دائما أحدد أقداري ومدة بقائي في المناصب التي أتولاها في العمل الرسمي والعام . وقد حاولت خوض انتخابات اليونسكو قبل 5 سنوات مضت، حتى أترك عملي بالوزارة، خاصة أن الظروف الدولية كانت أكثر تهيئا لقبولي في هذا المنصب، ورفض الرئيس مبارك تركي لمنصبي لوجود عدة مشروعات قومية قائلا: "عليٍ أن أنفذها أولا قبل الخروج من الوزارة". ولذلك لم استطع تحديد قدري في مدة تولي الوزارة أسوة بما كنت أفعل في حياتي. وعندما تلقيت مؤخرا مكالمة من الرئيس مبارك يخطرني فيها أنه رشحني لليونسكو باسم الدولة رسميا، كنت أعلم أن المسألة ستحتاج إلى جهد كبير لإنجاز المهمة، ومع ذلك لا أخشى الهزيمة ولا يجب أن يعرف الفرد الانسحاب عن مهمة فرضها الوطن عليه أو لمجرد أن هناك ما يحتاج إلى عطائك. كل ما أخشاه أن تؤثر الهزيمة على بلدي، أما أنا فسأعود إلى حرفتي كفنان تشكيلي وأعود إلى ذاتي وحياتي الحقيقية، ولن أشعر بغصة في حالة عدم الفوز بقدر حزني على أن مصر لم تحصل على هذا المنصب لأنها تستحقه .

· الصين اليوم: ألا يقلقك وجود اليابان والبرتغال كمنافسين على هذا المنصب؟

· دخلت اليابان حلبة المنافسة بما تملكه من قدرات مادية، حيث تمول نحو تلث ميزانية اليونسكو، والبرتغال تدعمها العديد من الدول الأوربية وفي أمريكا الجنوبية، ولكن مصر لديها العديد من الأصدقاء في الوسط العربي والأفريقي وما تملكه من تراث حضاري مشترك مع الصين وغيرها من الدول التي ترفض هيمنة قوى كبرى على المنظمات الدولية المهمة. والمنافسة عملية مهمة، حيث تدفع إلى الحراك الإنساني والاجتماعي والثقافي وتدفع الإنسان إلى تقديم أفضل ما عنده كي يرضي الآخرين، والنجاح بدون المنافسة لا يكون له طعما وفي نهاية الأمر الدول ستقول رأيها عند التصويت الذي يتم بالاقتراع السري المباشر ليس للشخص نفسه فحسب ولكن لاعتبارات دولية ومصالح بين الناخبين ومواقف الدول وليس بقدراتها المادية فقط.

· الصين اليوم: كيف تجمع بين شخصية الفنان التشكيلي والوزير المشاكس على مدار عقدين كاملين؟.

· أنا فنان محترف الفن والسياسة بالنسبة لي هواية، عندما أكون في بيتي أو مرسمي استدعي في عمل الطفل المبدع وأحلامي التي تعبر عن أفراحي وأحزاني . فالفن قدري أما السياسة فلا أحب أن أمارسها باحتراف، وأرسم بتحد كي أتواجد على الساحة الفنية محليا ودوليا، واحتفظ بعلاقات واسعة في كل الدول لأن الذين يتذوقون فني هو سندي في الحياة، فهؤلاء هم قراء أفكاري والذي سيصلهم ما أؤمن به خاصة إذا كان الفن يعبر عن أفكار متجددة ويحدد طريقا متفردا لا يتوقف عن التقليد والمحاكاة لأعمال الآخرين.

· الصين اليوم: ألا يتناقض ذلك مع رجل يسعى إلى التنافس السياسي على منصب دولي خطير؟.

· عندما يكون عندك ما تقدمه للآخرين فأنت تتعامل مع الأمور ببساطة فتمارس الموهبة السياسية باحتراف، بما يتواءم مع ما تفعله فلا تنشغل بالعمل السياسي عن هدفك الرئيسي، فالعمل السياسي ليس جسرا للمرور عليه من أجل شيء ما ولكنه أمر حتمي تخطوه في الحياة من أجل هدف إنساني أسمى وواجبات تفرضها عليك ثقافتك وآمالك التي تكنها تجاه البشر جميعا.

· الصين اليوم: لماذا اتجهت غربا طلبا للعون في الانتخابات ونسيت الشرق؟.

· كثرت أسفاري في الآونة الأخيرة طلبا للدعم السياسي في الترشيح لمصب مدير اليونسكو وتصادف أن أغلب السفريات كانت إلى أوربا والدول العربية، مع ذلك عندي جدول زيارات ضخم للعديد من الدول الأسيوية والأفريقية وغيرها أتمني أن أنجزه وأن يساعدني زملائي في الوزارة في استكماله . وستكون الصين بالتأكيد إحدى المحطات المهمة التي نسعى للحصول على دعم منها، بما نملكه من علاقات متينة بين الشعبين وأقدم حضارتين في تاريخ البشرية. ولا تنسوا أن السنوات الماضية شهدت تكثيفا للتعاون الثقافي مع الصين حيث شاركت عدة مرات في افتتاح فعاليات مهرجان شعبية وأفلام بالصين ومصر خاصة في العامين الأخيرين الذين شهدا تقاربا غير مسبوق في العلاقات بين الدولتين الكبيرتين.

في نهاية الزيارة لاحظنا أن العديد من الصحف الأوربية تطلق على الوزير فاروق حسني "الفرعون"، ربما رغبة في تمييزه عن غيره من المرشحين أو منحه لقبا يتناسب مع ثقل مصر التاريخي ولكن هذا الفرعون الذي ودعنا على باب منزله المتحفي رفع يده طالبا العون من بكين والعرب كي يفوز بعرش اليونسكو قبل حلول العام الجديد.

Address: 24 Baiwanzhuang Road, Beijing 100037 China
Fax: 86-010-68328338
Website: http://www.chinatoday.com.cn
E-mail: chinatoday@chinatoday.com.cn
Copyright (C) China Today, All Rights Reserved.

فرع مجلة ((الصين اليوم)) الإقليمي للشرق الأوسط بالقاهرة
رئيس الفرع: حسن وانغ ماو هو
العنوان: 5 شارع الفلاح، المتفرع من شارع شهاب
- المهندسين- الجزيرة- مصر
تليفاكس: 3478081(00202)
  ص.ب208 – الأورمان – الجزيرة – القاهرة – مصر
   الهاتف المحمول: 0105403068(002)
البريد الإلكتروني: kailuofenshe@yaoo.com.cn